صرخة في الفراغ..
قصة قصيرة
اربعون سنة وهو يتأمّل ولادة غصن أخضر من رحم الشجرة اليابسة ، يقف امامها طويلا ، يتأمّلها ، يسقيها على الدوام ، يترقب خروج برعم من تحت قشرتها اليابسة ، قال له زعيم العرّافين اذا كسا هذه الشجرة الإخضرار ستنجب زوجتك ولدا، صار يرى اطفالا يخرجون من جذعها ، يسمع اصواتهم يلعبون حولها ، فيطوف معهم ، سيولد من جذعها ولدا ، وظل يرددها مع نفسه ، حتّى وصفه البعض بالجنون ، كان يرسل اليها نظرات متلهفة ، ساكنة ، حتى تسيل الدموع من عينيه ، يتخيّل الشجرة كما لو أنها تُقطع ، لتصبح حطبا للنار ،هي ذات الحرمان الذي يتأجج بداخله ، فيعلو نشيد حزنه ، يلحس الفراغ بصراخه ، هناك في عيني زوجته وهي تنظر بعينيه ، كلام كأنّه طلاسم على حجر ، كأنّ اخطبوطا جريحا يتلوّى ، يتكوّرعلى اذرعه من الألم ، يقرأ فيهما الأسى ثمّ يندلق الى اسفل . لم يكن حلما ، كانت الولادة هي وعيه ، هي دليل وجوده أو العدم ..
ألم يُخلق أبوه من تراب ؟ تسفّه الريح ، او تحيله الأمطار طينا !! يريد وليدا ، يستهلّ صارخا ، فتدوّي صرخته في ثنايا روحه ، يلتحم بزوجته كما يلتحم الرجال بزوجاتهم ، يوميا ، في كل حين ، يُطعم عضلاته القوّة ، طفل يلوّن حياتهما بالبهجة ، بعد ذبول صباحاتهما وتيبّس أيامهما ، يسمعان طقطقتها تحت أقدام الفصول ، وهي تمرّ دونما ربيع ، أيام متشابهة ، أمس كاليوم واليوم كغد ، ولكلّ شيء طعم الرماد ، ولون السّواد ، اللجان الطبية تؤكد أنهما سليمان ، إذن فهو القدر ، القدر الذي يقف متفرجا ، ينظرُ إليهما ضاحكا ، يهمسُ لهما : قدر من الصّبر " الصّبر قدركما ، يقولون عندما يُغلق القدر بابا يفتح نافذة من مكان آخر، وهي تنظر من تلك النافذة ، فترى اطفالا في الحديقة ، اطفالافوق التلال ،اطفالا يسبحون في النهر ، جميعهم يبتسمون ، يرفعون اكفّهم الصغيرة لتحيّتها، ايامها جميعا مطرّزة بالأحلام ، رغم الأسى الّذي يُكابده زوجها ، وذات صباح قصد شجرته اليابسة كعادته ، اصابته الدهشة وهو يرى برعما اخضرا ، يخرج من جذعها ، يكاد يسابق أقدامه في العودة ، ليخبر زوجته بالأمر، فيجدها ممدّدة أسفل النافذة شاخص بصرها إلى السّماء..
اسماعيل آلرجب - العراق
قصة قصيرة
اربعون سنة وهو يتأمّل ولادة غصن أخضر من رحم الشجرة اليابسة ، يقف امامها طويلا ، يتأمّلها ، يسقيها على الدوام ، يترقب خروج برعم من تحت قشرتها اليابسة ، قال له زعيم العرّافين اذا كسا هذه الشجرة الإخضرار ستنجب زوجتك ولدا، صار يرى اطفالا يخرجون من جذعها ، يسمع اصواتهم يلعبون حولها ، فيطوف معهم ، سيولد من جذعها ولدا ، وظل يرددها مع نفسه ، حتّى وصفه البعض بالجنون ، كان يرسل اليها نظرات متلهفة ، ساكنة ، حتى تسيل الدموع من عينيه ، يتخيّل الشجرة كما لو أنها تُقطع ، لتصبح حطبا للنار ،هي ذات الحرمان الذي يتأجج بداخله ، فيعلو نشيد حزنه ، يلحس الفراغ بصراخه ، هناك في عيني زوجته وهي تنظر بعينيه ، كلام كأنّه طلاسم على حجر ، كأنّ اخطبوطا جريحا يتلوّى ، يتكوّرعلى اذرعه من الألم ، يقرأ فيهما الأسى ثمّ يندلق الى اسفل . لم يكن حلما ، كانت الولادة هي وعيه ، هي دليل وجوده أو العدم ..
ألم يُخلق أبوه من تراب ؟ تسفّه الريح ، او تحيله الأمطار طينا !! يريد وليدا ، يستهلّ صارخا ، فتدوّي صرخته في ثنايا روحه ، يلتحم بزوجته كما يلتحم الرجال بزوجاتهم ، يوميا ، في كل حين ، يُطعم عضلاته القوّة ، طفل يلوّن حياتهما بالبهجة ، بعد ذبول صباحاتهما وتيبّس أيامهما ، يسمعان طقطقتها تحت أقدام الفصول ، وهي تمرّ دونما ربيع ، أيام متشابهة ، أمس كاليوم واليوم كغد ، ولكلّ شيء طعم الرماد ، ولون السّواد ، اللجان الطبية تؤكد أنهما سليمان ، إذن فهو القدر ، القدر الذي يقف متفرجا ، ينظرُ إليهما ضاحكا ، يهمسُ لهما : قدر من الصّبر " الصّبر قدركما ، يقولون عندما يُغلق القدر بابا يفتح نافذة من مكان آخر، وهي تنظر من تلك النافذة ، فترى اطفالا في الحديقة ، اطفالافوق التلال ،اطفالا يسبحون في النهر ، جميعهم يبتسمون ، يرفعون اكفّهم الصغيرة لتحيّتها، ايامها جميعا مطرّزة بالأحلام ، رغم الأسى الّذي يُكابده زوجها ، وذات صباح قصد شجرته اليابسة كعادته ، اصابته الدهشة وهو يرى برعما اخضرا ، يخرج من جذعها ، يكاد يسابق أقدامه في العودة ، ليخبر زوجته بالأمر، فيجدها ممدّدة أسفل النافذة شاخص بصرها إلى السّماء..
اسماعيل آلرجب - العراق