"صوت الحرية".. صرخة شجاعة ضد أبشع جرائم العصر
فيلم يسلط الضوء على تجارة الأطفال لأغراض جنسية.
الأحد 2024/06/02
ShareWhatsAppTwitterFacebook
مستعمرة العبيد في العصر الحديث
بإمكان السينما اقتحام أكثر القضايا الإنسانية إثارة للألم واستعادتها لتذكيرنا بشكل صادم بجرائم لا تصدق، ومن هذه الجرائم التجارة بالأطفال جنسيا، وهي سرطان عالمي، وقضية تحتاج إلى مناقشات جادة لأن أصابع الاتهام تثار ضد مختلف الفئات الاجتماعية، وقد لا ينتبه الكثيرون لخطورتها لكن ذلك كله يتغير بعد مشاهدة فيلم “صوت الحرية”.
تعتبر إساءة معاملة البشر وتهريبهم والاتجار بهم من المواضيع الحساسة للغاية، وظاهرة تجارة الأطفال من أخطر الظواهر التي انتشرت بشكل مخيف على المستوى العالمي في السنوات الأخيرة، وخاصة مع انتشار الفقر والجوع والكوارث الطبيعية.
وتطرقت العديد من الأفلام إلى هذا الموضوع بطريقة سطحية، بينما يحاول البعض الآخر شرح كيفية تطوره وكيف تمكنت صناعة إجرامية رهيبة من هذا النوع من النمو. على الرغم من أن السينما يمكن ويجب أن تكون بمثابة ترفيه خالص، إلا أنها تعمل أيضا على إرسال رسائل مهمة والتعامل مع القضايا ذات الصلة بالمجتمع. وفي العام الماضي، أثار فيلم “صوت الحرية” نقاشا حول هذه الأزمة، لأن بناءه كان على أحداث حقيقية.
مهمة سرية
فيلم “صوت الحرية” يدق ناقوس الخطر في ما يخص خطورة الشبكات الإجرامية الدولية لتجارة البشر وبالتحديد الأطفال. الفيلم من إخراج أليخاندرو مونتيفيردي ومستوحى من القصة الحقيقية لتيموثي بالارد (عميل وزارة الأمن الداخلي الأميركي)، بالارد (يؤدي دوره جيم كافيزيل) يخاطر بكل شيء لإنقاذ الأطفال المختطفين من عصابة كولومبية للاتّجار بالجنس.
افتتاحية الفيلم من الهندوراس في منزل متواضع لعائلة أغيلار في المكان الذي يعيش فيه أب أعزب يدعى روبرتو أغيلار (يلعبه خوسيه زونيغا) مع طفليه: الابنة روسيو أغيلار (تلعب دورها كريستال أباريسيو) تبلغ من العمر حوالي 11 عاما، بينما يبلغ عمر الابن ميغيل أغيلار (لوكاس أفيلا) 8 سنوات.
يبدأ الفيلم بفتح روسيو الباب أمام امرأة تقدم نفسها على أنها عارضة أزياء تدعى جيزيل (يسيكا بوروتو بيريمان) وكشافة للمواهب. محادثتها مع العائلة تشير إلى أنها اقتربت من العائلة، وعندما رأت روسيو تغني في السوق. وصلت جيزيل إلى المنزل لتأخذ الأطفال إلى المكان الذي تقول إن الاختبارات تجرى فيه لمسابقة عرض الأزياء التي يمكن أن تجعل الطفلة روسيو مشهورة.
الأب روبرتو رجل بسيط ولم يكن نبيها كي يلاحظ بعض علامات التحذير عند وصوله إلى مكان الاختبار، وهو عبارة عن فندق مظلم وقذر، وعندما يصلون إلى مكان الاختبارات تخبره جيزيل روبرتو أنه لا يستطيع الدخول إلى غرفة الاختبارات لأنه لا يسمح للوالدين بذلك. وعليه العودة مساء لاستلام الأبناء. روبرتو يلتزم عن طيب خاطر ويترك روسيو وميغيل مع جيزيل. إنه خطأ كبير يؤدي إلى كابوس مفجع للعائلة. تمرر جيزيل تمثيلية الاختبار وتقوم بالحركات مع 10 إلى 15 طفلا مجتمعين في الغرفة. جميع الأطفال تقل أعمارهم عن 16 عاما.
يتم تصوير الأطفال في العديد من الأوضاع، ولا يمضي وقت طويل بعد جلسات التصوير هذه حتى تبدأ رحلة الرعب لهؤلاء الأطفال الأبرياء. يتم اختطافهم وإلقاؤهم في شاحنة صغيرة ونقلهم إلى مستودع بعيد، حيث يختار أحد المتحرشين بالأطفال (البيدوفيليا) الطفلة روسيو للشراء من أجل الاستعباد الجنسي. تحارب روسيو من أجل أخيها ميغيل وعدم تركه وراءها، لكن في النهاية تجبر على الافتراق عن أخيها الصغير. لاحقا سيعاني ميغيل قريبا من نفس مصير بيعه في سوق الاستعباد الجنسي.
الفيلم يفضح بشجاعة واحدة من أشد الجرائم وحشية وقسوة في عصرنا الحالي تستوجب الوقوف أمامها ومواجهتها
في الوقت نفسه، نتعرف على العميل الخاص لوزارة الأمن الداخلي يدعى تيموثي تيم بالارد ويعمل في وحدة الاتجار بالجنس. وظيفته هي القبض على الرجال الشاذين والمتورطين في الاتجار الجنسي بالأطفال، ويغوص في قضية تتعلق باختطاف الأشقاء روسيو (كريستال أباريسيو) وميغيل (لوكاس أفيلا) من قبل المتاجرين بالأطفال الذين يتظاهرون بأنهم مكتشفو مواهب. يقنع رئيسه (كورت فولر) بإرساله في عملية إلى كولومبيا، حيث ينوي إنشاء فندق مزيف يجذب المتحرشين بالأطفال من الأثرياء.
يتعاون بالارد مع المغترب الأميركي باتمان (بيل كامب)، ويسافر إلى كولومبيا حيث يجنّد العديد من الحلفاء لإنشاء عملية سرية بهدف إنقاذ العشرات من الأطفال. بعد القبض على الرجل المنحرف أوشينسكي (الذي يلعبه كريس أفيديسيان)، يتظاهر تيم بأنه شاذ جنسيا كي يقترب تيم من أوشينسكي في السجن ويوهمه أن لديهم نفس اهتمامات الاستغلال الجنسي للأطفال، وأنه يمكنه مساعدته في الحصول على عقوبة أكثر تساهلا.
في البداية، يشك المتحرش (أوشينسكي) بالعميل بالارد، لكن تيم ينجح في كسب ثقة أوشينسكي من أجل الكشف عن معلومات حول شبكة الاستغلال الجنسي للأطفال السرية التي كان أوشينسكي جزءا منها والتي لا تزال تعمل. تنجح الخطة مع المزيد من المعلومات عن الشبكة الخاصة بتهريب الأطفال وسرقتهم من ذويهم واستغلالهم جنسيا، لم يمض وقت طويل قبل أن يكتشف العميل تيم عن الأشقاء المختطفين والمنفصلين ميغيل وروسيو.
يعثر تيم على الطفل ميغيل أولا، بعد أن تم ضبط أحد المتحرشين يحاول أخذ الطفل عبر الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك والتظاهر بأن الطفل ميغيل ابن أخيه الذي تغيير اسمه إلى تيدي بير وأمره بإخبار الناس باسمه المستعار إذا سأل الناس ميغيل عن اسمه بعد تهديده بقتل شقيقته.
عندما يرى ميغيل العميل بالارد يثق به لأنه رجل قانون ويخبره باسمه الحقيقي. تأثر بالارد بشدة بميغيل وأخذه إلى العشاء، حيث يروي ميغيل بقية قصته عن اختطافه مع أخته ورغبته في العثور عليها. يبدأ الطفل ميغيل في الانفتاح على العميل بالارد، يشير إلى قلادة صغيرة أعطته إياها شقيقته روسيو قبل افتراقهما، ويراها الطفل ميغيل أنها علامة لوثوق أخته به، لذلك يعطي هذه القلادة إلى بلارد ويطلب منه إعطاءها لروسيو إذا وجدها. سرعان ما يجتمع ميغيل مع والده روبرتو الذي يشعر بالامتنان لأنه تم العثور على ميغيل، ولكنه مصدوم بسبب ما عاشه أطفاله واستمرار فقدان روسيو.
قصة حقيقية
فضح شبكات إجرامية تتاجر بالأطفال
يتعهد بالارد بالمساعدة في العثور على أخته روسيو واعتقال الأشخاص المتورطين في استعبادها الجنسي ولمّ شملها مع عائلتها. تستكمل بقية حكاية فيلم “صوت الحرية” عندما يكتشف بالارد أن روسيو محتجزة في كولومبيا. في البداية، حصل على الضوء الأخضر على مضض من المشرف جون براينت (الذي يلعب دوره كورت فولر)، الذي يؤكد على العميل بالارد بضرورة التركيز الرئيسي على القبض على الشواذ والمنحرفين جنسيا وليس المجازفة والسفر إلى كولومبيا لإنقاذ الأطفال ضحايا الاتجار بالجنس.
سئم بالارد من البيروقراطية واستقال على الفور وبدأ العمل بطريقة أخرى لإنقاذ روسيو قبل فوات الأوان، يقرر ترك وظيفته في الأمن الداخلي للتركيز على إنقاذ ضحايا الاتجار بالجنس. ويسافر في عمق الغابة الكولومبية، ويضع حياته على المحك لتحرير الطفلة من مصير أسوأ من الموت.
يقوم بالارد ببعض الاتصالات التي تساعده على التسلل إلى هذه الشبكات المنحرفة. يلتقي برجل في منتصف العمر بول (إدواردو فيراستيغي) يصبح حليفه، الذي يتظاهر بأنه ثري شاذ جنسيا يريد بناء فندق سيكون واجهة لتجارة الجنس. بعد إنقاذ مجموعة من الأطفال من مهربي الأطفال عديمي الرحمة، لكن الطفلة الذي كان بالارد يبحث عنها لم تكن من بين الـ50 الذين تم إنقاذهم، ويعلم العميل الفيدرالي أن أخت الصبي لا تزال أسيرة ويقرر الشروع في مهمة خطيرة لإنقاذها.
مع نفاد الوقت، يتعقبها إلى قرطاجنة في كولومبيا حيث يتعاون مع ضابط شرطة محلي يدعى خورخي (خافيير جودينو) وهو متعاون سابق مع الكارتل يسعى للتكفير عن خطاياه الماضية. يتظاهر بالارد تماما كطبيب مع برّاد مليء باللقاحات ضد مرض الكوليرا كي يتمكن من الدخول إلى المستعمرة المحصنة من قبل رجال العصابات. وصدم مما وجده هناك، مستعمرة العبيد في العصر الحديث حيث يحصد البالغون والأطفال أوراق الكوكا، وباستخدام أقدامهم العارية يسحقون الأوراق إلى عجينة الكوكايين. يجد أخيرا طفلته المستهدفة ويقتل المعتدي عليها وهو زعيم المتمردين. ويحررها من عبوديتها وينجح في لمّ شمل العائلة وإعادة الطفلة إلى أهلها.
يكشف لنا فيلم “صوت الحرية” عن حقيقة لا يمكننا تجاهلها وهي الاتجار الجنسي بالأطفال القصّر. وصرح المخرج مونتيفيردي البالغ من العمر 45 عاما، الذي هاجر إلى الولايات المتحدة من المكسيك عندما كان مراهقا، أنه في عام 2015 لم يكن على علم بآفة الاتجار الجنسي بالأطفال، حتى شاهد مقطعا إخباريا على الشبكة حول هذا الموضوع، يقول “ما عرفته هز روحي لأنني لم أصدق حقا وجوده”.
بعد فترة وجيزة، التقى منتج الفيلم إدواردو فيراستيغي بتيم بالارد وهو عميل خاص سابق لوزارة الأمن الداخلي، وتحول المشروع إلى قصة تستند إلى عمل بالارد عندما تم تعيينه في فرقة العمل المعنية بجرائم الإنترنت ضد الأطفال وتم نشره كعميل سري لكشف “السياحة الجنسية للأطفال” في الولايات المتحدة.
وقع الاختيار على الممثل جيم كافيزيل لأداء دور (بالارد ) الذي اشتهر بتجسيده لشخصية المسيح في فيلم “آلام المسيح” لميل غيبسون عام 2004، وهو معروف بتديّنه الشديد، وشاركه في التمثيل ميرا سورفينو وبيل كامب وخوسيه زونيغا وفيراستيغي. ومع ذلك، فإن النجوم الحقيقيين للفيلم هم الثنائي الأخ والأخت، ميغيل وروسيو، ويؤدي دورهما لوكاس أفيلا وكريستال أباريكو، اللذان ستجذب قصتهما أو براءتهما المفجعة المشاهد.
رسالة صادقة وشجاعة
يقدم فيلم “صوت الحرية” سردا حقيقياّ لحكاية تدور حول مكافحة الاتجار بالأطفال بقيادة مسؤول الأمن الداخلي السابق تيم بالارد الذي ترك وظيفته في الحياة الواقعية كوكيل لوزارة الأمن الداخلي في عام 2013، وأسس عملية السكك الحديد تحت الأرض، وهي منظمة غير ربحية مكرسة لوقف الاتجار بالجنس البشري. ويصور الفيلم أيام عمله في فرقة العمل المعنية بجرائم الإنترنت ضد الأطفال. لقد فهمنا جيدا أيضا الإحباط الذي دفعه إلى الاستقالة من عمله من تلقاء نفسه لتعقب الأسرى وإنقاذهم (وكثير منهم أطفال) وتقديم خاطفيهم إلى العدالة.
عندما طرح بالارد سؤالا حول الدافع لمهمته، أجاب “أبناء الله ليسوا للبيع”. في الفيلم طرحت قصة حقيقية وقضية إنسانية تقشعر لها الأبدان وهي التجارة بالأطفال، وتم تسليط الضوء على جهود العميل تيم بالارد الذي أسس منظمة لإنقاذ الأطفال من الاختطاف والاستغلال الجنسي والتجارة بهم ووضع حد لهذه الجريمة المروعة وهي واحدة من أشد الجرائم وحشية وقسوة في عصرنا الحالي، تستوجب الوقوف أمامها ومواجهتها.
عندما أتكلم عن هذا الفيلم فأنا لا أتحدث عنه كمجرد تجربة سينمائية، وإنما كواحدة من أهم وسائل التعبير عن واقع مُظلم يعيشه الآلاف من الأطفال حول العالم. يجب أن ننظر إلى هذا الفيلم ليس فقط كعمل فني، بل كرسالة صادقة وشجاعة من المخرج الذي استطاع باحترافية تقديم فيلم مثير يقدم قصة تهدف إلى حل قضية إنسانية.
هناك مشهد في “صوت الحرية” حيث يتم إنقاذ الأطفال ويظهرون وهم يغنون، وتقول إحدى الشخصيات في الفيلم، “هل تعرف ما هو هذا الصوت؟” وبعد ذلك، تليها وقفة طويلة، يكون الجواب “إنه صوت الحرية”. من الضروري ملاحظة أن جميع الشخصيات في الفيلم تستند إلى أشخاص حقيقيين، بما في ذلك “جيزيل”، المرأة المسؤولة عن تجنيد الأطفال.
هذا الفيلم ليس مجرد تجربة سينمائية، وإنما واحدة من أهم وسائل التعبير عن واقع مُظلم يعيشه الآلاف من الأطفال
خططت جيزيل “لتجنيد” المواهب والوعد بثروات للعائلات ذات الدخل المنخفض. تستند شخصية جيزيل إلى امرأة تدعى كيلي جوهانا سواريز. سميت سواريز “ملكة جمال قرطاجنة” عن عمر يناهز 20 عاما. ومع ذلك، بحلول أواخر العشرينات، كانت تستغل العوائل التي يفترسها الفقر في مسقط رأسها أوبريرو، كولومبيا وتعدهم بالثروة من خلال عرض الأزياء والأبهة. ولكنها باعت الأطفال الأبرياء إلى تجار البشر لاستغلالهم في تجارة الجنس.
إن حصول الفيلم على دعم من مجموعة من الشخصيات المحافظة من رجال السياسة و المال، وتصريحات شخصيات مثل ميل جيبسون وإيلون ماسك ودونالد ترامب وجوردان بيترسون، من بين آخرين، يحيلنا إلى أنه ليس من المستغرب الجدل الذي انفجر في جميع وسائل الإعلام حول الفيلم على جميع المكونات لإثارة المواقف السياسية الأكثر راديكالية في الساحة.
ويعزو الكثيرون سبب النجاح غير المتوقع للفيلم إلى الدعم من شخصيات سياسية ومؤسسات إعلامية تمثل تيار اليمين الأميركي. وحلّ الممثل كافيزيل وبالارد والمنتج والممثل فيراستيغي ضيوفا على العديد من برامج البودكاست اليمينية والدينية، كما ساعدت مؤسسات تتبنى الخطاب اليميني مثل “فوكس نيوز”، و”بريتبارت”، و”كريستيان بوست”، و”كاثوليك وورلد نيوز” في الدعاية للفيلم، إلى جانب وجود الممثل والمخرج ميل جيبسون كواحد من منتجي الفيلم يجذب أيضا غضب بعض الأشخاص والشركات السينمائية.
وفي الوقت نفسه، اعتمدت التغطية الإعلامية اليمينية لصدور الفيلم سردية مفادها أن العمل يقدّم قصة “لا يريد اليسار أن نسمعها”. ويوصف الفيلم بأنه “فيلم إثارة مسيحي” وتشير الحملة الإعلانية المواكبة له أحياناً إلى إيمان أبطاله. كما تضمن أحد مشاهده عبارة “أطفال الله ليسوا للبيع”.
في المقابل، رفض المخرج مونتيفيردي هذا التوصيف واستبعد تلك الخلافات الأيديولوجية حول فيلمه وقال “إنها تؤلمه بشدة، أنا لست قريباً من السياسة ولا مع أي شيء يثير الانقسام. أنا فنان وراوي قصص”. ووفقا للشائعات في الشبكات، تم رفض مشروع الفيلم من قبل العديد من أستوديوهات هوليوود حتى تمكن أخيرا من تنفيذه بتمويل مستقل. ويدعي منتج الفيلم إدواردو فيراستيغي، أنه تعرض للتهديد بالقتل في عدة مناسبات قبل العرض الأول أو الحملة التسويقية أو رد فعل مجموعات السلطة المتورطة في شبكات الاستغلال الجنسي للأطفال.
فيلم صوت الحرية (2023) يثيرنا منذ اللحظة الأولى داخليا ويجعلنا نشعر بعدم الارتياح في مواجهة صدمة الصور. من ناحية أخرى، يتجنب المخرج في جميع الأوقات إظهار المواقف المخيفة التي يعيشها الأطفال بطريقة مرضية، بل على العكس، يفضل أن يكون أكثر دقة واحتراما عندما يتعلق الأمر بتعريضنا لكل لحظة من الحياة القاسية التي أجبر الأطفال على عيشها.
قال فيراستيغي إن المشاهدين “تركوا قلوبهم تتكلم” و”شاركوا تلك الانطباعات مع أشخاص آخرين. إنها حركة تنمو”. وبينما اعترف بأنه لا يملك “عصا سحرية” لإنهاء الاتجار بالأطفال، قال فيراستيغي إن “الخطوة الأولى هي زيادة الوعي”.
في الحياة الواقعية، أصبحت منظمة بالارد لمكافحة الاتجار بالبشر، عملية السكك الحديد تحت الأرض معروفة بالقيام بعمليات إنقاذ درامية مثل تلك التي تم تصويرها في الفيلم. تلك المنظمة التي يديرها بالارد ساهمت في إنقاذ النساء الإيزيديات في العراق، وقادت عمليات النقل الجوي الخاصة لإنقاذ الأفغان المضطهدين من أفغانستان بعد رحيل الجيش الأميركي في عام 2021. “صوت الحرية” (2023) فيلم مستوحى من حياة تيموثي بالارد الوكيل السابق لوزارة الأمن الداخلي في الولايات المتحدة، مؤسس منظمة عملية السكك الحديد تحت الأرض المكرسة لمساعدة ضحايا الاتجار بالأطفال. أدلى بالارد بشهادته في اللجنة الفرعية للشؤون الخارجية في مجلس النواب وشارك لقطات للعملية التي تم تصويرها في صوت الحرية مع وسائل الإعلام (تمت إضافة بعض هذه اللقطات أيضا خلال اللحظات الأخيرة من الفيلم).
استغلال الأطفال مشكلة حقيقية لا يريدها أحد (باستثناء المستغِلين). وفيلم ”صوت الحرية” أعتبره صرخة بوجه عالم يستغل فيه الأطفال جنسيا والتعاطف مع الضحايا الأبرياء الذين لا يستحقون مثل هذه المعاملة. نأمل أن يقوم الفيلم بعمله في زيادة الوعي بالمشكلة الحقيقية للاتجار بالبشر. صوت الحرية يظهر بوضوح الجهود الكبيرة التي تبذل لإنقاذ الأطفال من الاتجار. وهذا الجهد، وإن كان مشرفا في إنقاذ الأرواح، لن يحل المشكلة حتى يحاسب أولئك الذين يشترون الأرواح ويدمرونها ويعاقبون على أعمالهم. ومع ذلك، لا يوجد نقاش يذكر على الصعيد العالمي حول إنهاء الطلب الذي هو القوة الدافعة للاتجار.
ShareWhatsAppTwitterFacebook
علي المسعود
كاتب عراقي
فيلم يسلط الضوء على تجارة الأطفال لأغراض جنسية.
الأحد 2024/06/02
ShareWhatsAppTwitterFacebook
مستعمرة العبيد في العصر الحديث
بإمكان السينما اقتحام أكثر القضايا الإنسانية إثارة للألم واستعادتها لتذكيرنا بشكل صادم بجرائم لا تصدق، ومن هذه الجرائم التجارة بالأطفال جنسيا، وهي سرطان عالمي، وقضية تحتاج إلى مناقشات جادة لأن أصابع الاتهام تثار ضد مختلف الفئات الاجتماعية، وقد لا ينتبه الكثيرون لخطورتها لكن ذلك كله يتغير بعد مشاهدة فيلم “صوت الحرية”.
تعتبر إساءة معاملة البشر وتهريبهم والاتجار بهم من المواضيع الحساسة للغاية، وظاهرة تجارة الأطفال من أخطر الظواهر التي انتشرت بشكل مخيف على المستوى العالمي في السنوات الأخيرة، وخاصة مع انتشار الفقر والجوع والكوارث الطبيعية.
وتطرقت العديد من الأفلام إلى هذا الموضوع بطريقة سطحية، بينما يحاول البعض الآخر شرح كيفية تطوره وكيف تمكنت صناعة إجرامية رهيبة من هذا النوع من النمو. على الرغم من أن السينما يمكن ويجب أن تكون بمثابة ترفيه خالص، إلا أنها تعمل أيضا على إرسال رسائل مهمة والتعامل مع القضايا ذات الصلة بالمجتمع. وفي العام الماضي، أثار فيلم “صوت الحرية” نقاشا حول هذه الأزمة، لأن بناءه كان على أحداث حقيقية.
مهمة سرية
فيلم “صوت الحرية” يدق ناقوس الخطر في ما يخص خطورة الشبكات الإجرامية الدولية لتجارة البشر وبالتحديد الأطفال. الفيلم من إخراج أليخاندرو مونتيفيردي ومستوحى من القصة الحقيقية لتيموثي بالارد (عميل وزارة الأمن الداخلي الأميركي)، بالارد (يؤدي دوره جيم كافيزيل) يخاطر بكل شيء لإنقاذ الأطفال المختطفين من عصابة كولومبية للاتّجار بالجنس.
افتتاحية الفيلم من الهندوراس في منزل متواضع لعائلة أغيلار في المكان الذي يعيش فيه أب أعزب يدعى روبرتو أغيلار (يلعبه خوسيه زونيغا) مع طفليه: الابنة روسيو أغيلار (تلعب دورها كريستال أباريسيو) تبلغ من العمر حوالي 11 عاما، بينما يبلغ عمر الابن ميغيل أغيلار (لوكاس أفيلا) 8 سنوات.
يبدأ الفيلم بفتح روسيو الباب أمام امرأة تقدم نفسها على أنها عارضة أزياء تدعى جيزيل (يسيكا بوروتو بيريمان) وكشافة للمواهب. محادثتها مع العائلة تشير إلى أنها اقتربت من العائلة، وعندما رأت روسيو تغني في السوق. وصلت جيزيل إلى المنزل لتأخذ الأطفال إلى المكان الذي تقول إن الاختبارات تجرى فيه لمسابقة عرض الأزياء التي يمكن أن تجعل الطفلة روسيو مشهورة.
الأب روبرتو رجل بسيط ولم يكن نبيها كي يلاحظ بعض علامات التحذير عند وصوله إلى مكان الاختبار، وهو عبارة عن فندق مظلم وقذر، وعندما يصلون إلى مكان الاختبارات تخبره جيزيل روبرتو أنه لا يستطيع الدخول إلى غرفة الاختبارات لأنه لا يسمح للوالدين بذلك. وعليه العودة مساء لاستلام الأبناء. روبرتو يلتزم عن طيب خاطر ويترك روسيو وميغيل مع جيزيل. إنه خطأ كبير يؤدي إلى كابوس مفجع للعائلة. تمرر جيزيل تمثيلية الاختبار وتقوم بالحركات مع 10 إلى 15 طفلا مجتمعين في الغرفة. جميع الأطفال تقل أعمارهم عن 16 عاما.
يتم تصوير الأطفال في العديد من الأوضاع، ولا يمضي وقت طويل بعد جلسات التصوير هذه حتى تبدأ رحلة الرعب لهؤلاء الأطفال الأبرياء. يتم اختطافهم وإلقاؤهم في شاحنة صغيرة ونقلهم إلى مستودع بعيد، حيث يختار أحد المتحرشين بالأطفال (البيدوفيليا) الطفلة روسيو للشراء من أجل الاستعباد الجنسي. تحارب روسيو من أجل أخيها ميغيل وعدم تركه وراءها، لكن في النهاية تجبر على الافتراق عن أخيها الصغير. لاحقا سيعاني ميغيل قريبا من نفس مصير بيعه في سوق الاستعباد الجنسي.
الفيلم يفضح بشجاعة واحدة من أشد الجرائم وحشية وقسوة في عصرنا الحالي تستوجب الوقوف أمامها ومواجهتها
في الوقت نفسه، نتعرف على العميل الخاص لوزارة الأمن الداخلي يدعى تيموثي تيم بالارد ويعمل في وحدة الاتجار بالجنس. وظيفته هي القبض على الرجال الشاذين والمتورطين في الاتجار الجنسي بالأطفال، ويغوص في قضية تتعلق باختطاف الأشقاء روسيو (كريستال أباريسيو) وميغيل (لوكاس أفيلا) من قبل المتاجرين بالأطفال الذين يتظاهرون بأنهم مكتشفو مواهب. يقنع رئيسه (كورت فولر) بإرساله في عملية إلى كولومبيا، حيث ينوي إنشاء فندق مزيف يجذب المتحرشين بالأطفال من الأثرياء.
يتعاون بالارد مع المغترب الأميركي باتمان (بيل كامب)، ويسافر إلى كولومبيا حيث يجنّد العديد من الحلفاء لإنشاء عملية سرية بهدف إنقاذ العشرات من الأطفال. بعد القبض على الرجل المنحرف أوشينسكي (الذي يلعبه كريس أفيديسيان)، يتظاهر تيم بأنه شاذ جنسيا كي يقترب تيم من أوشينسكي في السجن ويوهمه أن لديهم نفس اهتمامات الاستغلال الجنسي للأطفال، وأنه يمكنه مساعدته في الحصول على عقوبة أكثر تساهلا.
في البداية، يشك المتحرش (أوشينسكي) بالعميل بالارد، لكن تيم ينجح في كسب ثقة أوشينسكي من أجل الكشف عن معلومات حول شبكة الاستغلال الجنسي للأطفال السرية التي كان أوشينسكي جزءا منها والتي لا تزال تعمل. تنجح الخطة مع المزيد من المعلومات عن الشبكة الخاصة بتهريب الأطفال وسرقتهم من ذويهم واستغلالهم جنسيا، لم يمض وقت طويل قبل أن يكتشف العميل تيم عن الأشقاء المختطفين والمنفصلين ميغيل وروسيو.
يعثر تيم على الطفل ميغيل أولا، بعد أن تم ضبط أحد المتحرشين يحاول أخذ الطفل عبر الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك والتظاهر بأن الطفل ميغيل ابن أخيه الذي تغيير اسمه إلى تيدي بير وأمره بإخبار الناس باسمه المستعار إذا سأل الناس ميغيل عن اسمه بعد تهديده بقتل شقيقته.
عندما يرى ميغيل العميل بالارد يثق به لأنه رجل قانون ويخبره باسمه الحقيقي. تأثر بالارد بشدة بميغيل وأخذه إلى العشاء، حيث يروي ميغيل بقية قصته عن اختطافه مع أخته ورغبته في العثور عليها. يبدأ الطفل ميغيل في الانفتاح على العميل بالارد، يشير إلى قلادة صغيرة أعطته إياها شقيقته روسيو قبل افتراقهما، ويراها الطفل ميغيل أنها علامة لوثوق أخته به، لذلك يعطي هذه القلادة إلى بلارد ويطلب منه إعطاءها لروسيو إذا وجدها. سرعان ما يجتمع ميغيل مع والده روبرتو الذي يشعر بالامتنان لأنه تم العثور على ميغيل، ولكنه مصدوم بسبب ما عاشه أطفاله واستمرار فقدان روسيو.
قصة حقيقية
فضح شبكات إجرامية تتاجر بالأطفال
يتعهد بالارد بالمساعدة في العثور على أخته روسيو واعتقال الأشخاص المتورطين في استعبادها الجنسي ولمّ شملها مع عائلتها. تستكمل بقية حكاية فيلم “صوت الحرية” عندما يكتشف بالارد أن روسيو محتجزة في كولومبيا. في البداية، حصل على الضوء الأخضر على مضض من المشرف جون براينت (الذي يلعب دوره كورت فولر)، الذي يؤكد على العميل بالارد بضرورة التركيز الرئيسي على القبض على الشواذ والمنحرفين جنسيا وليس المجازفة والسفر إلى كولومبيا لإنقاذ الأطفال ضحايا الاتجار بالجنس.
سئم بالارد من البيروقراطية واستقال على الفور وبدأ العمل بطريقة أخرى لإنقاذ روسيو قبل فوات الأوان، يقرر ترك وظيفته في الأمن الداخلي للتركيز على إنقاذ ضحايا الاتجار بالجنس. ويسافر في عمق الغابة الكولومبية، ويضع حياته على المحك لتحرير الطفلة من مصير أسوأ من الموت.
يقوم بالارد ببعض الاتصالات التي تساعده على التسلل إلى هذه الشبكات المنحرفة. يلتقي برجل في منتصف العمر بول (إدواردو فيراستيغي) يصبح حليفه، الذي يتظاهر بأنه ثري شاذ جنسيا يريد بناء فندق سيكون واجهة لتجارة الجنس. بعد إنقاذ مجموعة من الأطفال من مهربي الأطفال عديمي الرحمة، لكن الطفلة الذي كان بالارد يبحث عنها لم تكن من بين الـ50 الذين تم إنقاذهم، ويعلم العميل الفيدرالي أن أخت الصبي لا تزال أسيرة ويقرر الشروع في مهمة خطيرة لإنقاذها.
مع نفاد الوقت، يتعقبها إلى قرطاجنة في كولومبيا حيث يتعاون مع ضابط شرطة محلي يدعى خورخي (خافيير جودينو) وهو متعاون سابق مع الكارتل يسعى للتكفير عن خطاياه الماضية. يتظاهر بالارد تماما كطبيب مع برّاد مليء باللقاحات ضد مرض الكوليرا كي يتمكن من الدخول إلى المستعمرة المحصنة من قبل رجال العصابات. وصدم مما وجده هناك، مستعمرة العبيد في العصر الحديث حيث يحصد البالغون والأطفال أوراق الكوكا، وباستخدام أقدامهم العارية يسحقون الأوراق إلى عجينة الكوكايين. يجد أخيرا طفلته المستهدفة ويقتل المعتدي عليها وهو زعيم المتمردين. ويحررها من عبوديتها وينجح في لمّ شمل العائلة وإعادة الطفلة إلى أهلها.
قصة حقيقية وقضية إنسانية تقشعر لها الأبدان وهي التجارة بالأطفال من مجرمين يتظاهرون بأنهم مكتشفو مواهب
يكشف لنا فيلم “صوت الحرية” عن حقيقة لا يمكننا تجاهلها وهي الاتجار الجنسي بالأطفال القصّر. وصرح المخرج مونتيفيردي البالغ من العمر 45 عاما، الذي هاجر إلى الولايات المتحدة من المكسيك عندما كان مراهقا، أنه في عام 2015 لم يكن على علم بآفة الاتجار الجنسي بالأطفال، حتى شاهد مقطعا إخباريا على الشبكة حول هذا الموضوع، يقول “ما عرفته هز روحي لأنني لم أصدق حقا وجوده”.
بعد فترة وجيزة، التقى منتج الفيلم إدواردو فيراستيغي بتيم بالارد وهو عميل خاص سابق لوزارة الأمن الداخلي، وتحول المشروع إلى قصة تستند إلى عمل بالارد عندما تم تعيينه في فرقة العمل المعنية بجرائم الإنترنت ضد الأطفال وتم نشره كعميل سري لكشف “السياحة الجنسية للأطفال” في الولايات المتحدة.
وقع الاختيار على الممثل جيم كافيزيل لأداء دور (بالارد ) الذي اشتهر بتجسيده لشخصية المسيح في فيلم “آلام المسيح” لميل غيبسون عام 2004، وهو معروف بتديّنه الشديد، وشاركه في التمثيل ميرا سورفينو وبيل كامب وخوسيه زونيغا وفيراستيغي. ومع ذلك، فإن النجوم الحقيقيين للفيلم هم الثنائي الأخ والأخت، ميغيل وروسيو، ويؤدي دورهما لوكاس أفيلا وكريستال أباريكو، اللذان ستجذب قصتهما أو براءتهما المفجعة المشاهد.
رسالة صادقة وشجاعة
يقدم فيلم “صوت الحرية” سردا حقيقياّ لحكاية تدور حول مكافحة الاتجار بالأطفال بقيادة مسؤول الأمن الداخلي السابق تيم بالارد الذي ترك وظيفته في الحياة الواقعية كوكيل لوزارة الأمن الداخلي في عام 2013، وأسس عملية السكك الحديد تحت الأرض، وهي منظمة غير ربحية مكرسة لوقف الاتجار بالجنس البشري. ويصور الفيلم أيام عمله في فرقة العمل المعنية بجرائم الإنترنت ضد الأطفال. لقد فهمنا جيدا أيضا الإحباط الذي دفعه إلى الاستقالة من عمله من تلقاء نفسه لتعقب الأسرى وإنقاذهم (وكثير منهم أطفال) وتقديم خاطفيهم إلى العدالة.
عندما طرح بالارد سؤالا حول الدافع لمهمته، أجاب “أبناء الله ليسوا للبيع”. في الفيلم طرحت قصة حقيقية وقضية إنسانية تقشعر لها الأبدان وهي التجارة بالأطفال، وتم تسليط الضوء على جهود العميل تيم بالارد الذي أسس منظمة لإنقاذ الأطفال من الاختطاف والاستغلال الجنسي والتجارة بهم ووضع حد لهذه الجريمة المروعة وهي واحدة من أشد الجرائم وحشية وقسوة في عصرنا الحالي، تستوجب الوقوف أمامها ومواجهتها.
عندما أتكلم عن هذا الفيلم فأنا لا أتحدث عنه كمجرد تجربة سينمائية، وإنما كواحدة من أهم وسائل التعبير عن واقع مُظلم يعيشه الآلاف من الأطفال حول العالم. يجب أن ننظر إلى هذا الفيلم ليس فقط كعمل فني، بل كرسالة صادقة وشجاعة من المخرج الذي استطاع باحترافية تقديم فيلم مثير يقدم قصة تهدف إلى حل قضية إنسانية.
هناك مشهد في “صوت الحرية” حيث يتم إنقاذ الأطفال ويظهرون وهم يغنون، وتقول إحدى الشخصيات في الفيلم، “هل تعرف ما هو هذا الصوت؟” وبعد ذلك، تليها وقفة طويلة، يكون الجواب “إنه صوت الحرية”. من الضروري ملاحظة أن جميع الشخصيات في الفيلم تستند إلى أشخاص حقيقيين، بما في ذلك “جيزيل”، المرأة المسؤولة عن تجنيد الأطفال.
هذا الفيلم ليس مجرد تجربة سينمائية، وإنما واحدة من أهم وسائل التعبير عن واقع مُظلم يعيشه الآلاف من الأطفال
خططت جيزيل “لتجنيد” المواهب والوعد بثروات للعائلات ذات الدخل المنخفض. تستند شخصية جيزيل إلى امرأة تدعى كيلي جوهانا سواريز. سميت سواريز “ملكة جمال قرطاجنة” عن عمر يناهز 20 عاما. ومع ذلك، بحلول أواخر العشرينات، كانت تستغل العوائل التي يفترسها الفقر في مسقط رأسها أوبريرو، كولومبيا وتعدهم بالثروة من خلال عرض الأزياء والأبهة. ولكنها باعت الأطفال الأبرياء إلى تجار البشر لاستغلالهم في تجارة الجنس.
إن حصول الفيلم على دعم من مجموعة من الشخصيات المحافظة من رجال السياسة و المال، وتصريحات شخصيات مثل ميل جيبسون وإيلون ماسك ودونالد ترامب وجوردان بيترسون، من بين آخرين، يحيلنا إلى أنه ليس من المستغرب الجدل الذي انفجر في جميع وسائل الإعلام حول الفيلم على جميع المكونات لإثارة المواقف السياسية الأكثر راديكالية في الساحة.
ويعزو الكثيرون سبب النجاح غير المتوقع للفيلم إلى الدعم من شخصيات سياسية ومؤسسات إعلامية تمثل تيار اليمين الأميركي. وحلّ الممثل كافيزيل وبالارد والمنتج والممثل فيراستيغي ضيوفا على العديد من برامج البودكاست اليمينية والدينية، كما ساعدت مؤسسات تتبنى الخطاب اليميني مثل “فوكس نيوز”، و”بريتبارت”، و”كريستيان بوست”، و”كاثوليك وورلد نيوز” في الدعاية للفيلم، إلى جانب وجود الممثل والمخرج ميل جيبسون كواحد من منتجي الفيلم يجذب أيضا غضب بعض الأشخاص والشركات السينمائية.
وفي الوقت نفسه، اعتمدت التغطية الإعلامية اليمينية لصدور الفيلم سردية مفادها أن العمل يقدّم قصة “لا يريد اليسار أن نسمعها”. ويوصف الفيلم بأنه “فيلم إثارة مسيحي” وتشير الحملة الإعلانية المواكبة له أحياناً إلى إيمان أبطاله. كما تضمن أحد مشاهده عبارة “أطفال الله ليسوا للبيع”.
في المقابل، رفض المخرج مونتيفيردي هذا التوصيف واستبعد تلك الخلافات الأيديولوجية حول فيلمه وقال “إنها تؤلمه بشدة، أنا لست قريباً من السياسة ولا مع أي شيء يثير الانقسام. أنا فنان وراوي قصص”. ووفقا للشائعات في الشبكات، تم رفض مشروع الفيلم من قبل العديد من أستوديوهات هوليوود حتى تمكن أخيرا من تنفيذه بتمويل مستقل. ويدعي منتج الفيلم إدواردو فيراستيغي، أنه تعرض للتهديد بالقتل في عدة مناسبات قبل العرض الأول أو الحملة التسويقية أو رد فعل مجموعات السلطة المتورطة في شبكات الاستغلال الجنسي للأطفال.
فيلم صوت الحرية (2023) يثيرنا منذ اللحظة الأولى داخليا ويجعلنا نشعر بعدم الارتياح في مواجهة صدمة الصور. من ناحية أخرى، يتجنب المخرج في جميع الأوقات إظهار المواقف المخيفة التي يعيشها الأطفال بطريقة مرضية، بل على العكس، يفضل أن يكون أكثر دقة واحتراما عندما يتعلق الأمر بتعريضنا لكل لحظة من الحياة القاسية التي أجبر الأطفال على عيشها.
قال فيراستيغي إن المشاهدين “تركوا قلوبهم تتكلم” و”شاركوا تلك الانطباعات مع أشخاص آخرين. إنها حركة تنمو”. وبينما اعترف بأنه لا يملك “عصا سحرية” لإنهاء الاتجار بالأطفال، قال فيراستيغي إن “الخطوة الأولى هي زيادة الوعي”.
في الحياة الواقعية، أصبحت منظمة بالارد لمكافحة الاتجار بالبشر، عملية السكك الحديد تحت الأرض معروفة بالقيام بعمليات إنقاذ درامية مثل تلك التي تم تصويرها في الفيلم. تلك المنظمة التي يديرها بالارد ساهمت في إنقاذ النساء الإيزيديات في العراق، وقادت عمليات النقل الجوي الخاصة لإنقاذ الأفغان المضطهدين من أفغانستان بعد رحيل الجيش الأميركي في عام 2021. “صوت الحرية” (2023) فيلم مستوحى من حياة تيموثي بالارد الوكيل السابق لوزارة الأمن الداخلي في الولايات المتحدة، مؤسس منظمة عملية السكك الحديد تحت الأرض المكرسة لمساعدة ضحايا الاتجار بالأطفال. أدلى بالارد بشهادته في اللجنة الفرعية للشؤون الخارجية في مجلس النواب وشارك لقطات للعملية التي تم تصويرها في صوت الحرية مع وسائل الإعلام (تمت إضافة بعض هذه اللقطات أيضا خلال اللحظات الأخيرة من الفيلم).
استغلال الأطفال مشكلة حقيقية لا يريدها أحد (باستثناء المستغِلين). وفيلم ”صوت الحرية” أعتبره صرخة بوجه عالم يستغل فيه الأطفال جنسيا والتعاطف مع الضحايا الأبرياء الذين لا يستحقون مثل هذه المعاملة. نأمل أن يقوم الفيلم بعمله في زيادة الوعي بالمشكلة الحقيقية للاتجار بالبشر. صوت الحرية يظهر بوضوح الجهود الكبيرة التي تبذل لإنقاذ الأطفال من الاتجار. وهذا الجهد، وإن كان مشرفا في إنقاذ الأرواح، لن يحل المشكلة حتى يحاسب أولئك الذين يشترون الأرواح ويدمرونها ويعاقبون على أعمالهم. ومع ذلك، لا يوجد نقاش يذكر على الصعيد العالمي حول إنهاء الطلب الذي هو القوة الدافعة للاتجار.
ShareWhatsAppTwitterFacebook
علي المسعود
كاتب عراقي