عز الدين نجيب
فى ذكرى ميلاد ومحبة جمال الغيطانى
------------------------------------------------------
الغيطانى ..والمسافرخانة..ودرب الطبلاوى..وأنا..لم نفترق طوال سبع سنوات..من ٦٩ حتى ٧٦..خطوات كانت تفصل بين بيته فى درب الطبلاوى وبين سراى المسافرخانة فى آخر الدرب بحى الجمالية ، حيث كان مرسمى ومقر عملى وملتقى الفنانين والادباء والمثقفين وحواراتهم الثرية ، وحيث شهد ذلك الأثر التاريخى ازدهاراً لاعمال فنانين كبار شبابا وشيوخا ، يمثلون جميعا مع من كانوا يترددون على القصر من أدباء ومثقفين وسياسيين لوحة ساطعة الالوان لمشهد الحياة الثقافية فى الستينيات والنصف الأول من السبعينيات..
فى موعدنا الأسبوعى - جمال وأنا - كنا نلتقى فى مرسمى لنتبادل قراءة قصصنا القصيرة ، او ليصحبنى فى جولة بين معالم حى الجمالية التاريخية ،ويعرفنى على ما وراء كل منها من حكايات وأسرار وقصص يشيب لها الولدان ، فى فصول حكم المماليك لمصر ، حيث كانت المؤامرة جواز المرور للسلطة ، وحيث كانت السلطة أداتهم للسلب والنهب، وهما الثمن الذى يدفعه المصريون للأمراء والسلاطين والأغوات والإنكشارية من قوتهم وذهب نسائهم لتنفيذ هذه المؤامرات.
نجح جمال فى ترجمة الكثير من هذه الفصول فى روايات متعاقبة ، عبر لغة نَحَت كلماتها وتعبيراتها من ملامح اللغة فى تلك العصور ، فصنع بها عمارة شاهقة تطل على مشهد حياتنا المعاصرة وتسقط عليها ما وراء تلك الروايات من معانى القهر والاستبداد.
وأخذتنا الحياة كل إلى سبيل ، بعد ان غادر درب الطبلاوى الى مدينة نصر ، وغادرت أنا سراى المسافرخانة الى المجهول فى مؤامرة تشبه مؤامرات المماليك وتكتسى بمأساويتها وعبثيتها ، وأصبح اللقاء بيننا نادرا ، لكننا كنا إذا التقينا نعبُر السنوات والأحداث ونواصل الحكى والنوادر وقصص من غابوا من رفاقنا فى السجون أو طاردهم العسس وشردهم عبر الآفاق ، ثم تأخذنا الهموم والشواغل مرة أخرى كل فى طريق.
كتب عنى مرارا ، وأنا كذلك ، واستحضرته أخيرا فى روايتى "المسافرخانة"..وهل كان يمكن ألا يكون حاضرا فى المكان الذى جعل له فى قلبى معنى وقيمة تتجاوزان المبنى والأحداث والتاريخ؟!
اليوم ذكرى ميلاده ..هو الغائب الحاضر، وإن تلاشى كذلك قصر المسافرخانة بعد حرقه فى مؤامرة أشد إجراما وجبروتا من مؤامرات المماليك.
لك السلام ولروحك الرحمة وقريبا نلتقى
تعليق