زاهر الغافري يؤسس لأرض شعرية تتلاقى فيها كل الثقافات
"مدينة آدم" قصائد مثل المحطات في رحلة بين الأزمنة والشخصيات والأماكن.
الثلاثاء 2024/06/04
ShareWhatsAppTwitterFacebook
شاعر يخلق أرضه الخيالية
يعتبر زاهر الغافري واحدا من أبرز الشعراء العرب الذين وضعوا لمستهم الخاصة على جسد القصيدة العربية، فهو ينتمي إلى جيل شعري عربي جدّد شباب القصيدة وقدم مقترحه الخاص في إطار الشعرية العربية خلال الربع الأخير من القرن العشرين، وفي مجموعته الأخيرة يواصل الشاعر رحلة قصيدته إلى مناطق جمالية وجغرافيات روحية وفكرية مثيرة.
بيروت- تأتي تجربة الشاعر العماني زاهر الغافري في طليعة التجارب الشعرية العربية المعاصرة اليوم، إذ يفتح نصه بين الذات والآخر والتاريخ الفردي والجماعي منطلقا إلى جماليات بكر غير مطروقة.
يقدم الغافري في مجموعته الشعرية “مدينة آدم” تجربة جديدة عن الغرابة والرحلة والسفر، من خلال محطات شعرية وبشرية، ومرافئ حقيقية وخيالية، وكلمات عربية ضاربة في عمق الإنسانية.
رحلة شعرية
قدم لمجموعة الغافري الجديدة، الصادرة عن دار مرفأ للنشر والتوزيع، الشاعر والمترجم التونسي أيمن حسن، الذي تحدث في البداية عن بداية معرفته بالشاعر قائلا “كان ذلك في منتصف عام 2020، حدثني أدونيس عن شاعر عماني مقيم في السويد قائلا إن علي أن أقرأ له وأتعرف عليه وأترجم له”.
وأضاف “شأني شأن الجميع، كنت في تلك الفترة أعاني من الحجر الصحي ومن شبح كورونا، كما أني فقدت ‘معلمي’ الشاعر اللبناني الكبير الناطق بالفرنسية صلاح ستيتية. كنت أحتاج إلى الحلم والسفر. وهذا ما حدث لي فعلا عندما قرأت القصائد التي انتخبها زاهر الغافري لترجمة محتملة إلى لغة بودلير ورامبو ومالارميه”.
ويضيف متحدثا عن قصائد الغافري “وجدت بين طياتها صورا وأسماء وعوالم بأسرها لم أر أبدا مثلها في الأدب العربي الحديث. وجدتني أسافر برفقة مروين إلى هاواي ليعترض طريقنا تلميذ المعلم الكوني هنري دافيد ثورو -غاري سنيدر- لأجد نفسي بصدد احتساء كأس للتوقعات في إقليم النورماندي في فرنسا، لأسير هائما بين الخيال والحقيقة، بين الماضي والمستقبل، لكني سرعان ما أهتدي إلى زهرة توصلني إلى باب الشاعر الفرنسي الكبير ستيفان مالارميه. وإذا بي في حضرة الراحل سركون بولص في مدينة لوديف حيث يتماهى الشعر والحياة، وأنا من كتب عنه وترجم له وسار على خطاه في المدينة نفسها في أقل من سنة بعد زيارته لها”.
ويتابع “ها أنا أطير فجأة إلى عمان لألتقي من جديد بغاري سنيدر وهو يكتب عن مسقط رأس الشاعر زاهر الغافري. وفجأة، أرحل إلى مالمو في السويد حيث يقيم زاهر، لنغوص من جديد سويا في عمق الغابة السوداء الألمانية نقتفي أثر العظيم هولدرلين. وكأن شعر الرجل الذي تحمل الجنون على مدى أربعين عاما لا يكفي، فتراني أرقص معه في حضرة الفنانة قديسة الرقص والفلسفة والموسيقى إيزادورا دنكان، التي تومئ لنا بأن لا نترك الشاعر جورج تراكل يموت بمفرده في سن السابعة والعشرين. ومن ثم نعود لملاقاة مالارميه وهو يترجم إدغر ألان بو في حضرته وكأن بودلير لم يقم بالأمر من قبل”.
رحلة شعرية مثيرة يخوضها الغافري متنقلا بقارئ نصوصه الجديدة من ثقافة إلى أخرى ومن منطقة إلى أخرى، ومؤسسا لأرض شعرية تتلاقى فيها كل الثقافات واللغات والشخصيات البارزة.
يصف حسن الغافري في مجموعته الجديدة بماركو بولو، أشهر المستكشفين الإيطاليين على مر التاريخ، لكن الشاعر العماني يخط عوالمه بشعرية أعمق من الرحالة الإيطالي ليعيد اكتشاف العالم.
يقول حسن “إنه ماركو بولو تعمق في قراءة الشعر والاستماع إلى الموسيقى ومشاهدة أجمل وأنبل الأفلام السينمائية، فمن يقدر مثله على أن يدرج في قصيدة واحدة عظماء مثل غوستاف ماهلر وبيورن أندرسون ولوتشينو فيسكونتي؟ يفعل زاهر الغافري ذلك وأكثر فهو يجمعهم من جديد في ساحة سان ماركو بالبندقية مضمنا رائعة أخرى تضاف إلى روائع وأعمال هؤلاء، المتمثلة في رواية توماس مان ‘الموت في البندقية’. فهو بهذه الطريقة البسيطة والخلابة في الآن ذاته يجعل من الشعر أو بالتحديد من القصيدة الأرض التي تنمو وتترعرع فيها الفنون جميعا كالأزهار والنباتات والأشجار”.
الرؤية والمنجز
يستدرك حسن في تقديمه “لكن، زاهر الغافري شاعر وليس فيلسوفا يفكر تبعا لضربات مطرقة، وهو زيادة على ذلك طيب ومسالم، إذ يقول في قصيدة ‘رأيت الموت’: ‘سيأتي يوم وتظهر الكلمة كالقنفذ لتحمي نفسها’. أحب كثيرا هذا البيت بقدر ما يروق لي هذا التشبيه بين الكلمة والقنفذ”.
يضيف “فلنذهب أبعد بقليل، أليست الكلمة التي نقرأ عنها في الأناجيل أنها كانت البدء وأنها مثلت الله، خطرا كامنا بإمكانه أن يضر ويتسبب في الأذى وأحيانا في الموت؟ هذه الثنائية التي ينبني عليها هذا الديوان لزاهر الغافري ‘مدينة آدم’، حيث أصلا لا مدينة بدون أب البشر”.
ويتابع الغافري رؤيته الشعرية الفريدة التي واكبها منجزه منذ عقود حافرا طريقا في آفاق صعبة، إذ قال الغافري في حوار سابق معه إن “القصيدة نظام لكنه أيضا فضاء مفتوح لأفق الحرية والنظام الذي نتحدث عنه محكوم بشروط غاية في الخطورة، بمعنى آخر ليس سهلا الآن كتابة نص شعري عميق يستدرج فيه أو لنقل يذوب فيه الفكر ويكون في ذات الوقت مرتكزا على الأدوات الفنية في الكتابة”.
وأضاف “مثلا من يعتقد أن كتابة قصيدة النثر موضوع سهل فهو أرعن، أنا أعتقد أن قصيدة النثر من أعقد وأصعب أنواع الكتابة، إنه نوع من الانتحار أو إجبار الموت على الحضور فورا، لاحظ الخطورة هنا لأن كتابة قصيدة النثر ليست سياحة برانية بل إنها عملية حفر أنطولوجي يستنزف الشاعر، لذلك شاعر هذا النوع من الكتابة لا يلتفت إلى الخواطر الصغيرة التي يكتبها بعض الأحيان عدد من المشتغلين في مجال التواصل الاجتماعي”.
إنها الرؤية الشعرية التي تترسخ مع كل مجموعة جديدة للشاعر، الذي أدار رحلته الشعرية باقتدار دون أن يطمئن لمرفأ أو فكرة أو صورة.
يذكر أن زاهر الغافري من مواليد عمان عام 1956. خريج جامعة محمد الخامس/ قسم الفلسفة 1982 الرباط. أقام في عدد من البلدان العربية والأجنبية، منها العراق والمغرب وفرنسا وأميركا، يقيم حاليا في السويد، رأس تحرير مجلة البرواز المعنية بالفنون البصرية.
نشر الغافري في أغلب المجلات الثقافية في العالم العربي. حصل على جائزة كيكا للشعر عام 2006. ترجمت بعض أعماله إلى لغات عديدة؛ الإسبانية والإنجليزية والألمانية والسويدية والفارسية والهندية والفرنسية. أصدر مجموعات شعرية منها: “أظلاف بيضاء” 1983، “الصمت يأتي للاعتراف” 1991، “عزلة تفيض عن الليل” 1993، “أزهار في بئر” 2000، “ظلال بلون المياه” 2006، “كلما ظهر ملاك في القلعة” 2008، “المجموعات الخمس” 2013.
"مدينة آدم" قصائد مثل المحطات في رحلة بين الأزمنة والشخصيات والأماكن.
الثلاثاء 2024/06/04
ShareWhatsAppTwitterFacebook
شاعر يخلق أرضه الخيالية
يعتبر زاهر الغافري واحدا من أبرز الشعراء العرب الذين وضعوا لمستهم الخاصة على جسد القصيدة العربية، فهو ينتمي إلى جيل شعري عربي جدّد شباب القصيدة وقدم مقترحه الخاص في إطار الشعرية العربية خلال الربع الأخير من القرن العشرين، وفي مجموعته الأخيرة يواصل الشاعر رحلة قصيدته إلى مناطق جمالية وجغرافيات روحية وفكرية مثيرة.
بيروت- تأتي تجربة الشاعر العماني زاهر الغافري في طليعة التجارب الشعرية العربية المعاصرة اليوم، إذ يفتح نصه بين الذات والآخر والتاريخ الفردي والجماعي منطلقا إلى جماليات بكر غير مطروقة.
يقدم الغافري في مجموعته الشعرية “مدينة آدم” تجربة جديدة عن الغرابة والرحلة والسفر، من خلال محطات شعرية وبشرية، ومرافئ حقيقية وخيالية، وكلمات عربية ضاربة في عمق الإنسانية.
رحلة شعرية
قدم لمجموعة الغافري الجديدة، الصادرة عن دار مرفأ للنشر والتوزيع، الشاعر والمترجم التونسي أيمن حسن، الذي تحدث في البداية عن بداية معرفته بالشاعر قائلا “كان ذلك في منتصف عام 2020، حدثني أدونيس عن شاعر عماني مقيم في السويد قائلا إن علي أن أقرأ له وأتعرف عليه وأترجم له”.
وأضاف “شأني شأن الجميع، كنت في تلك الفترة أعاني من الحجر الصحي ومن شبح كورونا، كما أني فقدت ‘معلمي’ الشاعر اللبناني الكبير الناطق بالفرنسية صلاح ستيتية. كنت أحتاج إلى الحلم والسفر. وهذا ما حدث لي فعلا عندما قرأت القصائد التي انتخبها زاهر الغافري لترجمة محتملة إلى لغة بودلير ورامبو ومالارميه”.
ويضيف متحدثا عن قصائد الغافري “وجدت بين طياتها صورا وأسماء وعوالم بأسرها لم أر أبدا مثلها في الأدب العربي الحديث. وجدتني أسافر برفقة مروين إلى هاواي ليعترض طريقنا تلميذ المعلم الكوني هنري دافيد ثورو -غاري سنيدر- لأجد نفسي بصدد احتساء كأس للتوقعات في إقليم النورماندي في فرنسا، لأسير هائما بين الخيال والحقيقة، بين الماضي والمستقبل، لكني سرعان ما أهتدي إلى زهرة توصلني إلى باب الشاعر الفرنسي الكبير ستيفان مالارميه. وإذا بي في حضرة الراحل سركون بولص في مدينة لوديف حيث يتماهى الشعر والحياة، وأنا من كتب عنه وترجم له وسار على خطاه في المدينة نفسها في أقل من سنة بعد زيارته لها”.
ويتابع “ها أنا أطير فجأة إلى عمان لألتقي من جديد بغاري سنيدر وهو يكتب عن مسقط رأس الشاعر زاهر الغافري. وفجأة، أرحل إلى مالمو في السويد حيث يقيم زاهر، لنغوص من جديد سويا في عمق الغابة السوداء الألمانية نقتفي أثر العظيم هولدرلين. وكأن شعر الرجل الذي تحمل الجنون على مدى أربعين عاما لا يكفي، فتراني أرقص معه في حضرة الفنانة قديسة الرقص والفلسفة والموسيقى إيزادورا دنكان، التي تومئ لنا بأن لا نترك الشاعر جورج تراكل يموت بمفرده في سن السابعة والعشرين. ومن ثم نعود لملاقاة مالارميه وهو يترجم إدغر ألان بو في حضرته وكأن بودلير لم يقم بالأمر من قبل”.
رحلة شعرية مثيرة يخوضها الغافري متنقلا بقارئ نصوصه الجديدة من ثقافة إلى أخرى ومن منطقة إلى أخرى، ومؤسسا لأرض شعرية تتلاقى فيها كل الثقافات واللغات والشخصيات البارزة.
يصف حسن الغافري في مجموعته الجديدة بماركو بولو، أشهر المستكشفين الإيطاليين على مر التاريخ، لكن الشاعر العماني يخط عوالمه بشعرية أعمق من الرحالة الإيطالي ليعيد اكتشاف العالم.
يقول حسن “إنه ماركو بولو تعمق في قراءة الشعر والاستماع إلى الموسيقى ومشاهدة أجمل وأنبل الأفلام السينمائية، فمن يقدر مثله على أن يدرج في قصيدة واحدة عظماء مثل غوستاف ماهلر وبيورن أندرسون ولوتشينو فيسكونتي؟ يفعل زاهر الغافري ذلك وأكثر فهو يجمعهم من جديد في ساحة سان ماركو بالبندقية مضمنا رائعة أخرى تضاف إلى روائع وأعمال هؤلاء، المتمثلة في رواية توماس مان ‘الموت في البندقية’. فهو بهذه الطريقة البسيطة والخلابة في الآن ذاته يجعل من الشعر أو بالتحديد من القصيدة الأرض التي تنمو وتترعرع فيها الفنون جميعا كالأزهار والنباتات والأشجار”.
الرؤية والمنجز
يستدرك حسن في تقديمه “لكن، زاهر الغافري شاعر وليس فيلسوفا يفكر تبعا لضربات مطرقة، وهو زيادة على ذلك طيب ومسالم، إذ يقول في قصيدة ‘رأيت الموت’: ‘سيأتي يوم وتظهر الكلمة كالقنفذ لتحمي نفسها’. أحب كثيرا هذا البيت بقدر ما يروق لي هذا التشبيه بين الكلمة والقنفذ”.
يضيف “فلنذهب أبعد بقليل، أليست الكلمة التي نقرأ عنها في الأناجيل أنها كانت البدء وأنها مثلت الله، خطرا كامنا بإمكانه أن يضر ويتسبب في الأذى وأحيانا في الموت؟ هذه الثنائية التي ينبني عليها هذا الديوان لزاهر الغافري ‘مدينة آدم’، حيث أصلا لا مدينة بدون أب البشر”.
ويتابع الغافري رؤيته الشعرية الفريدة التي واكبها منجزه منذ عقود حافرا طريقا في آفاق صعبة، إذ قال الغافري في حوار سابق معه إن “القصيدة نظام لكنه أيضا فضاء مفتوح لأفق الحرية والنظام الذي نتحدث عنه محكوم بشروط غاية في الخطورة، بمعنى آخر ليس سهلا الآن كتابة نص شعري عميق يستدرج فيه أو لنقل يذوب فيه الفكر ويكون في ذات الوقت مرتكزا على الأدوات الفنية في الكتابة”.
وأضاف “مثلا من يعتقد أن كتابة قصيدة النثر موضوع سهل فهو أرعن، أنا أعتقد أن قصيدة النثر من أعقد وأصعب أنواع الكتابة، إنه نوع من الانتحار أو إجبار الموت على الحضور فورا، لاحظ الخطورة هنا لأن كتابة قصيدة النثر ليست سياحة برانية بل إنها عملية حفر أنطولوجي يستنزف الشاعر، لذلك شاعر هذا النوع من الكتابة لا يلتفت إلى الخواطر الصغيرة التي يكتبها بعض الأحيان عدد من المشتغلين في مجال التواصل الاجتماعي”.
إنها الرؤية الشعرية التي تترسخ مع كل مجموعة جديدة للشاعر، الذي أدار رحلته الشعرية باقتدار دون أن يطمئن لمرفأ أو فكرة أو صورة.
يذكر أن زاهر الغافري من مواليد عمان عام 1956. خريج جامعة محمد الخامس/ قسم الفلسفة 1982 الرباط. أقام في عدد من البلدان العربية والأجنبية، منها العراق والمغرب وفرنسا وأميركا، يقيم حاليا في السويد، رأس تحرير مجلة البرواز المعنية بالفنون البصرية.
نشر الغافري في أغلب المجلات الثقافية في العالم العربي. حصل على جائزة كيكا للشعر عام 2006. ترجمت بعض أعماله إلى لغات عديدة؛ الإسبانية والإنجليزية والألمانية والسويدية والفارسية والهندية والفرنسية. أصدر مجموعات شعرية منها: “أظلاف بيضاء” 1983، “الصمت يأتي للاعتراف” 1991، “عزلة تفيض عن الليل” 1993، “أزهار في بئر” 2000، “ظلال بلون المياه” 2006، “كلما ظهر ملاك في القلعة” 2008، “المجموعات الخمس” 2013.