شرح نظرية الفن للفن
مفهوم نظرية الفن للفن نظرية الفن للفن، أو النظرية البرناسية، وتُسمى أيضًا بنظرية الفن؛ لأنّها أصل الفلسفات الفنية، وهي نظریّة تنظر إلى الفنّ على أنّه مُجرّد من أي مُلابسات فكریّة، أو فلسفية، أو دينية، وهي نظرية للفنّ عمومًا، ولا تنشد من الفنّ سوى الجمال، ویُطلق النقاد الفنيّون على ذلك بأنّه تخلیص الفن من النفعیة.[١]
علاوةً على ذلك، تنتشر هذه النظرية في الأدب، كَشكل من أشكال الفنون، ويُعتقد أنّه يجب تحرير الأدب والفن من أي قيمة يمكن تضمينها إلّا قیمة الجمال، وألا يُنظر فیه لغاية البحث عن معايير أخلاقية أو دینیة، أو قِیميَّة، فمَهمة الأدب كما يقول الأديب وليد قصاب هي نحت الجمال، ورسم الصور، والأخیلة الباهرة، وذلك من أجل بعث المتعة، وإيقاظ الفرحة والسرور في النفس.[١]
تُسمّى نظریة الفن للفن بالبرناسیة، ويقال إن سبب هذا الاسم هو ارتباطه بجبل برناس في اليونان، وتُشير الأساطير إلى أنّه جبل تعيش فيه الآلهة الشعرية، ثم أخذت التسمیة الشكل الفني، وارتبطت فلسفيًا به، وكان هذا الاسم شائعًا جدًا في ألمانيا في ذلك الوقت قبل الحرب العالمية الأولى.[١] ويكون الجمال قيمةً واحدةً يُعبّر عنها، كواحة خضراء يستظلُّ بها من عناء الحیاة، ومن ناحية أخرى، يرى بعض النقاد أنّ نظرية الفن للفن هي شكل من أشكال الفلسفة اللادینیة والتي تقوم على رفض كلّ قديم، بما في ذلك الدين والأخلاق، وعدم الالتزام به في الأدب والفن.[١] جذور نظرية الفن للفن وأصولها تعود أصول نظرية الفن للفن إلى الحضارة اليونانية القديمة، ومرّت بالعديد من المراحل التي صاغها الفلاسفة، وأهم هذه المراحل ما يأتي: المرحلة الأفلاطونية يُمكن إرجاع فلسفة أفلاطون إلى جذور سقراطية، ففكرة البحث في أصول الجميل لذاته، وتخليصه من العوامل الخارجية هي سقراطية في المبدأ لكنّ أفلاطون وهو أشهر فلاسفة اليونان قام بالتأصيل الفلسفي لها بمؤلفاته، ويُعدُّ علم الجمال وليدًا لمحاورة هيبياس الأعظم، فلا بُدّ من وجود جمال أكبر، بعيدًا عن تجلياته.[٢] وبمثالية أفلاطون، وكونه أهمّ تلميذ لسقراط، توصّلنا إلى أنّ أفلاطون كان أول شخص رفض مفهوم الفن للمجتمع، وكرّس نفسه للبحث عن الجمال دون غرض خارجي ومحاكاة؛ لذلك طرد الشعراء من جمهوريته؛ إذ إنّهم حاولوا تقليد الواقع، باستخدام الفن كوسيلة للتعبير عن الواقع وخدمة المجتمع، وهذا أمر منافٍ للبحث عن الجمال لذاته.[٢] المرحلة الكانطية يُعدّ الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط (1804م- 1724م) أحد الفلاسفة المتخصصين في نظرية المعرفة الكلاسيكية وأحد أهم الفلاسفة في عصر التنوير، وكتابه (نقد ملكة الحكم) عالج به أهم الإشكاليات والقضايا المعرفية ذات الصلة بفلسفة الفن والجمال، واختصّ بالتحديد في دراسة كل ما يقع وراء التحليل الإمبريقي أو التجريبي للإحساس الجمالي، مُتجهًا للخبرة الإنسانية في أهمية وتكامل المجالين الخاصّين بالعقل النظري، والعقل العملي.[٣] تنقسم ملكات الذّهن عند كانط إلى ثلاث ملكات: ملكة المعرفة، وملكة الرغبة، ثم ملكة الشعور والألم، وكل ملكة من هذه الملكات اتخذت وظيفة ومكانة، فملكة المعرفة هي الأولى في التسلسل الوظيفي القيمي، بصفتها ملكة الفهم التي تجسد كل المعرفة والوظائف البشرية والقوة التي تعتمد عليها هي الفهم، وهي تستند إلى مبدأ القانون، وهي الملكة التي خصص لها كانط كتابه النقدي الأول وهو نقد العقل الخالص.[٣] أما الملكة الثانية في تصنيفه الشهير فهي ملكة الرغبة، والقوة التي تقوم عليها هي العقل، ومجال اشتغالها هو الأخلاق، والمبدأ الذي تستند له هو مبدأ الواجب، وهذه الملكة خصصها كانط بكتاب نقدي ثان وهو نقد العقل العلمي، أما الملكة الثالثة والأخيرة، فهي ملكة الشعور والألم، وهي ما تقوم به قوة ملكة الحكم التي تعتمد على مبدأ الأحكام الجمالية، ويتحدد مجال عملها بالفن والجماليات.[٣] ومن خلال التمحيص في نظريات كانط الذاتية نُلاحظ مدى تركيزه على العامل الذاتي، ويُعدّ كانط من الفلاسفة المثاليين الألمان، وفي تأسيسه لنظرية الحكم الجمالي يُرجع عبقرية الفن إلى طبيعة الفنان، كما أنّه لا يقوم بعلم الجمال، لأنّه بالعلم سيصبح خارجًا عن نطاق الذات، التي تتمتع بالذوق، والحكم الجمالي، كنتيجة لإحساسها بالجمال.[٣] المرحلة الهيغلية يُعدُّ هيغل (1818م-1882م) من أهم الفلاسفة المثاليين الألمان، وانطلاقًا من نظرته المثالية عرّف مفهوم الجمال فلسفيًا على أنّه فكرة، ويُقصد بذلك أنّ الجمال والحقيقة شيء واحد، فالجميل لا بدّ بالفعل أنْ يكون حقيقيًا في ذاته.[٤] فالشيء الجميل في وجوده يجعل مفهومه الخاص يبدو على أنّه متحقّق في ظاهريته، أي في وجوده الذاتي المُمكن معاينته، والمفهوم هو الذي يُحدد غايته الخارجية، ويكون واقعه من إنتاج ذاته، لا من إنتاج شيء آخر.[٤] وهنا يظهر التجريد في رؤية هيغل للفن، وعليه فإنّ الجمال هو ما يُشكّل ماهيته الحق في هذه الفكرة، ويَظهر مدى تأثر هيغل بفكرة الجمال عند أفلاطون، وكلاهما يُرجعُ الفن للجمال، ويعملان على تخليصه من أيّة وظائف اجتماعية، أو دينية، أو غيرها.[٤] فلسفة نظرية الفن للفن إنّ فلسفة الفن للفن، تُعدُّ من أقدم النظريات في الفن، نظرًا لأصولها اليونانية عند أفلاطون، وسُميّت بنظرية الفنّ العامّة، وبعد التطور الكبير الذي طرأ عليها تحديدًا على يد الفلاسفة الألمان كانط وهيغل، إلا أنّها تطورت كثيرًا في العصور الوسطى، في القرن السابع عشر تحديدًا عندما تخلص الأوربيون من سيطرة الكنیسة.[١] والفنّ للفنّ مذهب تأثر به النقاد الفنيّون بسبب الفلسفات ذات النزعة الرومانسية، التي تقول بأنّ الفن والشعر خاصة، هي أعمال ذاتية تَعرض العواطف والانفعالات الإنسانیّة، وتسعى إلى التعبیر عنها من خلال الأدب، فالرومانسیة تَعدُّ الأدب وسیلةً للتّعبیر عن الذات فقط.[١] والفنّ للفنّ هو مذهب فنيّ يَنشد الجمال لذاته، ويرى الفنّ غایةً في حدّ ذاته، كما أنّه مذهب يهدف إلى جعل الشعر والأدب فنون موضوعية في ذاتها، يهتم باستخراج الجمال، ونحته من مظاهر الطبیعة، أو إضفائه على تلك المظاهر.[١] أبرز أعلام نظرية الفن للفن لو كانت دي لیل (1818م-1894م) مؤسس مذهب الفنّ للفنّ، تخلّى عن دينه المسيحي، واعتنق البوذیة، وهو شاعر وناقد فني، من أصول فرنسية، له العديد من المؤلفات والدواوين الشعرية.[٥] شارل بودلیر (1821م -1867م) هو فرنسي نادى بالفوضى الجنسیة، ويُعدُّ من أكثر المتمسكين بنظرية الفن للفن، وظهرت هذه النزعة في ديوانه الكامل، الصادر عن دار الشروق، إذ رد في مقدمته على كل من يَصفه بأنّه شاعر لا أخلاقي.[٦] تیوفیل جوتییه (1811م -1872م) هو كاتب فرنسي، له العديد من القصص، والأعمال الأدبية، ويُعدُّ من أوائل الذين صاغوا نظرية الفنّ للفنّ في العصر الحديث، ولُقّب بسيد الحركة الشعرية.[٧] مالا رامیه (1842م -1898م) هو كاتب فرنسي، ويُعدُّ من أشد المُدافعین عن مذهب الفنّ للفنّ، وهو من أعمدة المذهب الرمزي في الأدب والشعر إلى جانب الشاعر بودلیر.[٨] آراء نقدية حول نظرية الفن للفن وُجهت العديد من الانتقادات لنظرية الفن للفن؛ وذلك لكونها نظرية فنية مثيرة للجدل، وأهم من وجَّه هذه الانتقادات الشخصيات الآتية: أفلاطون اعتقد الفيلسوف اليوناني أفلاطون أنّ للفن وظيفة تربوية، وكان ذلك بمثابة ردّ على جذور نظرية الفن للفن الواردة في أشعار هوميروس، فهو لم يهتم بالجانب الأخلاقي في الملاحم التي كتبها، لذلك لا بد من وجود هدف تربوي، وخطاب واعظ في الفن.[٩] أرسطو أكد الفيلسوف اليوناني أرسطو على ضرورة التركيز على القيم الجمالية الموجودة في الشعر، وفي هذا إبراز لأهمية نظرية الفن للفن، فحسب وجهة نظره لا يجوز أنْ يتحوّل الشعر إلى مُجرّد خطاب يَعظ الناس.[٩] وليد قصّاب استنكرالباحث وليد قصّاب السّبب وراء فصْل الفنّ عن السياسة وعلم الاجتماع، فالفن مُرتبط بالأنشطة الإنسانية، التي تحمل الكثير من المعاني، والقيم الحميدة.[٩] الشاعر والأديب سيدني أكّد سيدني أنّ أساس المُفاضلة بين الفنون هو الأثر الذي تُخلّفه في المُتلقي، وهنا يؤكد على عمق العلاقة بين الفن والأخلاق.[٩] رأي الإسلام بنظرية الفن للفن اتضح من خلال دراسة الفقهاء لنظرية الفن للفن، أنّها نظرية لا دينية، بحكم أنّها نظرية لا تنشد من الفن سوى الجمال، لكنّ الرؤية الإسلامية للفن تقضي بأنّ على الفن أنْ يكون ملتزمًا بالقيم الإسلامية، ومراعيًا لمبادئ الإسلام، وأهمها مبدأ التوحيد الذي يقوم عليه الدين الإسلامي، كما أنّ من أهم القواعد الفقهية قاعدة لا ضرر ولا ضرار، والفن للفن هي نظرية لا تُعطي قيمةً للجانب القيميّ، لذلك فهي مُعارضة للقواعد الفقهية.[١٠] كتب عن نظرية الفن للفن يوجد العديد من الكتب التي عُنيت بتقديم نظرية الفن للفن للقارئ العربي، من أهمها الكتب الآتية: الأسس الجمالية في النقد العربي مؤلفه عز الدين إسماعيل، صدر عن دار الفكر العربي عام 1992م، ناقش فيه مختلف القضايا المُتعلقة بعلم الجمال وفلسفة الفن، وتتبع التسلسل الزمني للنظريات الفنية عبر التاريخ بدءًا من الحضارة اليونانية وصولًا إلى الفلسفة المعاصرة، واستعرض فيه آراء النقاد والفلاسفة المعاصرين في نظريات الفن عامة، ونظرية الفن للفن خاصة، كما خصّص فصولًا لمناقشة أصداء نظرية الفن للفن على الأدب العربي، والفنون العربية.[١١] الإستطيقا علم الجمال ألّفه دنيس هويسمان، وقامت بترجمته أميرة حلمي مطر، وقد صدر هذا الكتاب عام 1959م، ويُعد من أهم الكتب التي ناقشت نظرية الفن والتسلسل التاريخي لها من خلال العودة إلى جذور هذه النظرية عند سقراط وأفلاطون اللّذيْن ناقشا ضرورة تجريد الفن من المنافع وابتغاء الجمال لغايات مثالية، ويُعدّ الكتابُ مدخلًا جيدًا لمن أراد التعرف على تاريخ نظرية الفن عامةً.[٢]
مفهوم نظرية الفن للفن نظرية الفن للفن، أو النظرية البرناسية، وتُسمى أيضًا بنظرية الفن؛ لأنّها أصل الفلسفات الفنية، وهي نظریّة تنظر إلى الفنّ على أنّه مُجرّد من أي مُلابسات فكریّة، أو فلسفية، أو دينية، وهي نظرية للفنّ عمومًا، ولا تنشد من الفنّ سوى الجمال، ویُطلق النقاد الفنيّون على ذلك بأنّه تخلیص الفن من النفعیة.[١]
علاوةً على ذلك، تنتشر هذه النظرية في الأدب، كَشكل من أشكال الفنون، ويُعتقد أنّه يجب تحرير الأدب والفن من أي قيمة يمكن تضمينها إلّا قیمة الجمال، وألا يُنظر فیه لغاية البحث عن معايير أخلاقية أو دینیة، أو قِیميَّة، فمَهمة الأدب كما يقول الأديب وليد قصاب هي نحت الجمال، ورسم الصور، والأخیلة الباهرة، وذلك من أجل بعث المتعة، وإيقاظ الفرحة والسرور في النفس.[١]
تُسمّى نظریة الفن للفن بالبرناسیة، ويقال إن سبب هذا الاسم هو ارتباطه بجبل برناس في اليونان، وتُشير الأساطير إلى أنّه جبل تعيش فيه الآلهة الشعرية، ثم أخذت التسمیة الشكل الفني، وارتبطت فلسفيًا به، وكان هذا الاسم شائعًا جدًا في ألمانيا في ذلك الوقت قبل الحرب العالمية الأولى.[١] ويكون الجمال قيمةً واحدةً يُعبّر عنها، كواحة خضراء يستظلُّ بها من عناء الحیاة، ومن ناحية أخرى، يرى بعض النقاد أنّ نظرية الفن للفن هي شكل من أشكال الفلسفة اللادینیة والتي تقوم على رفض كلّ قديم، بما في ذلك الدين والأخلاق، وعدم الالتزام به في الأدب والفن.[١] جذور نظرية الفن للفن وأصولها تعود أصول نظرية الفن للفن إلى الحضارة اليونانية القديمة، ومرّت بالعديد من المراحل التي صاغها الفلاسفة، وأهم هذه المراحل ما يأتي: المرحلة الأفلاطونية يُمكن إرجاع فلسفة أفلاطون إلى جذور سقراطية، ففكرة البحث في أصول الجميل لذاته، وتخليصه من العوامل الخارجية هي سقراطية في المبدأ لكنّ أفلاطون وهو أشهر فلاسفة اليونان قام بالتأصيل الفلسفي لها بمؤلفاته، ويُعدُّ علم الجمال وليدًا لمحاورة هيبياس الأعظم، فلا بُدّ من وجود جمال أكبر، بعيدًا عن تجلياته.[٢] وبمثالية أفلاطون، وكونه أهمّ تلميذ لسقراط، توصّلنا إلى أنّ أفلاطون كان أول شخص رفض مفهوم الفن للمجتمع، وكرّس نفسه للبحث عن الجمال دون غرض خارجي ومحاكاة؛ لذلك طرد الشعراء من جمهوريته؛ إذ إنّهم حاولوا تقليد الواقع، باستخدام الفن كوسيلة للتعبير عن الواقع وخدمة المجتمع، وهذا أمر منافٍ للبحث عن الجمال لذاته.[٢] المرحلة الكانطية يُعدّ الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط (1804م- 1724م) أحد الفلاسفة المتخصصين في نظرية المعرفة الكلاسيكية وأحد أهم الفلاسفة في عصر التنوير، وكتابه (نقد ملكة الحكم) عالج به أهم الإشكاليات والقضايا المعرفية ذات الصلة بفلسفة الفن والجمال، واختصّ بالتحديد في دراسة كل ما يقع وراء التحليل الإمبريقي أو التجريبي للإحساس الجمالي، مُتجهًا للخبرة الإنسانية في أهمية وتكامل المجالين الخاصّين بالعقل النظري، والعقل العملي.[٣] تنقسم ملكات الذّهن عند كانط إلى ثلاث ملكات: ملكة المعرفة، وملكة الرغبة، ثم ملكة الشعور والألم، وكل ملكة من هذه الملكات اتخذت وظيفة ومكانة، فملكة المعرفة هي الأولى في التسلسل الوظيفي القيمي، بصفتها ملكة الفهم التي تجسد كل المعرفة والوظائف البشرية والقوة التي تعتمد عليها هي الفهم، وهي تستند إلى مبدأ القانون، وهي الملكة التي خصص لها كانط كتابه النقدي الأول وهو نقد العقل الخالص.[٣] أما الملكة الثانية في تصنيفه الشهير فهي ملكة الرغبة، والقوة التي تقوم عليها هي العقل، ومجال اشتغالها هو الأخلاق، والمبدأ الذي تستند له هو مبدأ الواجب، وهذه الملكة خصصها كانط بكتاب نقدي ثان وهو نقد العقل العلمي، أما الملكة الثالثة والأخيرة، فهي ملكة الشعور والألم، وهي ما تقوم به قوة ملكة الحكم التي تعتمد على مبدأ الأحكام الجمالية، ويتحدد مجال عملها بالفن والجماليات.[٣] ومن خلال التمحيص في نظريات كانط الذاتية نُلاحظ مدى تركيزه على العامل الذاتي، ويُعدّ كانط من الفلاسفة المثاليين الألمان، وفي تأسيسه لنظرية الحكم الجمالي يُرجع عبقرية الفن إلى طبيعة الفنان، كما أنّه لا يقوم بعلم الجمال، لأنّه بالعلم سيصبح خارجًا عن نطاق الذات، التي تتمتع بالذوق، والحكم الجمالي، كنتيجة لإحساسها بالجمال.[٣] المرحلة الهيغلية يُعدُّ هيغل (1818م-1882م) من أهم الفلاسفة المثاليين الألمان، وانطلاقًا من نظرته المثالية عرّف مفهوم الجمال فلسفيًا على أنّه فكرة، ويُقصد بذلك أنّ الجمال والحقيقة شيء واحد، فالجميل لا بدّ بالفعل أنْ يكون حقيقيًا في ذاته.[٤] فالشيء الجميل في وجوده يجعل مفهومه الخاص يبدو على أنّه متحقّق في ظاهريته، أي في وجوده الذاتي المُمكن معاينته، والمفهوم هو الذي يُحدد غايته الخارجية، ويكون واقعه من إنتاج ذاته، لا من إنتاج شيء آخر.[٤] وهنا يظهر التجريد في رؤية هيغل للفن، وعليه فإنّ الجمال هو ما يُشكّل ماهيته الحق في هذه الفكرة، ويَظهر مدى تأثر هيغل بفكرة الجمال عند أفلاطون، وكلاهما يُرجعُ الفن للجمال، ويعملان على تخليصه من أيّة وظائف اجتماعية، أو دينية، أو غيرها.[٤] فلسفة نظرية الفن للفن إنّ فلسفة الفن للفن، تُعدُّ من أقدم النظريات في الفن، نظرًا لأصولها اليونانية عند أفلاطون، وسُميّت بنظرية الفنّ العامّة، وبعد التطور الكبير الذي طرأ عليها تحديدًا على يد الفلاسفة الألمان كانط وهيغل، إلا أنّها تطورت كثيرًا في العصور الوسطى، في القرن السابع عشر تحديدًا عندما تخلص الأوربيون من سيطرة الكنیسة.[١] والفنّ للفنّ مذهب تأثر به النقاد الفنيّون بسبب الفلسفات ذات النزعة الرومانسية، التي تقول بأنّ الفن والشعر خاصة، هي أعمال ذاتية تَعرض العواطف والانفعالات الإنسانیّة، وتسعى إلى التعبیر عنها من خلال الأدب، فالرومانسیة تَعدُّ الأدب وسیلةً للتّعبیر عن الذات فقط.[١] والفنّ للفنّ هو مذهب فنيّ يَنشد الجمال لذاته، ويرى الفنّ غایةً في حدّ ذاته، كما أنّه مذهب يهدف إلى جعل الشعر والأدب فنون موضوعية في ذاتها، يهتم باستخراج الجمال، ونحته من مظاهر الطبیعة، أو إضفائه على تلك المظاهر.[١] أبرز أعلام نظرية الفن للفن لو كانت دي لیل (1818م-1894م) مؤسس مذهب الفنّ للفنّ، تخلّى عن دينه المسيحي، واعتنق البوذیة، وهو شاعر وناقد فني، من أصول فرنسية، له العديد من المؤلفات والدواوين الشعرية.[٥] شارل بودلیر (1821م -1867م) هو فرنسي نادى بالفوضى الجنسیة، ويُعدُّ من أكثر المتمسكين بنظرية الفن للفن، وظهرت هذه النزعة في ديوانه الكامل، الصادر عن دار الشروق، إذ رد في مقدمته على كل من يَصفه بأنّه شاعر لا أخلاقي.[٦] تیوفیل جوتییه (1811م -1872م) هو كاتب فرنسي، له العديد من القصص، والأعمال الأدبية، ويُعدُّ من أوائل الذين صاغوا نظرية الفنّ للفنّ في العصر الحديث، ولُقّب بسيد الحركة الشعرية.[٧] مالا رامیه (1842م -1898م) هو كاتب فرنسي، ويُعدُّ من أشد المُدافعین عن مذهب الفنّ للفنّ، وهو من أعمدة المذهب الرمزي في الأدب والشعر إلى جانب الشاعر بودلیر.[٨] آراء نقدية حول نظرية الفن للفن وُجهت العديد من الانتقادات لنظرية الفن للفن؛ وذلك لكونها نظرية فنية مثيرة للجدل، وأهم من وجَّه هذه الانتقادات الشخصيات الآتية: أفلاطون اعتقد الفيلسوف اليوناني أفلاطون أنّ للفن وظيفة تربوية، وكان ذلك بمثابة ردّ على جذور نظرية الفن للفن الواردة في أشعار هوميروس، فهو لم يهتم بالجانب الأخلاقي في الملاحم التي كتبها، لذلك لا بد من وجود هدف تربوي، وخطاب واعظ في الفن.[٩] أرسطو أكد الفيلسوف اليوناني أرسطو على ضرورة التركيز على القيم الجمالية الموجودة في الشعر، وفي هذا إبراز لأهمية نظرية الفن للفن، فحسب وجهة نظره لا يجوز أنْ يتحوّل الشعر إلى مُجرّد خطاب يَعظ الناس.[٩] وليد قصّاب استنكرالباحث وليد قصّاب السّبب وراء فصْل الفنّ عن السياسة وعلم الاجتماع، فالفن مُرتبط بالأنشطة الإنسانية، التي تحمل الكثير من المعاني، والقيم الحميدة.[٩] الشاعر والأديب سيدني أكّد سيدني أنّ أساس المُفاضلة بين الفنون هو الأثر الذي تُخلّفه في المُتلقي، وهنا يؤكد على عمق العلاقة بين الفن والأخلاق.[٩] رأي الإسلام بنظرية الفن للفن اتضح من خلال دراسة الفقهاء لنظرية الفن للفن، أنّها نظرية لا دينية، بحكم أنّها نظرية لا تنشد من الفن سوى الجمال، لكنّ الرؤية الإسلامية للفن تقضي بأنّ على الفن أنْ يكون ملتزمًا بالقيم الإسلامية، ومراعيًا لمبادئ الإسلام، وأهمها مبدأ التوحيد الذي يقوم عليه الدين الإسلامي، كما أنّ من أهم القواعد الفقهية قاعدة لا ضرر ولا ضرار، والفن للفن هي نظرية لا تُعطي قيمةً للجانب القيميّ، لذلك فهي مُعارضة للقواعد الفقهية.[١٠] كتب عن نظرية الفن للفن يوجد العديد من الكتب التي عُنيت بتقديم نظرية الفن للفن للقارئ العربي، من أهمها الكتب الآتية: الأسس الجمالية في النقد العربي مؤلفه عز الدين إسماعيل، صدر عن دار الفكر العربي عام 1992م، ناقش فيه مختلف القضايا المُتعلقة بعلم الجمال وفلسفة الفن، وتتبع التسلسل الزمني للنظريات الفنية عبر التاريخ بدءًا من الحضارة اليونانية وصولًا إلى الفلسفة المعاصرة، واستعرض فيه آراء النقاد والفلاسفة المعاصرين في نظريات الفن عامة، ونظرية الفن للفن خاصة، كما خصّص فصولًا لمناقشة أصداء نظرية الفن للفن على الأدب العربي، والفنون العربية.[١١] الإستطيقا علم الجمال ألّفه دنيس هويسمان، وقامت بترجمته أميرة حلمي مطر، وقد صدر هذا الكتاب عام 1959م، ويُعد من أهم الكتب التي ناقشت نظرية الفن والتسلسل التاريخي لها من خلال العودة إلى جذور هذه النظرية عند سقراط وأفلاطون اللّذيْن ناقشا ضرورة تجريد الفن من المنافع وابتغاء الجمال لغايات مثالية، ويُعدّ الكتابُ مدخلًا جيدًا لمن أراد التعرف على تاريخ نظرية الفن عامةً.[٢]