قراءة نقدية في شعر بدوي الجبل وملحمة الجلاء
# صحيفة الثورة في 10 مايو , 2022 بتوقيت دمشـــق
سلوى إسماعيل الديب:
من على منبر رابطة الخريجين الجامعيين في حمص، أبحر الأستاذ الدكتور في النقد الأدبي في جامعة البعث “أحمد دهمان”في تجربة الشاعر الكبير بدوي الجبل ” محمد سليمان الأحمد 1903-1981″ ، بعنوان ” بدوي الجبل وملحمة الجلاء”، بحضور عدد من أعضاء الرابطة والمهتمين بالثقافة.
فأشار “دهمان” بأن بدوي الجبل من أهم الشعراء الاتباعيين في سورية، وأنه قد جنح إلى التشبه بالأقدمين، وركز شعره لبعث الأمجاد العربية العظيمة، فاهتم بجزالة اللفظ، ورصانة الديباجة، ووقف خاشعاً في محراب الشعر الأصيل حتى نظن أننا ونحن نقرأ في ديوانه أننا نتعامل مع عظيم الشعر العربي المتنبي، من حيث الجرأة والنزعة الإنسانية والتعبير الصريح.
وأضاف دهمان بأن شعر “بدوي الجبل” توّج بالجزالة والرصانة، وبعث حروفه أنغام الأصوات الشعرية القديمة، وأن أهم ما عرف عن الشاعر أنه كان يدافع عن وحدة الوطن العربي، ويقارع دعاة التجزئة في غير هوادة حتى أطلق عليه لقب “شاعر العربية” فهو القائل:
كلُّ مجد يفنى ويبقى لشعري شرف باذخ ُ ومجدٌ أثيلُ
واعتبر الشاعر بحق شبيه ذاته وله كيان شعري مستقل بأدواته، ديباجة وخيالاً ومعاني ونغماً، درس القرآن والحديث ونهج البلاغة، وأوغل في مطالعة كتب الأدب العربي كالأغاني والأمالي وآثار الجاحظ والتوحيدي، وقرأ المترجمات إلى العربية من علوم إنسانية ونتاجات أدبية، حتى غدا الشعر لديه ترجمات القلب، وليس نظماً تقريرياً بارداً، مصدره العقل أو التكلف أو الصنعة..
وتحدث دهمان عن مراثي البدوي التي ليست شعر المناسبات في شيء، أي ليست تفجعاً ونحيبا وتعداد محاسن، ولكنها تثير الأخيلة بصورة أخاذة لإخوانه الراحلين، تحمل اللوعة، وتضفي على الحزن وسامةً وشعراً يذكرنا بمرثيات أبي تمام للطوسي..
طلعة تفرح العيون وتسبيها وتغزو القلوب كبراً ومجدا
وأن البوح الوطني الصادق الحار العاطفة، والذي يترجم وظيفة الشاعر في مجتمع ناهض يرنو إلى مستقبل عزيز، تجلى من خلاله بدوي الجبل فارس الكلمة المقاتلة، والمعنى المجنح، والرغبة الصادقة في بناء أمة موحدة، تنهض بجهود أبنائها المخلصين، وإن هذا الشاعر الإنسان والفنان الذي كان يأمل أن تبقى ذكراه حية في العقول والقلوب..
وأخيراً: تناول البدوي على المستوى الإبداعي فهو شاعر تمادت في نتاجه الشعري الطرق الشعرية القديمة نظراً وتعبيراً، إلا أنه كان في مستوى القدماء تمكناً وصناعة، فكان صوته عالياً، متميزاً، أوصل الطريقة القديمة إلى نقطة لا يمكن تجاوزها إلا بالتخلي عنها..