أفلام من السينما الإيرانية
السحلية The Lizard ( بالفارسية : مارمولك )
هادي ياسين
هذا الفيلم لا يحمل خصوصيةً مختلفة عن أفلام السينما الإيرانية حسب ، بل ينطوي على جرأةٍ كبيرة ، من خلال كوميديا قد تبدو ذات طابع اجتماعي ، ولكنها تحمل في حقيقتها شحنة ً سياسية ًكبيرة و باطنية ، بما يكفي لأن تفضح النظام السياسي في ايران من خلال كشف الغطاء عن حقيقة رجال الدين الذين يمسكون بزمام الحكم . و بما أن الفيلم مُنتجٌ في العام 2004 فإنه ينسحب أيضاً على ما يُسَمّوْنَ برجال الدين الذين ظهروا في العراق بعد عام 2003 و الذين يشكلون نسخة ً من أسيادهم في ايران .
يحمل عنوان الفيلم ( السحلية ) دلالة رمزية ً ساخرة ، كبيرة و واضحة ، و السحلية في الفارسية هي ( مارمولك ) ، و هي صفة أُطلقت على بطل الفيلم ( رضا ) فلـُـقب بـ ( رضا السحلية ) ، ولكنها اذا كانت في بداية الفيلم تطلق عليه كونه يتمتع بقدرة عالية على تسلق الجدران فأنها ستحمل ، فيما بعد ، بُعداً عاماً ينسحب على رجال الدين المعممين المتسلقين على أكتاف المجتمع ، و ذلك عندما يتمظهر ( رضا ) بمظهر رجل الدين بعد أن يهرب من السجن .
فمن خلال ساعة و 50 دقيقة يقدم لنا السيناريست " پَيْمَن قاسمخاني " و المخرج " كمال تبريزي " فيلماً لا يخرج على واقعية السينما الإيرانية الجادة ، ولكنه اختلف من حيث صيغة الكوميديا كإطار عام للفيلم و من حيث المضمون السياسي المغلف بصيغة اجتماعية ، من خلال شخصية ( رضا السحلية ) الأساسية التي غطت كل مساحة الفيلم ، و التي برع الممثل الإيراني " پرڤيز باراستڤي " في تجسيدها .
و الواقع إن الفيلم لا يُعرّي فقط حقيقة المعممين الذين يتسلقون جدار الدين الى المناصب و المراكز على حساب المجتمع ، بل يكشف حقيقة المجتمع الجاهل الذي يشجع هذه السحالي على التسلق . و يكشف الفيلم حقيقة جهل هذه السحالي بأمور السياسية و الدين معاً ، ولكن الجهلة من عامة الناس هم الذين يخلقون سحاليهم ، كما سنرى في الفيلم ، على غرار خلق الشعوب لطغاتها الذين يظهرون في موقع القوة و البأس من خلال ضعف الشعب .
" رضا السحلية " هو لصٌ معروفٌ لدى السلطات ، يخرج من السجن ليدخلـَه مرةً أخرى . ولكن هذه المرة ، يقرر مديرُ السجن بأنه سيقضي فترة طويلة ، و يوحي إليه بأنها ( مدى الحياة ) ، و يشرح له ــ بما يثير سخريته ــ بأنه ليس مديرَ سجن و أن هذا المكان ليس سجناً بل هو ( مصحة روحية ) و منها يبدأ طريقه الى الجنة .
و " رضا " ذو شخصيةٍ ساخرةٍ تلقائياً ، فحتى لو أنه كان لا يتكلم فأن نظراتِهِ ساخرة ، و مع ذلك فأن في داخله حزناً ، و هو يشعر بالحيف ، و على الرغم من أنه يحاول أن يثبت حُسنَ سلوكهِ غير أنه يخرج من الحبس الإنفرادي ليعود اليه . حتى عندما ربح الرهان مع مدير السجن بأنه قادرٌ على تسلق سور السجن لإنقاذ حمامة علقت بالأسلاك الشائكة فأن جائزته كانت أسبوعاً في الحبس الإنفرادي . ولكن شعورَه بالحيف و توقه الى الحرية يدفعانه الى التشبث بالأمل في الهروب من السجن بأي طريقة ، حتى تسنت له الفرصةُ لأن يفلت بطريقة جريئة في غفلة من سلطات السجن ، حين هرب ــ أما أنظار الجميع ــ مرتدياً زي رجل دين معمم دون أن يعترضه أحد ، و هذه الطريقة تكشف حقيقة سلطة الدين المارقة و تفوقها على السلطة المدنية ، ولكنه يقع في ورطةٍ مضحكةٍ مبكية لم تخطر على باله ، حين يتبارك به جهلة المجتمع و يجعلون منه إمامَ مسجد ، فيجد نفسه أمام أسئلة دينية غيبية تافهة لا يفهمها ، و هو الذي لا يعترف بالدين و لا يفقه منه شيئاً ، و منذ أن هرب من السجن بدأت كوميديا الفيلم تتصاعد لتكشف طبيعة السحلية لدى رجال الدين و تكشف حقيقتهم الزائفة حتى من خلال ملاحقة المرأة و تناول الخمور ، و الإتيان بما ينهون عنه .
و " رضا " الذي لا يعرف مواعيد الصلاة و لا فحوى الصلاة و لا عدد الركعات و لا الوضوء ، يجره الناس ــ في بلدةٍ صغيرةٍ أراد أن يعبر من خلالها الحدود ــ لأن يكون إمام مسجدهم ظناً منهم أنه هو الإمام البديل الذي كانوا ينتظرونه ، بعد أن غادر الإمام السابقُ قبل فترة . لكنه ، و بانتظار الجواز المزور يقبل أن يلعب الدور بطريقته الخاصة الكوميدية ، و قد أخذ يستعين في إجاباته الدينية و مواعظه و خُطبه على الناس بما كان قد سمعه من أحاديث رجال الدين في التلفزيون ، و بما حفظه من كلام رجل الدين الواعظ الذي تعرف عليه في المستشفى و أصبح صديقه ، بل أنه راح يصدر الفتاوى على هواه ، مستغلاً جهل الناس المؤمنين به كإمام لهم ، حتى أنه يفتي بحرية العلاقة العاطفية بين الشباب .
و يحمل الفيلمُ رمزية قد تثير تساؤل بعض المشاهدين بخصوص الصبي الذي يظهر بين فترة و أخرى و هو يصوب نظراته الى ( الشيخ رضا ) ، هذا الطفل يرمز الى الجيل الجديد المشكك برجال الدين .. و تسليم ( رضا السحلية ) عباءته اليه في النهاية هو إشارةٌ الى الحتمية التي ستؤول اليها حقبة السحالي المعممة .
من الطبيعي أنه كان قد تم منعُ عرض هذا الفيلم في ايران ، كونه قد كشف المستور و المسكوت عنه ، و لعل من الأسباب الأخرى أن الشعب الإيراني استعار عنوان الفيلم ( السحلية ) و راح يطلقه على المعممين . ولكن بعد أن أدركت السلطات أن معظم الأسَر الإيرانية قد شاهدت الفيلم بواسطة أقراص الـ ( DVD ) المسربة أوعز " علي خامنئي " بالسماح بعرضه .. في محاولة لإمتصاص نقمة الناس .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إليكم رابط الفيلم :
https://ok.ru/video/541613034224
السحلية The Lizard ( بالفارسية : مارمولك )
هادي ياسين
هذا الفيلم لا يحمل خصوصيةً مختلفة عن أفلام السينما الإيرانية حسب ، بل ينطوي على جرأةٍ كبيرة ، من خلال كوميديا قد تبدو ذات طابع اجتماعي ، ولكنها تحمل في حقيقتها شحنة ً سياسية ًكبيرة و باطنية ، بما يكفي لأن تفضح النظام السياسي في ايران من خلال كشف الغطاء عن حقيقة رجال الدين الذين يمسكون بزمام الحكم . و بما أن الفيلم مُنتجٌ في العام 2004 فإنه ينسحب أيضاً على ما يُسَمّوْنَ برجال الدين الذين ظهروا في العراق بعد عام 2003 و الذين يشكلون نسخة ً من أسيادهم في ايران .
يحمل عنوان الفيلم ( السحلية ) دلالة رمزية ً ساخرة ، كبيرة و واضحة ، و السحلية في الفارسية هي ( مارمولك ) ، و هي صفة أُطلقت على بطل الفيلم ( رضا ) فلـُـقب بـ ( رضا السحلية ) ، ولكنها اذا كانت في بداية الفيلم تطلق عليه كونه يتمتع بقدرة عالية على تسلق الجدران فأنها ستحمل ، فيما بعد ، بُعداً عاماً ينسحب على رجال الدين المعممين المتسلقين على أكتاف المجتمع ، و ذلك عندما يتمظهر ( رضا ) بمظهر رجل الدين بعد أن يهرب من السجن .
فمن خلال ساعة و 50 دقيقة يقدم لنا السيناريست " پَيْمَن قاسمخاني " و المخرج " كمال تبريزي " فيلماً لا يخرج على واقعية السينما الإيرانية الجادة ، ولكنه اختلف من حيث صيغة الكوميديا كإطار عام للفيلم و من حيث المضمون السياسي المغلف بصيغة اجتماعية ، من خلال شخصية ( رضا السحلية ) الأساسية التي غطت كل مساحة الفيلم ، و التي برع الممثل الإيراني " پرڤيز باراستڤي " في تجسيدها .
و الواقع إن الفيلم لا يُعرّي فقط حقيقة المعممين الذين يتسلقون جدار الدين الى المناصب و المراكز على حساب المجتمع ، بل يكشف حقيقة المجتمع الجاهل الذي يشجع هذه السحالي على التسلق . و يكشف الفيلم حقيقة جهل هذه السحالي بأمور السياسية و الدين معاً ، ولكن الجهلة من عامة الناس هم الذين يخلقون سحاليهم ، كما سنرى في الفيلم ، على غرار خلق الشعوب لطغاتها الذين يظهرون في موقع القوة و البأس من خلال ضعف الشعب .
" رضا السحلية " هو لصٌ معروفٌ لدى السلطات ، يخرج من السجن ليدخلـَه مرةً أخرى . ولكن هذه المرة ، يقرر مديرُ السجن بأنه سيقضي فترة طويلة ، و يوحي إليه بأنها ( مدى الحياة ) ، و يشرح له ــ بما يثير سخريته ــ بأنه ليس مديرَ سجن و أن هذا المكان ليس سجناً بل هو ( مصحة روحية ) و منها يبدأ طريقه الى الجنة .
و " رضا " ذو شخصيةٍ ساخرةٍ تلقائياً ، فحتى لو أنه كان لا يتكلم فأن نظراتِهِ ساخرة ، و مع ذلك فأن في داخله حزناً ، و هو يشعر بالحيف ، و على الرغم من أنه يحاول أن يثبت حُسنَ سلوكهِ غير أنه يخرج من الحبس الإنفرادي ليعود اليه . حتى عندما ربح الرهان مع مدير السجن بأنه قادرٌ على تسلق سور السجن لإنقاذ حمامة علقت بالأسلاك الشائكة فأن جائزته كانت أسبوعاً في الحبس الإنفرادي . ولكن شعورَه بالحيف و توقه الى الحرية يدفعانه الى التشبث بالأمل في الهروب من السجن بأي طريقة ، حتى تسنت له الفرصةُ لأن يفلت بطريقة جريئة في غفلة من سلطات السجن ، حين هرب ــ أما أنظار الجميع ــ مرتدياً زي رجل دين معمم دون أن يعترضه أحد ، و هذه الطريقة تكشف حقيقة سلطة الدين المارقة و تفوقها على السلطة المدنية ، ولكنه يقع في ورطةٍ مضحكةٍ مبكية لم تخطر على باله ، حين يتبارك به جهلة المجتمع و يجعلون منه إمامَ مسجد ، فيجد نفسه أمام أسئلة دينية غيبية تافهة لا يفهمها ، و هو الذي لا يعترف بالدين و لا يفقه منه شيئاً ، و منذ أن هرب من السجن بدأت كوميديا الفيلم تتصاعد لتكشف طبيعة السحلية لدى رجال الدين و تكشف حقيقتهم الزائفة حتى من خلال ملاحقة المرأة و تناول الخمور ، و الإتيان بما ينهون عنه .
و " رضا " الذي لا يعرف مواعيد الصلاة و لا فحوى الصلاة و لا عدد الركعات و لا الوضوء ، يجره الناس ــ في بلدةٍ صغيرةٍ أراد أن يعبر من خلالها الحدود ــ لأن يكون إمام مسجدهم ظناً منهم أنه هو الإمام البديل الذي كانوا ينتظرونه ، بعد أن غادر الإمام السابقُ قبل فترة . لكنه ، و بانتظار الجواز المزور يقبل أن يلعب الدور بطريقته الخاصة الكوميدية ، و قد أخذ يستعين في إجاباته الدينية و مواعظه و خُطبه على الناس بما كان قد سمعه من أحاديث رجال الدين في التلفزيون ، و بما حفظه من كلام رجل الدين الواعظ الذي تعرف عليه في المستشفى و أصبح صديقه ، بل أنه راح يصدر الفتاوى على هواه ، مستغلاً جهل الناس المؤمنين به كإمام لهم ، حتى أنه يفتي بحرية العلاقة العاطفية بين الشباب .
و يحمل الفيلمُ رمزية قد تثير تساؤل بعض المشاهدين بخصوص الصبي الذي يظهر بين فترة و أخرى و هو يصوب نظراته الى ( الشيخ رضا ) ، هذا الطفل يرمز الى الجيل الجديد المشكك برجال الدين .. و تسليم ( رضا السحلية ) عباءته اليه في النهاية هو إشارةٌ الى الحتمية التي ستؤول اليها حقبة السحالي المعممة .
من الطبيعي أنه كان قد تم منعُ عرض هذا الفيلم في ايران ، كونه قد كشف المستور و المسكوت عنه ، و لعل من الأسباب الأخرى أن الشعب الإيراني استعار عنوان الفيلم ( السحلية ) و راح يطلقه على المعممين . ولكن بعد أن أدركت السلطات أن معظم الأسَر الإيرانية قد شاهدت الفيلم بواسطة أقراص الـ ( DVD ) المسربة أوعز " علي خامنئي " بالسماح بعرضه .. في محاولة لإمتصاص نقمة الناس .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إليكم رابط الفيلم :
https://ok.ru/video/541613034224