باحثون صنعوا كاميرا لاسلكية لتصوير أعماق المحيطات دون الحاجة إلى أي نوع من البطاريات
- 27 أكتوبر 2022
- 659
- 0
قد تُساعد كاميرا جديدة العلماء على استكشاف أماكن غير مألوفة في المحيطات، وتتبُّع آثار التلوث، ومراقبة تأثيرات تغير المناخ. يُشير العلماء إلى أن 95% من المحيطات على الأرض فيها أماكن لم يشاهدها أحد بعد، ما يعني أن البشر لديهم معلومات عن المريخ والقمر أكثر مما تحتويه المحيطات على الأرض.
إحدى العقبات التي تمنع عملية استكشاف المحيطات هي التكاليف الباهظة لصنع كاميرا قابلة لتصوير ما في المحيطات لفترات طويلة من الزمن، إذ يعمل حاليًا هذا النوع من الكاميرات عبر ربطه بزورق لإجراء البحوث، أو إرسال سفينة تشحن بطارية الكاميرا.
أما الآن يبدو أن مهندسين من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا قد تخطوا هذه العقبة عبر ابتكار كاميرا لاسلكية، لا تحتاج إلى بطارية لتصوير ما يوجد في المحيطات، تُقدر فعالية هذه الكاميرا بمقدار توفيرها للطاقة، إذ تزيد فعاليتها مقارنة مع باقي كاميرات المحيطات الأخرى بنحو 100 ألف مرة. حتى في المناطق المعتمة من المحيطات تستطيع هذه الكاميرا الجديدة التقاط صور ملونة، ونقل بيانات الصور لاسلكيًا عبر الماء.
ما يجعل هذه الكاميرا المستقلة فريدة من نوعها هو إمكانية شحنها بوساطة الصوت، إذ تُحول هذه الكاميرا طاقة الأمواج الصوتية المتجددة في الماء إلى طاقة كهربائية تشحن بها الأجزاء المسؤولة عن التصوير والتواصل، وبعد التقاط الصور وتشفير البيانات تنقل الكاميرا البيانات إلى مُستقبِل بوساطة الأمواج الصوتية لإعادة بناء الصورة.
يُمكن إبقاء الكاميرا في أعماق المحيطات لأسابيع قبل جمع البيانات والصور منها؛ لأنها لا تحتاج إلى الشحن، ما يتيح للعلماء البحث عن أصناف حياة جديدة قد توجد في أماكن معزولة في المحيطات.
يُمكن أيضًا استخدامها لالتقاط صور تظهر آثار التلوث في الأعماق، أو متابعة عملية نمو الأسماك وصحتها في المزارع المائية.
يقول فاضل أديب، أستاذ مساعد في قسم الهندسة الكهربائية وعلم الحاسوب ومدير مجموعة Signal Kinetics في مختبر الأبحاث التابع لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا والمؤلف الرئيس للبحث الجديد: «إن أكثر ما يعجبني في هذه الكاميرا هو إمكانية مراقبة تغيرات المناخ، فنحن نبني نماذج مناخية، لكن تنقصنا 95% من البيانات مصدرها المحيطات، والتقنية الجديدة سوف تتيح لنا بناء نماذج لمتابعة تغيرات المناخ أكثر دقةً، ودراسة التأثيرات على العالم المائي».
يُساعد أديب في إجراء هذه الدراسة مؤلفون مساعدون وأعضاء فريق بحث Signal Kinetics سعيد سعد أفضال ووليد أكبر، وأوسفي رودريغيز، وعالم البحوث أونسو ها وأعضاء سابقون مثل ماريو دوميت، ورضا غفاريفاردفاغ.
نُشر هذا البحث في 26 سبتمبر عام 2022 في مجلة Nature Communications.
عدم الحاجة إلى بطارية بعد الآن
لتصميم كاميرا تعمل من تلقاء نفسها لفترات طويلة من الزمن احتاج العلماء إلى أداة قادرة على جمع الطاقة تحت الماء وغير مستهلكة لها.
تُوضع محولات طاقة مصنوعة من مواد كهروضغطية حول الجزء الخارجي للكاميرا، تعمل على جمع الطاقة من محيطها. إذ تنتج المواد الكهروضغطية إشارة كهربائية عند تعرضها لجهد حركي، لذا عند ارتطام موجة صوتية في الماء بهذه المحولات، تبدأ بالاهتزاز وتحوّل الطاقة الميكانيكية إلى طاقة كهربائية.
قد تأتي الأمواج الصوتية من أيّ مصدر، مثل سفينة تجري
أو حركة النباتات والحيوانات في البحر. إذ تُخزن الكاميرا قدرًا من الطاقة الكهربائية حتى يُصبح كافيًا لتشغيل الأجزاء الإلكترونية المسؤولة عن التقاط الصور، وإيصال البيانات.
للحفاظ على استهلاك الطاقة منخفصًا قدر المستطاع، استخدم المهندسون حساسات صور جاهزة للعمل من دون تعديل، وقليلة الاستهلاك للطاقة، لكنّ العيب في هذا النوع من الحساسات أنها قادرة على التقاط الصور السوداء والبيضاء فقط. وبما أن معظم المناطق في أعماق المحيط معتمة، كان لا بد من إضافة مصدر إضاءة منخفض الطاقة أيضًا.
يقول أديب: «حاولنا تخفيف الحاجة إلى العتاد الصلب قدر الإمكان، ما يضع قيودًا جديدة عند التفكير ببناء نظام تصوير جديد، وإرسال المعلومات، وإعادة بناء الصور. لقد تطلب الأمر منا كثيرًا من الإبداع حتى وصلنا إلى النتيجة الحالية».
استطاع الفريق حل المشكلتين معًا، وذلك باستخدام مصابيح توفير طاقة ذات الألوان الحمراء، والخضراء، والزرقاء. عند التقاط الكاميرا صورةً ما، يضيء المصباح ذو اللون الأحمر وتُستخدم عندها حساسات الصور لتخزين الصورة، ثم تتكرر العملية ذاتها عند إضاءة المصباح في اللون الأزرق والأخضر.
يقول وليد أكبر: «إن أكبر سبب لبقاء الصورة عديمة اللون، هو أن الأضواء الملونة للمصباح تنعكس في الجزء الأبيض من الصورة. عند جمع بيانات الصورة بعد المعالجة، تظهر الصورة الأخيرة ملونةً؛ نتيجة إعادة بنائها من الصورة المصدر ذات الأضواء الثلاثة».
يضيف: «عندما كنا صغارًا في حصة الرسم، تعلمنا القدرة على خلق أي لون عبر المزج بين ثلاثة ألوان أساسية، وهذه القاعدة تنطبق على الصور الملونة التي نراها على شاشة الحاسب اليوم، فكل ما نحتاج إليه هو الألوان الثلاثة: الأحمر والأزرق والأخضر، لتكوين صورة كاميرا ملونة».
إرسال البيانات بوساطة الصوت
بعد جمع البيانات، تُشفر على شكل بتات (0 و1). وتُرسَل كل واحدة على حدة إلى المستقبِل بعملية تُسمى التبعثر المرتد في قاع البحر، ثم يعمل المستقبِل على نقل الأمواج الصوتية في الماء إلى الكاميرا، التي تعكس هذه الأمواج.
تعكس الكاميرا الموجة الصوتية وتعيدها إلى المستقبل أو تمتص الموجة، ولا تعكسها أبدًا.
يوضع ميكروفون مائي جانب الناقل؛ لاستشعار انعكاس إشارة ما بوساطة الكاميرا. إن تلقي الميكروفون إشارة يُفسرها بيت -1، وإن لم تصله إشارة يُفسرها بيت 0، ثم يستخدم النظام هذه المعلومات لمعالجة الصورة، وإعادة ترميمها.
يقول أفضال: «إن هذه العملية بأكملها لا تحتاج إلا لمفتاح واحد يقلب بين حالة عكس الإشارة وعدم عكسها، لذلك ينخفض معدل استهلاك الطاقة لهذه الأداة مقارنة مع أنواع أخرى من أدوات التواصل تحت الماء بمقدار خمسة أضعاف».
جرب الباحثون هذه الكاميرا في بيئات مختلفة في قاع البحر. إحدى هذه البيئات كانت في بركةً تابعة لولاية نيوهامشير الأمريكية، إذ التقطت الكاميرا صورًا ملونة لقارورات بلاستيكية عائمة في البركة، والتقطت أيضًا صورًا عالية الدقة لأسماك نجمية أفريقية، لدرجة ظهور الدرنات على أذرع السمكة بوضوح شديد.
بعد ذلك أثبتت الكاميرا كفاءتها مجددًا، عندما وضعها الباحثون في بيئة منطقة مظلمة في قاع البحر لمدة أسبوع، وكان الهدف هذه المرة تصوير النبات البحري جار الماء الأولفاني لمراقبة نموه.
الآن، بعد التأكد من عمل النموذج الأول بنجاح، يسعى المهندسون إلى تحسين الكاميرا ليصبح بالإمكان استخدامها عمليًا على أرض الواقع.
إحدى التحسينات التي يدرسونها الآن هي تكبير حجم الذاكرة لالتقاط صور فورية ومشاركتها، وحتى تصوير فيديو كامل تحت الماء.
التحسين الآخر هو زيادة المدى الذي تشمله الكاميرا، إذ استطاع المهندسون نقل البيانات على بعد 40 مترًا، لكن إن زاد هذا المدى أكثر، فقد تصور الكاميرا أماكن أكثر.
يقول هيثم الحسنية أستاذ مساعد في قسم الهندسة الكهربائية وعلم الحاسوب في جامعة إلينوي، الذي لم يُشارك في إعداد هذا البحث: «سيفتح هذا الاختراع أبواب إجراء بحوث عديدة في مجال أجهزة إنترنت الأشياء منخفضة الطاقة، وأيضًا إجراء البحوث المتعلقة بدراسة ما يوجد في قاع البحار».