Sharif Shahin
٨ مايو، الساعة ١٠:٣١ م ·
الحب أعمى
1
قد لا أكون وحدي، ولكني مصاب بحبها العضال على نحو لا شفاء منه .
أحب هذه الفاتنة الباذخة في جمالها و المسجاة على سرير مرضها ، وبودي لو أقول نقاهتها.
2
نعم ، سأعترف قدام محاكم التاريخ كلها ، منذ جريمة قابيل الأولى ، وحتى آبد ما يأتي، و لكل من يهمه الأمر ، وچتى لمن لا يهمه ايضاً..بأنني لازلت عاشقاً مدنفاً لهذه البلاد التي ولدت بهذا الاسم المهيب ، والتي سيبقى اسمها مهيباً مهاباً أبداً. فالمهابة تستولد الحب .
3
تتيمني هذه الرائعة ، حلوة الحلوات، هذه السورية كلها، وخاصة تلك الأرض التي مساحتها ١٨٥ ألف كيلو متر مربع ، وكذلك سورية التي حجمها ١٨٥ ألف كيلو
متر مكعب أو أكثر بكثير . لأنني لا اريد ان اتخلى عن حصتي في سمائها العالية ، ونجومها المتألقة، وقمرها الحارس لوله العشاق ، و شطحات المتصوفة.
لا أريد ان أنسى حصتي من غيومها القلقة، ومن بروقها و رعودها وتجهمها وصفائها واقواس قزحها وكل شئ آخر يتحرك او يتمايل او يسري اويثبت فيها ، بما في ذلك غبارها البني و مطرها الحامضي.
4
عاشق أنا ،ايضاً ، لكل ذرة تراب في هذه السورية. ولكل من يدب عليها،او يختبئ في أعماقها أو ينط مزهوا على اديمها، ولكل من تشبث فيها او بها، ولكل من هجرها زعلاً او ضيقاً او طلباً لرزق او هروباً من خوف .
5
أحبها بجنون . كم أحب نملها ونحلها وذبابها وصراصيرها، ونمورها وثعالبها، ومجتراتها وذوات الحافر فيها وكل مخلوق آخر يشعر أنها بلاده.
6
تولهني نباتاتها ؛ عشباً أخضر كالسعادة نفسها ،أو يابساً كطعم الشوك في الفم.
احب أشجارها، مثمرها وعقيمها ، وحبقها وياسمينها وفلها ووردها وأزهارها البرية ، وكل جزيئة يخضور فيها.
يسكرني الشذى اللاذع في رائحة ترابها بعيد المطرة الأولى في أواخر خريفها ، وروائح حنطتها، وشذى ورودها الشامية، وعبير تنفس زهر لوزها ومشمشها ودراقها ، وكل مشموم من أشيائها و نباتها وهوامها ومخلوقاتها الآخر وبشرها.
6
تسكرني ينابيعها الصغيرة اليتيمة في الجبال العالية القصية ، وانهارها وبحيراتها ومستنقعاتها وكل ما له علاقة بجزيئة الماء فيها.
7
أحب دمشقها، وهي تستحضرك على مزاجها الخاص ، لتدلك على مفاتنها، وتتمنع عليك في الآن ذاته، ثم تتركك تنساب على انثناءات روحها كالمأخوذ.
دمشق، إذن ، تلك التي استهلت بدء النبض البشري الأول ، وعجنت طين قاسيون بروح خالقه، فصارت قلباً بشريا ، تناسل وامتد في فضاءات الله الواسعة.
دمشق، هذه الروح العالقة في كينوناتنا تكفي وقد تزيد . وقد تنقص أحياناً ، وتفاجئنا بالخيبات والريبات والشك والدسائس الغامضة.
ولذلك سنمثل، جميعاً تحت قوس محكمتها ؛ آدم وقابيل وأشجار عائلاتهم التي طالت أغصانها ولا زالت تتبرعم من جديد.
ستمنحنا أحكاماً مخففة لسوءات مافعلنا، ثم تتركنا ننهب الوقت، ونرقع الأرض بهفواتنا التي لن تنتهي.
8
أحب هذه السورية.
هي حبيبتي الأولى وهي مسك الختام .
هي مسقط رأسي ومهوى جدثي ومأوى غباري .
أحبها جداً ، ومع كل دمعة أخرى تزرفها عيناها الخضراوان الجميلتان الحزينتان ، يزداد حبي لها وانصياعي لمشيئتها.
نعم احبها بجنون دون أن أنتظر مقابلاً .
متعة الحب تكفي .......
وهل بعد هذه المتعة متعة ؟؟؟!!!.
************************************
غادة اليوسف، Bassam Sam Ali