موسوعة المسرح العربي.. قراءة تأملـــية في انطلاقة أب الفنون
المصدر:
- مرعي الحليان - التاريخ: 01 أبريل 2012
تمثل "موسوعة المسرح العربي"، كتاباً موسوعياً مهماً، شارك فيه 13 باحثاً ومسرحياً وإعلامياً، انجزوا ملخصات عن الحراك المسرحي في البلدان العربية، وعلى الرغم من أن هذه التجربة قد سبقتها تجارب توثيقية مستفيضة بحثت في جذور البدايات المسرحية العربية وظواهرها الأولى، .
وتسجيل علاماتها ومحطاتها التاريخية، إلا أن موسوعة المسرح العربي التي تبنتها مجموعة مسارح الشارقة، تأتي لتضيف الى مكتبة المسرح العربي، قراءة مغايرة، لأن المشاركين في هذا الرصد والتوثيق الجديدين، نظروا الى المسرح من زوايا تخصصاتهم المختلفة، ففيهم المخرج المسرحي، والصحافي، والأديب، والكاتب.
يأتي تقديم الجهة التي تبنت إصدارهذا الكتاب - الموسوعة (مجموعة مسارح الشارقة سابقاً)، في صيغة متمايزة، إذ تقول في تقديمها للكتاب: "إن التصدي لتاريخ المسرح في جميع بلدان الوطن العربي، يعتبر أمراً ليس بالسهولة بمكان، ومع ذلك فإننا أخذنا على عاتقنا دعم هذا العمل لقناعتنا بأن العمل الموسوعي هو فعل حضاري، يحفظ المعلومة من الضياع، ويقدم للأجيال ثروة من المعارف".
جسر تواصل
تتصدر كتاب "موسوعة المسرح العربي أيضاً، كلمة لأسرة التحرير، المكونة من 13 كاتباً، إذ تشير فيها أسرة التحرير، الى ان المسرح العربي يعاني، وهو يتجاوز في عمره المئة والخمسين عاماً، من نقص شديد في المعلومات، التي تتعلق بنشأته ونموه وتطوره ومفرداته كافة، من كتاب وممثلين ومخرجين وفرق مسرحية ومهرجانات وأنشطة، مؤكدة انه انعكس ذلك غياباً في معرفتنا للمسرح العربي الآخر، والاطلاع على دورة حياته، وبالتالي الانقطاع المعرفي فيما بين هذه التجارب المسرحية عن بعضها البعض.
وتضيف اسرة التحرير: " من هنا جاءت فكرتنا في تقديم عمل موسوعي عن المسرح في كافة البلدان العربية، بحيث نتيح للقارئ والباحث والمسرحي، فرصة الاطلاع على تلك التجارب كافة وتوظيفها والاستفادة منها، لتكون هذه الموسوعة جسراً بين جميع التجارب المسرحية عبر تاريخها.
يسلسل كتاب "موسوعة المسرح العربي"، أبوابه وموضوعاته حول تاريخ الحركات المسرحية في البلدان العربية، بناء على أقدمية الفترة التي نشأ فيها المســـرح، وكيفية حركة انتقاله بين البلدان العربية، حيث يتكئ الكتاب في منهجية ترتيب أولوياته، على هذه الأسبقيــة التاريخيـــة، فيأتي المسرح في بلاد الشام متقدماً، وكأول بلاد عرفت المسرح مع مارون النقاش وابي خليل القباني، ذلك في منتصف القرن التاسع عشر، ثم انتقال التجربة الى مصر والسودان. ومنها الى دول المغرب العربي.
ومن ثم، بعد ذلك، دول مجلس التعاون في الخليج العربي، إذ تأتي في الترتيب الأخير، بحكم معرفتها الحديثة نسبياً لفن المسرح. ويخصص كتــاب "موسوعة المسرح العربي" جزأه الأخير لظاهرة مسرحية لافتة في الساحة المسرحية العربية، وهي ظاهرة مسرح صاحب السمــو الشيـــخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة.
المسرح في سوريا
يرصد كتاب "موسوعة المسرح العربي" تاريخ ونشوء الحركات المسرحية في بلاد الشام والعراق، عبر المرور على التجربة المسرحية السورية واللبنانية والأردنية والعراقية، مخصصاً مساحة مناسبة لحركة المسرح الفلسطيني التي كرست فنها من أجل خدمة القضية الفلسطينية، وانطلاقاً من المسرح السوري يتناول الكتاب تأثير الأشكال الفنية الأولى في التراث العربي.
والتي أصلت للمسرح في سوريا، ومنها خيال الظل او ما يسمى بـ "كراكوز وعيواظ"، والذي كان يقدم في أوائل القرن، في منتصف القرن التاسع عشر، ويعرج الكتاب على البدايات التي اصلها ابو خليل القباني، في الفترة " من 1844 والى 1902".
حيث جاءت التجربة نتيجة مخاضات فكرية وفنية واجتماعية للواقع السياسي، وكان القباني يتقن الموشحات الدينية، والموسيقي، وكتابة الازجال وشاهد الفرق المسرحية التي كانت تزور دمشق في تلك الفترة من الزمن، وليؤسس بعد ذلك فرقة تمثيل صارت تقدم اعمالها للجمهور. ثم يرصد الكتاب تأثيرات الثورة السورية الكبرى 1925 وتأثيرها على الحركة المسرحية، ومن ثم تأسيس فرق مسرحية مختلفة.
ومن ثم يضيء الكتاب في مساحة مهمة، على تأسيس فرقة المسرح الحر في العام 1956، كما يرصد الاعمال المسرحية التي قدمتها فرقة مسرح الشوك، وتكوين الفرقة القومية للتمثيل بإشراف مديرية الفنون فـــي وزارة الثقافــة والارشاد القومي في العام 1959، والتي انطلقت عروضها بمسرحية "براكساجورا"، وهي من اقتباسات الاديب الراحل توفيق الحكيم عن ارسطو. وفي هذه المرحلة يتناول الكتاب ظروف التأسيس الصعبة التي واكبت حضور المسرح في حياة المجتمع السوري.
مسرح " التعليم والتقدم"
يكمل الكتاب مسير بحثة في الحراك المسرحي في بلاد الشام والعرق، مستعرضا منجزات التجربة في لبنان، والتي ولدت على يد مارون النقاش "من 1817 وإلى 1855"، والذي جلب معارفه المسرحية من خلال تجواله وسياحته في ايطاليا.إذ ولد المسرح في لبنان، تحت شعار "التعليم والتقدم".
ويتناول الدور الذي لعبته المهرجانات الفنية، مثل مهرجان بعلبك في تأصيل المسرح، مرورا بدور المسرحي منير اودبس . وانتهاء بأدوار مسرحيين من امثال يعقوب الشدراوي الذي درس المسرح في موسكو، وريمـــون جباره الذي كتب للمسرح اللبناني، وشكيب خوري، وكذلك دور محترف بيروت للمسرح الذي اسسه روجية عساف ونضال الاشقر في العام 1968.
المسرح الفلسطيني
يحتفي كتاب "موسوعة المسرح العربي" بولادة المسرح في فلسطين، حيث يبرز المناخ الديني في مدينة القدس، كأحد المؤثرات على ولادة المسرح. إذ انتشر تعليم فن المسرح في المدارس. ومن تاريخ انطلاقات المسرح الفلسطيني، يرصد الكتاب الأوضاع بعد الاحتلال الانجليزي لفلسطين.
وبدأت الفرق المسرحية الانجليزية في تقديم عروضها، وحينما تأسست الإذاعة الفلسطينية في العام 1936، قامت فرقة الجوزي التي يمثلها نصري وجميل وفريد، بتقديم مسرحيات إذاعية، تعالج قضايا اجتماعية مختلفة. ويشير الكتاب إلى مفصل مهم في الحركة المسرحية الفلسطينية، حين شهد العام 1948، استلاب الوطن الفلسطيني الأمر الذي تشتت فيه شمل فناني المسرح الفلسطيني، وهاجر معظمهم الى الاردن.
حيث بدؤوا نشاطا مسرحيا فلسطينيا هناك. ومن الاسماء البارزة التي نشطت لاعادة الحياة الى المسرح الفلسطيني، صبحي الداموني واديب جهشان الذي كان من ابرز عناصر "المسرح الناهض". واما نصير الجوزي والذي كان له الاثر البارز في توثيق حياة المسرح الفلسطيني، عبر تأليف أول كتاب توثيقي " تاريخ المسرح الفلسطيني".
فقد عاش في دمشق بعد النكبة، وحتى وفاته في العام 1996. وقد أصدر العديد من المسرحيات التي مثل بعضها في فلسطين والبعض الاخر في المنفى. ولقد فرضت النكبة على المسرح الفلسطيني، جوا خانقا، كما يذكر الكتاب.
وكان من سماته الضياع والشتات. ويؤشر كتاب "الموسوعة العربية للمسرح"، الى تأثيرات ما يسميها بالمرحلة الثالثة، بعد انطلاقة الثورة الفلسطينية، إذ تأثر المسرح الفلسطيني باحداث درامية كبيرة، ومنها هزيمة حلف بغداد "1955" وفشل العدوان الثلاثي على مصر، ما ادى الى تصاعد النشاطات الجماهيرية السياسية والثقافية، فظهرت فرقة المسرح الشعبي في الناصرة "1964"،.
ومجموعة انصار المسرح الحر والمسرح الناهض في حيفا، والمسرح البلدي في الرامة، واقتصرت العروض على مسرحيات مستوردة. ومن الفرق التي اشتهرت في فلسطين أيضا فرقة مسرح "بلالين" وفرقة "دبابيس" وفرقة "كشكول". وفرقة المسرح الحي وفرقة المسرح الفلسطيني.
يعرض الكتاب لحركة المسرح الاردني، والذي تأثر بالمسرح الفلسطيني، نتيجة هجرة المسرحيين الفلسطينيين، ولكن الجذور الأولى تعود إلى العام 1918، في مدينة مأدبا، حيث قدمت عروض المسرح على يد كاهن يدعى انطون الحيحي، والذي كان يتكلم بأربع لغات. وهي : العربية والإيطالية والفرنسية واللاتينية. وكذلك على يد العلامة روكس بن زائد العزيزي.
حيث انشأ الكاهن الحيحي، جمعية الناشئة الكاثوليكية العربية، وقدم من خلالها، عدة اعمال قام بها بدور المؤلف والمخرج، ومنها: الملاك والشيطان، هات الكاوي يا سعيد، الاميران الاسيران والدبابيس. كما عرض الكتاب لمرحلة التطور التي مر بها المسرح الاردني في العام 1950، حيث تشكلت فرق اردنية للمسرح والسينما، و كان لنادي مخيم الحسين، الاثر الكبير في مسيرة الحركة المسرحية الاردنية، إذ قدم العديد من المحاولات، مثل: "يأس وفرج" و"غلط في المنزل"- من اخراج ابراهيم الخطيب.
المسرح المصري
يعود كتاب "موسوعة المسرح العربي"، بانطلاقات المسرح المصري، الى مصر في عهد الفراعنة ودور المعابد والطقوس في تأصيل الفرجة وولاداتها "450 ق م"، مثل الشعائر المحجبة التي تقام لعبادة الاله اوزوريس. وكذلك العروض الدرامية خارج المعابد والاحتفالات الصاخبة، والتي تقام في المناسبات الملكية. ويتناول الكتاب دور شمس الدين بن دانيال الموصلي، في الفترة 665 الى 711 هجرية.
والذي مارس فن المخايلة الذي يجمع بين التمثيل والكتابة. ثم ينتقل الكتاب الى مقدم المسرح الغربي الى مصر في القرن التاسع عشر، ودور فرقة سليم المنقاش، في تقديم العروض التي اسهمت في تأصيل المسرح في حياة الناس. ومن ثم يعرض الكتاب، للدور البارز الذي قاده رموز الفن والحركة المسرحية في مصر، ومنهم: يوسف ادريس، سعد الدين وهبه،.
ومحمود دياب واحمد الشرقاوي وصلاح عبدالصبور ونجيب سرور وسعد اردش. وبعد رحلته في المسرح السوداني التي يؤشر اليها بمسرحية قدمت امام الحكمدار، خلال امتحانات في مدرسة، في عام 1881، حيث حضر برفقة الاعيان وقام طالبان، وهما طه وحسين، وكان احدهما يمثل ابا يزيد السروجي، والآخر هو الحارث بن همام، في لهجة عربية فصحى وبأصوات تمثيلية.
كما يقدم كتاب "موسوعة المسرح العربي"، تفصيلا عن انطلاقات المسرح في بلاد المغرب العربي، وغن أشهر المسرحيات والمحطات التاريخية والمؤثرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، التي ساهمت في تحولاته، ويعرض الكتاب للتجربة المسرحية في المغرب، وفي الجزائر وليبيا وتونس. كما يكشف عن التأثيرات التي طالت المسرح العربي هناك، نتيجة تأثير المسرح الاوروبي، الامر الذي ساهم في تطور المسرح في بلاد المغرب العربي وشكل تميزه الحاضر للعيان اليوم.