موسيقى جهجوكة.. نغمات صوفية من جبال المغرب إلى مسارح العالم
في كل ربيع يستقطب "أساتذة الموسيقى" في جهجوكة، حوالي خمسين شخصاً يعيشون على إيقاع الموسيقى في أحضان الطبيعة لثلاثة أيام.
الاثنين 2024/06/03
ShareWhatsAppTwitterFacebook
تراث غني
انتقلت موسيقى جهجوكة من قرية جبلية في المغرب تحمل الاسم ذاته إلى أنحاء مختلفة من العالم، وانتشرت عبر المهرجانات الدولية، الطبل والغايتة والشبابة من آلاتها المميزة، فما حكاية هذه الموسيقى؟
جهجوكة (المغرب) - نجح فنانو قرية جهجوكة المغربية في نشر موسيقاهم ذات التأثيرات الصوفية خارج حدودهم وصولاً إلى مهرجان غلاستونبري البريطاني الشهير، لكنهم يحرصون على إبقاء تقليدهم الموسيقي الموغل في التاريخ حيّا في موطنه الأصلي، خلال مهرجان يستقطب معجبين من مختلف أقطاب المعمورة.
كانت الساعة قد تخطت الأولى بعد منتصف الليل عندما اعتلى 15 موسيقيا، بجلابيب سميكة من الصوف دأب سكان المنطقة على ارتدائها، خشبة مسرح أقيم تحت خيمة كبيرة، في فناء تحيط به أشجار الزيتون.
في بلدة جهجوكة الجبلية الصغيرة، في شمال المغرب، يملأ المكان صوت الغايتة، وهي آلة شبيهة بالمزمار، ترافقه إيقاعات الطبول من دون مكبّرات صوت. عرض فني يأسر الألباب ويستمر ثلاث ساعات تقريبا بوتيرة ثابتة.
في كل ربيع يستقطب “أساتذة الموسيقى” في جهجوكة، الذين يعود تاريخ موسيقاهم إلى أربعة آلاف سنة وفق الروايات المتداولة، حوالي خمسين شخصاً يعيشون على إيقاع الموسيقى في أحضان الطبيعة لثلاثة أيام.
ويقول جون إيغان، وهو موسيقي من المملكة المتحدة وعضو سابق في فرقة الروك “أوزريك تنتاكلز” (Ozric Tentacles)، لوكالة فرانس برس “إنها تجربة رائعة”، و”قوة هذه الموسيقى مذهلة. يكاد يستحيل أن يعزف العديد من الموسيقيين بتناغم بهذه الوتيرة”.
تعود شهرة الفرقة في العالم إلى مؤسس فرقة رولينغ ستونز، براين جونز، الذي أهدى لها ألبوما صدر بعد وفاته بعنوان “Brian Jones presents the pipes of pan at Joujouka” في سنة 1971.
في صيف عام 1968، في مرحلة كانت خلالها علاقة جونز متوترة مع زملائه في الفرقة، ذهب الفنان إلى المغرب ليلتقط تسجيلات لموسيقيي قرية جهجوكة في ليلة واحدة.
وقبل وفاته عام 1969 وضع نجم الروك الإنجليزي اللمسات النهائية على الألبوم، واختار غلافه، وهو لوحة تُظهره بين الموسيقيين، بتوقيع الفنان المغربي محمد حمري.
وفي خمسينات القرن الماضي أدى الأخير، وهو من أبناء القرية، دورا حاسما في التعريف بهذه الموسيقى في أوساط المثقفين والفنانين الأجانب مثل بول بولز وبريون جيسين ووليام بوروز.
وأتاحت هذه الشهرة أمام الموسيقيين السفر إلى مناطق العالم، لكنّ خلافات داخلية أدت إلى انفراط شملهم في أوائل تسعينات القرن العشرين. ومنذ ذلك الوقت ظلت فرقة “أساتذة الموسيقى” في جهجوكة، وأيضاً “فرقة جهجوكة” بقيادة الموسيقي المغربي بشير عطار، وتضم أعضاء مقيمين خارج القرية لكنّهم يقدّمون عروضاً موسيقية.
ويقول فرانك رين، وهو إيرلندي أطلق عام 2008 مهرجان جهجوكة الذي يقام هذا العام في موعدين بسبب الإقبال المكثف، “لقد نَمَت هذه الموسيقى في العالم لأنها تحافظ على شيء حي يمكن للناس أن يتماثلوا معه، في ما يشبه ارتباطاً روحياً قديما”.
وتندرج فرقة موسيقيي جهجوكة، التي عزفت خصوصاً في مهرجان غلاستونبري الإنجليزي الشهير عامي 2011 و2023 وفي مركز بومبيدو بباريس سنة 2016، في سياق التقاليد الصوفية.
ويقول رئيس فرقة جهجوكة أحمد العطار (67 عاما) “ببركة سيدي أحمد الشيخ تمكّنت موسيقانا من أن تصبح عالمية”، في إشارة إلى الوليّ الصوفي الذي وصل إلى القرية في القرن الخامس عشر.
ويضيف أنه للإبقاء على هذه الروح، يجب ألا يتوقف صدى الموسيقى أبداً في القرية.
ويقول عبدالسلام الرطوبي (64 عاماً) الذي يعزف على الغايتة، إن الولي الصوفي، المدفون في ضريح بالقرية، أعطى الموسيقى قوة “لشفاء النفوس”. ويشاع أن هذه الميزة العلاجية كان لها تأثير على أحد الضيوف المنتظمين في المهرجان، هايتارو هانامورا.
ويؤكد هذا الموسيقي الياباني البالغ من العمر 57 عاما، المنبهر بعروض الجهجوكة والذي يعود للمرة السادسة إلى المهرجان منذ 2016، “في العام الماضي كنت أعاني من آلام في الظهر، وقدّم لي الرئيس (الفرقة) تدليكاً في الضريح، وقد أراحني ذلك حقا”.
وأبرز ما شهده العرض كان اعتلاء ثلاثة أولاد خشبة المسرح، مرتدين ملابس نساء من المنطقة، إيذاناً، بحسب التقاليد، بوصول بوجلود، وهو شخصية أسطورية تجمع بين الإنسان والماعز.
انطفأت الأضواء وأُشعلت نار كبيرة أمام المسرح، ووصل “الوحش” وهو يرقص ويلوّح بغصني شجيرات. وبحسب الأسطورة المتداولة محلياً، فإن الضربات الخفيفة التي يوجهها بوجلود إلى المتفرجين تجلب البركة والخصوبة.
في كل ربيع يستقطب "أساتذة الموسيقى" في جهجوكة، حوالي خمسين شخصاً يعيشون على إيقاع الموسيقى في أحضان الطبيعة لثلاثة أيام.
الاثنين 2024/06/03
ShareWhatsAppTwitterFacebook
تراث غني
انتقلت موسيقى جهجوكة من قرية جبلية في المغرب تحمل الاسم ذاته إلى أنحاء مختلفة من العالم، وانتشرت عبر المهرجانات الدولية، الطبل والغايتة والشبابة من آلاتها المميزة، فما حكاية هذه الموسيقى؟
جهجوكة (المغرب) - نجح فنانو قرية جهجوكة المغربية في نشر موسيقاهم ذات التأثيرات الصوفية خارج حدودهم وصولاً إلى مهرجان غلاستونبري البريطاني الشهير، لكنهم يحرصون على إبقاء تقليدهم الموسيقي الموغل في التاريخ حيّا في موطنه الأصلي، خلال مهرجان يستقطب معجبين من مختلف أقطاب المعمورة.
كانت الساعة قد تخطت الأولى بعد منتصف الليل عندما اعتلى 15 موسيقيا، بجلابيب سميكة من الصوف دأب سكان المنطقة على ارتدائها، خشبة مسرح أقيم تحت خيمة كبيرة، في فناء تحيط به أشجار الزيتون.
في بلدة جهجوكة الجبلية الصغيرة، في شمال المغرب، يملأ المكان صوت الغايتة، وهي آلة شبيهة بالمزمار، ترافقه إيقاعات الطبول من دون مكبّرات صوت. عرض فني يأسر الألباب ويستمر ثلاث ساعات تقريبا بوتيرة ثابتة.
في كل ربيع يستقطب “أساتذة الموسيقى” في جهجوكة، الذين يعود تاريخ موسيقاهم إلى أربعة آلاف سنة وفق الروايات المتداولة، حوالي خمسين شخصاً يعيشون على إيقاع الموسيقى في أحضان الطبيعة لثلاثة أيام.
ويقول جون إيغان، وهو موسيقي من المملكة المتحدة وعضو سابق في فرقة الروك “أوزريك تنتاكلز” (Ozric Tentacles)، لوكالة فرانس برس “إنها تجربة رائعة”، و”قوة هذه الموسيقى مذهلة. يكاد يستحيل أن يعزف العديد من الموسيقيين بتناغم بهذه الوتيرة”.
تعود شهرة الفرقة في العالم إلى مؤسس فرقة رولينغ ستونز، براين جونز، الذي أهدى لها ألبوما صدر بعد وفاته بعنوان “Brian Jones presents the pipes of pan at Joujouka” في سنة 1971.
في صيف عام 1968، في مرحلة كانت خلالها علاقة جونز متوترة مع زملائه في الفرقة، ذهب الفنان إلى المغرب ليلتقط تسجيلات لموسيقيي قرية جهجوكة في ليلة واحدة.
وقبل وفاته عام 1969 وضع نجم الروك الإنجليزي اللمسات النهائية على الألبوم، واختار غلافه، وهو لوحة تُظهره بين الموسيقيين، بتوقيع الفنان المغربي محمد حمري.
وفي خمسينات القرن الماضي أدى الأخير، وهو من أبناء القرية، دورا حاسما في التعريف بهذه الموسيقى في أوساط المثقفين والفنانين الأجانب مثل بول بولز وبريون جيسين ووليام بوروز.
وأتاحت هذه الشهرة أمام الموسيقيين السفر إلى مناطق العالم، لكنّ خلافات داخلية أدت إلى انفراط شملهم في أوائل تسعينات القرن العشرين. ومنذ ذلك الوقت ظلت فرقة “أساتذة الموسيقى” في جهجوكة، وأيضاً “فرقة جهجوكة” بقيادة الموسيقي المغربي بشير عطار، وتضم أعضاء مقيمين خارج القرية لكنّهم يقدّمون عروضاً موسيقية.
ويقول فرانك رين، وهو إيرلندي أطلق عام 2008 مهرجان جهجوكة الذي يقام هذا العام في موعدين بسبب الإقبال المكثف، “لقد نَمَت هذه الموسيقى في العالم لأنها تحافظ على شيء حي يمكن للناس أن يتماثلوا معه، في ما يشبه ارتباطاً روحياً قديما”.
وتندرج فرقة موسيقيي جهجوكة، التي عزفت خصوصاً في مهرجان غلاستونبري الإنجليزي الشهير عامي 2011 و2023 وفي مركز بومبيدو بباريس سنة 2016، في سياق التقاليد الصوفية.
ويقول رئيس فرقة جهجوكة أحمد العطار (67 عاما) “ببركة سيدي أحمد الشيخ تمكّنت موسيقانا من أن تصبح عالمية”، في إشارة إلى الوليّ الصوفي الذي وصل إلى القرية في القرن الخامس عشر.
ويضيف أنه للإبقاء على هذه الروح، يجب ألا يتوقف صدى الموسيقى أبداً في القرية.
ويقول عبدالسلام الرطوبي (64 عاماً) الذي يعزف على الغايتة، إن الولي الصوفي، المدفون في ضريح بالقرية، أعطى الموسيقى قوة “لشفاء النفوس”. ويشاع أن هذه الميزة العلاجية كان لها تأثير على أحد الضيوف المنتظمين في المهرجان، هايتارو هانامورا.
ويؤكد هذا الموسيقي الياباني البالغ من العمر 57 عاما، المنبهر بعروض الجهجوكة والذي يعود للمرة السادسة إلى المهرجان منذ 2016، “في العام الماضي كنت أعاني من آلام في الظهر، وقدّم لي الرئيس (الفرقة) تدليكاً في الضريح، وقد أراحني ذلك حقا”.
وأبرز ما شهده العرض كان اعتلاء ثلاثة أولاد خشبة المسرح، مرتدين ملابس نساء من المنطقة، إيذاناً، بحسب التقاليد، بوصول بوجلود، وهو شخصية أسطورية تجمع بين الإنسان والماعز.
انطفأت الأضواء وأُشعلت نار كبيرة أمام المسرح، ووصل “الوحش” وهو يرقص ويلوّح بغصني شجيرات. وبحسب الأسطورة المتداولة محلياً، فإن الضربات الخفيفة التي يوجهها بوجلود إلى المتفرجين تجلب البركة والخصوبة.