أصل الشماغ – دراسة إتيمولوجية (ETYMOLOGY) (1)
أ.د. قصي منصور التُركي
أستاذ الاثار واللغات القديمة
تقديم:
نتيجة لما يتردد في وسائل التواصل الاجتماعي عن كلمة الشماغ فقد وجدت من الضروري ان احيط المشاهد العربي بالمعنى الحقيقي للكلمة واصلها في اللغات القديمة لاسيما لغات بلاد الرافدين والشرق الادنى القديم كالسومرية والأكدية، والتي تعّد الاخيرة احدى أهم فروع عائلة اللغات العربية القديمة (الجزرية) نسبة الى الجزيرة العربية، كما انها كانت اللغة الدبلوماسية في العالم القديم إبّان القرن الرابع عشر قبل الميلاد بدليل رسائل ما عرف بـ "رسائل تل العمارنه". (1)
ومن الضروري الإشارة الى ان أوجه الشبه الكبيرة بين اللغة الأكدية واللغة العربية كما اثبتت الدراسات الحديثة، انما ناتجة عن اشتقاق اللغة الأكدية – والبابلية والاشورية والآرامية والسريانية والعبرية والعربية وغيرها من اللغات الأخرى - من أصل واحد هو ما اسميناه باللغة الجزرية الام، بدلا من استخدام مصطلح اللغات السامية (Semitic Languages) الذي أصبح من الضروري استبداله بمصطلح "اللغات الجزرية" أو "العربية القديمة"، وذلك بدلالة الأدلة التي طرحتها الدراسات التاريخية واللغوية والأنثروبولوجية والجيومرفولوجية والإتيمولوجية الحديثة.
أما الاختلافات الموجودة بين عائلة اللغات الجزرية، فإنها ناتجة عن تأثر كل من تلك اللغات بالبيئة التي عاشت فيها والظروف التي أحاطت بها واللغات واللهجات التي احتكت بها عبر قرون متتالية. (2) لذا فالتشابه من حيث الجوهر كما سنرى لمفردة الشماغ واضح وثابت بين الأكدية والعربية لانهما من أصل واحد.
سوف استعرض بعجالة التسمية الشائعة خطأ، وهي ان كلمة الشماع سومرية الأصل ومتكونة من مقطعين هما أش + ماخ والتي ذكر الكثير خطأ انها تعني غطاء الرأس، والصحيح وبدقة الآتي:
ان المقطع الصوتي الاول آش (AŠ) له عدة معاني باللغة السومرية، وليس من معانيه انه يعني غطاء بل يعني في العموم واحد. (3) اما مقطع كلمة ماخ (MAḪ) والذي ذكر خطأ انه رأس، فانه غير دقيق لان كلمة رأس باللغة السومرية تلفظ ساگ (SAG) (4) وليس ماخ.
وبعد ان تحققت من المعاجم المتخصصة تبين لي ان اسم الشماغ لفظ يعود الى عائلة اللغات الجزرية، أي في الاصل من الجزيرة العربية، ولان التلاقح الحضاري بين اللغة السومرية والاكدية شيئ شائع ومعروف بحيث تتداخل كثير من الكلمات والمفردات مع بعضها البعض، وجدت من الضروري البدء بتتبع لفظ أصل الاسم باللغة السومرية ثم اللغة الأكدية.
أولا- معنى الشماغ في اللغة السومرية:
بالعودة الى تفسير المقاطع الصوتية للفظ شماغ في اللغة السومرية التي هي لغة مقطعية ملصقة (Agglutinative)، فان المعنى وجدنا له تفسيرا منطقيا لم يسبقنا اليه احد، ويتطابق مع التصميم والغرض الذي صنع من اجله الشماغ منذ نهاية الالف الرابع وبداية الالف الثالث قبل الميلاد، حيث ان لفظ المقطع الاول سومريا وهو آش (AŠ) من بين معانيه عنكبوت وبالتالي فإن المقصود هنا خيط العنكبوت الشبكي وذلك في أحد اهم معاني المقطع للعلامة آش5 (AŠ5) والتي تلفظ في اللغة الأكدية بكلمة "ettūtu" بمعنى عنكبوت. (5) ومن الجدير بالملاحظة ان العلامة المذكورة في اللغة السومرية من حيث شكلها ورسمها الصوري والتي تشبه العنكبوت خاصة مع تطور نفس العلامة بالخط المسماري واللغة الأكدية لتشبه بيت العنكبوت ولفظها "ettūtu"(6) (ينظر شكل رقم -1-) قريب جدا من لفظ كلمة "إ\خطوط" باللغة العربية، وهذه الخطوط بكل وضوح تمثل المربعات او المعينات التي تزين الشماغ.
اما العلامة او المقطع الثاني من اللفظ السومري والذي هو ماخ (MAḪ) فيعني عال او سام(7). ولهذا المقطع أيضا ارتباطات بسوابق معروفة في اللغة السومرية تسبق الأسماء والصفات لتعطي معاني ترتبط بمعنى معين يتناسب مع تفسير الكلمة ومعناها، ففي أصل ولفظ اسم الشماغ وجدنا انه إذا ما سبقت العلامة ماخ بالسابقة "tug" والتي تعني قماش بشكل عام، وتقرأ "tugMAḪ" فان المعنى سيكون مفردة "ملاءة" في اللغة العربية وهي ثوب من القماش عبارة عن قطعة واحدة ذو شقين متضامنين، وتلفظ باللغة الأكدية بصيغة "نلبس \ نلبشُ" (nalbašu)(8) وهي من لفظ الملابس. اما إذا جاء المقطع السومري "GADA" والذي يعني قماش من الكتان قبل المقطع ماخ وبصيغة "GADA. MAḪ"، فان المعنى سيكون ثوب في نهايته ما يشبه الاهداب، (9) أي بمعنى خيوط ورموش تشبه النهايات المعروفة في الشماغ في الوقت الحاضر.
اما إذا ما سبقت بالعلامة السومرية المعروفة لو "LU2" والتي تعني رجل فسيكون المعنى رئيس. (10) بل ان العلامة السومرية ماخ والمسبوقة بنفس علامة الرجل "lu2MAḪ"، تعطينا شكلا صوريا يعود الى نهاية الالف الرابع قبل الميلاد، عبارة عن شخص يرتدي العباءة وما يشبه الشماغ الذي رسم بشكل مثلث (11) والذي تترجم قراءته الى رجل دين أو كاهن. (ينظر شكل رقم -2-).
ولان المقطع ماخ كما بيّنا يعني عال، سام، فقد رسمت العلامة الصورية لتدل على شيء عالي ومرتفع وله قمة مثلما يوضع الشماغ على الراس (ينظر الشكل رقم -3-).
ثانيا-معنى الشماغ في اللغة الأكدية:
ان اللغة الأكدية كلغة محكية يعود تاريخها الى زمن سابق لتاريخ تدوينها، على حد قول المرحوم عامر سليمان والذي يذكر ان "الدلائل الاثرية المتوافرة، تشير الى وجود الاقوام الأكدية في بعض أجزاء القسم الجنوبي من العراق .... منذ النصف الأول من الالف الثالث قبل الميلاد، وربما قبل ذلك، الا انها لم تظهر بوصفها قوة سياسية مهيمنه على الوضع السياسي في المنطقة الا في القرن الرابع والعشرين قبل الميلاد عندما أسس سرجون الأكدي الدولة الأكدية عام 2371ق.م". (12) واللغة الأكدية هي احدى اهم اللغات الجزرية للأقوام القادمين من الجزيرة العربية والتي من اخواتها العربية، ومفرداتها قريبة من لغتنا العربية الفصحى بدليل ان الاكديين أنفسهم أشاروا إلى لغتهم بمصطلح اللغة الأكدية وعبروا عنها بـ اللسان الأكدي وباللفظ التالي: "لشان أكّدي" (lišānum akkadītum) أي اللسان أو اللغة الأكدية. (13)
وهذا يعني ان قدومهم المؤكد من ارض الجزيرة العربية المتاخمة لشمال السهل الرسوبي في بلاد الرافدين شرق الجزيرة العربية وعلى طول ساحل الخليج العربي الغربي، مكنهم من نقل كثير من المفاهيم والثقافات التي كانوا يحملونها في موطنهم الأول بشبه الجزيرة العربية.
وفي موضوع تسمية الشماغ، تسعفنا لغتهم في معرفة اللفظ الصحيح والمعنى المتطابق لفظا ومعنى لاسم الشماغ باللغة العربية وكالاتي:
ان كلمة شماغ كلفظ لكلمة واحدة بصيغة شَماغُ (šamaḫu) والتي تترجم الى اسم وصفة الشموخ والسموّ. (14) وهذا اللفظ ومعناه يعطينا الفاظ أخرى مقترنه وذات دلالة لفظية ومعنى قريب من اللغة العربية وبصيغة "šummuḫu \ šammaḫu" وهو نفس اللفظ العربي شُموخ.(15)
من العصر البابلي القديم (بداية الالف الثاني قبل الميلاد) فقد وردت مفردة تعطينا معنى الشموخ والامتلاء بالحيوية وبلفظ نشماغُ (našmaḫu) (16) مع اضافة حرف النون، وهي تشبه صوتيا صيغة المضارع في اللغة العربية، وفي المعنى فان لبس الشماغ اليوم يدل على الشموخ والسمو الذي يتحلى به من يلبس الشماغ من الملوك والحكام والامراء والشخصيات الرفيعة.
اما كلمة إشماغ بكسر حرف الابتداء، فاننا وجدناها تتطابق مع المعنى واللفظ العربي بالكامل، وبصيغة كلمة "إشماغ" (ešmaḫu) لتعني الشامخ. وبشكل عام فان المعنى العام للكلمة في المعاجم اللغوية الأكدية (17)، يأتي مرتبط بشخص ذو مكانة عظيمة وعالية وهو ما ينطبق تماما مع من يلبس الشماغ من أصحاب السمو والمعالي (ينظر صورة رقم -4-).
إذاَ هذه هي اهم الادلة الكتابية المدونة في الكتابات المسمارية عن الشماغ ولفظه من الالف الثالث والثاني قبل الميلاد اي قيل خمسة الاف سنة.
ثالثا-الادلة المادية للبس الشماغ:
اخبرتنا المنحوتات والتماثيل ان من اهم حكام بلاد الرافدين الذين لبسوا الشماغ هو امير سومري لسلالة ومدينة مهمة هي مدينة لكش واسمه گوديا (Gudia) 2144-2124 ق.م. ويعني اسمه الموحى اليه او المتنبئ (18). وتماثيله المحفوظة في متاحف العالم ومنها متحف اللوفر توضح انه اول من لبس الشماغ على راسه كعصابة وليس شماغا مسترسلا متدليا، ووصف في ملبسه هذا كونه اميرا وكاهنا أعظم، ربطته مع ممالك الخليج العربي وشرق الجزيرة العربية علاقات صداقة وتجارة قوية وجلب من ممالك الخليج العربي نهاية الالف الثالث قبل الميلاد احجار الديورايت الاسود والتي صنع منها تماثيله (19) (ينظر شكل -5-).
ومن عصر الأمير گوديا نفسه نهاية الالف الثالث قبل الميلاد، وربما في عصور سابقة وجدنا لفظا قريب من لفظ الشماغ أطلق على الحبر او الكاهن الاعظم في حضارة بلاد الرافدين وذلك في المعاجم اللغوية المسمارية وبلفظ "شنجماغً" (šangamaḫḫu) (20)، والعلامة الصورية للاسم عبارة عن لفة تشبه العصابة او العمامة او الشماغ الملفوف على الراس (ينظر الشكل رقم -6-).
كتب مختصة بتاريخ وآثار بلاد النهرين
أ.د. قصي منصور التُركي
أستاذ الاثار واللغات القديمة
تقديم:
نتيجة لما يتردد في وسائل التواصل الاجتماعي عن كلمة الشماغ فقد وجدت من الضروري ان احيط المشاهد العربي بالمعنى الحقيقي للكلمة واصلها في اللغات القديمة لاسيما لغات بلاد الرافدين والشرق الادنى القديم كالسومرية والأكدية، والتي تعّد الاخيرة احدى أهم فروع عائلة اللغات العربية القديمة (الجزرية) نسبة الى الجزيرة العربية، كما انها كانت اللغة الدبلوماسية في العالم القديم إبّان القرن الرابع عشر قبل الميلاد بدليل رسائل ما عرف بـ "رسائل تل العمارنه". (1)
ومن الضروري الإشارة الى ان أوجه الشبه الكبيرة بين اللغة الأكدية واللغة العربية كما اثبتت الدراسات الحديثة، انما ناتجة عن اشتقاق اللغة الأكدية – والبابلية والاشورية والآرامية والسريانية والعبرية والعربية وغيرها من اللغات الأخرى - من أصل واحد هو ما اسميناه باللغة الجزرية الام، بدلا من استخدام مصطلح اللغات السامية (Semitic Languages) الذي أصبح من الضروري استبداله بمصطلح "اللغات الجزرية" أو "العربية القديمة"، وذلك بدلالة الأدلة التي طرحتها الدراسات التاريخية واللغوية والأنثروبولوجية والجيومرفولوجية والإتيمولوجية الحديثة.
أما الاختلافات الموجودة بين عائلة اللغات الجزرية، فإنها ناتجة عن تأثر كل من تلك اللغات بالبيئة التي عاشت فيها والظروف التي أحاطت بها واللغات واللهجات التي احتكت بها عبر قرون متتالية. (2) لذا فالتشابه من حيث الجوهر كما سنرى لمفردة الشماغ واضح وثابت بين الأكدية والعربية لانهما من أصل واحد.
سوف استعرض بعجالة التسمية الشائعة خطأ، وهي ان كلمة الشماع سومرية الأصل ومتكونة من مقطعين هما أش + ماخ والتي ذكر الكثير خطأ انها تعني غطاء الرأس، والصحيح وبدقة الآتي:
ان المقطع الصوتي الاول آش (AŠ) له عدة معاني باللغة السومرية، وليس من معانيه انه يعني غطاء بل يعني في العموم واحد. (3) اما مقطع كلمة ماخ (MAḪ) والذي ذكر خطأ انه رأس، فانه غير دقيق لان كلمة رأس باللغة السومرية تلفظ ساگ (SAG) (4) وليس ماخ.
وبعد ان تحققت من المعاجم المتخصصة تبين لي ان اسم الشماغ لفظ يعود الى عائلة اللغات الجزرية، أي في الاصل من الجزيرة العربية، ولان التلاقح الحضاري بين اللغة السومرية والاكدية شيئ شائع ومعروف بحيث تتداخل كثير من الكلمات والمفردات مع بعضها البعض، وجدت من الضروري البدء بتتبع لفظ أصل الاسم باللغة السومرية ثم اللغة الأكدية.
أولا- معنى الشماغ في اللغة السومرية:
بالعودة الى تفسير المقاطع الصوتية للفظ شماغ في اللغة السومرية التي هي لغة مقطعية ملصقة (Agglutinative)، فان المعنى وجدنا له تفسيرا منطقيا لم يسبقنا اليه احد، ويتطابق مع التصميم والغرض الذي صنع من اجله الشماغ منذ نهاية الالف الرابع وبداية الالف الثالث قبل الميلاد، حيث ان لفظ المقطع الاول سومريا وهو آش (AŠ) من بين معانيه عنكبوت وبالتالي فإن المقصود هنا خيط العنكبوت الشبكي وذلك في أحد اهم معاني المقطع للعلامة آش5 (AŠ5) والتي تلفظ في اللغة الأكدية بكلمة "ettūtu" بمعنى عنكبوت. (5) ومن الجدير بالملاحظة ان العلامة المذكورة في اللغة السومرية من حيث شكلها ورسمها الصوري والتي تشبه العنكبوت خاصة مع تطور نفس العلامة بالخط المسماري واللغة الأكدية لتشبه بيت العنكبوت ولفظها "ettūtu"(6) (ينظر شكل رقم -1-) قريب جدا من لفظ كلمة "إ\خطوط" باللغة العربية، وهذه الخطوط بكل وضوح تمثل المربعات او المعينات التي تزين الشماغ.
اما العلامة او المقطع الثاني من اللفظ السومري والذي هو ماخ (MAḪ) فيعني عال او سام(7). ولهذا المقطع أيضا ارتباطات بسوابق معروفة في اللغة السومرية تسبق الأسماء والصفات لتعطي معاني ترتبط بمعنى معين يتناسب مع تفسير الكلمة ومعناها، ففي أصل ولفظ اسم الشماغ وجدنا انه إذا ما سبقت العلامة ماخ بالسابقة "tug" والتي تعني قماش بشكل عام، وتقرأ "tugMAḪ" فان المعنى سيكون مفردة "ملاءة" في اللغة العربية وهي ثوب من القماش عبارة عن قطعة واحدة ذو شقين متضامنين، وتلفظ باللغة الأكدية بصيغة "نلبس \ نلبشُ" (nalbašu)(8) وهي من لفظ الملابس. اما إذا جاء المقطع السومري "GADA" والذي يعني قماش من الكتان قبل المقطع ماخ وبصيغة "GADA. MAḪ"، فان المعنى سيكون ثوب في نهايته ما يشبه الاهداب، (9) أي بمعنى خيوط ورموش تشبه النهايات المعروفة في الشماغ في الوقت الحاضر.
اما إذا ما سبقت بالعلامة السومرية المعروفة لو "LU2" والتي تعني رجل فسيكون المعنى رئيس. (10) بل ان العلامة السومرية ماخ والمسبوقة بنفس علامة الرجل "lu2MAḪ"، تعطينا شكلا صوريا يعود الى نهاية الالف الرابع قبل الميلاد، عبارة عن شخص يرتدي العباءة وما يشبه الشماغ الذي رسم بشكل مثلث (11) والذي تترجم قراءته الى رجل دين أو كاهن. (ينظر شكل رقم -2-).
ولان المقطع ماخ كما بيّنا يعني عال، سام، فقد رسمت العلامة الصورية لتدل على شيء عالي ومرتفع وله قمة مثلما يوضع الشماغ على الراس (ينظر الشكل رقم -3-).
ثانيا-معنى الشماغ في اللغة الأكدية:
ان اللغة الأكدية كلغة محكية يعود تاريخها الى زمن سابق لتاريخ تدوينها، على حد قول المرحوم عامر سليمان والذي يذكر ان "الدلائل الاثرية المتوافرة، تشير الى وجود الاقوام الأكدية في بعض أجزاء القسم الجنوبي من العراق .... منذ النصف الأول من الالف الثالث قبل الميلاد، وربما قبل ذلك، الا انها لم تظهر بوصفها قوة سياسية مهيمنه على الوضع السياسي في المنطقة الا في القرن الرابع والعشرين قبل الميلاد عندما أسس سرجون الأكدي الدولة الأكدية عام 2371ق.م". (12) واللغة الأكدية هي احدى اهم اللغات الجزرية للأقوام القادمين من الجزيرة العربية والتي من اخواتها العربية، ومفرداتها قريبة من لغتنا العربية الفصحى بدليل ان الاكديين أنفسهم أشاروا إلى لغتهم بمصطلح اللغة الأكدية وعبروا عنها بـ اللسان الأكدي وباللفظ التالي: "لشان أكّدي" (lišānum akkadītum) أي اللسان أو اللغة الأكدية. (13)
وهذا يعني ان قدومهم المؤكد من ارض الجزيرة العربية المتاخمة لشمال السهل الرسوبي في بلاد الرافدين شرق الجزيرة العربية وعلى طول ساحل الخليج العربي الغربي، مكنهم من نقل كثير من المفاهيم والثقافات التي كانوا يحملونها في موطنهم الأول بشبه الجزيرة العربية.
وفي موضوع تسمية الشماغ، تسعفنا لغتهم في معرفة اللفظ الصحيح والمعنى المتطابق لفظا ومعنى لاسم الشماغ باللغة العربية وكالاتي:
ان كلمة شماغ كلفظ لكلمة واحدة بصيغة شَماغُ (šamaḫu) والتي تترجم الى اسم وصفة الشموخ والسموّ. (14) وهذا اللفظ ومعناه يعطينا الفاظ أخرى مقترنه وذات دلالة لفظية ومعنى قريب من اللغة العربية وبصيغة "šummuḫu \ šammaḫu" وهو نفس اللفظ العربي شُموخ.(15)
من العصر البابلي القديم (بداية الالف الثاني قبل الميلاد) فقد وردت مفردة تعطينا معنى الشموخ والامتلاء بالحيوية وبلفظ نشماغُ (našmaḫu) (16) مع اضافة حرف النون، وهي تشبه صوتيا صيغة المضارع في اللغة العربية، وفي المعنى فان لبس الشماغ اليوم يدل على الشموخ والسمو الذي يتحلى به من يلبس الشماغ من الملوك والحكام والامراء والشخصيات الرفيعة.
اما كلمة إشماغ بكسر حرف الابتداء، فاننا وجدناها تتطابق مع المعنى واللفظ العربي بالكامل، وبصيغة كلمة "إشماغ" (ešmaḫu) لتعني الشامخ. وبشكل عام فان المعنى العام للكلمة في المعاجم اللغوية الأكدية (17)، يأتي مرتبط بشخص ذو مكانة عظيمة وعالية وهو ما ينطبق تماما مع من يلبس الشماغ من أصحاب السمو والمعالي (ينظر صورة رقم -4-).
إذاَ هذه هي اهم الادلة الكتابية المدونة في الكتابات المسمارية عن الشماغ ولفظه من الالف الثالث والثاني قبل الميلاد اي قيل خمسة الاف سنة.
ثالثا-الادلة المادية للبس الشماغ:
اخبرتنا المنحوتات والتماثيل ان من اهم حكام بلاد الرافدين الذين لبسوا الشماغ هو امير سومري لسلالة ومدينة مهمة هي مدينة لكش واسمه گوديا (Gudia) 2144-2124 ق.م. ويعني اسمه الموحى اليه او المتنبئ (18). وتماثيله المحفوظة في متاحف العالم ومنها متحف اللوفر توضح انه اول من لبس الشماغ على راسه كعصابة وليس شماغا مسترسلا متدليا، ووصف في ملبسه هذا كونه اميرا وكاهنا أعظم، ربطته مع ممالك الخليج العربي وشرق الجزيرة العربية علاقات صداقة وتجارة قوية وجلب من ممالك الخليج العربي نهاية الالف الثالث قبل الميلاد احجار الديورايت الاسود والتي صنع منها تماثيله (19) (ينظر شكل -5-).
ومن عصر الأمير گوديا نفسه نهاية الالف الثالث قبل الميلاد، وربما في عصور سابقة وجدنا لفظا قريب من لفظ الشماغ أطلق على الحبر او الكاهن الاعظم في حضارة بلاد الرافدين وذلك في المعاجم اللغوية المسمارية وبلفظ "شنجماغً" (šangamaḫḫu) (20)، والعلامة الصورية للاسم عبارة عن لفة تشبه العصابة او العمامة او الشماغ الملفوف على الراس (ينظر الشكل رقم -6-).
كتب مختصة بتاريخ وآثار بلاد النهرين