الوهم والخرافة أكثر سطوة من العلم في مسلسل "فراولة"

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الوهم والخرافة أكثر سطوة من العلم في مسلسل "فراولة"


    الوهم والخرافة أكثر سطوة من العلم في مسلسل "فراولة"


    نيللي كريم خبيرة طاقة وتنمية بشرية صنعتها الصدفة.
    السبت 2024/06/01

    خبيرة طاقة تستغل جهل الناس

    الطاقة وطرق العلاج بها، وأحجار الطاقة، وغيرها من المصطلحات المرتبطة بهذا المجال، كلها انتشرت بكثرة في المجتمعات العربية وبينها المجتمع المصري، حيث بات الكثيرون يؤمنون بأن كل شيء يمكن علاجه بالطاقة فيقبلون على المعالجين والخبراء الذين يبيعونهم الوهم دون أي أساس علمي ومنطقي.

    القاهرة - قليلة تلك الأعمال الدرامية التي تناقش إشكالية العلم والخرافة أو الثقافة و”الفهلوة”، بصورة تجمع بين الجدية والكوميديا، كي تقنع الجمهور بأهمية المحتوى الذي يتم تقديمه، ويتمكن من اجتهدوا في تقديم العمل بحرفية فنية من الوصول إلى شريحة كبيرة من الجمهور وإقناعه بأهمية الرسالة التي يتضمنها، وهو ما ظهرت تجلياته في المسلسل المصري “فراولة” الذي عرض لأول مرة في موسم رمضان الماضي، وتعيد بعض المحطات المحلية بثه حاليا.

    عالج العمل، وقامت ببطولته نيللي كريم وصدقي صخر وأحمد فهيم وشيماء سيف، فكرة التسويق للوهم بالطرق الحديثة، وتجاوب فئة من المواطنين معها، بعد أن لمست وترا السعادة والقدرة على تحقيق أموال طائلة بشكل سريع، من خلال تجربة اخترعها رجل أعمال صيني تعزز إمكانية الحصول على الطاقة والتفاؤل عقب ارتداء بعض الأحجار الصغيرة أو وضعها بجوارهم، وأنشأ لها شركة في القاهرة لتوزيع بضاعته.

    قام بتأليف العمل وكتب السيناريو محمد سليمان عبدالملك بطريقة شيقة، ونجح في تحريك الشخصيات على الورق أولا بما يتناسب مع الصراع بين الثقافة الحقيقية والفهلوة للحصول على المال، حيث اعتمد على الازدواجية التي تكشف تناقضاتها الأهداف المرجوة للمشاهدين وبسلاسة، فالطبيب إبراهيم الذي قام بدوره الفنان صدقي صخر يستند في عمله على العلم، تواجهه الدجالة وقارئة الفنجان التي تحولت بين يوم وليلة إلى خبيرة طاقة بشرية وهي فراولة، وقامت بدورها نيللي كريم، في واحدة من أدوارها الكوميدية القليلة بعد مسلسلها السابق “بـ 100 وش”.



    تمكنت فراولة عن طريق الصدفة أن تصبح خبيرة طاقة في نظر كثيرين، بينهم رجال أعمال اعتبروها تميمة حظ لهم، معتمدة على فراستها منذ الصغر في تفحص وجوه البشر وقدرتها على تشخيص مشاكلهم بشكل يتناسب مع تطلعاتهم، فغالبية من التقت بهم وأخبرتهم عن جوانب حقيقية أو شبه حقيقية من مشاكلهم كان لديهم استعداد فعلي لتقبل ما تخبرهم به فراولة من مفارقات تلقى هوى عند غالبيتهم، وهو ما استغله رجل الأعمال الصيني في تسويق أحجاره الذي ادعى أنها تمنح الناس طاقة خفية تجعلهم أكثر تفاؤلا، وتمكّن من يشاركونه في عمليات البيع من تحقيق أرباح مادية جيدة.

    دخلت، أو بمعنى أدق تسللت، فراولة إلى عالم رجل الأعمال الصيني الذي هيأ لها المجال عمدا لتقدم صفوف موظفيه إلى أن ورطها في مسؤولية الشركة رسميا قبل أن يهرب خارج مصر ومعه الأرباح التي جناها خلال فترة عمله ويتضح أن الشركة تبيع الوهم للناس وتعمل بصورة غير قانونية، وهو ما كاد يعرض فراولة للمساءلة القانونية، لكن نجاحها وثقة الناس فيها والدور الذي تلعبه مواقع التواصل الاجتماعي واعتقاد من اقتنوا الأحجار بقدرتها على مدهم بالطاقة كلها ظروف منحت فراولة قبلة الحياة للنجاة من مقصلة القانون، والعودة كخبيرة في الطاقة والتنمية البشرية ونجمة في وسائل الإعلام.

    كل خطوة تتقدمها فراولة في مجال بيع الوهم كان الطبيب النفسي إبراهيم يتراجع للوراء وتبدو أعلى الشهادات العلمية التي حصل عليها في تخصصه بلا قيمة، كما أن العمل جعل شخصيته معقدة نفسيا وتعاني من مشاكل أسرية، ولا يستطيع التعامل مع زوجته ثم مطلقته، كما أن طفلته الوحيدة تشكو من تصرفاته المزعجة، والتي تأثرت سلبا بما حققته فراولة من نجاح، لأن مقر عملهما في مكان واحد، ويلتقيان كثيرا في الدخول أو الخروج وتدور بينهما حوارات تكشف عن تحيز كليهما لمجاله.

    نجح المخرج محمد علي في اختيار شخصياته وتوظيفها فنيا، معظمها من الشباب وليست من الصفوف الأولى المعروفة، كما أن العلاج بالطاقة كزاوية رئيسية في العمل تتماشى مع الهوس بها والتفاعل معها من قبل كثيرين في مصر للدرجة التي تم تشويهها بسبب تحولها إلى وسيلة للحصول على الأموال من طبقة غنية في المجتمع تبحث عن السعادة بأي وسيلة، ما جعل فراولة تتقدم وتتحول إلى سيدة مجتمع، مع أنها على يقين بأن ما تقوم به وتقنع به الناس أقرب إلى الوهم، لكن الناس يريدون تصديقه لتحسين حياتهم وتغيير مستوى معيشتهم.

    المسلسل وضع إصبعه على أحد الجروح المزمنة في المجتمع، وتتعلق بالربح السريع ولو من خلال طرق أبواب وهمية

    حوى مسلسل فراولة الكثير من الأفكار المستقاة من المجتمع التي يتحدث عنها الناس علنا أو همسا، لذلك فتقديمها عبر عمل درامي يتكون من خمسة عشر حلقة، كان جذابا، لأنه جرى اختزال الكثير من القضايا التي تحير المجتمع في الطاقة، وهي شيء غير ملموس، ولا يستطيع أحد التدليل عليه، بالتالي فالزاوية التي اعتمد عليها المسلسل مطاطة ويمكن التلاعب بها وتأكيد أنها تقوم على علم، وأيضا تنطلق من خرافة عندما تتم المبالغة في تعظيم مفعولها السحري والمعنوي.

    أثار تفاعل الناس، كما جاء في العمل، فضول الطبيب النفسي، ودفعه في النهاية إلى إعادة التفكير في حياته وأسلوبه في التعامل مع من حوله والاقتراب كثيرا من فراولة، وتبين أنها مدته بالطاقة التي يحتاجها دون أن يدري، وتتغير حياته بعد أن أعجب بطريقتها وذكائها وصراحتها مع نفسها، فلم تنكر أمامه استغلال حاجة الناس للسعادة وقدرتها على استثمارها على البعد، ما مكنها من النجاح وتحقيق أرباح، اعتمادا على أنها لم تجبر أحدا على التجاوب معها أو تفرض على من آمنوا بالطاقة شيئا في غياب إرادتهم.

    وضع مسلسل “فراولة” إصبعه على أحد الجروح المزمنة في المجتمع، وتتعلق بالربح السريع ولو من خلال طرق أبواب وهمية استنادا إلى ما أسماه النصاب الصيني الهارب “منه فيه” أو “الشجرة”، بمعنى أن يقوم من يشتري الأحجار ويدفع ثمنا باهظا لها ببيعها لآخرين، هكذا تتشعب الشجرة، ويصبح في النهاية كل فرع أو فرد فيها رابحا، وتتوقف نسبته على موقعه في الشجرة.

    خذ مثلا فراولة التي جاء موقعها في أعلاها فتحصل على أكبر المكاسب، ما يشي أن الفرع الأخير الأصغر أو المشتري الأخير قد يكون الخاسر الوحيد إذا توقف عن تشكيل شجرة مليئة بالفروع / الأشخاص لتبدأ الدورة مستمرة في حلقات لا تنتهي، وهي من الأدلة الواضحة على أن الفكرة تقوم على صناعة الوهم والقدرة على الخداع والتمكن من تسويق ما يملكه الناس بلا نظر لجدواه أو قيمته العملية.

    أدت صياغة الفكرة فنيا وتقديم شخوص العمل في قالب كوميدي لا يخلو من جدية، إلى توصيل رسائلها إلى المجتمع، وأهمها أنك لا تستطيع خداع الناس كل الوقت، كما أن العلم هو محور الحياة وأحد أهم شرايينها، مهما طفت على السطح جماعات طفيلية تدعي امتلاكها أدوات تؤثر على حياة الناس، سلبا أو إيجابا.

    تكشف العودة إلى جذور فراولة الاجتماعية التي كان يتعمد المخرج محمد علي الإشارة إليها من حلقة إلى أخرى أن الطموحات الجامحة يمكن أن تدفع أي شخص إلى القيام بعمل غير معتاد ربما يساعده على تحقيقها دون التفات إلى جديتها وقانونيتها، ما جعل ثيمة المفارقات بين العلم والخرافة هي الخط الرفيع الذي ساعد على نجاح مسلسل “فراولة”، بعيدا عن الافتعال أو تشويق الآخر.

يعمل...
X