المهرجانات المسرحية وجه متألق لكل قطر عربي رغم الانتقادات والاحتجاجات
تظاهرات تحرر المسرحيين وتفتح تجاربهم على آفاق أوسع.
الثلاثاء 2024/06/04
ShareWhatsAppTwitterFacebook
المسرح العربي له أكثر من وجه
تنتشر المهرجانات المسرحية في مختلف الأقطار العربية، منها المحلي ومنها العربي والدولي، ورغم أهميتها في تنشيط الحراك المسرحي فإنها تتعرض باستمرار لانتقادات كبيرة، قد يصل بعضها إلى مرتبة الاحتجاج، وهي ظاهرة تحتاج إلى قراءة متأنية.
حقا نحن أمام إشكالية كبيرة بحجم المسرح العربي، تتنازعها وجهات النظر وفرضيات أهل “أبو الفنون” بين السلب والإيجاب، وتبتعد من صوابية المعايير وضوابط تقويم العمل المسرحي المشترك، على الرغم من سرعة الاتصال وانفتاح التواصل العضوي والثقافي الذي من المفترض فيه تقريب الرؤى والآراء بين المسرحيين العرب على اختلاف تجاربهم وجنسياتهم الوطنية.
نحن نتحدث هنا عن المهرجانات المسرحية العربية التي يجب التنبه إلى أننا لا نتوفر على إحصاء دقيق دائم ويومي لأنشطتها، باستثناء ما توفره “الهيئة العربية للمسرح” من قاعدة بيانات بهذا الصدد على مواقعها الإلكتروني، فمنها المستمر سنويا بلا توقف، ومنها ما يقام موسميا، ومنها ما توقف بعد دورتين أو ثلاث، أو توقف مؤقتا، أو قسرا ثم عاد وانطلق من جديد، ومنها الوليد المتوقع إطلاقه قريبا، ومنها الصغير المحلي، أو المتوسط، أو الكبير الشامل والدولي…إلخ.
أما المشترك الوحيد في تقلقل تلك المناسبات بين الاستمرار والمراوحة والتأجيل والإلغاء فهو تراكم المشاكل المادية أولا، ثم تفجر الحروب والأزمات السياسية والاجتماعية المضطربة التي غيبت “أبو الفنون” بشكل شبه تام عن بعض الدول كلبنان وسوريا والسودان واليمن.
تظاهرات تحت النقد
المهرجانات المسرحية المتنوعة تعبير واضح عن غنى ثقافي نوعي يترجم على الخشبة خصوصية المجتمعات العربية
لقد تقصينا أكثر من مئة مهرجان مسرحي بكافة أنواعها وأشكالها من الاحتراف إلى الهواية، فالجامعي، أو المدرسي، الشبابي، المرأة، الطفل، إلى المونودراما، والتجريب، الصحراوي، مسرح الشارع، الرحالة، ندعي أنها لم تكن ترفا فكريا ومجازات للتنظير، ولا حيزا تسلويا فحسب، إنما تعبير واضح عن غنى ثقافي نوعي يترجم على الخشبة خصوصية المجتمعات العربية من جهة، ويحاول الإجابة عن أسئلتها المتعلقة بقضاياها المصيرية المشتركة من جهة ثانية، على الرغم مما تتعرض له تلك المهرجانات من أسئلة التشكيك وتحديات الإحراج أو التشويه بمجرد انطلاقها.
ينبغي القول إن من المعيب الغمز من قناة التمتع برفاهية فنادق الأربع أو الخمس نجوم التي تؤمنها اللجان المنظمة لضيافة ومنامة المدعوين، ومن غير اللائق طرح هكذا ملاحظات لما فيها من تسخيف غير مقبول لمعنى المناسبة وأهميتها، وحط لقدر المسرحيين وجهودهم وتجاربهم وتاريخهم المهني الطويل.
في مثل هذا التصور فلا بأس في محاولة تفكيك الصورة العامة للمهرجانات بأدوات البحث والدرس والتحليل، منطلقين أولا من سيل الشكاوى والدعاوى التي ترتفع بها أصوات أهل المسرح من هنا وهناك على كافة وسائل النشر الورقي والتواصل والإلكتروني الخاصة والعامة، والتي من أبرزها وأولها مسألة غياب الجمهور عن العروض حضورا وتأثرا، بما هي علاقة فعالة في تنشيط دور هذه المناسبات الفنية، ودفعها إلى التجدد الدائم تحت سلطة مراقبة هذا الجمهور الذي يشكل غيابه تقوقعا للمسرح عن بيئته وانطواء على أصحابه من أهل الاختصاص في أبراجهم العاجية بعيدا عن نبض الشارع.
يرى البعض أن السبب الأول لغياب المُشاهِد المسرحي إنما يتبدى في طغيان عروض النخبة التي تعني متخصصي المسرح، لا المواطن العربي العادي الغارق بهمومه وأزماته وما أكثرها، وهو أمر وإن انسحب على معظم المهرجانات المسرحية، إلا أن القليل منها، وتحديدا ذات الفضاءات المفتوحة المرتبطة بأنواع مسرحية بعينها، هي خارج هذا التصنيف، كمسرح الشارع مثلا، (ذكر مسارح مماثلة) أو عروض مسارح الصحراء في غير بلد عربي ( تونس، الجزائر، الإمارات…) التي تلقى إقبالا جماهيريا مقنعا، كمهرجان المسرح الصحراوي في إمارة الشارقة الذي يعد الأمثل والأول عربيا من نوعه في استقطاب جمهور عريض يملأ المدرجات، قياسا على حداثة انطلاقته منذ سبع سنين فقط، وبما هو فضاء متسع جدا متاح مجانا لسكان البوادي والحواضر معا، اعتمدت إدارته إستراتيجية ذكية بنقله إلى بيئته الحاضنة وليس العكس، أي الذهاب بالعروض إلى أهل الصحراء لتستلهم بعمق تراثها الثقافي والاجتماعي من عادات وتقاليد ومبادئ إنسانية، عطفا على إجراء مسابقات ومحفزات الإقامة المجانية في فنادق صحراوية لمن يرغب المبيت فيها مع كرم الضيافة.
لكن هذه الصورة لم تكن مشرقة مضيئة دائما، على الرغم من الإعلانات الدعائية المنتشرة في كافة تطبيقات الصفحات الرقمية الذكية، وعلى اللوحات واللافتات الإعلانية المنتشرة في طول وعرض المدن التي تحتضن هكذا مناسبات مسرحية مفتوحة مجانا للدخول والمشاهدة والإمتاع والترفيه لمن يشاء.
العشرات من المهرجانات عبدت الطريق لتبادل الخبرات والأفكار والتعرف إلى منجزات أهل المسرح وتقديم تجارب جديدة
إن زهد الجمهور بالمسرح مشكلة قديمة جديدة، بُحثت وأُشبِعتْ درسا وتدقيقا على كافة المستويات القطرية والقومية، إلا أنها لم تجد حلولا حاسمة حتى اليوم، ويكفي الدخول إلى أرشيف المجلات والمواقع المسرحية المتخصصة الخاصة والعامة على امتداد الوطن العربي للوقوف على المئات من القراءات والمقالات التي تخلص إلى السؤال الكبير: أين المواطن العربي من المهرجانات المسرحية؟
في السياق، غالبا ما تعلن اللجان المنظمة للمهرجانات عن أسماء لجنة مشاهدة واختيار العروض التي لا تكاد تنتهي من أعمالها حتى تتعرض لموجة اتهامات تغليب الانطباعية والذاتية والميول الدفينة في ترجيح عرض على آخر، مع ما يتبعها من إشاعة معاني الالتباس والبلبلة على ما خرجت به من نتائج، وهي معضلة مزمنة لا حل لها كما يبدو، لا بل ترتبط توا بمتاعب موازية في الأهمية والتداول هي تحت دائرة الضوء باستمرار، نعني عملية تعيين لجان التحكيم التي يعترض عليها كثيرون بحجة فقدان أعضائها للأهلية والكفاءة المرجوة، وأنهم ليسوا بحجم المهرجان نفسه: تاريخه، منجزاته، عروضه، ورشاته…إلخ.
ويلي ذلك حكم من الدخول في دوامة نتائج تحكيم تلك اللجان للعروض المتنافسة، كأن يقال إن تعددية أعضاء اللجان وانتسابهم لجنسيات عربية مختلفة، ليست مانعا بالضرورة من التقاط إشارات توجهات هذا المهرجان أو ذاك، فهم حكام متمرسون بالعمل الإداري والمسرحي، يفهمون اللعبة جيدا، ولذلك فهم غالبا ما يخرجون بنتائج تناسب ما أرادته اللجان المنظمة، وهذه وجهة نظر قوية إنما غير موثقة طبعا، وتتجاهل إلى حد كبير، عفوا أو قصدا، حيثيات الاختلاف المعرفي والمرجعي والتجربة المسرحية الاحترافية للمحكمين مما سيؤثر تلقائيا على عملية تقييم العروض واختيارها.
ولا يتأخر آخرون بالطبع عن طرح مشكلة رديفة متصلة بمُهمتَي الاختيار والتحكيم أيضا هي إقصاء النقاد عن تلك اللجان، باعتبار أن الحيادية تقتضي ضرورة الفصل بين المسرحي والناقد، لأن الأخير على الأرجح لن يهادن في تقديم حكم موضوعي على المعروض، وقد يرى ما لا يراه صانع المسرح الذي همه الأول النجاة من شراك النقد والخروج بصفر ملاحظات حول عمله.
بطبيعة الحال، تنفي أوساط مسؤولي المهرجانات هكذا اتهامات بمبررات موضوعية أيضا، منها أن المحكمين هم من أهل الخضرمة والخبرة الواسعة من صانعي المسرح (مخرج، ممثل، مؤلف، سينوغراف…) زائد ثلة الأكاديميين والباحثين المختصين لسنوات طويلة في العمل المسرحي من النص إلى العرض، ما يجعلهم بالضرورة من خيرة النقاد الأفذاذ بشكل أو بآخر.
على هذا المستوى، تتجه بوصلة الاعتراضات إلى مسألة الدعوات التي يرى البعض أنها الدافع الأول لبدء إطلاق النار على هذا المهرجان أو ذاك من غير المدعوين، وهو أمر فيه نظر، فالصداقات والعلاقات والمصالح موجودة بالتأكيد، ولكنها لا تمنع من دعوة هذا أو ذاك مهما كانت وظيفته المسرحية، ولا قدرة لأحد في الوقوف على حقيقة نوايا مدير مهرجان ما في استضافة أصدقاء أو معارف لا يمكن بحال من الأحوال إنكار تمتعهم بمنجزات مسرحية على أنواعها وفي الحد الأدنى، فهذا مدير مهرجان ناجح جدا في بلد عربي شقيق، وذا مُخرج مجتهد، وذاك أو تلك من المواهب الشابة التي تضخ دماء التجدد وتغذي نزعة التغيير في المناسبة العتيدة، وأولئك ممثلون، مؤلفون، نقاد، منتجون، سينوغراف، صحافيون، وغيرهم من أرباب الثقافة المسرحية وأصحاب الخبرات والجوائز لسنوات طويلة على خشبة أبي الفنون.
زهد الجمهور بالمسرح مشكلة قديمة جديدة، بُحثت وأُشبِعتْ درسا وتدقيقا على كافة المستويات القطرية والقومية، إلا أنها لم تجد حلولا حاسمة حتى اليوم
وهكذا تواليا إلى ما يؤكد بمجموعه الحجة الدامغة لصوابية التوجه بالدعوات إلى مستحقيها، مع تعليل مسألة تكرار دعوة الضيوف في غير مناسبة بأنها تتعلق فقط بمجموعة الأفراد الذين لا أحد سواهم يشتغل بالمسرح في بلدانهم وهذا أمر طبيعي، ومع التأكيد دوما على ما يجب التركيز عليه، ألا وهو القيمة الفنية والفكرية/ المعرفية/ الثقافية التي يوفرها هؤلاء في إبداعاتهم وإنجازاتهم الفرجوية، وليس على الأسماء فحسب، فالعين على المنجز وليس على الشخصية بحد ذاتها، من دون أن يعني ذلك إغفال الطاقات الشابة، التي لا يمكن إنكار حرص بعض المهرجانات على دعوتها على قاعدة ما تبديه من كفاءة مسرحية كل وفق وظيفته (مؤلف، ممثل، مخرج، سينوغراف، ناقد…. إلخ).
هذا في الواقع، وعلى سبيل المثال، ما بدا لنا واضحا في “أيام الشارقة المسرحية” الدورة الـ32 في إمارة الشارقة التي كانت ملتقى شباب مسرحي واعد من كافة الدول العربية، ممن لهم تجاربهم الوليدة المبدعة ونتاجاتهم في كافة وجوه المسرح. إلا أن من المفارقات الغريبة أننا لا نكاد ننتهي من تبعة الدعوات حتى ندخل في مستويات طبيعة تصرفات المدعوين أنفسهم، الذين ينحو أغلبهم باتجاه تعرية المهرجان من مضامينه بسلبية بالغة وغير مفهومة في الأقوال والمواقف التي تستهدف قضاياه التي يتبناها: التجريب، الطفل، المدرسي، المونودراما، الصحراء، الشبابي وغيرها، بدلا من رفدها بالفرضيات واستنباط الحقائق بوصفها حلولا، كما أن بعضهم الآخر، على قلتهم، هم ممن لم يشتغلوا مسرحا منذ سنوات طويلة، ما يطرح التساؤلات عما يمكن أن يضيفوه من جديد لأي مهرجان يُفترَض أنه يواكب روح العصر.
هذا عطفا على تقاعس مدعوين آخرين عن أي تجاوب أو تداخل مع الفعاليات في مكان وزمان انعقادها، ولا نبالغ إذا قلنا إن واحدهم لا يكاد يتكلم بكلمة واحدة في الشأن المسرحي، وهذه أمور خبرناها وشهدناها غير مرة. قد يقول قائل أيضا إن منظمي المهرجانات هم أصحاب الأرض والمال والقرار في إملاء سياسة المهرجان وبرامجه وأهدافه وحتى توزيع جوائزه، فكيف يمكن التدخل لتصحيح مساراته فيما لو سلكت طرقا خاطئة إلا في حدود النقد والاحتجاج الكلامي من بعيد، علما أن إبداء هكذا ملاحظات قد يحرج أهل المهرجان ويدخِلُك معهم في اعتبارات شخصية خالصة تؤدي في الغالب إلى الاصطدام بالأقلام الداعمة له حتى أقصى المجاملات، ومع الاشارة إلى أن مروحة الاعتراضات مهما اتسعت لا تغير شيئا من الواقع ولا من توجهات أصحاب المناسبة على قاعدة: أنت تقول ما تريد ونحن نفعل ما نريد.
أهمية المهرجانات
بنفس زاوية الرؤية، يمكن الاستفاضة في إيجابيات الجهود المسرحية للمهرجانات من أيام قرطاج المسرحية إلى مهرجانات الكويت، الأردن، الدوحة، بغداد الدولي، الجزائري الوطني للمسرح المحترف، القومي المصري، المسرح الحُر بعمان، الدن بسلطنة عمان، الخليجي الشارقة، وغيرها العشرات التي عبدت الطريق لتبادل الخبرات والأفكار والتعرف إلى منجزات أهل المسرح، كما قدمت من دون شك وجها مدينيا متألقا لكل قطر عربي بإشهار طاقاته المسرحية من النص إلى العرض في صميم احتفالياتها.
نلاحظ ما تشمله هذه التظاهرات من نشاطات، من ورشات تطبيقية تعنى بالإخراج والتمثيل والسينوغرافيا، والنقد، والكتابة المسرحية، إلى توجيه وتشجيع المواهب الشابة وأوائل طلاب الأكاديميات وكليات ومعاهد الفنون في العالم العربي، مما ينضوي بكليته تحت مهمة تعزيز العمل المسرحي المشترك وتذليل عقباته حتى الخروج بمقررات ريادية، منها ما تتم ترجمته عمليا بالسرعة الممكنة، ومنها ما يبقى على شكل توصيات لانعدام القدرة والدعم المادي لتنفيذه.
طبعا يجب التنبه إلى منجز حيوي آخر هو التقاء جيل الشباب المسرحي بمن سبقهم من الرواد، لاسيما مع ما نلحظه من ملامح القطيعة التي بدأت تطل بوجهها بين الأجيال من وقت إلى آخر في المسرح كما في غيره، ومع الحاجة إلى اغتذاء العلاقة المسرحية بين المشرق العربي ومغربه بالمزيد من أنشطة مناسباتية مسرحية كثيرة تؤمن اكتشاف رؤى جديدة يحملها الفريقان، وإمكانية عقد اتفاقات وانطلاق أعمال مشتركة جديدة على هامشها.
المهرجانات كشفت عن مواهب كثيرة جددت طاقاتها في العمق الثقافي العربي، كما اتسعت آفاقها كمنابر حرة متاحة للتعبير عن الأحوال والمشاكل والآمال المسرحية بصدق وصراحة وشفافية
المهرجانات كشفت أيضا عن مواهب كثيرة (تمثيل، إخراج، تأليف، سينوغرافيا…) جددت طاقاتها في العمق الثقافي العربي، بعدما كانت محدودة ومقيدة التحرك والإبداع في بلدانها لسنوات طويلة، كما اتسعت آفاقها كمنابر حرة متاحة للتعبير عن الأحوال والمشاكل والآمال المسرحية بصدق وصراحة وشفافية، ولتحقيق ونشر ثقافة مسرحية تعي الأزمات الساخنة المعاصرة، الاجتماعية والثقافية، المشتركة في الغالب بين المسرحيين، والوقوف على كينونتها، وتوحد رؤاهم لقضايا الأمة العربية، كقضية فلسطين، أو قضايا الالتزام الأخرى من محاربة الجهل والأمية والفقر والتخلف والمرض، إلى حرية الرأي والقول والمعتقد… إلخ، ما يؤكد أنها حركة فنية فكرية ثقافية، تنويرية في خدمة الأمة.
في ضوء هذا الفهم، لنا أن نورد أخيرا، نموذجا يُحتذى لطبيعة عمل وتوجهات المهرجانات المسرحية العربية، كإطلاق وتحفيز التجارب المعاصرة والمبتكرة من خلال الدعم المادي والمعنوي للفرق المسرحية، مما يتولاه اليوم ثنائي رعاية المسرح في العالم العربي، نعني الهيئة العربية للمسرح وإدارة المسارح في دائرة الثقافة في إمارة الشارقة، يجب التنويه به بما هو مأثرة ثقافية متفردة، معاصرة غير ربحية، ونوعية غير مسبوقة، تسعى إلى بناء إستراتيجية مسرحية طويلة الأمد، وبدعم مادي ومعنوي غاية في السخاء، أحد منجزاتها دعم إقامة مهرجانات وورش ودورات تأهيل مسرحي بالشراكة والتنسيق مع صناع المسرح في أقطار الوطن العربي.
ولنا خير مثال في انعقاد “مهرجان المسرح العربي” في عدد من العواصم العربية كالقاهرة، الدوحة، الكويت، بيروت، عمان والدار البيضاء، وأخيرا في بغداد في دورته الأخيرة الرابعة عشرة التي شكلت ظاهرة وتظاهرة مسرحية عربية ضخمة وشاملة في التنوع المسرحي والعروض على أنواعها ومدارسها.
إضافة إلى ذلك تعيين مجلس أمناء الهيئة الذي وجه به الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي ليضم مختلف الشخصيات المسرحية الرائدة عربيا لوضع إستراتيجيات تطوير العمل المسرحي العربي، وتكريم رجال مسرح من مخرجين وممثلين ومؤلفين وباحثين وغيرهم، وتوزيع الجوائز لمستحقيها، وغيرها من الإنجازات التي تؤكدها الوقائع ولا ينكرها إلا جاحد بعيدا من المجاملات. في كل حال، غني عن البيان أننا لا نستطيع الإحاطة بكافة المشاكل المحيطة بالمهرجانات المسرحية، محليا وعربيا، لما في هذه المهمة من صعوبات جمة، لكننا لم نتأخر عن بسط ما توفرنا عليه من مآخذ طاولت مسيرتها دائما، تبقى في حيز النوايا التي لا يمكننا الحكم عليها إذا لم تقترن بالأدلة والشواهد والأسماء، ومن قبيل الاعتراضات التي هي في الواقع بروباغندا مركزة بأقلام وأدوات إعلامية تستهدف المناسبات المسرحية الجامعة من التنظيم إلى الفعاليات، على الرغم من جهود أصحابها الكبيرة.
ShareWhatsAppTwitterFacebook
الحسام محيي الدين
كاتب لبناني
تظاهرات تحرر المسرحيين وتفتح تجاربهم على آفاق أوسع.
الثلاثاء 2024/06/04
ShareWhatsAppTwitterFacebook
المسرح العربي له أكثر من وجه
تنتشر المهرجانات المسرحية في مختلف الأقطار العربية، منها المحلي ومنها العربي والدولي، ورغم أهميتها في تنشيط الحراك المسرحي فإنها تتعرض باستمرار لانتقادات كبيرة، قد يصل بعضها إلى مرتبة الاحتجاج، وهي ظاهرة تحتاج إلى قراءة متأنية.
حقا نحن أمام إشكالية كبيرة بحجم المسرح العربي، تتنازعها وجهات النظر وفرضيات أهل “أبو الفنون” بين السلب والإيجاب، وتبتعد من صوابية المعايير وضوابط تقويم العمل المسرحي المشترك، على الرغم من سرعة الاتصال وانفتاح التواصل العضوي والثقافي الذي من المفترض فيه تقريب الرؤى والآراء بين المسرحيين العرب على اختلاف تجاربهم وجنسياتهم الوطنية.
نحن نتحدث هنا عن المهرجانات المسرحية العربية التي يجب التنبه إلى أننا لا نتوفر على إحصاء دقيق دائم ويومي لأنشطتها، باستثناء ما توفره “الهيئة العربية للمسرح” من قاعدة بيانات بهذا الصدد على مواقعها الإلكتروني، فمنها المستمر سنويا بلا توقف، ومنها ما يقام موسميا، ومنها ما توقف بعد دورتين أو ثلاث، أو توقف مؤقتا، أو قسرا ثم عاد وانطلق من جديد، ومنها الوليد المتوقع إطلاقه قريبا، ومنها الصغير المحلي، أو المتوسط، أو الكبير الشامل والدولي…إلخ.
أما المشترك الوحيد في تقلقل تلك المناسبات بين الاستمرار والمراوحة والتأجيل والإلغاء فهو تراكم المشاكل المادية أولا، ثم تفجر الحروب والأزمات السياسية والاجتماعية المضطربة التي غيبت “أبو الفنون” بشكل شبه تام عن بعض الدول كلبنان وسوريا والسودان واليمن.
تظاهرات تحت النقد
المهرجانات المسرحية المتنوعة تعبير واضح عن غنى ثقافي نوعي يترجم على الخشبة خصوصية المجتمعات العربية
لقد تقصينا أكثر من مئة مهرجان مسرحي بكافة أنواعها وأشكالها من الاحتراف إلى الهواية، فالجامعي، أو المدرسي، الشبابي، المرأة، الطفل، إلى المونودراما، والتجريب، الصحراوي، مسرح الشارع، الرحالة، ندعي أنها لم تكن ترفا فكريا ومجازات للتنظير، ولا حيزا تسلويا فحسب، إنما تعبير واضح عن غنى ثقافي نوعي يترجم على الخشبة خصوصية المجتمعات العربية من جهة، ويحاول الإجابة عن أسئلتها المتعلقة بقضاياها المصيرية المشتركة من جهة ثانية، على الرغم مما تتعرض له تلك المهرجانات من أسئلة التشكيك وتحديات الإحراج أو التشويه بمجرد انطلاقها.
ينبغي القول إن من المعيب الغمز من قناة التمتع برفاهية فنادق الأربع أو الخمس نجوم التي تؤمنها اللجان المنظمة لضيافة ومنامة المدعوين، ومن غير اللائق طرح هكذا ملاحظات لما فيها من تسخيف غير مقبول لمعنى المناسبة وأهميتها، وحط لقدر المسرحيين وجهودهم وتجاربهم وتاريخهم المهني الطويل.
في مثل هذا التصور فلا بأس في محاولة تفكيك الصورة العامة للمهرجانات بأدوات البحث والدرس والتحليل، منطلقين أولا من سيل الشكاوى والدعاوى التي ترتفع بها أصوات أهل المسرح من هنا وهناك على كافة وسائل النشر الورقي والتواصل والإلكتروني الخاصة والعامة، والتي من أبرزها وأولها مسألة غياب الجمهور عن العروض حضورا وتأثرا، بما هي علاقة فعالة في تنشيط دور هذه المناسبات الفنية، ودفعها إلى التجدد الدائم تحت سلطة مراقبة هذا الجمهور الذي يشكل غيابه تقوقعا للمسرح عن بيئته وانطواء على أصحابه من أهل الاختصاص في أبراجهم العاجية بعيدا عن نبض الشارع.
يرى البعض أن السبب الأول لغياب المُشاهِد المسرحي إنما يتبدى في طغيان عروض النخبة التي تعني متخصصي المسرح، لا المواطن العربي العادي الغارق بهمومه وأزماته وما أكثرها، وهو أمر وإن انسحب على معظم المهرجانات المسرحية، إلا أن القليل منها، وتحديدا ذات الفضاءات المفتوحة المرتبطة بأنواع مسرحية بعينها، هي خارج هذا التصنيف، كمسرح الشارع مثلا، (ذكر مسارح مماثلة) أو عروض مسارح الصحراء في غير بلد عربي ( تونس، الجزائر، الإمارات…) التي تلقى إقبالا جماهيريا مقنعا، كمهرجان المسرح الصحراوي في إمارة الشارقة الذي يعد الأمثل والأول عربيا من نوعه في استقطاب جمهور عريض يملأ المدرجات، قياسا على حداثة انطلاقته منذ سبع سنين فقط، وبما هو فضاء متسع جدا متاح مجانا لسكان البوادي والحواضر معا، اعتمدت إدارته إستراتيجية ذكية بنقله إلى بيئته الحاضنة وليس العكس، أي الذهاب بالعروض إلى أهل الصحراء لتستلهم بعمق تراثها الثقافي والاجتماعي من عادات وتقاليد ومبادئ إنسانية، عطفا على إجراء مسابقات ومحفزات الإقامة المجانية في فنادق صحراوية لمن يرغب المبيت فيها مع كرم الضيافة.
لكن هذه الصورة لم تكن مشرقة مضيئة دائما، على الرغم من الإعلانات الدعائية المنتشرة في كافة تطبيقات الصفحات الرقمية الذكية، وعلى اللوحات واللافتات الإعلانية المنتشرة في طول وعرض المدن التي تحتضن هكذا مناسبات مسرحية مفتوحة مجانا للدخول والمشاهدة والإمتاع والترفيه لمن يشاء.
العشرات من المهرجانات عبدت الطريق لتبادل الخبرات والأفكار والتعرف إلى منجزات أهل المسرح وتقديم تجارب جديدة
إن زهد الجمهور بالمسرح مشكلة قديمة جديدة، بُحثت وأُشبِعتْ درسا وتدقيقا على كافة المستويات القطرية والقومية، إلا أنها لم تجد حلولا حاسمة حتى اليوم، ويكفي الدخول إلى أرشيف المجلات والمواقع المسرحية المتخصصة الخاصة والعامة على امتداد الوطن العربي للوقوف على المئات من القراءات والمقالات التي تخلص إلى السؤال الكبير: أين المواطن العربي من المهرجانات المسرحية؟
في السياق، غالبا ما تعلن اللجان المنظمة للمهرجانات عن أسماء لجنة مشاهدة واختيار العروض التي لا تكاد تنتهي من أعمالها حتى تتعرض لموجة اتهامات تغليب الانطباعية والذاتية والميول الدفينة في ترجيح عرض على آخر، مع ما يتبعها من إشاعة معاني الالتباس والبلبلة على ما خرجت به من نتائج، وهي معضلة مزمنة لا حل لها كما يبدو، لا بل ترتبط توا بمتاعب موازية في الأهمية والتداول هي تحت دائرة الضوء باستمرار، نعني عملية تعيين لجان التحكيم التي يعترض عليها كثيرون بحجة فقدان أعضائها للأهلية والكفاءة المرجوة، وأنهم ليسوا بحجم المهرجان نفسه: تاريخه، منجزاته، عروضه، ورشاته…إلخ.
ويلي ذلك حكم من الدخول في دوامة نتائج تحكيم تلك اللجان للعروض المتنافسة، كأن يقال إن تعددية أعضاء اللجان وانتسابهم لجنسيات عربية مختلفة، ليست مانعا بالضرورة من التقاط إشارات توجهات هذا المهرجان أو ذاك، فهم حكام متمرسون بالعمل الإداري والمسرحي، يفهمون اللعبة جيدا، ولذلك فهم غالبا ما يخرجون بنتائج تناسب ما أرادته اللجان المنظمة، وهذه وجهة نظر قوية إنما غير موثقة طبعا، وتتجاهل إلى حد كبير، عفوا أو قصدا، حيثيات الاختلاف المعرفي والمرجعي والتجربة المسرحية الاحترافية للمحكمين مما سيؤثر تلقائيا على عملية تقييم العروض واختيارها.
ولا يتأخر آخرون بالطبع عن طرح مشكلة رديفة متصلة بمُهمتَي الاختيار والتحكيم أيضا هي إقصاء النقاد عن تلك اللجان، باعتبار أن الحيادية تقتضي ضرورة الفصل بين المسرحي والناقد، لأن الأخير على الأرجح لن يهادن في تقديم حكم موضوعي على المعروض، وقد يرى ما لا يراه صانع المسرح الذي همه الأول النجاة من شراك النقد والخروج بصفر ملاحظات حول عمله.
بطبيعة الحال، تنفي أوساط مسؤولي المهرجانات هكذا اتهامات بمبررات موضوعية أيضا، منها أن المحكمين هم من أهل الخضرمة والخبرة الواسعة من صانعي المسرح (مخرج، ممثل، مؤلف، سينوغراف…) زائد ثلة الأكاديميين والباحثين المختصين لسنوات طويلة في العمل المسرحي من النص إلى العرض، ما يجعلهم بالضرورة من خيرة النقاد الأفذاذ بشكل أو بآخر.
على هذا المستوى، تتجه بوصلة الاعتراضات إلى مسألة الدعوات التي يرى البعض أنها الدافع الأول لبدء إطلاق النار على هذا المهرجان أو ذاك من غير المدعوين، وهو أمر فيه نظر، فالصداقات والعلاقات والمصالح موجودة بالتأكيد، ولكنها لا تمنع من دعوة هذا أو ذاك مهما كانت وظيفته المسرحية، ولا قدرة لأحد في الوقوف على حقيقة نوايا مدير مهرجان ما في استضافة أصدقاء أو معارف لا يمكن بحال من الأحوال إنكار تمتعهم بمنجزات مسرحية على أنواعها وفي الحد الأدنى، فهذا مدير مهرجان ناجح جدا في بلد عربي شقيق، وذا مُخرج مجتهد، وذاك أو تلك من المواهب الشابة التي تضخ دماء التجدد وتغذي نزعة التغيير في المناسبة العتيدة، وأولئك ممثلون، مؤلفون، نقاد، منتجون، سينوغراف، صحافيون، وغيرهم من أرباب الثقافة المسرحية وأصحاب الخبرات والجوائز لسنوات طويلة على خشبة أبي الفنون.
زهد الجمهور بالمسرح مشكلة قديمة جديدة، بُحثت وأُشبِعتْ درسا وتدقيقا على كافة المستويات القطرية والقومية، إلا أنها لم تجد حلولا حاسمة حتى اليوم
وهكذا تواليا إلى ما يؤكد بمجموعه الحجة الدامغة لصوابية التوجه بالدعوات إلى مستحقيها، مع تعليل مسألة تكرار دعوة الضيوف في غير مناسبة بأنها تتعلق فقط بمجموعة الأفراد الذين لا أحد سواهم يشتغل بالمسرح في بلدانهم وهذا أمر طبيعي، ومع التأكيد دوما على ما يجب التركيز عليه، ألا وهو القيمة الفنية والفكرية/ المعرفية/ الثقافية التي يوفرها هؤلاء في إبداعاتهم وإنجازاتهم الفرجوية، وليس على الأسماء فحسب، فالعين على المنجز وليس على الشخصية بحد ذاتها، من دون أن يعني ذلك إغفال الطاقات الشابة، التي لا يمكن إنكار حرص بعض المهرجانات على دعوتها على قاعدة ما تبديه من كفاءة مسرحية كل وفق وظيفته (مؤلف، ممثل، مخرج، سينوغراف، ناقد…. إلخ).
هذا في الواقع، وعلى سبيل المثال، ما بدا لنا واضحا في “أيام الشارقة المسرحية” الدورة الـ32 في إمارة الشارقة التي كانت ملتقى شباب مسرحي واعد من كافة الدول العربية، ممن لهم تجاربهم الوليدة المبدعة ونتاجاتهم في كافة وجوه المسرح. إلا أن من المفارقات الغريبة أننا لا نكاد ننتهي من تبعة الدعوات حتى ندخل في مستويات طبيعة تصرفات المدعوين أنفسهم، الذين ينحو أغلبهم باتجاه تعرية المهرجان من مضامينه بسلبية بالغة وغير مفهومة في الأقوال والمواقف التي تستهدف قضاياه التي يتبناها: التجريب، الطفل، المدرسي، المونودراما، الصحراء، الشبابي وغيرها، بدلا من رفدها بالفرضيات واستنباط الحقائق بوصفها حلولا، كما أن بعضهم الآخر، على قلتهم، هم ممن لم يشتغلوا مسرحا منذ سنوات طويلة، ما يطرح التساؤلات عما يمكن أن يضيفوه من جديد لأي مهرجان يُفترَض أنه يواكب روح العصر.
هذا عطفا على تقاعس مدعوين آخرين عن أي تجاوب أو تداخل مع الفعاليات في مكان وزمان انعقادها، ولا نبالغ إذا قلنا إن واحدهم لا يكاد يتكلم بكلمة واحدة في الشأن المسرحي، وهذه أمور خبرناها وشهدناها غير مرة. قد يقول قائل أيضا إن منظمي المهرجانات هم أصحاب الأرض والمال والقرار في إملاء سياسة المهرجان وبرامجه وأهدافه وحتى توزيع جوائزه، فكيف يمكن التدخل لتصحيح مساراته فيما لو سلكت طرقا خاطئة إلا في حدود النقد والاحتجاج الكلامي من بعيد، علما أن إبداء هكذا ملاحظات قد يحرج أهل المهرجان ويدخِلُك معهم في اعتبارات شخصية خالصة تؤدي في الغالب إلى الاصطدام بالأقلام الداعمة له حتى أقصى المجاملات، ومع الاشارة إلى أن مروحة الاعتراضات مهما اتسعت لا تغير شيئا من الواقع ولا من توجهات أصحاب المناسبة على قاعدة: أنت تقول ما تريد ونحن نفعل ما نريد.
أهمية المهرجانات
بنفس زاوية الرؤية، يمكن الاستفاضة في إيجابيات الجهود المسرحية للمهرجانات من أيام قرطاج المسرحية إلى مهرجانات الكويت، الأردن، الدوحة، بغداد الدولي، الجزائري الوطني للمسرح المحترف، القومي المصري، المسرح الحُر بعمان، الدن بسلطنة عمان، الخليجي الشارقة، وغيرها العشرات التي عبدت الطريق لتبادل الخبرات والأفكار والتعرف إلى منجزات أهل المسرح، كما قدمت من دون شك وجها مدينيا متألقا لكل قطر عربي بإشهار طاقاته المسرحية من النص إلى العرض في صميم احتفالياتها.
نلاحظ ما تشمله هذه التظاهرات من نشاطات، من ورشات تطبيقية تعنى بالإخراج والتمثيل والسينوغرافيا، والنقد، والكتابة المسرحية، إلى توجيه وتشجيع المواهب الشابة وأوائل طلاب الأكاديميات وكليات ومعاهد الفنون في العالم العربي، مما ينضوي بكليته تحت مهمة تعزيز العمل المسرحي المشترك وتذليل عقباته حتى الخروج بمقررات ريادية، منها ما تتم ترجمته عمليا بالسرعة الممكنة، ومنها ما يبقى على شكل توصيات لانعدام القدرة والدعم المادي لتنفيذه.
طبعا يجب التنبه إلى منجز حيوي آخر هو التقاء جيل الشباب المسرحي بمن سبقهم من الرواد، لاسيما مع ما نلحظه من ملامح القطيعة التي بدأت تطل بوجهها بين الأجيال من وقت إلى آخر في المسرح كما في غيره، ومع الحاجة إلى اغتذاء العلاقة المسرحية بين المشرق العربي ومغربه بالمزيد من أنشطة مناسباتية مسرحية كثيرة تؤمن اكتشاف رؤى جديدة يحملها الفريقان، وإمكانية عقد اتفاقات وانطلاق أعمال مشتركة جديدة على هامشها.
المهرجانات كشفت عن مواهب كثيرة جددت طاقاتها في العمق الثقافي العربي، كما اتسعت آفاقها كمنابر حرة متاحة للتعبير عن الأحوال والمشاكل والآمال المسرحية بصدق وصراحة وشفافية
المهرجانات كشفت أيضا عن مواهب كثيرة (تمثيل، إخراج، تأليف، سينوغرافيا…) جددت طاقاتها في العمق الثقافي العربي، بعدما كانت محدودة ومقيدة التحرك والإبداع في بلدانها لسنوات طويلة، كما اتسعت آفاقها كمنابر حرة متاحة للتعبير عن الأحوال والمشاكل والآمال المسرحية بصدق وصراحة وشفافية، ولتحقيق ونشر ثقافة مسرحية تعي الأزمات الساخنة المعاصرة، الاجتماعية والثقافية، المشتركة في الغالب بين المسرحيين، والوقوف على كينونتها، وتوحد رؤاهم لقضايا الأمة العربية، كقضية فلسطين، أو قضايا الالتزام الأخرى من محاربة الجهل والأمية والفقر والتخلف والمرض، إلى حرية الرأي والقول والمعتقد… إلخ، ما يؤكد أنها حركة فنية فكرية ثقافية، تنويرية في خدمة الأمة.
في ضوء هذا الفهم، لنا أن نورد أخيرا، نموذجا يُحتذى لطبيعة عمل وتوجهات المهرجانات المسرحية العربية، كإطلاق وتحفيز التجارب المعاصرة والمبتكرة من خلال الدعم المادي والمعنوي للفرق المسرحية، مما يتولاه اليوم ثنائي رعاية المسرح في العالم العربي، نعني الهيئة العربية للمسرح وإدارة المسارح في دائرة الثقافة في إمارة الشارقة، يجب التنويه به بما هو مأثرة ثقافية متفردة، معاصرة غير ربحية، ونوعية غير مسبوقة، تسعى إلى بناء إستراتيجية مسرحية طويلة الأمد، وبدعم مادي ومعنوي غاية في السخاء، أحد منجزاتها دعم إقامة مهرجانات وورش ودورات تأهيل مسرحي بالشراكة والتنسيق مع صناع المسرح في أقطار الوطن العربي.
ولنا خير مثال في انعقاد “مهرجان المسرح العربي” في عدد من العواصم العربية كالقاهرة، الدوحة، الكويت، بيروت، عمان والدار البيضاء، وأخيرا في بغداد في دورته الأخيرة الرابعة عشرة التي شكلت ظاهرة وتظاهرة مسرحية عربية ضخمة وشاملة في التنوع المسرحي والعروض على أنواعها ومدارسها.
إضافة إلى ذلك تعيين مجلس أمناء الهيئة الذي وجه به الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي ليضم مختلف الشخصيات المسرحية الرائدة عربيا لوضع إستراتيجيات تطوير العمل المسرحي العربي، وتكريم رجال مسرح من مخرجين وممثلين ومؤلفين وباحثين وغيرهم، وتوزيع الجوائز لمستحقيها، وغيرها من الإنجازات التي تؤكدها الوقائع ولا ينكرها إلا جاحد بعيدا من المجاملات. في كل حال، غني عن البيان أننا لا نستطيع الإحاطة بكافة المشاكل المحيطة بالمهرجانات المسرحية، محليا وعربيا، لما في هذه المهمة من صعوبات جمة، لكننا لم نتأخر عن بسط ما توفرنا عليه من مآخذ طاولت مسيرتها دائما، تبقى في حيز النوايا التي لا يمكننا الحكم عليها إذا لم تقترن بالأدلة والشواهد والأسماء، ومن قبيل الاعتراضات التي هي في الواقع بروباغندا مركزة بأقلام وأدوات إعلامية تستهدف المناسبات المسرحية الجامعة من التنظيم إلى الفعاليات، على الرغم من جهود أصحابها الكبيرة.
ShareWhatsAppTwitterFacebook
الحسام محيي الدين
كاتب لبناني