السينما الكوميدية بالمغرب مفارقة الأحداث الشعبية بين الهجائية والهزلية
كلما اقترب المخرج من المعيش اليومي كلما حقق نجاحا لدى الجمهور.
الجمعة 2024/05/17
ShareWhatsAppTwitterFacebook
الإضحاك والإقناع مهمة صعبة
في المغرب، تحقق بعض الأفلام الكوميدية نجاحا كبيرا بينما تفشل أخرى، وهو ما يثير التساؤل حول السر وراء ذلك، ونحن في هذا المقال نحاول الوقوف على أهم المشكلات التي يقع فيها المخرجون وتؤول إلى فشل أعمالهم وفي مقدمتها تبنيهم قضايا نظرية واستسهالهم مهاجمة السلطة، وهو ما يتجنبه مخرجون أذكياء موجهين عدستهم نحو الواقع الاجتماعي اليومي الذي يمنحهم النجاح.
الرباط - تهتم الأفلام السينمائية الكوميدية التي تستمد أحداثها من الثقافة والمجتمع المغربي بشكل خاص بتقديم صورة مرحة وممتعة عن الحياة اليومية والتحديات التي يواجهها الناس في المغرب، إذ تعتبر هذه الأفلام أداة ترفيهية قوية لا يقتصر دورها على الإضحاك والتسلية بل تتجاوز ذلك لتصبح وسيلة لفهم أعمق للثقافة والتقاليد المغربية والتعبير عن التحولات الاجتماعية والثقافية التي يمر بها المجتمع، حيث تعمل هذه الأفلام على استخدام الكوميديا لتسليط الضوء على قضايا مهمة وجوانب من الحياة التي يمكن أن تكون معقدة بطريقة خفيفة وممتعة.
لكل فيلم سينمائي كوميدي رؤيته، وفي كل كوميديا يوجد شيء من الحقيقة، غير أن هناك الكوميديا التي تمتاز عن غيرها، ليس فحسب بفضل السخرية من العادات والتقاليد والأفكار والأخلاق والمؤسسات الاجتماعية، وإنما بفضل الأسلوب الذي يتم به التهكم أو الاستهزاء، وهو أمر يتوقف على مدى استخدام دقة ما يريده الجمهور جملة وتفصيلا، وضبط أدوات البهجة الشعبية التي تمكن من متابعة سائر التفاصيل الكوميدية للمشهد الذي نشاهده، وهي تفاصيل يتداخل فيها الهجاء والهزل.
إن هذا التوصيف ينطبق إلى حد كبير على تلك الأفلام السينمائية الكوميدية التي يعشقها الجمهور المغربي، إذ إن الصلة الحميمة بين الكوميديا والمجتمع المغربي تظهر بوضوح، وتكشف عن نفسها عرضيا، فهي تكشف عن نفسها من خلال أساليب الضحك المختلفة والأحداث الشعبية، وهذا ما حاولت أن تظهره لنا العديد من الأفلام السينمائية، مثل فيلم "30 مليون" للمخرج ربيع سجيد، والذي يُعَدُّ سلسلة من المواقف الكوميدية التي تندرج ضمن إطار هزلي يتضمن الاستهزاء بالحياة من خلال ابتكار مواقف عبثية وشخصيات مبالغ فيها.
يدور الفيلم حول ثلاث شخصيات، سامي وزهير وهشام، الذين يتورطون في مواجهات مع الشرطة، حيث يُسجَن سامي، ويسعى الصديقان هشام وزهير لمساعدته عبر اللجوء إلى أمال وسارة والمحامية نسرين. تواجههم مشكلة توفير كفالة مالية قيمتها 30 مليون درهم لإطلاق سامي، يقرر الأصدقاء البحث عن مصادر لتوفير المبلغ المطلوب.
ويأتي فيلم "ضاضوس" للمخرج عبدالواحد مجاهد، والذي يندرج تحت فئة الكوميديا الهجائية، التي تُهاجَم الأفكار الجهنمية للفرد والجماعة بشكل خفيف الظل ومليء بالسخرية، إذ تعاني شخصية ضاضوس من اضطراب نفسي شديد، يجعله يمزج بين الماضي والحاضر، ثم يحاول العودة إلى ميدان الإجرام بهدف تحقيق العدالة هذه المرة. وعندما يخرج من السجن، يقرر العودة إلى النصب والاحتيال، ولكن بمشاريع أكبر وخطط مدروسة لتحقيق أهدافه، ولتحقيق ذلك يستعين بأربع نساء يعانين ظروفا قاسية، فيجندهن للعمل لصالحه ويبدأ في تنفيذ عمليات ابتزاز لمجموعة من الشخصيات المعروفة والغنية.
◙ الكوميديا الناجحة ليست تلك التي تسخر من الظروف السياسية وإنما تلك التي تنبع من الأحداث الشعبية نفسها
ويعتبر فيلم "ضاضوس" كوميديا شعبية لاقت استحسان الشعب المغربي وحققت أرباحا مهمة في شباك التذاكر. كذلك حقق فيلم "الحنش" للمخرج إدريس المريني استحسان الجمهور. الفيلم ينتقد الظواهر الاجتماعية بأسلوب كوميدي هزلي من خلال حكاية شاب عاطل عن العمل ينتحل صفة ضابط شرطة من أجل الكسب والانتقام من ماضي القهر الذي عاشته والدته بسبب تعسف رجال السلطة عليها. يسعى الفيلم إلى تسليط الضوء على مجموعة من المواضيع المرتبطة ببعض الظواهر الاجتماعية والحالات الإنسانية المرتبطة بعوالم العمل في سلك الشرطة.
هذه أمثلة فقط من الأفلام التي حققت أرباحا في شباك التذاكر المغربي، والسؤال الذي يجب أن يُطرح هنا هو: لماذا يحقق هذا النوع من الأفلام نجاحا بينما تفشل أخرى تماما؟
هذه المفارقة مهمة لكل من يدرس أساليب الضحك التي تثير فضول الجمهور المغربي، فصانعو الفكاهة عادة ما يستخدمون طرقا مجربة لاستحضار الضحك لدى الجماهير، والحقيقة أن هذه الطرق التقليدية لم تعد تثير ضحك الكثيرين إلا إذا استُخدمت بحرفية أكبر وكانت مدروسة بعناية في اختيار الكلمات وتوظيفها، وتعتمد بشكل كبير على عنصر المفاجأة، وهو العنصر المحوري في صناعة الفكاهة. هذه الطريقة التقليدية تعتمد على دراسة القضايا الشعبية بالأساس.
نذكر على سبيل المثال أفلام المخرج والممثل سعيد الناصري التي تعتبر أفلاما شعبية، أي من الشعب وإلى الشعب، حيث تجذب جمهورا كبيرا رغم الانتقادات التي تُوجه إليها، والمفيد في هذا النوع من الأفلام هو الإحساس بالانتعاش الذي تُحققه في القاعات السينمائية، فهي بعيدة عن الثرثرة واللغط الذي يحدثه النقاد.
وعلى الرغم من ذلك، يجب أن نفهم أن الكوميديا ليست مقتصرة على هذه الطريقة الواحدة، إذ يمكن استخدام أساليب أخرى بحرفية أكبر، وبتركيب أحداث وإشغال المشاهد وجعله دائما في حالة ترقب، وبتوجيهه لفهم السياق العام للأحداث الشعبية داخل المجتمع المغربي، حينها يمكن أن نخرج بنتائج مرضية.
وهناك كذلك المحاكاة الساخرة وهي الأعمال الكوميدية ذات المذاق السيئ التي يجد الجمهور صعوبة في تقرير ما إذا كان عليهم أن يهاجموها، أو الانصراف عنها أو الضحك عليها بشكل صاخب. نأخذ على سبيل المثال الأفلام السينمائية الأخيرة الموجودة حاليا بقاعات السينما، ففيلم "مروكية حارة" للمخرج هشام العسري، يتبع شخصية كاثي التي، بالتزامن مع عيد ميلادها الثلاثين، تكتشف أن الجميع في حياتها، سواءً والديها أو خطيبها أو مديرها بالعمل، عاملوها بطريقة سيئة للغاية، فتقرر التمرد وعدم الخضوع من جديد.
◙ الطرق التقليدية لم تعد تثير ضحك الكثيرين إلا إذا استُخدمت بحرفية أكبر وكانت مدروسة بعناية في اختيار الكلمات
هذا النوع من الكوميديا السوداء يدخل في إطار المحاكاة الساخرة أو الأعمال الكوميدية ذات المذاق السيئ التي يجد الجمهور صعوبة في تقرير ما إذا كان ينبغي عليهم أن ينتقدوها، أو الانصراف عنها أو الضحك عليها بصوت مرتفع، فهي تحمل اسمًا له شعبيته، ورغم ذلك لم ينجح الفيلم في شباك التذاكر.
أما فيلم "اللي وقع فمراكش يبق فمراكش" للمخرج سعيد خلاف، فهو يجمع بين الكوميديا الهجائية والهزل والمحاكاة الساخرة، إذ يتضمن أحداثا قد تقع لأي منا من خلال المواقف الحياتية التي يدخل فيها ما هو نفسي وما هو اجتماعي، ورغم ذلك لم يحقق نجاحا في شباك التذاكر كالأعمال الأولى التي ذكرناها.
إن القضايا النظرية التي يعتمدها البعض في الكتابة السينمائية الكوميدية يسقط عليها ما يسمى الكوميديا السوداء أو السخرية أو أيا كان اسمها، لا يمكن أن تحقق نجاحا في شباك التذاكر، عكس المخرج الذكي الذي يدرس القضايا التي تثير نوعا من الفرجة المرحة لشعب هزلي بطبعه، يحب المزح حتى في القضايا الجنائية، فأغلب القضايا المثارة في هذه الأفلام تهدف إلى التأكيد على البعد الكوميدي الاجتماعي، ومن ثم فإنها تقف في مواجهة القصف السياسي باسم الكوميديا التي تلاقي رواجا عند أصحاب النزعة السياسية.
الكوميديا الناجحة ليست تلك التي تسخر من الظروف السياسية في البلاد، وإنما تلك الكوميديا التي تنبع من الأحداث الشعبية نفسها، فأغلبية الشعب مشغول بقوته اليومي ولا يبالي بما يحدث في البرلمان وغيره، وهذا يعني حتى لو تطرق الفيلم السينمائي إلى هذا النوع من الكوميديا، ينفر منه الجمهور بطريقة أو بأخرى، عكس الكوميديا النابعة من المغامرات التي يعيشها الفرد داخل المجتمع المغربي فهي بعيدة عن الاحتكاكات السياسية.
إن الفن بصفة عامة يكون من أجل المجتمع، وهذا هو البعد الاجتماعي للكوميديا النابعة من الأحداث الشعبية سواء الهجائية أو الهزلية أو حتى الساخرة إذا سخرت من الشعب نفسه، إذ إن العمل الفكاهي بصفة عامة نوع من التحدي، ولا غرور في أننا لا نلتمس له العلل والأسباب، بل نوائم فحسب بينه وبين أنفسنا، ونحن في تفسيرنا له نستند إلى أهدافنا ومحاولاتنا الخاصة، ونبث فيه معاني تستمد أصولها من طرائفنا في الحياة، لذا فإن أي ضرب من الكوميديا يخلف لدى الشعب أثرا حقيقيا يصبح فنا حقيقيا إذا نبع من أصول الأحداث الشعبية المغربية.
ShareWhatsAppTwitterFacebook
عبدالرحيم الشافعي
كاتب مغربي
كلما اقترب المخرج من المعيش اليومي كلما حقق نجاحا لدى الجمهور.
الجمعة 2024/05/17
ShareWhatsAppTwitterFacebook
الإضحاك والإقناع مهمة صعبة
في المغرب، تحقق بعض الأفلام الكوميدية نجاحا كبيرا بينما تفشل أخرى، وهو ما يثير التساؤل حول السر وراء ذلك، ونحن في هذا المقال نحاول الوقوف على أهم المشكلات التي يقع فيها المخرجون وتؤول إلى فشل أعمالهم وفي مقدمتها تبنيهم قضايا نظرية واستسهالهم مهاجمة السلطة، وهو ما يتجنبه مخرجون أذكياء موجهين عدستهم نحو الواقع الاجتماعي اليومي الذي يمنحهم النجاح.
الرباط - تهتم الأفلام السينمائية الكوميدية التي تستمد أحداثها من الثقافة والمجتمع المغربي بشكل خاص بتقديم صورة مرحة وممتعة عن الحياة اليومية والتحديات التي يواجهها الناس في المغرب، إذ تعتبر هذه الأفلام أداة ترفيهية قوية لا يقتصر دورها على الإضحاك والتسلية بل تتجاوز ذلك لتصبح وسيلة لفهم أعمق للثقافة والتقاليد المغربية والتعبير عن التحولات الاجتماعية والثقافية التي يمر بها المجتمع، حيث تعمل هذه الأفلام على استخدام الكوميديا لتسليط الضوء على قضايا مهمة وجوانب من الحياة التي يمكن أن تكون معقدة بطريقة خفيفة وممتعة.
لكل فيلم سينمائي كوميدي رؤيته، وفي كل كوميديا يوجد شيء من الحقيقة، غير أن هناك الكوميديا التي تمتاز عن غيرها، ليس فحسب بفضل السخرية من العادات والتقاليد والأفكار والأخلاق والمؤسسات الاجتماعية، وإنما بفضل الأسلوب الذي يتم به التهكم أو الاستهزاء، وهو أمر يتوقف على مدى استخدام دقة ما يريده الجمهور جملة وتفصيلا، وضبط أدوات البهجة الشعبية التي تمكن من متابعة سائر التفاصيل الكوميدية للمشهد الذي نشاهده، وهي تفاصيل يتداخل فيها الهجاء والهزل.
إن هذا التوصيف ينطبق إلى حد كبير على تلك الأفلام السينمائية الكوميدية التي يعشقها الجمهور المغربي، إذ إن الصلة الحميمة بين الكوميديا والمجتمع المغربي تظهر بوضوح، وتكشف عن نفسها عرضيا، فهي تكشف عن نفسها من خلال أساليب الضحك المختلفة والأحداث الشعبية، وهذا ما حاولت أن تظهره لنا العديد من الأفلام السينمائية، مثل فيلم "30 مليون" للمخرج ربيع سجيد، والذي يُعَدُّ سلسلة من المواقف الكوميدية التي تندرج ضمن إطار هزلي يتضمن الاستهزاء بالحياة من خلال ابتكار مواقف عبثية وشخصيات مبالغ فيها.
يدور الفيلم حول ثلاث شخصيات، سامي وزهير وهشام، الذين يتورطون في مواجهات مع الشرطة، حيث يُسجَن سامي، ويسعى الصديقان هشام وزهير لمساعدته عبر اللجوء إلى أمال وسارة والمحامية نسرين. تواجههم مشكلة توفير كفالة مالية قيمتها 30 مليون درهم لإطلاق سامي، يقرر الأصدقاء البحث عن مصادر لتوفير المبلغ المطلوب.
ويأتي فيلم "ضاضوس" للمخرج عبدالواحد مجاهد، والذي يندرج تحت فئة الكوميديا الهجائية، التي تُهاجَم الأفكار الجهنمية للفرد والجماعة بشكل خفيف الظل ومليء بالسخرية، إذ تعاني شخصية ضاضوس من اضطراب نفسي شديد، يجعله يمزج بين الماضي والحاضر، ثم يحاول العودة إلى ميدان الإجرام بهدف تحقيق العدالة هذه المرة. وعندما يخرج من السجن، يقرر العودة إلى النصب والاحتيال، ولكن بمشاريع أكبر وخطط مدروسة لتحقيق أهدافه، ولتحقيق ذلك يستعين بأربع نساء يعانين ظروفا قاسية، فيجندهن للعمل لصالحه ويبدأ في تنفيذ عمليات ابتزاز لمجموعة من الشخصيات المعروفة والغنية.
◙ الكوميديا الناجحة ليست تلك التي تسخر من الظروف السياسية وإنما تلك التي تنبع من الأحداث الشعبية نفسها
ويعتبر فيلم "ضاضوس" كوميديا شعبية لاقت استحسان الشعب المغربي وحققت أرباحا مهمة في شباك التذاكر. كذلك حقق فيلم "الحنش" للمخرج إدريس المريني استحسان الجمهور. الفيلم ينتقد الظواهر الاجتماعية بأسلوب كوميدي هزلي من خلال حكاية شاب عاطل عن العمل ينتحل صفة ضابط شرطة من أجل الكسب والانتقام من ماضي القهر الذي عاشته والدته بسبب تعسف رجال السلطة عليها. يسعى الفيلم إلى تسليط الضوء على مجموعة من المواضيع المرتبطة ببعض الظواهر الاجتماعية والحالات الإنسانية المرتبطة بعوالم العمل في سلك الشرطة.
هذه أمثلة فقط من الأفلام التي حققت أرباحا في شباك التذاكر المغربي، والسؤال الذي يجب أن يُطرح هنا هو: لماذا يحقق هذا النوع من الأفلام نجاحا بينما تفشل أخرى تماما؟
هذه المفارقة مهمة لكل من يدرس أساليب الضحك التي تثير فضول الجمهور المغربي، فصانعو الفكاهة عادة ما يستخدمون طرقا مجربة لاستحضار الضحك لدى الجماهير، والحقيقة أن هذه الطرق التقليدية لم تعد تثير ضحك الكثيرين إلا إذا استُخدمت بحرفية أكبر وكانت مدروسة بعناية في اختيار الكلمات وتوظيفها، وتعتمد بشكل كبير على عنصر المفاجأة، وهو العنصر المحوري في صناعة الفكاهة. هذه الطريقة التقليدية تعتمد على دراسة القضايا الشعبية بالأساس.
نذكر على سبيل المثال أفلام المخرج والممثل سعيد الناصري التي تعتبر أفلاما شعبية، أي من الشعب وإلى الشعب، حيث تجذب جمهورا كبيرا رغم الانتقادات التي تُوجه إليها، والمفيد في هذا النوع من الأفلام هو الإحساس بالانتعاش الذي تُحققه في القاعات السينمائية، فهي بعيدة عن الثرثرة واللغط الذي يحدثه النقاد.
وعلى الرغم من ذلك، يجب أن نفهم أن الكوميديا ليست مقتصرة على هذه الطريقة الواحدة، إذ يمكن استخدام أساليب أخرى بحرفية أكبر، وبتركيب أحداث وإشغال المشاهد وجعله دائما في حالة ترقب، وبتوجيهه لفهم السياق العام للأحداث الشعبية داخل المجتمع المغربي، حينها يمكن أن نخرج بنتائج مرضية.
وهناك كذلك المحاكاة الساخرة وهي الأعمال الكوميدية ذات المذاق السيئ التي يجد الجمهور صعوبة في تقرير ما إذا كان عليهم أن يهاجموها، أو الانصراف عنها أو الضحك عليها بشكل صاخب. نأخذ على سبيل المثال الأفلام السينمائية الأخيرة الموجودة حاليا بقاعات السينما، ففيلم "مروكية حارة" للمخرج هشام العسري، يتبع شخصية كاثي التي، بالتزامن مع عيد ميلادها الثلاثين، تكتشف أن الجميع في حياتها، سواءً والديها أو خطيبها أو مديرها بالعمل، عاملوها بطريقة سيئة للغاية، فتقرر التمرد وعدم الخضوع من جديد.
◙ الطرق التقليدية لم تعد تثير ضحك الكثيرين إلا إذا استُخدمت بحرفية أكبر وكانت مدروسة بعناية في اختيار الكلمات
هذا النوع من الكوميديا السوداء يدخل في إطار المحاكاة الساخرة أو الأعمال الكوميدية ذات المذاق السيئ التي يجد الجمهور صعوبة في تقرير ما إذا كان ينبغي عليهم أن ينتقدوها، أو الانصراف عنها أو الضحك عليها بصوت مرتفع، فهي تحمل اسمًا له شعبيته، ورغم ذلك لم ينجح الفيلم في شباك التذاكر.
أما فيلم "اللي وقع فمراكش يبق فمراكش" للمخرج سعيد خلاف، فهو يجمع بين الكوميديا الهجائية والهزل والمحاكاة الساخرة، إذ يتضمن أحداثا قد تقع لأي منا من خلال المواقف الحياتية التي يدخل فيها ما هو نفسي وما هو اجتماعي، ورغم ذلك لم يحقق نجاحا في شباك التذاكر كالأعمال الأولى التي ذكرناها.
إن القضايا النظرية التي يعتمدها البعض في الكتابة السينمائية الكوميدية يسقط عليها ما يسمى الكوميديا السوداء أو السخرية أو أيا كان اسمها، لا يمكن أن تحقق نجاحا في شباك التذاكر، عكس المخرج الذكي الذي يدرس القضايا التي تثير نوعا من الفرجة المرحة لشعب هزلي بطبعه، يحب المزح حتى في القضايا الجنائية، فأغلب القضايا المثارة في هذه الأفلام تهدف إلى التأكيد على البعد الكوميدي الاجتماعي، ومن ثم فإنها تقف في مواجهة القصف السياسي باسم الكوميديا التي تلاقي رواجا عند أصحاب النزعة السياسية.
الكوميديا الناجحة ليست تلك التي تسخر من الظروف السياسية في البلاد، وإنما تلك الكوميديا التي تنبع من الأحداث الشعبية نفسها، فأغلبية الشعب مشغول بقوته اليومي ولا يبالي بما يحدث في البرلمان وغيره، وهذا يعني حتى لو تطرق الفيلم السينمائي إلى هذا النوع من الكوميديا، ينفر منه الجمهور بطريقة أو بأخرى، عكس الكوميديا النابعة من المغامرات التي يعيشها الفرد داخل المجتمع المغربي فهي بعيدة عن الاحتكاكات السياسية.
إن الفن بصفة عامة يكون من أجل المجتمع، وهذا هو البعد الاجتماعي للكوميديا النابعة من الأحداث الشعبية سواء الهجائية أو الهزلية أو حتى الساخرة إذا سخرت من الشعب نفسه، إذ إن العمل الفكاهي بصفة عامة نوع من التحدي، ولا غرور في أننا لا نلتمس له العلل والأسباب، بل نوائم فحسب بينه وبين أنفسنا، ونحن في تفسيرنا له نستند إلى أهدافنا ومحاولاتنا الخاصة، ونبث فيه معاني تستمد أصولها من طرائفنا في الحياة، لذا فإن أي ضرب من الكوميديا يخلف لدى الشعب أثرا حقيقيا يصبح فنا حقيقيا إذا نبع من أصول الأحداث الشعبية المغربية.
ShareWhatsAppTwitterFacebook
عبدالرحيم الشافعي
كاتب مغربي