قراءة في ديوانِ الشاعرِ خزعل الماجدي “قصائد الصورة”.. بقلم: سمر الكلاس
#سفير_برس
رئيس التحرير 2024-04-23
0 3 دقائق
إعلان
هل تُعدُّ ثقافةُ الأديبِ الشعريةُ كنزاً حضارياً، أمِ يعدُّ الباحثُ والخبيرُ في الحضاراتِ كنزا للشعرِ؟
هل تعدُّ ثقافة الأديب الشعرية كنزاُ حضارياً، أم يعدُّ الباحث والخبير في الحضارات كنزاً للشعر؟
هلِ الصورةُ أبلغُ مِنَ الكلمةِ، أمْ أنّ للكلمةِ بلاغةَ الصورةِ؟
وإذا كانتِ الكلمةُ أبلغَ مِنَ الصورةِ، فهلِ العينُ تنافسُ الكلمةَ في التعبيرِ؟
هذا ما سنتحدثُ عنهُ في ديوانِ الشاعرِ العراقيّ خزعل الماجدي “قصائد الصورة”
اتسمتْ قصائدُ هذا الديوانِ بالإيجازِ والتكثيفِ واللمحةِ التي ترسمُ على عتباتِها ابتسامةً تحملُ رمزيةً روحيةً.
استهلَّ الشاعرُ ديوانَهُ بومضةٍ قالَ فيها: “ليتني أستطيعُ رسمَ البلبلِ معَ صوتِه”
إحساسٌ شعريٌّ خاطفٌ بدلالاتٍ واضحةٍ ، جعلَ صوتَ البلبلِ يشدو أغنيتَهُ في مُخيلتِنا.
لماذا اختارَ الشاعرُ هذهِ الومضةَ كمدخلٍ لديوانِهِ؟ ولماذا اختارَ البلبلَ، وأرادَ أنْ يَرسِمَ صوتَهُ؟
لدينا هنا تراسل حواسٍ، حيث نسمع الصوتَ ونرى اللونَ ونسمعُ الحركةَ.
يحتوي الديوانُ على ستةِ أجزاءٍ بستةِ عناوينَ مختلفةٍ، ولعلَّ أهمَ الأسبابِ التي جعلتِ الشاعرَ يقسّمُ ديوانَهُ إلى أجزاءٍ، هوَ انتقالُ مشهديةِ الشعرِ في عوالمَ خاصةٍ ومختلفةٍ، تعبّرُ عنِ انفعالاتِه الإنسانِيّة العاطفيةِ وعلاقتِها بالطبيعةِ، ليجعلَ المتلقيَ باحثًا عن تفكيكِ هذهِ العلاقاتِ بذهنِهِ مِن عناوينِها وصورتِها تعريفًا قبلَ الدخولِ في النصِ. وعندَ قراءةِ النّصِ يصابُ بالدّهشةِ، إذْ يجدُ دلالاتٍ تختلفُ عن الدلالةِ الأصليّةِ الّتي رسمَها في ذهنهِ.
*القسمُ الأولُ بعنوانِ* ينابيعِها الطافحةِ بالنورِ
يُدوّنُ الأديبُ خزعل الماجدي أحزانَهُ ومشاعرَهُ على جسدِ امرأةٍ، فحمّلَ الشجرَ، والغيمَ والزجاجَ ، والضوءَ والمطرَ، والنسيمَ رغبةً عارمةً انتظرتْ مواسمَ القطافِ.
فكانتِ الفراشةَ اللاهيةَ معَ الضوءِ بمختلفِ أشكالِهِ، وحتى معَ انعكاساته في الماءِ
ليصوّر خلفيةَ الطبيعةِ الساحرةِ في الليلِ.
ولعلّ اشتغال الشاعر زمناً طويلاً بالتاريخِ والأساطير، أعطاه بصيرة للنفاذ إلى عمقِ الأشياء، وهذا يفسّرُ سرّ اختياره للصورة المرفقة لكل جزء.
وما وراءَ هذه السطورِ جسّدَ الحياةَ بجغرافيتِها الزمنيةِ معَ ما يتوافقُ مع الأصولِ الـديـنـيـةِ، الاجتماعيةِ والاقتصاديةِ. و الظروفِ السياسيةِ.
وكانَ لا بدَّ مِن تسليطِ الضوءِ على وضعِ المرأةِ فـي الـبـيـتِ وفـي المجتمعِ . فمـن الضـروري أنْ نتعرّفَ فيهِ على سمةِ العلاقاتِ جميعِها بكلِّ مفاهيمِها.
*القسمُ الثاني*: سعاداتُ الطبيعةِ.
تغنّى الشاعرُ وأحاديثَ الطبيعةِ بلغةِ الضوءِ والعطرِ المتناغمةِ معَ أصواتِ النهرِ والريحِ. بفلسفةٍ نابعةٍ مِن جغرافيةِ المكانِ ومفاهيمِ الزمانِ. ففي جملتِهِ الشعريةِ: “النهرُ يخترقُ واديَ الثلجِ توأمان متحركٌ وساكنُ” هذهِ الجملةِ جعلتني أشاهدُ فيلماً وثائقياً حولَ الساكنِ والمتحركِ وعلاقتِهما الكيميائيةِ. لوحة تمازجَ فيها اللونُ والحركةُ. وفي هذهِ الجملةِ “الملحُ يغطي الأرضَ مِن كلِّ جهاتِها أين سنضعُ غرسةَ الوردِ هذه؟” وضعني الشاعرُ في مكانٍ مملوءٍ بالثلجٍ المملحِ فكيفَ لها أن تتكيفَ وتستمرَ؟ صورة شديدة التعبير عن الرفق بالورد، وبتائِهِ المؤنثةِ.
هذهِ المشاهدُ المرئيةُ المتحركةُ بالصوتِ تأخذُنا إلى باطن الشاعر المخبوء. إلى جانبِ جملٍ مختلفةِ الصورِ الشعريةِ التي تعبرُ عن جغرافيةِ المكانِ وفصولهِ الأربعةِ مثلَ الخريفِ والأوراقِ والنهرِ والبذورِ التي تحفزُ الطيورَ على الحركةِ. وما لفتَ انتباهي جملتُه (أنتَ على مقربةٍ منْ فمِ الغولِ أنتَ عندَ الغروبِ) مشهدٌ أسطوريٌّ صوفيٌّ. يجعلُني أفكّرُ بالصلاةِ والصيامِ والولادةِ والرحيلِ وهنا تكمنُ جماليةُ لعبةِ الألوانِ الطافحةِ بالسحرِ.
*القسمُ الثالثُ*: نجومٌ داخليةٌ
حينَ نقفُ على عتبةِ هذهِ الجملِ الشعريةِ سنجدُ أنها نجومٌ تلمعُ وفضاءٌ مرحٌ واسعٌ وفرحٌ كبيرٌ فالضوءُ رمزٌ لمباهجِ الحياةِ. لكننا ما إن ندخلْ في عمقِ المشهدِ يتحركْ إحساسُنا بالحركةِ والعمقِ. يربطُ الشاعرُ فيها المفارقاتِ والمتضاداتِ مثلَ البردِ والدفءِ، الشمعةِ والموتِ. وتبرزُ التلالُ في جملتهِ الشعريةِ لتخبرَنا عنِ الزوالِ، وهنا يخطرُ ببالِنا كوارثَ الحروبِ، الزلازلَ والبراكينَ. وتعجزُ أدمغتُنا الفارغةُ عنِ التفكيرِ بالهجرةِ. هذهِ المفارقاتُ تؤكدُ على التحرّرِ، وأنّ الروحَ لا تعبأُ بقيودِ الجسدِ في ظلِّ المعاناةِ.
*القسمُ الرابعُ*: حيواناتٌ تتبعُها الأسئلةُ.
تقدّمُ لي هذهِ المشاهدُ بعدًا اسطورياً في الشعرِ. تخلّى فيها الشاعرُ عن وعي العقلِ ليُظهِرَ الباطنَ المخبوءَ والموروثَ.
فلقدْ تحدثَ عن عينِ الثورِ اللامعةِ كوسيلة للحمايةِ منَ العينِ، ورمزِ السلامِ في أعينِ الحمامِ، وعن دموعِ الأسماكِ والنفي. عن قططٍ جائعةٍ وسمكٍ متعفنٍ داخل منزل مُقفل. وتعمّدَ الرّمزيةَ في هذهِ المشاهدِ. إلا أنّه استوقفني مشهدٌ شعريٌّ جاءَ فيه: “العصفورُ العنيدُ هذا كلّما أوقعتِ الريحُ عشَّهُ أعادَهُ يفعل هذا منذُ شهورٍ متصلةّ”. ألم يفعلْ هذا سيزيفُ مّن قبلُ؟
*القسمُ الخامسُ*: هاويةُ الأصابعِ
هنا في هذا القسمِ تتقاطعُ المشاهدُ معَ سلوكياتٍ ومعتقداتٍ وجيناتٍ مع الإرثِ العِرقي للإنسانِ. وربّما كانتْ نصوصُهُ الأدبيةُ ميداناً خصباً لكلِّ ذلك، وتظهرُ براعةُ الكاتبِ في رسمِ تلكَ النصوصِ وفكِّ أسرارِ الرموزِ والأساطيرِ التي يُحيكها فكرُه، مِن أمورٍ صادفَها أو حياةٍ عاشَها. قال في إحدى جملِهِ الشعريةِ “سأصنعُ مِن عظامي ناياً وأحدثُكَ عن ضحايا كلِّ هذا المجدِ! وأيّ حزنٍ عَزفتْهُ العظامُ!. وفي مشهدٍ آخرَ قالَ عنِ الموتِ: ستسقطُ السنواتُ مِن جسدِكَ تباعاً فيخفُّ ويطيرُ ويختفي. إنه الموتُ القادمُ… وعن مواسمِ الحصادِ قالَ: لأجملُ مِن بيدرِ الحصادِ حشدُ الطيورِ. وماذا عن الأمل هنا، والطيور التي تلتهم حصاد البيادر؟ أليس هو الموت المنتظر؟
*القسمُ السادسُ*: قصائدُ الومضة
ومضاتٌ شعريةٌ قصيرةٌ بمنهجٍ أسطوريٍّ، يتراوحُ تركيبُها مِن ثلاثٍ إلى خمسِ كلماتٍ. صورٌ ذهنيةٌ بمدلولٍ مألوفٍ وواضحٍ. تَقرعُ البلاغةُ أجراسَها لتكشفَ عنْ تحوّلاتِ الشاعرِ الوجدانيةٍ بإحساسٍ مرهفٍ يدفعُهُ إلى التعبيرِ عما يحيطُ بهِ باعتمادِهِ على قوالبَ إبداعيةٍ مختلفةٍ.
وهكذا تختلفُ جمل الشاعرِ على مدارِ أجزاءِ هذا الديوانِ والتي تتسمُ بالشفافيةِ والمصداقيةِ. فلا حاجةَ لتأويلِ الرمزيةِ في نتاجِ خيالِه.
لقد أنصفَ الشاعرُ الأساطيرَ بمنهجيةِ ديوانِه، حيثُ علا صوتُها وظهرتْ حركتْها وتألقتْ في وميضِها.
#سفير_برس _بقلم : سمر الكلاس
#سفير_برس
رئيس التحرير 2024-04-23
0 3 دقائق
إعلان
هل تُعدُّ ثقافةُ الأديبِ الشعريةُ كنزاً حضارياً، أمِ يعدُّ الباحثُ والخبيرُ في الحضاراتِ كنزا للشعرِ؟
هل تعدُّ ثقافة الأديب الشعرية كنزاُ حضارياً، أم يعدُّ الباحث والخبير في الحضارات كنزاً للشعر؟
هلِ الصورةُ أبلغُ مِنَ الكلمةِ، أمْ أنّ للكلمةِ بلاغةَ الصورةِ؟
وإذا كانتِ الكلمةُ أبلغَ مِنَ الصورةِ، فهلِ العينُ تنافسُ الكلمةَ في التعبيرِ؟
هذا ما سنتحدثُ عنهُ في ديوانِ الشاعرِ العراقيّ خزعل الماجدي “قصائد الصورة”
اتسمتْ قصائدُ هذا الديوانِ بالإيجازِ والتكثيفِ واللمحةِ التي ترسمُ على عتباتِها ابتسامةً تحملُ رمزيةً روحيةً.
استهلَّ الشاعرُ ديوانَهُ بومضةٍ قالَ فيها: “ليتني أستطيعُ رسمَ البلبلِ معَ صوتِه”
إحساسٌ شعريٌّ خاطفٌ بدلالاتٍ واضحةٍ ، جعلَ صوتَ البلبلِ يشدو أغنيتَهُ في مُخيلتِنا.
لماذا اختارَ الشاعرُ هذهِ الومضةَ كمدخلٍ لديوانِهِ؟ ولماذا اختارَ البلبلَ، وأرادَ أنْ يَرسِمَ صوتَهُ؟
لدينا هنا تراسل حواسٍ، حيث نسمع الصوتَ ونرى اللونَ ونسمعُ الحركةَ.
يحتوي الديوانُ على ستةِ أجزاءٍ بستةِ عناوينَ مختلفةٍ، ولعلَّ أهمَ الأسبابِ التي جعلتِ الشاعرَ يقسّمُ ديوانَهُ إلى أجزاءٍ، هوَ انتقالُ مشهديةِ الشعرِ في عوالمَ خاصةٍ ومختلفةٍ، تعبّرُ عنِ انفعالاتِه الإنسانِيّة العاطفيةِ وعلاقتِها بالطبيعةِ، ليجعلَ المتلقيَ باحثًا عن تفكيكِ هذهِ العلاقاتِ بذهنِهِ مِن عناوينِها وصورتِها تعريفًا قبلَ الدخولِ في النصِ. وعندَ قراءةِ النّصِ يصابُ بالدّهشةِ، إذْ يجدُ دلالاتٍ تختلفُ عن الدلالةِ الأصليّةِ الّتي رسمَها في ذهنهِ.
*القسمُ الأولُ بعنوانِ* ينابيعِها الطافحةِ بالنورِ
يُدوّنُ الأديبُ خزعل الماجدي أحزانَهُ ومشاعرَهُ على جسدِ امرأةٍ، فحمّلَ الشجرَ، والغيمَ والزجاجَ ، والضوءَ والمطرَ، والنسيمَ رغبةً عارمةً انتظرتْ مواسمَ القطافِ.
فكانتِ الفراشةَ اللاهيةَ معَ الضوءِ بمختلفِ أشكالِهِ، وحتى معَ انعكاساته في الماءِ
ليصوّر خلفيةَ الطبيعةِ الساحرةِ في الليلِ.
ولعلّ اشتغال الشاعر زمناً طويلاً بالتاريخِ والأساطير، أعطاه بصيرة للنفاذ إلى عمقِ الأشياء، وهذا يفسّرُ سرّ اختياره للصورة المرفقة لكل جزء.
وما وراءَ هذه السطورِ جسّدَ الحياةَ بجغرافيتِها الزمنيةِ معَ ما يتوافقُ مع الأصولِ الـديـنـيـةِ، الاجتماعيةِ والاقتصاديةِ. و الظروفِ السياسيةِ.
وكانَ لا بدَّ مِن تسليطِ الضوءِ على وضعِ المرأةِ فـي الـبـيـتِ وفـي المجتمعِ . فمـن الضـروري أنْ نتعرّفَ فيهِ على سمةِ العلاقاتِ جميعِها بكلِّ مفاهيمِها.
*القسمُ الثاني*: سعاداتُ الطبيعةِ.
تغنّى الشاعرُ وأحاديثَ الطبيعةِ بلغةِ الضوءِ والعطرِ المتناغمةِ معَ أصواتِ النهرِ والريحِ. بفلسفةٍ نابعةٍ مِن جغرافيةِ المكانِ ومفاهيمِ الزمانِ. ففي جملتِهِ الشعريةِ: “النهرُ يخترقُ واديَ الثلجِ توأمان متحركٌ وساكنُ” هذهِ الجملةِ جعلتني أشاهدُ فيلماً وثائقياً حولَ الساكنِ والمتحركِ وعلاقتِهما الكيميائيةِ. لوحة تمازجَ فيها اللونُ والحركةُ. وفي هذهِ الجملةِ “الملحُ يغطي الأرضَ مِن كلِّ جهاتِها أين سنضعُ غرسةَ الوردِ هذه؟” وضعني الشاعرُ في مكانٍ مملوءٍ بالثلجٍ المملحِ فكيفَ لها أن تتكيفَ وتستمرَ؟ صورة شديدة التعبير عن الرفق بالورد، وبتائِهِ المؤنثةِ.
هذهِ المشاهدُ المرئيةُ المتحركةُ بالصوتِ تأخذُنا إلى باطن الشاعر المخبوء. إلى جانبِ جملٍ مختلفةِ الصورِ الشعريةِ التي تعبرُ عن جغرافيةِ المكانِ وفصولهِ الأربعةِ مثلَ الخريفِ والأوراقِ والنهرِ والبذورِ التي تحفزُ الطيورَ على الحركةِ. وما لفتَ انتباهي جملتُه (أنتَ على مقربةٍ منْ فمِ الغولِ أنتَ عندَ الغروبِ) مشهدٌ أسطوريٌّ صوفيٌّ. يجعلُني أفكّرُ بالصلاةِ والصيامِ والولادةِ والرحيلِ وهنا تكمنُ جماليةُ لعبةِ الألوانِ الطافحةِ بالسحرِ.
*القسمُ الثالثُ*: نجومٌ داخليةٌ
حينَ نقفُ على عتبةِ هذهِ الجملِ الشعريةِ سنجدُ أنها نجومٌ تلمعُ وفضاءٌ مرحٌ واسعٌ وفرحٌ كبيرٌ فالضوءُ رمزٌ لمباهجِ الحياةِ. لكننا ما إن ندخلْ في عمقِ المشهدِ يتحركْ إحساسُنا بالحركةِ والعمقِ. يربطُ الشاعرُ فيها المفارقاتِ والمتضاداتِ مثلَ البردِ والدفءِ، الشمعةِ والموتِ. وتبرزُ التلالُ في جملتهِ الشعريةِ لتخبرَنا عنِ الزوالِ، وهنا يخطرُ ببالِنا كوارثَ الحروبِ، الزلازلَ والبراكينَ. وتعجزُ أدمغتُنا الفارغةُ عنِ التفكيرِ بالهجرةِ. هذهِ المفارقاتُ تؤكدُ على التحرّرِ، وأنّ الروحَ لا تعبأُ بقيودِ الجسدِ في ظلِّ المعاناةِ.
*القسمُ الرابعُ*: حيواناتٌ تتبعُها الأسئلةُ.
تقدّمُ لي هذهِ المشاهدُ بعدًا اسطورياً في الشعرِ. تخلّى فيها الشاعرُ عن وعي العقلِ ليُظهِرَ الباطنَ المخبوءَ والموروثَ.
فلقدْ تحدثَ عن عينِ الثورِ اللامعةِ كوسيلة للحمايةِ منَ العينِ، ورمزِ السلامِ في أعينِ الحمامِ، وعن دموعِ الأسماكِ والنفي. عن قططٍ جائعةٍ وسمكٍ متعفنٍ داخل منزل مُقفل. وتعمّدَ الرّمزيةَ في هذهِ المشاهدِ. إلا أنّه استوقفني مشهدٌ شعريٌّ جاءَ فيه: “العصفورُ العنيدُ هذا كلّما أوقعتِ الريحُ عشَّهُ أعادَهُ يفعل هذا منذُ شهورٍ متصلةّ”. ألم يفعلْ هذا سيزيفُ مّن قبلُ؟
*القسمُ الخامسُ*: هاويةُ الأصابعِ
هنا في هذا القسمِ تتقاطعُ المشاهدُ معَ سلوكياتٍ ومعتقداتٍ وجيناتٍ مع الإرثِ العِرقي للإنسانِ. وربّما كانتْ نصوصُهُ الأدبيةُ ميداناً خصباً لكلِّ ذلك، وتظهرُ براعةُ الكاتبِ في رسمِ تلكَ النصوصِ وفكِّ أسرارِ الرموزِ والأساطيرِ التي يُحيكها فكرُه، مِن أمورٍ صادفَها أو حياةٍ عاشَها. قال في إحدى جملِهِ الشعريةِ “سأصنعُ مِن عظامي ناياً وأحدثُكَ عن ضحايا كلِّ هذا المجدِ! وأيّ حزنٍ عَزفتْهُ العظامُ!. وفي مشهدٍ آخرَ قالَ عنِ الموتِ: ستسقطُ السنواتُ مِن جسدِكَ تباعاً فيخفُّ ويطيرُ ويختفي. إنه الموتُ القادمُ… وعن مواسمِ الحصادِ قالَ: لأجملُ مِن بيدرِ الحصادِ حشدُ الطيورِ. وماذا عن الأمل هنا، والطيور التي تلتهم حصاد البيادر؟ أليس هو الموت المنتظر؟
*القسمُ السادسُ*: قصائدُ الومضة
ومضاتٌ شعريةٌ قصيرةٌ بمنهجٍ أسطوريٍّ، يتراوحُ تركيبُها مِن ثلاثٍ إلى خمسِ كلماتٍ. صورٌ ذهنيةٌ بمدلولٍ مألوفٍ وواضحٍ. تَقرعُ البلاغةُ أجراسَها لتكشفَ عنْ تحوّلاتِ الشاعرِ الوجدانيةٍ بإحساسٍ مرهفٍ يدفعُهُ إلى التعبيرِ عما يحيطُ بهِ باعتمادِهِ على قوالبَ إبداعيةٍ مختلفةٍ.
وهكذا تختلفُ جمل الشاعرِ على مدارِ أجزاءِ هذا الديوانِ والتي تتسمُ بالشفافيةِ والمصداقيةِ. فلا حاجةَ لتأويلِ الرمزيةِ في نتاجِ خيالِه.
لقد أنصفَ الشاعرُ الأساطيرَ بمنهجيةِ ديوانِه، حيثُ علا صوتُها وظهرتْ حركتْها وتألقتْ في وميضِها.
#سفير_برس _بقلم : سمر الكلاس