ناقد سوداني يفكك الهوية السردية في "موسم الهجرة إلى الشمال"

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ناقد سوداني يفكك الهوية السردية في "موسم الهجرة إلى الشمال"

    ناقد سوداني يفكك الهوية السردية في "موسم الهجرة إلى الشمال"


    رواية سودانية تغري النقاد والقراء للتعمق فيها واستكشاف جمالياتها وفرادتها في معالجة قضايا محورية.
    الخميس 2024/05/30
    ShareWhatsAppTwitterFacebook

    بطل يبحث عن هويته (لوحة للفنان بسيم الريس)

    لندن - ما تزال رواية “موسم الهجرة إلى الشمال” للروائي السوداني الراحل الطيب صالح تغري النقاد والقراء للتعمق فيها واستكشاف جمالياتها وفرادتها في معالجة قضايا محورية، وتثير أسئلة عن كيفية تغير الهوية الفردية والجماعية في ظل التحولات التاريخية الكبرى.

    بفضل هذه الرواية تم تتويج الطيب صالح “عبقري الرواية العربية”. الاحتفاء الذي واكب صدور الرواية لم تحظ به رواية أخرى وهذا ما دفع الناقد فخري صالح في مجلة علامات مارس 1998، لأن يعترف في عجب “لا أعرف رواية عربية أثارت من الجدل والأسئلة مثل ما أثارته رواية الطيب صالح ‘موسم الهجرة إلى الشمال’ التي ظلت خلال ربع قرن من الزمان هدفا للتحليل والتساؤل حول الرسالة التي تحملها وطبيعة العلاقة بين بنيتها الروائية ومحمول هذه البنية”.

    وقد حققت الرواية الشهرة العريضة لمؤلفها وعلى الرغم من كثرة الأعمال التي كتبها بعدها إلا أنها كانت بمثابة بيضة الديك بالنسبة إليه، وهو ما جعل الطيب يعلن مرارا وتكرارا أن هذه الرواية “سببت له المتاعب” كما لم يجن منها أي مكاسب مالية على الرغم من تعدد طباعتها.


    الكتاب النقدي يقدم رحلة فكرية ممتعة تتناول مضامين الرواية بمنظار نقدي يركز على استكشاف الهوية السردية وتحليلها


    ومن هنا يمضي الناقد الناصر السيد النور في كتابه “الهوية السردية: مقاربة نقدية في رواية موسم الهجرة إلى الشمال” مفككا أبعاد الهوية السردية في هذه الرواية التي أصبحت علامة فارقة في تاريخ الأدب العربي الحديث، ويسلط الأضواء على التفاعلات الثقافية والتاريخية التي تشكل خيوط السرد وتجعلها تقترب من عوالم أسطورة روائية.

    يمضي القارئ مع الكتاب الجديد في رحلة فكرية ممتعة تتناول مضامين الرواية بمنظار نقدي يركز على استكشاف الهوية السردية وتحليلها، وهي التي ترسم لوحة روائية ثرية تتجدد مع كل قراءة، بحيث يكون هناك ربط فعال بين السياق الاجتماعي والروائي والتاريخي يساهم في التعرف إلى كيفية تأثيرها في فهم الهوية وتشكلها.

    يقول الناقد ناصر السيد نور إن الكتاب عبارة عن دراسة نقدية لموضوع الهوية في الرواية بالبحث عن تجلياتها في ما رسمته الرواية من أحداث داخل سياق العلاقة بين الشرق والغرب وهو ما اشتهرت به وسبقت إليه مبكرا بكشفها العميق جذور هذه العلاقة وما تشكله من اتجاهات في واقع ما بات يعرف لاحقا بصراع الحضارات.

    لفهم واقع الاغتراب والتصادم الحضاري يجب أن نفهم بداية حياة الطيب صالح، الذي تحدث عن نفسه بأنه كمن أصابته لعنة الهجرة إلى الشمال، فهو قد ولد في قرية كرمكول في إقليم مروي شمالي السودان، لكنه عاش على ضفاف النيل في العاصمة المصرية القاهرة، قبل أن يجد نفسه متنقلا بين لندن وباريس والدوحة، بالرغم من أن أمنيته على الدوام كانت أن يرحل إلى منابع النيل في الحبشة.

    لكن وعلى الرغم من الترحال المستمر لصاحب السيرة نحو الشمال، إلا أن الطيب صالح يقول عن بلده المنتمي للجنوب “أما السودان، فأنا أحمله بين جوانحي، وحيثما ذهبت وحيثما أذهب، هذا هو الوجع البدائي واللانهائي الأول، السودان بلد مليء بالثراء النفسي والروحي، فيه طاقات ومواهب، فيه نساء ورجال إبداع.. كان من الممكن أن يكون السودان أحسن صورة.. السودان حاضر في مخيلتي أكثر”.

    ومن هنا ندرك سمات بطله مصطفى سعيد المحمل بميراث مفجع من أثر المستعمر، لذا لجأ إلى الصدام كحل لمواجهة هذا الغازي، وقد تجلى هذا في صيحته الشهيرة في المحكمة “نعم يا سادتي أنا جئتكم غازيا في عقر داركم. قطرة من السم الذي حقنتم به جسد التاريخ.. أنا لست عطيل.. عطيل كان أكذوبه”. برر رجاء النقاش فكرة العنف التي بدا عليها البطل في هذه الرواية على عكس ما جاء في الروايات التي تناولت الصراع بين الشرق والغرب، بأن البطل قادم من قلب القارة السوداء، واصطدم بالحضارة الغربية اصطداما عنيفا مدويا من نوع غريب.

    رواية “موسم الهجرة إلى الشمال” للروائي السوداني الراحل الطيب صالح ما تزال تثير أسئلة عن كيفية تغير الهوية الفردية والجماعية في ظل التحولات التاريخية الكبرى

    ويضيف السيد نور إنه من هنا جاءت أهمية الرواية واحتلت مكانا بارزا بما أحدثته في مسيرة الرواية العربية والعالمية، واختيرت من بين أفضل مئة رواية في القرن العشرين. وهذا ما يجعل منها رواية تستدعي إعادة التحليل والدراسة حول ما أثارته من أسئلة لم تزل تبحث عن إجابات.

    كما ترجع أهمية رواية “موسم الهجرة إلى الشمال” كما يقول الكثير من النقاد إلى “المزاوجة بين سحر الفن القصصي التقليدي وسحر الشخصية في فن الرواية الحديث”.

    يذكر أن الدراسة صدرت حديثا عن منشورات رامينا في لندن وجاءت في 130 صفحة من القطع المتوسط. وكانت لوحة الغلاف للفنان الكردي السوري عصام حمدي، وتصميم الغلاف للفنان ياسين أحمدي.

    أما ناصر السيد النور فهو كاتب وناقد ومترجم من السودان، حائز على جائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الروائي قسم الترجمة. يكتب في عدد من الصحف والمجلات والفصليات العربية المحكمة في الشؤون الثقافية والسياسية. أصدر عدة كتب باللغتين العربية والإنجليزية.

    ShareWhatsAppTwitterFacebook
يعمل...
X