المسرح الرمزي.. الخشبة على تخوم الروح

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • المسرح الرمزي.. الخشبة على تخوم الروح



    المسرح الرمزي.. الخشبة على تخوم الروح

    الشارقة: عثمان حسن

    تعرف الرمزية كمصطلح بأنها استخدام الرمز لتمثيل الأفكار والمشاعر، وهي مدرسة قديمة ذات صلة بالرموز والنقوش التي جسدت عدة مفاهيم واعتقادات لها صلة بالإنسان القديم، والرمز يعتبر أمراً مألوفاً وذا صلة بطبيعة الإنسان، غير أن تمثلاتها الحديثة نشأت في القرن التاسع عشر، كمدرسة فنّيّة وأدبيّة في الشعر وغيرها من الفنون، ظهرت في فرنسا وبلجيكا حوالي سنة 1870، وذلك كرد فعل على المدرستين الواقعية والطبيعية، وهدفت إلى التعبير عن سر الوجود عن طريق الرمز، جاءت هذه المدرسة كرد فعل للفشل والإفلاس العلمي والمادي، على يد طليعة المفكرين والأدباء: الألماني جوته، والأمريكي «إدجار آلن بو» كما التحق بها شعراء كالفرنسي شارل بودلير، وميلارميه، والإنجليزي وليم بلاك

    وغيرهم.

    هناك فرق بين الرمزية كتيار وبين المذهب الرمزي في الأدب الذي يعبر عن المعاني الكامنة في النفس، التي لا تستطيع اللغة بصورتها المعتادة الكشف عنها.

    هذا الظهور الأدبي لمفهوم أو حركة الرمزية، يشير إلى اتجاه فني تغلب عليه سيطرة الخيال على كل ما عداه، سيطرة تجعل من الرمز دلالة أولية، على كافة المعاني العقلية والمشاعر العاطفية، وقد كان للثورة العلمية والتطور التقني مع نهايات القرن التاسع عشر أثره في بروز الرمزية كمدرسة شاعت في جميع أنحاء أوروبا.

    في التطبيقات المسرحية يعتبر الكاتب البلجيكي «موريس ميترلنك» أهم روّاد المدرسة الرمزية، ولميترلنك حكاية تقول إنه كان ميّالاً للتصوّف بطبيعته، وكثيراً ما ارتاد في شبابه حلقات التنويم المغناطيسي وتحضير الأرواح، وأدَّى ذلك إلى تعلقه بالغيبيات والتقائه مع الرمزيّين في الثورة على الواقعية والطبيعية والمادية أملاً في اجتراح مسرح جديد، يغادر العالم المادي نحو منطقة شفيفة على تخوم أسرار الروح.

    وقد عبر عن ذلك بوضوح من خلال كتابه «كنز البسطاء» الذي صدر في عام 1896 مطلقاً أو مبشراً بمسرح جديد يعتمد على تصوير المشاعر والرؤى الداخلية للبشر، هذه الرؤى والمشاعر التي يمكن رصدها في حالات السكون والصمت، حيث لا مؤثرات خارجية تعبث بالكائن، فكانت مسرحياته «الدخيل» و«بلياس» وخلافهما بمثابة نوع جديد من الدراما المسرحية.

    لامست هذه المسرحيات العالم الجواني للإنسان، في وحدته وانعزاله وربما خوفه من المجهول.

    أطلق النقاد على الأعمال التي قدمها ميترلنك «مسرح الصمت»، فلا كلام يصدر عن الشخوص على خشبة المسرح، بل هو جملة من الرموز والدلالات، التي تحفز عند الممثل ملكة التعبير عما يجول في باطن الإنسان، وكان أول ما بشرت به هذه المسرحيات هو إلغاء المكان أو الحيز الجغرافي وحتى التاريخي، فالصراع على الخشبة، يقوم على ممثلين لا التقاء مباشرا بينهم، سوى هذه الانفعالات التي تصدر عن تلك العوالم الداخلية، كأنها كائنات آلية يغلب عليها الضجر، مستعينا في تأويل فكرته -أي ميترلنك من خلال الإضاءة التي تعلب دورا مفصليا في العرض، مع قليل من الموسيقى، وهو الذي طبع أعماله بالرمزية.

    كانت مهمة المخرج في هذه الأعمال صعبة وقاسية، تجسدت هذه التجربة في عمله الأشهر «العميان» التي تصور حال الانتظار والخوف من خلال ستة رجال ونفس القدر من النساء وطفل، انعزلوا في جزيرة شاسعة، يتملكهم الخوف، في انتظار ذلك الكاهن الذي أخرجهم من الملجأ نحو الغابة، لإحضار الماء والخبز، ليقودهم إلى مكانٍ آمنٍ قبل شروق الشمس. هناك الكثير من أمثلة المسرح الرمزي «بيت الدمية» لهنريك إبسن، و»البطة البرية «ورغم اندراج هذه الأعمال تحت المذهب الواقعي إلا أن آثار المذهب الرمزي واضحة فيها، وهناك أعمال»وليام باتلرييتس»مثل»كاثلين ني هوليهان»و»موطن الحبيب».

    نجح المسرح الرمزي ولا يزال، كونه عمل على إلغاء وإقصاء كل ما هو واقعي وطبيعي على خشبة المسرح، من خلال الرمز، هذا الرمز الذي يعتمد على قدرة المخرج على التوصيل، وليس كشف الجمال الخارجي للعالم فحسب، بل الجمال الباطني للحياة ومعناها.


    المصدر مجلة الخليج
يعمل...
X