فيلم يعيدنا إلى زمن الأبيض والأسود
هالة القوصي مخرجة مصرية ترسم لنفسها تجربة مميزة
الثلاثاء 2024/05/21م
بفيلم أشبه بكلاسيكيات السينما المصرية، تثبت المخرجة المصرية هالة القوصي فرادة أسلوبها في الإخراج، حيث يحظى فيلمها الروائي الطويل “شرق 12” بعرضه في مهرجان كان تليه جولة في صالات العرض الفرنسية، وترى أنها تواصل مشوار مخرجين عظماء أسهموا في سطوع نجم السينما المصرية أمثال يوسف شاهين ويسري نصرالله.
القاهرة - تنتظر المخرجة هالة القوصي عرض فيلمها الروائي الطويل “شرق 12” في مهرجان كان السينمائي هذا الأسبوع بفارغ الصبر بعد أن انضمت إلى نخبة من المخرجين المصريين الذين سجلوا أسماءهم في هذا المحفل الفني العالمي.
ويعرض الفيلم ضمن قسم “نصف شهر المخرجين” الذي يشمل 21 فيلما ويقام بالتوازي مع الدورة السابعة والسبعين للمهرجان المرموق التي انطلقت في 14 مايو الجاري وتستمر حتى 25 من نفس الشهر.
وأبدت هالة سعادتها بكونها أحدث المخرجين المصريين المنضمين لهذا القسم الملحق بالمهرجان بعد انقطاع 33 عاما.
وقالت “مبدئيا كنت أتمنى المشاركة في مهرجان كان لأن الذهاب إليه جائزة لأيّ مخرج، لكن ‘نصف شهر المخرجين’ تحديدا يتميز بفكرة التركيز على رؤية المخرج، والاختيار فيه كان بمثابة تقدير خاص، لأنه يضعني في سياق مختلف تماما، سياق يقدّر المخرج، والمخرج المؤلف تحديدا”.
وأضافت “لذلك كانت فرحتي مضاعفة لأنني انضممت إلى مجموعة مهمّة جدا من المخرجين، ولأن المصريين الذين سبقوني لهذه المسابقة هم يوسف شاهين ويسري نصرالله وعاطف الطيب وتوفيق صالح، وهذا يزيدني شرفا”.
هالة القوصي: اختياري كان يضعني في سياق مختلف يقدر العمل السينمائي
وتقام أربعة عروض للفيلم أيام 21 و22 و23 مايو الجاري لينطلق بعدها في جولة في فرنسا قبل أن يبدأ مشاركاته في المهرجانات السينمائية الدولية، وهو ما يفتح آفاقا أرحب أمام مخرجته.
وقالت هالة “هي فرصة كبيرة جدا، والآفاق التي فتحت أمامي عريضة. ما كنت أتصوره عن المهرجان شيء وما عشته شيء آخر، سواء بالنسبة إلى حجم المؤسسة واهتمامها وتنظيمها ومتابعتها”.
وأضافت “بعد عرضه في كان، الفيلم سيعرض في باريس في يونيو وتتوالى العروض 30 مرة، وهذا اتفاق ملزم مع المهرجان، كما سيعرض في سويسرا. هذا شيء لم أكن أحلم به”.
وتابعت قائلة “جاءت أيضا عروض كثيرة للحصول على حقوق توزيع الفيلم رغم عدم عرضه بعد، لكن اختياره ضمن المهرجان في حد ذاته يعتبر خاتم جودة”.
ويتناول “شرق 12″، وهو الفيلم الروائي الطويل الثاني لمخرجته، قصة مجموعة من الشبان يضيق بهم المكان الذي يعيشون فيه ويتطلعون للخروج منه لكنهم يصطدمون بالجيل الأكبر منهم الذي يرى أن الأوضاع القائمة أفضل كثيرا من أيّ شيء بعيد ومجهول.
والفيلم إنتاج هولندي – مصري – قطري مشترك تقوم ببطولته منحة البطراوي وأحمد كمال وعمر رزيق وفايزة شامة بالاشتراك مع أسامة أبوالعطا وباسم وديع.
ويشير الاسم إلى منطقة متخيلة لا وجود لها في الواقع تدور فيها الأحداث دون إطار زمني معروف، وهو ما شكل تحولا عن أفلام سابقة للمخرجة كانت فيها القاهرة حاضرة بروحها ومعالمها.
"شرق 12" يتناول قصة مجموعة من الشبان يضيق بهم المكان الذي يعيشون فيه ويتطلعون للخروج منه لكنهم يصطدمون بالجيل الأكبر منهم
وقالت هالة “عندما انتهيت من فيلم ‘زهرة الصبار’ قلت لفريق العمل معي، الذي شارك معظمه في ‘شرق 12’، إننا إذا صنعنا فيلما جديدا فسيكون فيلما صعبا بالنسبة إلينا جميعا، سأصنع فيلما يكون بالنسبة إلى كل منكم هو الأصعب في مشواره”.
وبالفعل قامت بتصوير الفيلم على خام السينما بالأبيض والأسود ليكون أول فيلم مصري يتم تصويره بهذه التقنية منذ أكثر من 10 سنوات بعد التحول إلى التصوير الرقمي.
وقالت “أردت أن أصنع فيلما لا ينتمي للحظة بعينها، أردته فيلما يعيش لأطول وقت، يمكن مشاهدته دون أن يشعر المتفرج أنه قديم أو تجاوزه الزمن، وخام السينما خدم الفكرة”.
وأضافت “هو نمط يشبه الحواديت، مثل ألف ليلة وليلة، نحن لا نعرف لها تاريخا محددا، لكننا نقول إنها حدثت في الماضي، لتظل الشخصيات والحكمة المستخلصة باقية بغض النظر عن تفاصيل المكان والزمان”.
لكن هذا الاختيار قادها هي وفريقها إلى صعوبات إنتاجية أخرى أصرت على تجاوزها لإيمانها بقيمة ما تصنع.
وقالت “التكلفة لم تكن في حد ذاتها العائق الأكبر لأننا أجرينا بروفات كثيرة وحفظ الممثلون أدوارهم جيدا وكانوا على وعي بطبيعة الاعتماد على خام السينما”.
وأضافت “الصعوبة الحقيقية تمثلت في أن معمل التحميض كان مغلقا منذ نحو عشر سنوات، وكذلك الحصول على المركبات الكيميائية اللازمة، وإعادة تشغيل أجهزة لم تستعمل منذ سنوات”.
وبعد اجتياز الكثير من الصعوبات لإخراج الفيلم إلى النور وفرحة اختياره ضمن برنامج “نصف شهر المخرجين” كان آخر ما واجهه الفريق هو تأخر الحصول على تأشيرة السفر إلى فرنسا بسبب ضيق الوقت بين إعلان الأفلام المختارة والفترة المعتادة لإصدار التأشيرات من مصر.
لكن هالة التي تحمل الجنسيتين المصرية والهولندية استطاعت السفر إلى مهرجان كان برفقة مدير تصوير الفيلم عبدالسلام موسى ولحق بها بعد أيام باقي فريق العمل.
وعن تكبّدها كل هذه الصعاب من أجل صنع فيلم سينمائي قالت “لا أصنع أفلاما من أجل أن تكون لديّ أفلام، أصنع أفلاما لتعيش، لتبقى في الذاكرة، لتكون مؤثرة، كل فيلم استغرق ما بين 7 و8 سنوات من عمري، أبحث عن مردود أدبي وفني لأن المردود المالي لا يمكن أن يعوض هذه السنين”.
القوصي من مواليد القاهرة عام 1974، ومتخصصة في التصوير الفوتوغرافي وحاضرت عن التصوير الفوتوغرافي في الجامعة الأميركية.
شاركت في تدشين مبادرة جمعية الصور المعاصرة، وهي مبادرة يديرها الفنانون في القاهرة، وأسست في العام 2014 أرشيف “فوتو مصر” وهو معنيّ بإتاحة الصور الفوتوغرافية من مصر منذ بدايات الفوتوغرافيا وحتى نهاية القرن العشرين للباحثين والمهتمين في جميع المجالات.
وإلى جانب كونها مصوّرة ومخرجة هي تكتب وتحاضر بشكل دوري عن الصورة كوثيقة لقراءة التاريخ، وتتناول في أعمالها التاريخ غير الرسمي لمدينة القاهرة من خلال تجارب حياتية عادية لسكان المدينة وتستخدم في تناولها وسائط التصوير الفوتوغرافي والتركيب في الفراغ والنص المكتوب والفيديو. سبق أن أخرجت فيلم “حكايات على الهامش” عام 2005 و”تل النسيان” عام 2010 و”البحث عن مدينة في أوراق سين” عام 2011.