حكايات "العمة روزا" تكشف معضلات الأنوثة والنضال من أجل الحياة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • حكايات "العمة روزا" تكشف معضلات الأنوثة والنضال من أجل الحياة

    حكايات "العمة روزا" تكشف معضلات الأنوثة والنضال من أجل الحياة


    الكاتبة التركية سيفجي سويسال تبني شخصية نسائية ساحرة.
    الاثنين 2024/06/03
    ShareWhatsAppTwitterFacebook

    امرأة تواجه مجتمعا ينبذها (لوحة للفنانة هيلدا حيار)

    "تحرير المرأة" في ستينات القرن الماضي في تركيا لم ينجح في تحقيق كامل أهدافه، في ظل نظام أبوي كان يسجن النساء في هوية سلبية ويحرمهن من السيطرة على أجسادهن. وعلى الرغم من تكبيل تحرير المرأة التركية في تلك الفترة، فقد مثلت كتابة المرأة منعطفا هاما، وأبرز التجارب في هذا الصدد تجربة الكاتبة التركية سيفجي سويسال.

    تركزت جل أعمال الروائية سيفجي سويسال (1936 – 1976)، وهي الكاتبة الرئيسية لفترة الستينات التي تهتم كتاباتها بإشكالية ما تسميه جوديث بتلر “النظام الإجباري للجنس/ النوع/ الرغبة”، على النظرية الكويرية، تلك التي تركز على قضايا الجنسانية والنوع الاجتماعي (الجندر) والميل الجنسي، وتتعامل معها على أنها مصنف مركزي يمكن من خلاله فهم ظواهر اجتماعية وسياسية وثقافية أخرى.

    في أعمال سويسال تمثل الوعي المتزايد للشخصيات النسائية بطيفها الغني من الأداء الجندري، حيث تستكشف النوع الاجتماعي والجنس من خلال الإشارة إلى الأنوثة الوحشية والمواقف المتمردة لهذه الشخصيات النسائية على المستوى الاجتماعي والجسدي من أجل تجربة هوياتهن وأنفسهن الفردية. من هنا لا تخرج أعمال سويسال الجسد الأنثوي “خارج الخزانة” فحسب، بل تستكشف أيضا العديد من الرغبات والإمكانيات السائلة.

    "حكايات العمة روزا" التي ترجمتها نعمة الأتربي وصدرت عن دار العربي، تعد رواية سويسال الأبرز في إطار هذه الرؤية، حيث تحكي أربع عشرة قصة مرتبطة ببعضها البعض بمهارة كاشفة عن معضلات الأنوثة والنضال من أجل الحياة والكرامة في نظام يجردنا من الإنسانية. فالعمة روزا، التي وصفتها سويسال بسخرية بالشخصية التي تتمرد على حياة لا تتوافق بأي حال من الأحوال مع توقعاتها، وتهزم دائما لأنها محاصرة في جسدها المقيد، وأنوثتها الباحثة عن التحقق والجاهلة بما ينبغي عليها الإقدام عليه. منحوسة من الطفولة وحتى الشيخوخة ربما بسبب اختلافها، فهي تمتلك سذاجة امرأة تركية في مطلع القرن العشرين وتحرر ولا مبالاة رجل عجوز عربيد، هذا الاختلاف خلق فجوة بين روزا ومحيطها وجعلها منبوذة وقليلة الحظ.
    كفاح روزا



    ◙ "حكايات العمة روزا" تحكي أربع عشرة قصة مرتبطة ببعضها البعض


    الرواية قدم لها كل من الصحافي التركي مراد بيلج، والناقد فوندا سويسال، يقول بيلج “في الستينات ظهرت أولى أعمال سيفجي سويسال إلى النور. وفي كتابتها حرصت على تناول تفاصيل الحياة اليومية ووصفها بدقة شديدة، فضلا عن تناول موضوعات كالأزمات الوجودية، والاشتراكية، وموضوعات المدينة… وغيرها من موضوعات مهمة. وأعطت نصيبا كبيرا من كتاباتها للحياة اليومية الحقيقية. كذلك تعد فترة السبعينات وما بعدها أزهى الفترات بالنسبة لكتاباتها”.

    ويضيف “نشرت رواية ‘السير’ عام 1970، ورواية ‘وقت الظهر في مدينة جديدة’ عام 1973، ورواية ‘شفق’ عام 1975. في هذه الحكايات تحكي سويسال أنها تركت مدينة بافاريا وجاءت لتركيا (وهي لم تذهب إلى هناك من قبل)، ولكنها كانت مليئة بالحيوية. وتنظر إلى تركيا على أنها ‘ينبغي أن يعرفها العالم، والأدب العالمي’. اشتهرت بكونها كاتبة دخلت في صدام مع النظام العسكري الذي كان يحكم في السبعينات، واتهمت بأنها مروجة للبذاءة فاعتقلت، وقدمتْ للمحاكمة واستجوبوها ثم سجنت، وذلك لأن النظام العسكري لن يدع أمثال سيفجي، بل كان يقضي عليهم”.

    ويتابع “مع ذلك ناضلت كثيرا في سبيل ما تؤمن به. تعرفت عليها عام 1974، عندما كنت في أنقرة. كثيرا ما قابلت سيفجي وتحدثت معها لمدة طويلة. حتى الآن لا أصدق أنها ماتت، الوقت مر بسرعة كبيرة. كانت على يقين من أنها لن تعيش طويلا، أربعون سنة، عمر قصير قطعت فيه شوطا كبيرا. كانت حادة الذكاء، ولديها قدرة على الابتكار بشكل هائل. ولو كانت عاشت لفترة أطول، من يعلم ماذا كانت ستفعل. فهي من الأشخاص الذين لا يقفون مكانهم، ولا يتراجعون، وعلى وعي كبير بجمهورها”.


    ◙ حكايات "العمة روزا" رواية لا تتحدث عن الأنوثة فقط بل هي أيضا نقد ذاتي دقيق للمرأة التي تعيش وكأنها رجل


    يوضح فوندا سويسال في قراءته “عند البدء في العمل، كنت أتساءل ما هو أول عمل سأبدأ به، في النهاية تم اختيار عمل ‘العمة روزا’ كأول خطوة لذلك. على الرغم من أنه ليس العمل الأول، وليس الأنجح على الإطلاق لسيفجي سويسال، ولكن أرى أن ‘العمة روزا’ سيكون الكتاب الأمثل ليتعرف القارئ عليها لأول مرة. هذا العمل الذي يضم أربع عشرة حكاية عن حياة العمة روزا كمثال أنثوي يبدأ من جدة سيفجي سويسال ومرورا بخالتها، وينتهي بسويسال نفسها”.

    ويضيف “العلاقة الوثيقة التي صنعتها الكاتبة مع القارئ من خلال المواقف التي تتعرض لها العمة روزا أظهرت الجانب القوي والضعيف للمرأة ليس فقط من أجل الاعتراف، ولكن من أجل الدراية به. وبفضل ذلك الإدراك تم التصالح مع الرجال الذين غضبوا من الكتاب الأول ‘ناصية الغرام’. إن العمة روزا تعد نقطة محورية في مشوار سيفجي سويسال الأدبي. عرفت بكونها كاتبة في فترة انقلاب الثاني عشر من مايو، وعندما عاصرت هذه الفترة لم تتمكن من الكتابة عنها، وأولت اهتمامها للتعبير عن المرأة بمنتهى الشجاعة. ولهذا السبب، اخترنا العمة روزا”.

    ويقول “نشرت ‘العمة روزا’ لأول مرة في دار نشر دوست عام 1968، ولاقى العمل اهتماما من الأوساط الأدبية، لكنه على الرغم من ذلك لم يفْهم جيدا. ولهذا السبب، اتهم بالتغريب والتناقض. وقد لفتت انتباه الجميع شخصية المرأة التي عاشت وماتت في ألمانيا، تخلت عن زوجها وأطفالها دون النظر إلى الوراء، وحتى التمسك بحلم شراء ببغاء. مما أعطى الرواية طابعا غربيا، ولكون والدة الكاتبة ألمانية الأصل، مع وجود العديد من المشاكل التي يواجهها الروائيون في البلاد، والعديد من المشاكل الأخرى التي تواجهها النساء أيضا، والتخوف من مواجهة المرأة خصوصا لو كانت أجنبية، كان من المتوقع حدوث هجوم عليها”.

    يرى سويسال أن سذاجة وغرابة تصرفات “روزا” ليستا غريبتين تماما بالنسبة إلى امرأة تعيش في تركيا في تلك الفترة. صحيح أن سيفجي رسمت شخصية “روزا” على أنها امرأة من مجتمع متقدم. امرأة تعيش في مجتمع، وينبذها، وتترك حياتها العادية وتعمل لكي تواصل حياتها دون الحاجة إلى أحد. في الواقع، بالنسبة إلى مجتمع لا يعترف بمثل هذه المساحة المعيشية للنساء، فإن “العمة روزا” غريبة لا لأنها ألمانية، ولكن لأنها امرأة متحررة.

    والتأكيد على هذا الاغتراب هو تجاهل ما قيل عن “العمة روزا” من أنها صورة بشعة لـ”الجهل الأنثوي” الذي يكمن في كل امرأة، بغض النظر عن مكان وزمان حياتها. “العمة روزا” هي لسان حال الكثير من النساء. هل يا ترى الأنوثة تحتاج إلى كتاب لتفسيرها؟ وحتى ولو ذلك، فإن الحديث عن هوية المرأة، والاعتراف بها، وكفاح المرأة هو أحد أشكال الحداثة التي لم تظهر حينها في تركيا. باختصار “العمة روزا” هو أول عمل يناقش هذه المسألة في تركيا.
    شخصية ساحرة



    ◙ سيفجي سويسال تكشف بمهارة عن معضلات الأنوثة والنضال من أجل الحياة والكرامة في نظام يجرد النساء من الإنسانية


    يضيف سويسال “لعبت عائلتها وكذلك ما مرت به في حياتها دورا كبيرا في تشكيل هذا الوعي المبكر لديها، ولكن كان المهم بالنسبة إليها هو انعكاس ذلك على كتابتها، وهذا ما نراه في كتاب ‘العمة روزا’. ربما أردنا التأكيد على أن ‘العمة روزا’ تدرك أنها مختلفة في مجتمع لم يصل إلى هذا التحرر بعد، ونقصد بذلك تركيا في تلك الفترة. وعلاوة على ذلك، فإن الأعمال التي كتبت بعد ذلك تناولت مشكلات اجتماعية وسياسية دون التمييز بين الرجل والمرأة. ومن جهة أخرى، عند قراءة العمل، فإن القارئ سيلاحظ تناول الكاتبة للمشكلات النسائية الخطيرة”.

    “العمة روزا” قد تكون امرأة ذات شخصية ساحرة، ويكمن وراء هذا السحر أن بعض النساء ليست لديهن القوة الكافية لكي يكن متميزات، وعندما يفشلن ينهضن مرة أخرى مستعيدات ثقتهن بأنفسهن، والتي تفقدها بعض النساء في تلك المواقف، وأن تحكم صوتها الداخلي على أخطائها وليس من خلال آراء الآخرين. على الرغم من أن حياة “العمة روزا” تبدو وكأنها قصة فشل، فإن “روزا” التي لا تدع أي شيء يؤثر عليها، هي في الواقع أكثر نجاحا كأنثى من معظمنا. من الصعب ألا نتعاطف معها أو نحزن من أجلها. والأكثر من ذلك، ستعجب بقدرتها على الاستغناء عن واجبها كأم أو زوجة. التخلي عن الأشياء، هو أكثر ما تعلمته “روزا”.

    ويذكر سويسال أنه في مقابلة قالت سيفجي إن العاطفة التي أرادت التعبير عنها في هذا المشهد، هي حقيقة أن التخلي حتى لو كان عن الدين لن يرفع من قدر المرء، أو حتى يجعل الآخرين يكرهونه. كل ما أرادت توضيحه هي لحظات ما قبل أو بعد التخلي، والتأكيد على هذا الشعور جيدا.

    خلاف ذلك، ليس التخلي هو ما صنع “العمة روزا”، ولكن التجارب الكثيرة وخيبات الأمل التي تعرضت لها في حياتها. وإن سجنها الحقيقي هي الأنوثة التي كانت تحسد عليها. “روزا” التي كبرت، واقتربت نهايتها تدخل إلى ممرات لا تعرفها، تتوهم أنه ربما يأتي نور لينير تلك الظلمة كباقي الروايات النسائية. “روزا” التي لم تتعلم من أحد شيئا، ولم تعلم أحدا شيئا. الأيام الأخيرة التي عاشتها “العمة روزا” وسط دراما تقدمها في السن، وتجعد جلدها وما شابه ذلك من الحماقات النسائية. المهم في الأمر أن نكون على دراية بتلك الأمور ونعرف كيفية التعامل معها.

    ويختم سويسال أنه لا يمكننا أن نقول إن حكايات “العمة روزا” تتحدث عن الأنوثة فقط، ولكن هي أيضا نقد ذاتي للمرأة التي تعيش وكأنها رجل، لذلك حاولت سيفجي في حكايات “العمة روزا” معالجة الخيط الرفيع بين كون المرأة امرأة والرجل رجلا. سيفجي التي قالت إنها بدأت الكتابة في “العمة روزا” عندما شعرت بأنها ليست ناجحة، وليست لها فائدة، وغير قادرة على فهم أي شيء. وعن طريق السخرية والتهكم من وضع المرأة الوحيدة، بل وربما بتلك الطريقة استطاعت فهم شخصيتها أكثر، وبدأت بعدها بفترة جديدة الكتابة بشكل ناجح ومدرك وأكثر نضوجا.

    ShareWhatsAppTwitterFacebook

    محمد الحمامصي
    كاتب مصري
يعمل...
X