(حبّةُ نسيان/ ربيع دهام)
"أنتَ تنسى".
هذا ما قاله لي الدكتور سعيد مجاعص لمّا زرته في عيادته بشارع تركي ببرج حمود، يوم 7-7-2022،
في تمام الساعة 4:23 مساءً.
طبعاً، قد يسألني سائلٌ:
"كيف تذكر العنوان والتاريخ والاسم وأنت، كما قال الدكتور، تنسى؟".
أجبت صديقي السائل من دون تردّد:
- أركاليون فورت
- ماذا؟!، سألني مشدوهاً.
- آه. هو دواء لتنشيط الذاكرة.
ويهزُّ السائلُ رأسَه متفهِّماً ويقول:
- وكيف عرف أنّك تنسى؟ عبر جهاز تصوير بالرنين المغناطيسي؟
- لا، أجبته.
حثَّ دماغه على العمل وقال:
- عبر صورة بالأشعّة السينيّة؟
- لا
- عبر التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني؟
- لا
صمت قليلاً. حكَّ جلدة رأسه بسبّابة يده اليمنى، ثم خمّن:
- عبر تصوير طبِّي بأشعة غاما؟
- لا
- عبر موجات فوق صوتيَّة؟
- لا
- عبر التصوير البشري المنتشر؟
- لا
وفيما راحت تطفو على وجهه رويداً رويداً علامات الاستسلام المضطرب، ضربَ المنضدة بقبضته الحديديَّة وصاح:
- كيف عرف إذن؟!
بكل هدوءٍ أجبتُهُ:
- حين دخلتُ العيادة ووقفت أمام الدكتور، سألني:
"ممّا تشكو؟". فتسمّرتُ أمامه مثل التمثال الأبله.
قاطعني صديقي السائل قائلاً:
- هذا ما أعرفه. قُل لي شيئاً لا أعرفه.
- تقصد عن زيارتي للدكتور؟
- لا. أقصد عن كونك أبلهاً، أجابني.
رمقته بنظرةٍ ساخرة، ومن دون اكتراثٍ أكملتُ قصّتي:
المهم. تسمّرت أمام الدكتور أحاول أن أستذكر السبب الذي أتى بي إليه. ولمّا عاد وطرح الدكتور عليّ السؤال: "ممّا تشكو؟"، قلتُ له: "نسيت!".
- نسيت؟، صاح صديقي متعجّباً. ثم كرّرها صاعداً بصوته درجات السلّم الموسيقى كأنّه عدّاء في القفز العالي: "قلتَ له نسيت؟!".
أومأت برأسي إيجاباً.
- ولهذا أعطاك الدكتور ذاك الدواء اللعين؟، سألني.
- نعم، قلتُ له.
- وماذا الآن؟، سألني صديقي.
لم أفهم السؤال:
- ماذا تقصد؟، سألته.
أجابني بنفاذ صبرٍ:
- كونك قد شفيت من داء النسيان، لماذا تريد الذهاب غداً إلى الدكتور؟
أجبته:
- لأنني أحتاج الدواء
- دواء؟! لكنك قلتَ لي أنّك شفيتَ من داء النسيان.
- نعم شفيت. ولهذا أريد الدواء
كزَّ صديقي على أسنانه، ثم أطلق العنان لثيران حروفه الهائجة:
- أحلف بالأنبياء بالقدّيسين. بالجنّة بالبرزخ، بجهنّم الحمراء. لم أفهم منك شيئاً! كيف تريد دواء لتتذكّر وأنت لم تعد تنسى؟!
- ومن قال لك إنّي أريد الدواء لأتذكّر؟، سألتُه.
لطم خدّه بكفَّ يده ثم أجابني:
- أنتَ. أنت قلتَ ذلك!
- لكن أنا لا أريد دواء لأتذكّر
- ماذا تريد إذن؟، صرخ بوجهي
- أريد دواءً لأنسى، قلتُ له.
- لتنسى؟! تريد دواءً لتنسى؟ لماذا؟
صمتُّ قليلاً محاولاً حبسَ دمعةٍ كانت تطفو في مقتلي:
- توفيّت أمي...، قلتُ لصديقي.
"أنتَ تنسى".
هذا ما قاله لي الدكتور سعيد مجاعص لمّا زرته في عيادته بشارع تركي ببرج حمود، يوم 7-7-2022،
في تمام الساعة 4:23 مساءً.
طبعاً، قد يسألني سائلٌ:
"كيف تذكر العنوان والتاريخ والاسم وأنت، كما قال الدكتور، تنسى؟".
أجبت صديقي السائل من دون تردّد:
- أركاليون فورت
- ماذا؟!، سألني مشدوهاً.
- آه. هو دواء لتنشيط الذاكرة.
ويهزُّ السائلُ رأسَه متفهِّماً ويقول:
- وكيف عرف أنّك تنسى؟ عبر جهاز تصوير بالرنين المغناطيسي؟
- لا، أجبته.
حثَّ دماغه على العمل وقال:
- عبر صورة بالأشعّة السينيّة؟
- لا
- عبر التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني؟
- لا
صمت قليلاً. حكَّ جلدة رأسه بسبّابة يده اليمنى، ثم خمّن:
- عبر تصوير طبِّي بأشعة غاما؟
- لا
- عبر موجات فوق صوتيَّة؟
- لا
- عبر التصوير البشري المنتشر؟
- لا
وفيما راحت تطفو على وجهه رويداً رويداً علامات الاستسلام المضطرب، ضربَ المنضدة بقبضته الحديديَّة وصاح:
- كيف عرف إذن؟!
بكل هدوءٍ أجبتُهُ:
- حين دخلتُ العيادة ووقفت أمام الدكتور، سألني:
"ممّا تشكو؟". فتسمّرتُ أمامه مثل التمثال الأبله.
قاطعني صديقي السائل قائلاً:
- هذا ما أعرفه. قُل لي شيئاً لا أعرفه.
- تقصد عن زيارتي للدكتور؟
- لا. أقصد عن كونك أبلهاً، أجابني.
رمقته بنظرةٍ ساخرة، ومن دون اكتراثٍ أكملتُ قصّتي:
المهم. تسمّرت أمام الدكتور أحاول أن أستذكر السبب الذي أتى بي إليه. ولمّا عاد وطرح الدكتور عليّ السؤال: "ممّا تشكو؟"، قلتُ له: "نسيت!".
- نسيت؟، صاح صديقي متعجّباً. ثم كرّرها صاعداً بصوته درجات السلّم الموسيقى كأنّه عدّاء في القفز العالي: "قلتَ له نسيت؟!".
أومأت برأسي إيجاباً.
- ولهذا أعطاك الدكتور ذاك الدواء اللعين؟، سألني.
- نعم، قلتُ له.
- وماذا الآن؟، سألني صديقي.
لم أفهم السؤال:
- ماذا تقصد؟، سألته.
أجابني بنفاذ صبرٍ:
- كونك قد شفيت من داء النسيان، لماذا تريد الذهاب غداً إلى الدكتور؟
أجبته:
- لأنني أحتاج الدواء
- دواء؟! لكنك قلتَ لي أنّك شفيتَ من داء النسيان.
- نعم شفيت. ولهذا أريد الدواء
كزَّ صديقي على أسنانه، ثم أطلق العنان لثيران حروفه الهائجة:
- أحلف بالأنبياء بالقدّيسين. بالجنّة بالبرزخ، بجهنّم الحمراء. لم أفهم منك شيئاً! كيف تريد دواء لتتذكّر وأنت لم تعد تنسى؟!
- ومن قال لك إنّي أريد الدواء لأتذكّر؟، سألتُه.
لطم خدّه بكفَّ يده ثم أجابني:
- أنتَ. أنت قلتَ ذلك!
- لكن أنا لا أريد دواء لأتذكّر
- ماذا تريد إذن؟، صرخ بوجهي
- أريد دواءً لأنسى، قلتُ له.
- لتنسى؟! تريد دواءً لتنسى؟ لماذا؟
صمتُّ قليلاً محاولاً حبسَ دمعةٍ كانت تطفو في مقتلي:
- توفيّت أمي...، قلتُ لصديقي.