الأفلاطونية الحديثة في تدمر:

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الأفلاطونية الحديثة في تدمر:

    الأفلاطونية الحديثة في تدمر:
    لم نشأ أن نعبر ثقافة تدمر دون الوقوف على شأن حضاري وثقافي وفلسفي مهم,يشير بعمق إلى انفتاح الثقافة التدمرية العربية في القرن الثالث الميلادي لا بل وحرص الإدارة التدمرية آنذاك على الروح الإنسانية التي فاضت في أرجاء العالم القديم.
    ففي حوالي 267 – 268 م,استدعت زنوبيا إلى بلاط تدمر,الفيلسوف لونجين /لونجينوس/ وهو أحد العارفين والمطلعين على أفكار أمونيوس ساكاس,رائد الأفلاطونية الحديثة.
    وكان لونجين آنذاك أستاذ فورفوريوس السوري في أثينا,قبل ذهاب الأخير إلى روما وتلقي الدروس عند أفلوطين .
    وتربط لونجين أواصر قربى بسوريا,ولاسيما حمص,وشغل منصب مدير الأكاديمية في أثينا,وحين استدعته زنوبيا حضر إلى تدمر,وأصبح مستشار زنوبيا وموجه لسياسة تدمر,حيث تذكر المعطيات أنه علم زنوبيا اللغة الإغريقية وآدابها وأفكارها.
    وتشير جانين بالتي إلى أنه بوجود لونجين في تدمر بالإضافة إلى وجود المجد المشرقي الذي حفظ التراث الأسطوري السوري اجتمعت كل الظروف الملائمة لخلق ما يمثل النظرية الأفلاطونية الحديثة بتوحد الروح الإنسانية مع الجمال.(94)
    وغدت أفاميا المدينة السورية مركز المدرسة الأفلاطونية الحديثة حيث أسسها أمبيلوس تحت رعاية زنوبيا.(95)
    منشأ الأفلاطونية الحديثة كان من أمونيوس ساكاس,ومن ثم تلميذه أفلوطين,وكلاهما مصريان ثم جاء فورفويوس ولونجين وكلينيكوس وأمبيلوس وكلهم سوريون,ويامبليخوس (في أوائل القرن الرابع الميلادي) وهذا عربي.
    عام 263 م يلتقي فورفوريوس بأفلوطين,كما يلتقي بلونجين / 213- 273/ ويتتلمذ على فكرهما الواحد.
    ويجمع كتاباً عن أفكار أفلوطين بعنوان التاسوعات الذي يعرض فيه لحياة أفلوطين . وأفكار مذهبه,وقد كان تجمّع الأفلاطونيين في روما,مرحباً به طالما كان الإمبراطور جالينوس وزوجته الإمبراطورة سالوفين,داعمين لهم ومؤمنين بأفكارهم,غير أن مجيء الأباطرة الإلليريين نتيجة ضعف الإمبراطورية وإصابتها بالنكبات أدى إلى محاربة كل ما هو ليس رومانياً بحتاً,فكراً وثقافة وحضارة وقد بذل هؤلاء الأباطرة جهو دهم للحفاظ على التقاليد الرومانية القحة,وهذا ما أدى إلى محاربتهم للأفلاطونية الحديثة,ومفكريها,وهو ما دفع زنوبيا إلى مد يد العون لهم وإفساح المجال لهم في المجال المشرقي الحضاري وهذا يدخل ضمن سياق الصراع الحضاري بين تدمر وروما.
    تقول جانين بالتي:
    " كانت زنوبيا بعد معرفتها,للإشكاليات الفلسفية والكثير من المذاهب الفكرية في عصرها قد جعلت تدمر إحدى المراكز الأولى للأفلاطونية الحديثة,والتي تطورت فيها بشكل لافت للنظر,المفاهيم الأساسية لنظرية الروح,والتي تبنتها فيما بعد من خلال القرن الرابع الميلادي,مراكز حضارية أخرى نذكر منها أفاميا وقبرص (نيابافوس).(101)
    لذا فإن زنوبيا حين جعلت من مملكة تدمر مركزاً للأفلاطونية الحديثة وجعلت من لونجين مستشارها الأول فإن هذا برأينا كاف للدلالة على أهمية تفكير هذه الملكة ولاسيما إن أضأنا على هذا المذهب المتطور في عصره والذي استمرت إشعاعاته إلى العصور اللاحقة,وقد أشار الدكتور حربي عطيتو,إلى أن هذا المذهب أثّر على الفلاسفة المسلمين,كالكندي والفارابي وابن رشد وابن سينا.(102)
    وما يعنينا هنا,هو أن بلاط زنوبيا التدمري,حفل بقطبين توحيديين,هما أسقف أنطاكيا ولونجين,ونحن نعلم أن البلاط الملكي,يحفل بأوجه التعاون واللقاءات والمناقشات الداخلية والخارجية,ولابد أن هذا سيؤثر بشكل أوبآخر على الروحية العامة للمملكة والمدينة,لهذا فنحن لا نبالغ إن شككنا بأن زنوبيا كانت تميل للوحدانية في معتقدها,وربما تنجدنا الوثائق التدمرية يوماً بما يؤكد شكنا,حيث أن تدمر في فترة زنوبيا كانت تتجه نحوحالة ذوبان اجتماعي في هيئة اجتماعية واحدة,ما يفرض وجود رمز معتقدي واحد جامع شامل لمجمل هيئات تدمر الاجتماعية والاثنية. أما بقاء المعابد المتنوعة,بل – بعل شمين – اللات ..الخ,فهي ضرورة من ضرورات المصلحة التجارية – الاقتصادية لمدينة قامت على شرطها التجاري والسلعي.
    وفي مقاربة لذهنية الأسقف بولص سميساطي,نجد أنه رفض التثليث في الله الواحد وقال أن الأقنومين الآخرين "الابن والروح القدس" هما مظهران إلهيان وليسا الله بذاته ويمكن لله أن يظهر نفسه للعالم بوساطة المظهر الثاني الابن.
    ويقول أيضاً في طبيعة السيد المسيح أن يسوع يمكن أن يدعى ابن الله,بالمعنى الأدبي,وليس بالمعنى الحرفي للكلمة,وأنه ليس إلهاً بمعنى أنه الله.
    وذكرنا أن الكنيسة آنذاك طردته,غير أن زنوبيا دافعت عنه وضمته إلى بلاطها أسقفاً,وهذا برأينا ما يمنح دليلاً مهماً على أن زنوبيا /المثقفة/ كانت تستمرئ عبادة الله والوحدانية .
    ولابد للتواجد التوحيدي في بلاط تدمر من أن يشع على المحيط التاريخي لها,ولاسيما على محيطها العربي,ونحن نعلم مثلاً أنه كان للأنباط فرعاً في تدمر,وبعد سقوط فاعلية الأنباط السياسية في 106م أنتقل منهم الكثير إلى تدمر وبقيت فاعلية تجارية نبطية على سواحل البحر الأحمر.
    فالعلاقات بين الأنباط وتدمر كانت قائمة منذ القرن الأول للميلاد,في القرنين الثاني والثالث بسبب المصالح الاقتصادية التي نشطها الأنباط في البحر الأحمر.وقد ذكر سترابون نشاط الأنباط الذي امتد من خليج أيله(العقبة) حتى جرهاء على الطرف الآخر للبحر الأحمر.(107)
    ونحن على دراية بأن الأنباط كانوا ناشطين في التجارة بين بلاد الشام والجزيرة العربية بجنوبها ووسطها وشمالها,ولابد لهذا النشاط التجاري من أن ينقل التأثيرات الفكرية والمعتقدية والأدبية بين الشعوب,وهذا ما كان كفعل من أدوات التأسيس لرمزية معتقدية واحدة,امتدت من الشمال المشرقي,وحتى الجنوب من الجزيرة العربية كون أن الشمال أثقل حضارياً من الجزيرة العربية.
    وللدلالة على التأثر والتأثير الشمالي- الجنوبي (الجزيرة العربية) كون أن العروبة تبدت بوضوح في القرن الثالث الميلادي وصولاً إلى عصر الرسالة المحمدية,يشير نقولا زيادة,إلى أن تدمر كانت ترتب أمر إشراك الفقراء في المدينة ببعض الأرباح,وهذا الأمر ربما لم يكن رسمياً أوحكومياً ولكنه كان يتم,وبهذه المناسبة وعلى سبيل المقابلة,فإن قريش التي كانت لها الصدارة في تجارة مكة قبل الإسلام جعلت جزءاً من الأرباح يجد سبيله إلى المحتاجين,ولوأنه كان يتم على أيدي أشخاص معروفين وبطريقة رسمية.(108)
يعمل...
X