أصابع خشنة ..
قصة قصيرة
ألقى بجسده المتعب ، على أقرب أريكة في المقهى ، أذناه مشوهتان ، وأنفه كأنّه كتلة متدليّة من اللحم ، مثقوبة من الجانبين ، لسحب الهواء ، تدور نظراته يمينا وشمالا ، وكالعادة كل شيء ، يبدو له وئيدا ، بليدا ، صامتا ...
حرّك سبابته الى الأسفل بشكل دائري ففهم عامل المقهى إنّه يطلب قدحا من الشّاي ..
هل هو حزين لحالته هو ؟، بلى""
وحزين على حال دنيا فقدت لسانها ، فتساوى فيها الأخرس والناطق ، نعم ، وصار الجميع يتفاهمون بلغة الإشارة ؟ ، الصّمت ، الوجوه مكفهرّة ، عبوسة ، الابتسامة نادرة الحدوث ، والناس تكاد تنسى الضحك ، فلا أحد يعرف مايبتغيه الآخر، والكل يعانون من قيد في النفوس ، يُمسك ألسنتهم ، وصمت يحبس كلماتهم ، قيد يصعب فكاكهم منه ، ماهذه القوّة المسلّطة ؟، تجد الناس يتسابقون للوصول الى شيء ، ثم يتفرقون عنه حين يجدونه تافها ""
إشرب الشاي ، قبل ان يبرد ..
كررها عليه "" عامل المقهى ، وحين بدا له مشدوها غائبا عن الوعي ، تركه .. ""
مصدر كسبه وعيشه ، تنظيف وتنظيم الحدائق المنزليه ، يعزق التراب ، يقلع النباتات والأعشاب الغريبة ، يقص الاغصان الزائدة ، لم يشعر بوجودها بادئ الأمر ، ولمّا وضعت كفّها على كتفه ، جفل فاقشعرّ جلده ، كانت الأرملة صاحبة المنزل تلبس ثوبا شفافا ، يلتصق بجسمها ، ويُظهر مفاتنها ، سرق بنظراته وهو مُطأطئ الرأس ، مشاهد مثيرة ، أختزنها في عمق ذاكرته ليجترها فيما بعد ، ولأنها المرّة الأولى ، ، فقدأخفاها عن نفسه خجلا ، لكنّه شعر بلمسات أنثى ، هل كانت تتعمّد إثارته وشد انتباهه اليها ؟ وجد هذا ممكنا ""، لأنّها محرومة مثله ، هو بلازوجة بعد أن فقد سمعه بسبب الإنفجار ، وهي كذلك توفي زوجها بإنفجار آخر، وكلاهما يتقاسمان الحرمان والحسرة ..
اتفقا على أجرة العمل ، مقابل ان يباشر سقي وتنظيف وترتيب حديقتها ، كان يأتي لأداء عمله كل شهر، كانت تقدّم له الطعام والشّراب ، تهتم وتتودد له ، ولمّا شعر بذلك ، صار يأتيها كل اسبوع ، ثمّ صار يعد الأيام ، ثمّ بعد ذلك الساعات والدقائق ، يسرح معها ، يمرّ بكفّه الخشن على نعومة التراب ، يعزقه بلطف ، يساويه ، لم يكن يشعر بنعومة الأرض من قبل ، برائحتها حين يمتزج بها أوّل الغيث ، بالوان الورود والزهور ، بعبق رحيقها ، بهياجها ، بتأوهاتها ، كلّما داعب المناطق اللّينة ، الرخوة ، تتفجّر بداخله ثورة ، تتأجج ، تشتعل..
لاحظ عامل المقهى تصبب عرقه ، فمدّ يده على كتفه ، ثمّ اشار اليه :
هل ستشرب الشاي باردا ؟
اسماعيل آلرجب - العراق
قصة قصيرة
ألقى بجسده المتعب ، على أقرب أريكة في المقهى ، أذناه مشوهتان ، وأنفه كأنّه كتلة متدليّة من اللحم ، مثقوبة من الجانبين ، لسحب الهواء ، تدور نظراته يمينا وشمالا ، وكالعادة كل شيء ، يبدو له وئيدا ، بليدا ، صامتا ...
حرّك سبابته الى الأسفل بشكل دائري ففهم عامل المقهى إنّه يطلب قدحا من الشّاي ..
هل هو حزين لحالته هو ؟، بلى""
وحزين على حال دنيا فقدت لسانها ، فتساوى فيها الأخرس والناطق ، نعم ، وصار الجميع يتفاهمون بلغة الإشارة ؟ ، الصّمت ، الوجوه مكفهرّة ، عبوسة ، الابتسامة نادرة الحدوث ، والناس تكاد تنسى الضحك ، فلا أحد يعرف مايبتغيه الآخر، والكل يعانون من قيد في النفوس ، يُمسك ألسنتهم ، وصمت يحبس كلماتهم ، قيد يصعب فكاكهم منه ، ماهذه القوّة المسلّطة ؟، تجد الناس يتسابقون للوصول الى شيء ، ثم يتفرقون عنه حين يجدونه تافها ""
إشرب الشاي ، قبل ان يبرد ..
كررها عليه "" عامل المقهى ، وحين بدا له مشدوها غائبا عن الوعي ، تركه .. ""
مصدر كسبه وعيشه ، تنظيف وتنظيم الحدائق المنزليه ، يعزق التراب ، يقلع النباتات والأعشاب الغريبة ، يقص الاغصان الزائدة ، لم يشعر بوجودها بادئ الأمر ، ولمّا وضعت كفّها على كتفه ، جفل فاقشعرّ جلده ، كانت الأرملة صاحبة المنزل تلبس ثوبا شفافا ، يلتصق بجسمها ، ويُظهر مفاتنها ، سرق بنظراته وهو مُطأطئ الرأس ، مشاهد مثيرة ، أختزنها في عمق ذاكرته ليجترها فيما بعد ، ولأنها المرّة الأولى ، ، فقدأخفاها عن نفسه خجلا ، لكنّه شعر بلمسات أنثى ، هل كانت تتعمّد إثارته وشد انتباهه اليها ؟ وجد هذا ممكنا ""، لأنّها محرومة مثله ، هو بلازوجة بعد أن فقد سمعه بسبب الإنفجار ، وهي كذلك توفي زوجها بإنفجار آخر، وكلاهما يتقاسمان الحرمان والحسرة ..
اتفقا على أجرة العمل ، مقابل ان يباشر سقي وتنظيف وترتيب حديقتها ، كان يأتي لأداء عمله كل شهر، كانت تقدّم له الطعام والشّراب ، تهتم وتتودد له ، ولمّا شعر بذلك ، صار يأتيها كل اسبوع ، ثمّ صار يعد الأيام ، ثمّ بعد ذلك الساعات والدقائق ، يسرح معها ، يمرّ بكفّه الخشن على نعومة التراب ، يعزقه بلطف ، يساويه ، لم يكن يشعر بنعومة الأرض من قبل ، برائحتها حين يمتزج بها أوّل الغيث ، بالوان الورود والزهور ، بعبق رحيقها ، بهياجها ، بتأوهاتها ، كلّما داعب المناطق اللّينة ، الرخوة ، تتفجّر بداخله ثورة ، تتأجج ، تشتعل..
لاحظ عامل المقهى تصبب عرقه ، فمدّ يده على كتفه ، ثمّ اشار اليه :
هل ستشرب الشاي باردا ؟
اسماعيل آلرجب - العراق