"قصر العظم" في "حماة".. يكبر شقيقه الدمشقي بـ 10 أعوام
.................................................. .......................................
يصنف المؤرخ "فيليب حتي" "قصر العظم" في مدينة حماة في وسط سورية بأنه أحد روائع الآثار المقصودة على نهر العاصي، ومن أجمل الأوابد العمرانية في العصر العثماني، والذي يعد مقصدًا رئيسيًا لزوار المدينة، لجماله المنقطع النظير، وإعجابًا بزخارفه وشهرته ومميزاته الفنية، وأهميته الأثرية والتاريخية.
ورغم كل ذلك، يشير كل من "عبد الرحيم المصري"، و"كامل شحادة"، في كتابهما "قصر العظم في حماة" إلى أن "حظه من البحث والتأليف كان ضئيلًا، إذ أشار إليه الباحثون والمؤرخون إشارات خاطفة لا تدفع غلة ولا تشفي صدرًا".
.
ويقع "قصر العظم" القديم في أجمل المواقع وأروعها من حيث القيمة الأثرية والطبيعية من مدينة "حماه" بقبته السامقة ومكانه الذي يشرف على نهر العاصي، فلا عجب أن "أسعد باشا العظم" اختار هذا الموقع، فالناظر من القصر يرى نهر العاصي وكأنه شارع مستقيم جميل تشدو عليه النواعير بصوتها العذب ضمن حديقة غناء تمتاز بأنواع مختلفة من الأشجار والأزهار، كما يرى من فوق سطوحه كثيراً من مباني "حماه" الأثرية مثل "القلعة" و"جامع النوري".
بني هذا القصر من حيث التشييد والتقسيمات على الطراز المعماري العربي الإسلامي، وهو نموذج على العظمة في البناء، حيث تعاقب على بناء هذا القصر اربعة بناة، بدأهم:
☆ "أسعد باشا العظم" عندما كان والياً على مدينة "حماة" في عام ( 1153هـ) الموافق (1740م) حيث يدل على هذا التاريخ أبيات من الشعر المنقوش على جدران القاعة الكبرى (قاعة الذهب) حيث كل النقوش والزخارف أنجزت بماء الذهب، وأيضاً بنى "أسعد باشا" كلاً من "الإسطبل" و"مستودع العلف" في الطابق الأرضي، لكن"أسعد باشا" لم يكن لديه أولاد فأكمل أخوه بناء القصر
.
☆حيث رمم "نصوح باشا العظم" القاعة الكبرى سنة (1780م) وانقلب هذا القصر من قصر للحاكم إلى مكان خاص بالحريم يدعى باللغة التركية "الحرملك" وهو من طبقتين
كما قام ببناء قسم ثانٍ يقع شمال "الحرملك" ليستقبل فيه الضيوف والمسؤولين وسمي بقسم "السلاملك" باللغة التركية وهذا يعني قسم الرجال،
.
☆ثم أكمل "مؤيد باشا العظم" عمل "نصوح باشا" في قسم الحرملك فبنى في الطبقة الأرضية قبواً ملحقاً بالإسطبل يقع في جنوبه، وشيد فوقه جناحاً مناظراً للقاعة الكبرى من الجنوب في الطابق العلوي يتألف من غرف مزخرفة ومنقوشة وكان ذلك في عام (1824م)،
.
☆وفي عام (1830م) أتم "أحمد مؤيد باشا" تزيين الطابق الأرضي فأنشأ "إيواناً" بديعاً و"فسقية كبرى" مثمنة الشكل وعدة غرف تحيط بها. فضلاً عن حمام خاص بالقصر سمي باسم "حمام المؤيدية" نسبة إلى بانيها،
وسكن هذا القصر بعد "أحمد مؤيد باشا العظم" أولاده وأحفاده حتى عام (1920م ).
.
وتتربع في باحة الطابق الأرضي شجرة "المانوليا" الى جانب بحرة جميلة
الاسم العلمي لها "ماغنوليا غراندي فلورا” و يقدر عمرها بحدود ال139 عام. حيث يتوقع أن تكون قد زرعت عام 1885م..
وهي واحدة من أربع أشجار من الفصيلة ذاتها في حماة موزعة ما بين • حديقة أم الحسن وسط المدينة • وأمام نقابة المهندسين
• وحديقة متحف حماة الجديد
وتضفي الشجرة على القصر لمسات من الجمال خاصة عندما تطرح أزهارها البيضاء الكبيرة مع بداية فصل الربيع من العام.
و يتجاوز طولها حاليا 15 مترا وجذعها بقطر متر ونصف المتر.
وتتميز بالتكيف مع التغييرات المناخية.
.
أما في صدر القصر فترى "الإيوان" بفرشه المصنوع من القماش الخام الأبيض المطبوع والذي تتفرد مدينة "حماه" بصنعه بألوانه السوداء والحمراء وفي وسطه "منقل" و"دلة قهوة" تتصدره لوحة "الفريسك"،
.
وعندما عين "أسعد باشا" والياً على "دمشق" بعد عشر سنوات بنى قصراً آخر مماثلاً لقصر "حماة" غير أن الأخير يتميز "بقبة" لا توجد في قصر "دمشق"،
و كان "أسعد باشا" مولعاً بالبناء فبنى أيضاً في حماة "خان أسعد باشا العظم" والذي تحول حالياً إلى "كلية الآداب الثانية" وأيضاً حمام "الاسعدية" في "سوق الطويل".
.
تحول هذا القصر إلى مدرسة لـ"جمعية دار العلم الأهلية" في "حماه" وبعد ذلك تحول إلى "متحف" في عام (1956م) في عهد رئيس الجمهورية "شكري القوتلي"، ثم تحول في العام (2002) إلى "متحف للتقاليد الشعبية"، حيث توجد في الطابق العلوي غرفتان:
▪︎ عرض في الأولى أعمال "ريف حماه" من طحن للحبوب أو غزل للصوف تقوم به فتاتان ترتديان الزي الريفي،
▪︎ أما الغرفة الثانية فتسمى (بجلوة العروس) حسب اللهجة المحلية والتي تعني "الماشطة" التي تقوم بتزيين وتلبيس العروس "ثوب القز" الذي تشتهر به العروس الحموية وهو من "حرير" أصلي أسود،
.
وأيضاً يوجد في داخل حمام المؤيدية بأقسامها الثلاثة "براني" و"جواني" و"وسطاني" تماثيل جصية تمثل مراحل الاستحمام والتي تنتهي بالاستراحة مع تناول النرجيلة وشرب الشاي.
.
يذكر انه لما وضع الفرنسيون يدهم على قصر العظم بدمشق سارعت هيئة أمناء مدرسة (دار العلم والتربية الأهلية) بحماة إلى شراء "قصر العظم" حتى يبقى بأيدٍ وطنية أمينة، فاشترته من السيد "ناصح المؤيد العظم" بمبلغ (5000) خمسة آلاف ليرة ذهبية تبرع منها الملك "فيصل الأول" بألف ليرة.
وبقي هذا القصر مقر هذه المدرسة حتى عام (1956م)، إذ نجحت المساعي أخيراً باستملاكه من قبل المديرية العامة للآثار والمتاحف لتجعله متحفاً إقليمياً لمدينة حماة ومحافظتها
.
وصدر بتاريخ 22/9/1956م مرسوم ينص على ما يلي: ينشأ في مدينة حماة متحف إقليمي يكون مقره قصر العظم الأثري يدعى متحف محافظة حماة، ويخصص بآثار المدنيات التي تعاقبت على حوض العاصي وخاصة آثار مدينة حماة، ومنتجات فنونها وآثار تقاليدها الشعبية، وتقاليد كافة القرى التي تشملها محافظة حماة.
وهكذا حول هذا القصر إلى متحف في التاسع من تشرين الأول عام 1956م وقامت المديرية العامة للآثار والمتاحف بعد ذلك بترميم هذا القصر ترميماً فنياً واسع النطاق ولاسيما القاعة الكبرى (قاعة الذهب)، فعاد إلى القصر بهاؤه وجماله، وما انمحى من زخارفه ورسومه وألوانه، وما فقد من قناديله وثرياته وشمسياته (نوافذه الجصية المخرمة)