*دكتور علي: لتسمح لي أن اسألك حول اكتشاف إبلا. ترى هذا الاكتشاف ماذا غيّر من المعطيات التاريخية الثابتة حول تاريخ الحضارة السورية وماذا قدم للمنظومة المعرفية التاريخية من جديد؟
- الحقيقة أنه لم يكن معروفاً أن هناك مملكة كإبلا كانت في الجناح الغربي للهلال الخصيب وحتى العديد من الكتب التي صدرت في القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين كانت تعتبر بلاد ما بين النهرين مهد الحضارة وان بلاد الشام ليست على سويّة بلاد ما بين النهرين في الحضارة ـ أعني هنا الحضارات القديمة التي تعود إلى الألف الرابع والخامس قبل الميلاد ـ حيث كانوا يعتبرون بلاد الشام صلة الوصل بين الشرق والغرب لا أكثر. إلا أن المكتشفات الأثرية التي حصلت في سورية منذ عام /1964 / وحتى الآن أثبتت أن الجناح الغربي للهلال الخصيب هو أيضاً مهد هذه الحضارة كالجناح الشرقي للهلال الخصيب.
فمملكة إبلا من هذه المكتشفات وقبل أن أدخل في موضوع إبلا أريد أن أعرض مثالاً آخر: هناك عصر نطلق عليه اسم عصر الوركاء نسبة إلى مدينة الوركاء في جنوب العراق، يعود إلى النصف الثاني من الألف الرابع قبل الميلاد. هذه الحضارة لم تكن معروفة في بلاد الشام أما الآن فقد ثبت بالدليل القاطع ومن خلال التنقيبات الأثرية التي جرت في مواقع أخرى على الضفة اليمنى للفرات، أن حضارة الوركاء كانت منتشرة في حوض الفرات. فإذن هذه الحضارة لم تكن وقفاً على الجنوب العراقي. والأكثر من ذلك أن حضارة الوركاء انتشرت إلى قلب البادية الشامية إلى منطقة السخنة والكوم حين عثر أيضاً على فخار من ذاك العصر. فإذن هناك التشابه عبر اللقى الأثرية، تشابه بين الشرق والغرب في الهلال الخصيب، تشابه بين بلاد الشام وبلاد الرافدين.
الآن أتت إبلا لتؤكد على هذا " التمازج " الحضاري من خلال الوثائق العلمية فالمعاجم الجغرافية ـ إذا صح التعبير ـ والمعاجم اللغوية المكتشفة في إبلا هي عينها في أبو صلابيخ في بلاد الرافدين. أكثر من ذلك أن مملكة إبلا عبر ماري إلى كيش في جنوبي العراق كانت تتبادل الأساتذة ـ إن صح التعبير أيضاً ـ وكانت تتبادل الكتبة وهذا يعني أن هناك علاقات ليست عابرة وإنما علاقات قد تكون علاقات وحدة. وكانت العلاقات القائمة متينة حيث أن هناك رسائل تتحدث عن أستاذ أتى من كيش إلى ماري إلى إبلا وبالعكس. طبعاً هذا له إمكانياته الكبيرة. زد على ذلك أن إبلا كمملكة كانت قائمة في الغرب وفي الشمال من بلاد الشام. فلا شك أنها كانت الأقوى في هذه المنطقة وإلا لما حاربوها وقضوا عليها. يبدو أنها كانت تضايقهم، يبدو أنها كانت تمنعهم من الوصول إلى الأناضول أو إلى البحر المتوسط، فلذلك أرادوا القضاء عليها. بمكن أن نقول نحن الآن أنه من خلال التنافس القبلي ـ لأن هذه الممالك كلها تأسست وفق أنظمة وأنماط قبلية، وفق عادات وتقاليد قبلية، ـ ومن خلال الأسباب الاقتصادية تم القضاء على إبلا. التنافس القبلي يمكن أن يتجلى في التنافس على زعامة المنطقة.
د. علي أبوعساف
- الحقيقة أنه لم يكن معروفاً أن هناك مملكة كإبلا كانت في الجناح الغربي للهلال الخصيب وحتى العديد من الكتب التي صدرت في القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين كانت تعتبر بلاد ما بين النهرين مهد الحضارة وان بلاد الشام ليست على سويّة بلاد ما بين النهرين في الحضارة ـ أعني هنا الحضارات القديمة التي تعود إلى الألف الرابع والخامس قبل الميلاد ـ حيث كانوا يعتبرون بلاد الشام صلة الوصل بين الشرق والغرب لا أكثر. إلا أن المكتشفات الأثرية التي حصلت في سورية منذ عام /1964 / وحتى الآن أثبتت أن الجناح الغربي للهلال الخصيب هو أيضاً مهد هذه الحضارة كالجناح الشرقي للهلال الخصيب.
فمملكة إبلا من هذه المكتشفات وقبل أن أدخل في موضوع إبلا أريد أن أعرض مثالاً آخر: هناك عصر نطلق عليه اسم عصر الوركاء نسبة إلى مدينة الوركاء في جنوب العراق، يعود إلى النصف الثاني من الألف الرابع قبل الميلاد. هذه الحضارة لم تكن معروفة في بلاد الشام أما الآن فقد ثبت بالدليل القاطع ومن خلال التنقيبات الأثرية التي جرت في مواقع أخرى على الضفة اليمنى للفرات، أن حضارة الوركاء كانت منتشرة في حوض الفرات. فإذن هذه الحضارة لم تكن وقفاً على الجنوب العراقي. والأكثر من ذلك أن حضارة الوركاء انتشرت إلى قلب البادية الشامية إلى منطقة السخنة والكوم حين عثر أيضاً على فخار من ذاك العصر. فإذن هناك التشابه عبر اللقى الأثرية، تشابه بين الشرق والغرب في الهلال الخصيب، تشابه بين بلاد الشام وبلاد الرافدين.
الآن أتت إبلا لتؤكد على هذا " التمازج " الحضاري من خلال الوثائق العلمية فالمعاجم الجغرافية ـ إذا صح التعبير ـ والمعاجم اللغوية المكتشفة في إبلا هي عينها في أبو صلابيخ في بلاد الرافدين. أكثر من ذلك أن مملكة إبلا عبر ماري إلى كيش في جنوبي العراق كانت تتبادل الأساتذة ـ إن صح التعبير أيضاً ـ وكانت تتبادل الكتبة وهذا يعني أن هناك علاقات ليست عابرة وإنما علاقات قد تكون علاقات وحدة. وكانت العلاقات القائمة متينة حيث أن هناك رسائل تتحدث عن أستاذ أتى من كيش إلى ماري إلى إبلا وبالعكس. طبعاً هذا له إمكانياته الكبيرة. زد على ذلك أن إبلا كمملكة كانت قائمة في الغرب وفي الشمال من بلاد الشام. فلا شك أنها كانت الأقوى في هذه المنطقة وإلا لما حاربوها وقضوا عليها. يبدو أنها كانت تضايقهم، يبدو أنها كانت تمنعهم من الوصول إلى الأناضول أو إلى البحر المتوسط، فلذلك أرادوا القضاء عليها. بمكن أن نقول نحن الآن أنه من خلال التنافس القبلي ـ لأن هذه الممالك كلها تأسست وفق أنظمة وأنماط قبلية، وفق عادات وتقاليد قبلية، ـ ومن خلال الأسباب الاقتصادية تم القضاء على إبلا. التنافس القبلي يمكن أن يتجلى في التنافس على زعامة المنطقة.
د. علي أبوعساف