إلهام العراقي.. شغفي بالزمن إلهام يضع حجر الأساس للوحاتي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • إلهام العراقي.. شغفي بالزمن إلهام يضع حجر الأساس للوحاتي

    إلهام العراقي لـ"العرب": شغفي بالزمن إلهام يضع حجر الأساس للوحاتي


    الوقت ثيمة تطبع تجربة الفنانة المغربية متشكلة بألوان ورموز متنوعة.
    الخميس 2024/05/30
    ShareWhatsAppTwitterFacebook

    ألوان تقاوم سطوة الزمان والمكان

    الزمن أو الوقت ثيمة تؤرق الفنانة المغربية إلهام العراقي، وجعلتها تتخذها عنوانا لأعمالها ومعارضها الشخصية، محاولة في كل مرة طرح قراءة بصرية جديدة لها، بألوان وشخوص ورموز ودلالات متنوعة، تغوص في أعماق أفكارها حول الزمن، بشغفها به وذكرياتها مع أزمنة ماضية.

    الرباط - تلعب ثيمة الزمن دورًا محوريًا في الأعمال الفنية التشكيلية، حيث تتجسد من خلال استكشاف مفهوم الزمن كظاهرة فلسفية وروحية تعكس تأملات الفنان في الكون والحياة، إذ لا يُنظر إلى الزمن فقط كعنصر كرونولوجي بل كقوة خفية تتداخل مع التجربة الإنسانية والروحية.

    وتسعى الأعمال الفنية التشكيلية إلى تجاوز اللحظة الآنية، مهتمة باستكشاف الأبعاد العميقة للزمن باعتباره تجربة شاملة تتجاوز حدود الإدراك المادي، إذ يتجلّى هذا في استخدام الفنانين لعناصر بصرية مثل التكرار والتجريد والتداخل الزمني، لخلق أعمال تجسد فكرة التدفق المستمر للزمن أو تحاول القبض على لحظة أبدية خارج نطاق الزمن المادي.

    وفي هذا السياق تحكي الفنانة التشكيلية المغربية إلهام العراقي في حوراها مع صحيفة “العرب” قصة شغفها بالوقت كعامل روحاني يشكل أساس خطوط رسوماتها الفنية.

    إلهام عرضت في رواق محمد القاسمي بفاس، في الفترة من 9 إلى 29 مايو الجاري، مجموعة من أعمالها الجديدة، احتفت فيها بتجليات الوقت، حيث يُشار إلى الفنانة غالبًا بلقب “رسامة الزمن”. وقد اختارت الفنانة عنوان “كم الوقت؟ ما الوقت؟” لهذا المعرض الفني.

    إلهام عرضت مجموعة من أعمالها الجديدة احتفت فيها بتجليات الوقت حيث يُشار إلى الفنانة غالبًا بلقب "رسامة الزمن"

    عن سبب اختيارها موضوع الوقت كمحور لمعرضها الفني تبين الفنانة “منذ عشر سنوات وأنا أشتغل على ثيمة الوقت من خلال عدة معارض جماعية داخل المغرب وخارجه، وثلاثة عروض أخرى فردية، فالمعرض الأول كان بباب الكبير في الرباط، اخترت له عنوان ‘زمن، أزمنة’ حيث تطرقت فيه لخاصية الزمن، أما المعرض الثاني فكان في طنجة برواق محمد الدريسي، تحت اسم ‘ميزان الوقت’، وصوّرته بلوحة تجسد ميزانًا، على يمينه كتبت بالريشة كلمة ‘لمح البصر’ بحجم صغير ودقيق، وعلى اليسار عناصر مبنية على طريقة البناء تشير إلى كل ما هو مادي بكلمات مثل قرون وأعوام، وعلى عكس الجهة الأخرى التي تتموضع فيها كلمة ‘لمح البصر’ نجد فيها عقرب الميزان عوض أن ينحني إلى الجهة الثقيلة يتجه إلى الزاوية الراجحة، كإشارة إلى كل ما هو روحاني”.

    وتستدرك “أما المعرض الثالث فانطلق تحت شعار ‘كم من الوقت؟ وما الوقت؟’، وجسدت فيه الوقت بذاته، وهل الوقت عرف تغيّرًا أم نحن من تغيّرنا، وما هو الوقت، وتعريف الزمن؟ إذ أن اللحظات التي أتمعن فيها في خلق الله هي الوقت الحقيقي الذي أعيش فيه مع ذاتي وأشعر أن كل ما خلقه الله ممتن للخالق، هذا الوقت يختلف كثيرًا عن العادي وأحاول أن أجسد ذلك في أعمالي”.

    ‎وحول تطور أسلوبها الفني عبر السنوات، تقول الفنانة “كانت البداية بالصباغة ووصلت إلى تنصيبات يتفاعل معها الزائر، ورغم مرور عشر سنوات، أشعر أنني في بداية مسار تعبيري عن الوقت بالفن التشكيلي، إذ أنني في البداية كنت أمارس التشكيل، وأقمت أول معرض رسمي عام 2004، وفي السنوات الأولى كان أسلوبي الفني تشخيصيًا وأكاديميًا، وفي الفترة الثانية من الممارسة الصباغية اعتمدت على الشبه التشخيصي، حيث نرى أشياء في اللوحة يمكن أن نستدل بها ونعرفها مباشرة، لكنها تتجه نحو التجريد في اللوحة نفسها. وبعد ذلك أتت مرحلة وصفها النقاد الفنيون بفترة التوهج، حيث اشتغلت فيها على الألوان البركانية والألوان الحارة، التي يتبادر إلى ذهن المشاهد أن اللوحة مشتعلة، إلى درجة أن فضوله يدفعه إلى لمسها، واشتغلت على هذا الاتجاه الصباغي لفترة طويلة موسوما بالتجريد وبالألوان البركانية، وفي فترة لاحقة وظفت الألوان الباردة، وهي بداية الإرهاصات الأولى لميلاد ثيمة الوقت، كألوان تترك الزائر يهتم فقط بمحتوى اللوحة لا بألوانها”.

    وتوضح “بالنسبة إليّ لا يمكن أن أدرج شيئًا لا أشعر به أو أحسه، وأضرب لك مثالا على ذلك، فالكثير من الناس يسألونني عن عقرب الساعة الذي يدور في الاتجاه المعاكس دون وجود علامات الدقائق والثواني، يدور مرة بإيقاع ومرة بلا إيقاع، قد تكون الحركة سريعة أو بطيئة، فهذا الاتجاه يعكس ما بداخل كل شخص، كما أنه ينسجم مع دوران الكون وكل ما هو روحاني. فكل شخص له وقته، وقد جسدت في لوحة أخرى ساعة رملية أرفقتها بغربالين (بوصيار) بفتحتين كبيرتين، وتنساب منهما الرمال في أقل من دقيقة، من أجل الإحساس بأن الوقت هدية ثمينة، أما بخصوص المكان فهو مرتبط ومعلق بالزمان وأشياء أخرى، والحقيقة العلمية تتحدث عن صلة المكان بالزمان والعكس صحيح، لكن هناك مفردات أخرى لا يمكن أن أعبّر عنها إلا بالأعمال الفنية”.

    وتشير إلهام العراقي إلى أعمالها الفنية التي تستخدم فيها نوعا معينا من الألوان دون أخرى، فتقول “أستعمل كثيرًا الصباغة الزيتية على القماش وهي الوسيلة المفضلة لديّ، وحين لا أجد الوقت الكافي أستعين بالأكريليك وتقنيات متعددة على القماش والخشب والورق وغير ذلك، وفيما يخص الألوان غالبًا ما تكون مريحة تترك المسافة لقراءة موضوع الوقت بكل اطمئنان وروحانية وهدوء كما أستعمل المنحوتات والتنصيبات التي يتفاعل معها الزائرون. وعادة أتحقق من مقاسات القاعة، خصوصًا إذا كان الأمر يتعلق بمعرض فردي، وأحرص على أن تكون الأعمال التي أقدمها مناسبة لمعايير القاعة مثل ارتفاعها وعرضها، وفيما يتعلق بالمعارض الجماعية التي غالبًا ما تكون خارج المغرب، إذ يُطلب من المشاركين تجنب الرموز الدينية، وهناك أشارك بلوحات تعتمد على لغة ثنائية تتكون من الرقمين 1 و0، إذ شاركت بهذه الأعمال في صالون الخريف بباريس لمدة 11 سنة متتالية، وتتمثل هذه الأعمال في تجسيد الزمن”.


    عمل فني مبتكر


    وتضيف “هناك سلسلة جديدة اخترت لها عنوان ‘الواحد’، تعبّر عن وحدانية الخالق، ولأول مرة قمت باستخدام الخشب والورق والرسم إلى جانب عناصر مادية من الطبيعة، كما أشير هنا أيضًا إلى لوحة بمقاس 2 متر على 1.5 متر، حيث كتبت فيها عبارات تعبر عن فطرة الوقت، وحواس الوقت، وبرمجة الوقت، مما يظهر كأن الوقت يعيش كما نعيش نحن، وفي هذه اللوحات استخدمت لغة ثنائية، لغة رقمية مكونة من 1 و0”.

    وحول لوحاتها الفنية بمعرضها الأخير، تقول إن “الأعمال التي يضمها حالياً رواق محمد القاسمي بفاس، جميعها لوحات جديدة، كما أن هناك عملًا يُعرف باسم ‘الموجة’، يجسد أيضا مفهوم الزمن وعلاقتنا به”.

    وتستجيب الفنانة التشكيلية المغربية لتفاعل الجمهور مع أعمالها الفنية بصدر رحب، وهي تقول عن هذا التفاعل “بالنسبة إلى المعرض الفردي في باب الكبير بالرباط فقد شهد توافدًا غفيرًا من الجمهور وحضرت فئات مختلفة من جميع الأعمار والأجناس، حيث تم عرض أعمالي التي تتألف أساسًا من منحوتات كبيرة وأخرى صغيرة، دون زوايا حادة ليتفاعل معها الصغار بسهولة، بالإضافة إلى تنصيبات تفاعلية، وكلها تجسد مفهوم الزمن، فلا يمكنني التعبير عن مدى سعادتي بهذه التجربة وأتمنى أن تتكرر مستقبلًا، خاصةً مع الاستجابة الإيجابية التي لاقتها الأعمال من الجمهور، فقد شاهدت بنفسي كيف وقف البعض مشدودا أمام الأعمال، وجلس البعض الآخر يتأملها لفترات طويلة، ومثل هذه الاهتمامات تسعد كل فنان، لأن منبع هذه الأعمال ومصدر إلهامها هو الجانب الروحاني، إذ أن أسلوب كل لوحة ليس إلا تعبيرًا وامتنانًا للواحد الخالق الذي يحكم الزمن”.

    أما نظرتها لدور الفن في تعزيز الوعي بالزمن وأهميته في حياتنا اليومية، فتقول إلهام العراقي “الفن يلعب دورًا كبيرًا في حياتنا، سواء كان ضمن فئة الفنون التشكيلية أو السينما، وفي أصناف أخرى من الإبداعات الإنسانية التي تهدف إلى نقل الرسائل القيمة والدفاع عن القضايا الإنسانية الكبرى، وبالنسبة إليّ فإن تعزيز الوعي بالزمن يتجلى في طريقتين: الأولى بسيطة وسهلة حيث يمكننا رؤية عبارات مثل ‘ليس لدينا وقت’ أو ‘الوقت يقفز’، وأشياء أخرى تتسم بالبساطة في الفهم والقراءة، أما الطريقة الثانية، فتتمثل في الأعمال ذات العمق الفني، حيث يتوقف الزائر أمامها ويتأملها لفترات طويلة حتى يفهم جلّ ما تحمله من رسالة، إذ تبدأ تأثيرات هذه الأعمال على الفرد بعد مغادرته قاعة العرض، حيث تتبادر إلى ذهنه موضوعات الزمن التي تظهر في اللوحات بوضوح، سواء من خلال الساعات الرملية أو العقارب التي تدور، أو من خلال الأعمال التي يتفاعل معها الجمهور بتحريك عقاربها بيديه”.

    ShareWhatsAppTwitterFacebook

    عبدالرحيم الشافعي
    كاتب مغربي
يعمل...
X