التنوّع الثقافي في الإمارات يخلق حركة فنية مختلفة
ضحى حمدان الغريبي: تعدد الثقافات أثرى تجارب الفنانين الإماراتيين.
الخميس 2024/05/16
ShareWhatsAppTwitterFacebook
تطور الحركة التشكيلية (لوحة للفنانة خلود الجابري)
يبقى الفن المعاصر مساحة هامة للانفتاح على الآخر وترسيخ التعايش وتلاقح الثقافات، حيث لم يعد الفن جزرا منعزلة عن بعضها البعض بل حركات متشابكة تعكس التشابك الثقافي الحاصل، وهذا ما نجده في تجارب الفنانين الإماراتيين اليوم، الذين انعكست حالة الانفتاح التي تعيشها بلادهم على منجزهم الفني.
في كتابها “التنوّع الثقافي في مشهد الفن الإماراتي المعاصر” تؤكد الأكاديمية وضحى حمدان الغريبي أن مفاهيم الفن الإماراتي المعاصر تغيّرت نتيجة الاحتكاك بحركة الفن العالمي. وأن الفن الإماراتي المعاصر يستقي مواضيعه من الثقافة العامة للمجتمع، وأنه متنوع ومتطور بتطوّر تلك الثقافة، وأنه يكاد يكون أكثر الفنون استفادة من الانفتاح الذي تعيشه دولة الإمارات، ما أدى إلى وجود أنواع جديدة من الفنون التي تحمل صفات العصر الحالي بأشكاله الاجتماعية والفنية.
وتدلنا “الغريبي”عبر صفحات كتابها الصادر عن دائرة الثقافة بالشارقة على أن المقومات الاجتماعية والسياسية والعلمية تغيّرت، وأصبح المجتمع متنوعا ثقافيا نتيجة عصر العولمة والتطور التكنولوجي، ما ساعد على تطور فكر الفن المعاصر وظهور اتجاهات فكرية وفنية معاصرة مستمدة من الحياة العصرية، وأن إحدى نتائج هذا التطور هي تغير أساليب الفنان ومفاهيمه وطرق تناوله للموضوعات والأفكار الفنية، وذلك نتيجة للحرية التي اكتسبها والنقلة الكبيرة في الإمكانات والتكنولوجيا والوسائط المتعددة، والتي ساعدت على تعدّد الأساليب والاتجاهات الفنية للفنان الإماراتي، مع تمسكه بهويته الإماراتية، حيث انعكس كل ذلك على إنتاجه الفني وجعله يحمل هذه الثروة الثقافية والفنية للعالم.
التطور الفني
وضحى حمدان الغريبي: البيئة الإماراتية توفر ظروفا جيدة لصناعة تعايش وتبادل ثقافي فني مثمر
ترى الغريبي في كتابها الذي قسّمته إلى أربعة فصول أن البيئة الإماراتية توفر ظروفا جيدة لصناعة تعايش وتبادل ثقافي فني مثمر، وأن ذلك واضح بشكل خاص على مستوى الفنون، نظرا إلى اعتماد الفنون على التلقي البصري، وأن الفنان الذي يعيش في الإمارات لا بد أن تتسع الرؤية البصرية لديه وتتسرب عناصر من ثقافات أخرى إلى أعماله، وأنه عند مشاهدة لوحة فنية تستطيع أن تحدد خلفياتها، والبيئة التي جاءت منها.
وتبين أن لوحة الفنان الإماراتي سيكون فيها أثر البيئة الإماراتية ببحرها وأفقها الصحراوي الواسع، وسمائها العريضة ولوحة الفنان الأجنبي وخاصة في البلاد غير المشمسة تميل الأعمال فيها إلى الألوان الداكنة والرماديات غير متوهجة بضوء الشمس، بالإضافة إلى ميلها إلى الاتجاهات الفنية المختلفة التي ظهرت بأوروبا، وأنه مع الوقت انطبعت تلك الأشكال والعناصر المختلفة في ذهن الفنان الإماراتي وتعطي خيارات لا متناهية لتطعيم أعماله بعناصر من تلك البيئات المختلفة مع الحفاظ على الإيقاع الخاص الذي تولد من بيئته.
وتوضح الباحثة أن الحركة التشكيلية الإماراتية استفادت على وجه الخصوص من هذا التنوع، وأن الكثير من الفنانين الإماراتيين انخرطوا في الحداثة الفنية، وانطلقوا في تجارب عالمية، ما يؤكد -حسب قولها- على أهمية التنوع الثقافي كمصدر مهم من المصادر المؤثرة في الكثير من رؤى وتجارب ونتاجات الحوار الثقافي بينه وبين الثقافات المختلفة التي تأثر بها الفنانون الإماراتيون المعاصرون.
وتتناول فصول وصفحات كتاب “التنوّع الثقافي في مشهد الفن الإماراتي المعاصر” جملة من التحولات في أنساق الفن المعاصر بدولة الإمارات العربية المتحدة من خلال العديد من العوامل الفكرية والفلسفية والصناعية والتكنولوجية، والتي كان لها أثر كبير انعكس على أعمال الفنانين الإماراتيين المعاصرين، وكيف تأثر الطابع الفني العام لبنية الفن المعاصر بعدة اتجاهات فنية مختلفة، ارتبطت بمتغيرات داخلية وخارجية دخيلة عليه، وبالتالي أثرت على أنساق الفن في دولة الإمارات وتحولاته.
وبحسب الكتاب فإن التنوع الثقافي كان له أثره في تشكيل بعض المفاهيم الفنية الجمالية للفن المعاصر بدولة الإمارات.
ونتعرف من خلال صفحات وفصول الكتاب على أن تاريخ الفن التشكيلي سابقا في الإمارات كان مقتصرا في الغالب على اللوحة ذات الموضوع والأسلوب الواقعي، فالموضوعات كانت في أغلبها مستوحاة من التراث أو مفردات من البيئة والحياة المحلية، وكان الأسلوب الغالب في الرسم هو الأسلوب الواقعي الذي يجسد الموضوع بصريا لكي يتم قبوله من المشاهدين.
المجتمع الإماراتي أصبح متنوعا ثقافيا نتيجة عصر العولمة والتطور التكنولوجي، ما ساعد على تطور فكر الفن المعاصر
ووفقا للكتاب، فإنه بموازاة كل ذلك بدأت دولة الإمارات منذ بداية السبعينات في إرسال أبنائها للدراسة الأكاديمية في الخارج، فبادر الكثير من هواة الفن التشكيلي الإماراتي إلى التسجيل في كليات الفنون الجميلة في الكثير من بلدان العالم، لكي يحصلوا على الاحتراف الفني بدرجة علمية.
وتذكر على سبيل المثال لا الحصر كيف درس في العراق كل من الفنان إبراهيم مصطفى والفنانة فاطمة لوتاه، وفي مصر أغلب الفنانين الأكاديميين الإماراتيين، منهم عبيد الهاجري وعبدالرحمن زينل وحمد السويدي ومحمد يوسف وعبدالرحيم سالم ونجاة مكي وعبيد سرور ومنى الحاجة وغيرهم، كما درس الفنان حسن شريف في بريطانيا.
واليوم، حسب المؤلفة، تشهد دولة الإمارات مسيرة تنمية شاملة والواقع يشهد على احتلال الثقافة والفنون موقع الصدارة في تلك التنمية، ودللت المؤلفة على ذلك بالمشاريع الثقافية والفنية العملاقة التي يعلن عنها بين الحين والآخر، وكذلك المتاحف والمسارح والمعارض والصالات الفنية الأخرى العديدة المفعمة بالنشاطات الفنية المختلفة.
واعتبرت مؤلفة الكتاب أن دولة الإمارات تُعد بلدا نموذجيا في التعايش الثقافي والمعرفي المتوازن بين المواطنين والمقيمين على أرضها، في مناخ من الانفتاح على الثقافات الإنسانية ببعديها المعاصر والتراثي، وأن هذه الحالة الثقافية الاستثنائية عكست مدى خصوبة وتنوع الساحة الثقافية الإماراتية، وبحكم تواجد ثقافات من الغرب وأخرى من الشرق والشمال والجنوب على أرض لها تاريخها الثقافي والتراثي ذو المرجعيات العربية والإسلامية التي تمجّد العدل والتسامح والجمال، وتعكس هذه الثقافات المختلفة وخاصة الأجنبية منها تعددا في الخبرة الفنية، وتعددا في الأفكار المفاهيمية التي لا تنضب، والتي تعكس رؤى حديثة جاءت من واقع فكري لثقافات شعوب استوطنت دولة الإمارات.
التعايش الثقافي والمعرفي المتوازن بين المواطنين والمقيمين
التعايش والانفتاح
تتنقّل بنا الغريبي، عبر صفحات كتابها “التنوّع الثقافي في مشهد الفن الإماراتي المعاصر”، بين أبرز المحطات في تاريخ الفنون، وكيف نشأ الفن مع الإنسان منذ أقدم عصوره ولازم صراعه مع الحياة من حوله وكأنه ممثل لوجوده الحيوي، ولحضارته التي أصبح مقياسا لازدهارها.
وتقول الغريبي إنه بقدر ما نسلم بأثر المجتمع على الفن فإننا لا نستطيع أن نغفل دور الفن أو أثره، من خلال مظاهره المتعددة من مسرح وسينما وفن تشكيلي وشعر وأدب، على أفراد المجتمع كذلك. والحقيقة التي لا مراء فيها -بحسب المؤلفة- أن العمل الفني بجميع مظاهره إنما يعبر عن روح وثقافة وحضارة المجتمع، في أي زمان ومكان، وأن الفنان يُمثل جزءا لا يتجزأ من أبناء المجتمع الذين يعبرون فنيا عن آماله وأحلامه ومن ثم فإنه لا يمكن لنا أن نعزله هو أو عمله عن واقعه الحيوي.
وشدّدت المؤلفة على أن البيئة والإنسان والموهبة هم الثالوث الذي يتشكل فيه الفن مهما قيل عن حرية الفنان والفن.
وتوضح لنا مؤلفة الكتاب أن الفنون الإنسانية بوجه عام والفنون التشكيلية بوجه الخصوص ارتبطت بمرجعيات وسياقات معرفية تكتشف هويتها المحلية إزاء الحضارة التي نشأت في كنفها، وتعد بمثابة الجذور لها، والفن بوصفه تجربة خلاقة، وضرورة من ضرورات النفس الإنسانية في حوارها المعرفي والوجداني مع الوجود قد استوعب كل صور الوجود بأبعاده الروحية والمادية، وحظي بتفرد وحرية في الرؤية الخاصة بالفنان.
وتنوّه إلى أن العصر الحديث شهد تغيرا في الرؤية الفنية للمفاهيم والفلسفات، وذلك لأن الفكر الفلسفي الحديث سعى إلى التحرر من قيود القيم المطلقة التي اعتبرت حقائق جوهرية ثابتة على مدى قرون من مسيرة تاريخ الحضارة البشرية، إذ يعد القرن العشرون ومنذ بدايته مرحلة متغيرات لكم هائل من التحولات على مستوى الأفكار والنظريات والمفاهيم، التي شكلت تغيرا للفلسفات والنظريات السابقة.
التشكيل الإماراتي يستقي مواضيعه من الثقافة العامة للمجتمع
وتلفت إلى أن مفهوم الجمال اختلف عبر العصور، مرتبطا بطبيعة الظروف المحيطة والأطروحات الفكرية والفلسفية السائدة، ما جعل من تلك الأطروحات مرجعيات للمفاهيم الجمالية وتجلياتها الفنية من خلال مجالات الفنون المختلفة ومناهجها وأساليبها المتنوعة، وأن اهتمام الفنان المتزايد بتجاربه اللاشعورية والتعبيرية أدى دائما إلى استنباط أساليب ومفاهيم وإشكاليات فنية جديدة.
وبحسب دراسة أوردها الكتاب، فإن وجود نحو أكثر من 200 جنسية تنتمي إلى ثقافات متعددة وحضارات مختلفة يعتبر عنصر ثراء وتنوع في دولة الإمارات التي آلت منذ البداية إلى الانفتاح على الآخر وزرع ثقافة التعايش والتسامح بين المواطنين والقاطنين على أرضها. وتشير المؤلفة إلى أن وجود هذا الكم من الثقافات يضفي على المشهد الإماراتي حالة خاصة، وإضافة نوعية دفعت الفنانين الإماراتيين إلى الاطلاع على تجارب الآخرين والتواصل معهم. كما يتيح هذا الحضور اللافت للثقافات المتعددة فرصة للتحاور والتبادل الثقافي والحضاري بين الشعوب، وفرصة لانتقال التجارب والخبرات. وما يميز الإمارات هو هذا الانفتاح المهم على ثقافة الآخرين، وتشبع أبنائها من خلال السفر والجاليات الموجودة داخل الدولة، وحدوث التطور الفني الكبير عبْر تلك العوامل متعددة الثقافات.
وتبيّن الغريبي في كتابها أن دولة الإمارات العربية المتحدة سعت منذ قيام الاتحاد إلى إنشاء وتكوين مؤسسات أهلية تعنى بتنظيم وتفعيل دور الجاليات الموجودة على أرض الإمارات للتعبير عن ثقافاتها، وإيجاد خطاب مشترك مع المواطنين في الدولة، كالمركز الثقافي العربي والجمعية الهندية والنادي الثقافي الإيراني وغيرها، وأن هذا الكم من الجاليات، بخلفياتها الثقافية المتعددة وأنشطتها الثريّة وبالتعايش السلمي بينها، انعكس بشكل مباشر على الفنان الإماراتي المعاصر وجعل عقليته متفتحة بتقبل الآخر، وأن هذا أعطى صورة جديدة للفن المعاصر في دولة الإمارات.
ShareWhatsAppTwitterFacebook
حجاج سلامة
كاتب مصري
ضحى حمدان الغريبي: تعدد الثقافات أثرى تجارب الفنانين الإماراتيين.
الخميس 2024/05/16
ShareWhatsAppTwitterFacebook
تطور الحركة التشكيلية (لوحة للفنانة خلود الجابري)
يبقى الفن المعاصر مساحة هامة للانفتاح على الآخر وترسيخ التعايش وتلاقح الثقافات، حيث لم يعد الفن جزرا منعزلة عن بعضها البعض بل حركات متشابكة تعكس التشابك الثقافي الحاصل، وهذا ما نجده في تجارب الفنانين الإماراتيين اليوم، الذين انعكست حالة الانفتاح التي تعيشها بلادهم على منجزهم الفني.
في كتابها “التنوّع الثقافي في مشهد الفن الإماراتي المعاصر” تؤكد الأكاديمية وضحى حمدان الغريبي أن مفاهيم الفن الإماراتي المعاصر تغيّرت نتيجة الاحتكاك بحركة الفن العالمي. وأن الفن الإماراتي المعاصر يستقي مواضيعه من الثقافة العامة للمجتمع، وأنه متنوع ومتطور بتطوّر تلك الثقافة، وأنه يكاد يكون أكثر الفنون استفادة من الانفتاح الذي تعيشه دولة الإمارات، ما أدى إلى وجود أنواع جديدة من الفنون التي تحمل صفات العصر الحالي بأشكاله الاجتماعية والفنية.
وتدلنا “الغريبي”عبر صفحات كتابها الصادر عن دائرة الثقافة بالشارقة على أن المقومات الاجتماعية والسياسية والعلمية تغيّرت، وأصبح المجتمع متنوعا ثقافيا نتيجة عصر العولمة والتطور التكنولوجي، ما ساعد على تطور فكر الفن المعاصر وظهور اتجاهات فكرية وفنية معاصرة مستمدة من الحياة العصرية، وأن إحدى نتائج هذا التطور هي تغير أساليب الفنان ومفاهيمه وطرق تناوله للموضوعات والأفكار الفنية، وذلك نتيجة للحرية التي اكتسبها والنقلة الكبيرة في الإمكانات والتكنولوجيا والوسائط المتعددة، والتي ساعدت على تعدّد الأساليب والاتجاهات الفنية للفنان الإماراتي، مع تمسكه بهويته الإماراتية، حيث انعكس كل ذلك على إنتاجه الفني وجعله يحمل هذه الثروة الثقافية والفنية للعالم.
التطور الفني
وضحى حمدان الغريبي: البيئة الإماراتية توفر ظروفا جيدة لصناعة تعايش وتبادل ثقافي فني مثمر
ترى الغريبي في كتابها الذي قسّمته إلى أربعة فصول أن البيئة الإماراتية توفر ظروفا جيدة لصناعة تعايش وتبادل ثقافي فني مثمر، وأن ذلك واضح بشكل خاص على مستوى الفنون، نظرا إلى اعتماد الفنون على التلقي البصري، وأن الفنان الذي يعيش في الإمارات لا بد أن تتسع الرؤية البصرية لديه وتتسرب عناصر من ثقافات أخرى إلى أعماله، وأنه عند مشاهدة لوحة فنية تستطيع أن تحدد خلفياتها، والبيئة التي جاءت منها.
وتبين أن لوحة الفنان الإماراتي سيكون فيها أثر البيئة الإماراتية ببحرها وأفقها الصحراوي الواسع، وسمائها العريضة ولوحة الفنان الأجنبي وخاصة في البلاد غير المشمسة تميل الأعمال فيها إلى الألوان الداكنة والرماديات غير متوهجة بضوء الشمس، بالإضافة إلى ميلها إلى الاتجاهات الفنية المختلفة التي ظهرت بأوروبا، وأنه مع الوقت انطبعت تلك الأشكال والعناصر المختلفة في ذهن الفنان الإماراتي وتعطي خيارات لا متناهية لتطعيم أعماله بعناصر من تلك البيئات المختلفة مع الحفاظ على الإيقاع الخاص الذي تولد من بيئته.
وتوضح الباحثة أن الحركة التشكيلية الإماراتية استفادت على وجه الخصوص من هذا التنوع، وأن الكثير من الفنانين الإماراتيين انخرطوا في الحداثة الفنية، وانطلقوا في تجارب عالمية، ما يؤكد -حسب قولها- على أهمية التنوع الثقافي كمصدر مهم من المصادر المؤثرة في الكثير من رؤى وتجارب ونتاجات الحوار الثقافي بينه وبين الثقافات المختلفة التي تأثر بها الفنانون الإماراتيون المعاصرون.
وتتناول فصول وصفحات كتاب “التنوّع الثقافي في مشهد الفن الإماراتي المعاصر” جملة من التحولات في أنساق الفن المعاصر بدولة الإمارات العربية المتحدة من خلال العديد من العوامل الفكرية والفلسفية والصناعية والتكنولوجية، والتي كان لها أثر كبير انعكس على أعمال الفنانين الإماراتيين المعاصرين، وكيف تأثر الطابع الفني العام لبنية الفن المعاصر بعدة اتجاهات فنية مختلفة، ارتبطت بمتغيرات داخلية وخارجية دخيلة عليه، وبالتالي أثرت على أنساق الفن في دولة الإمارات وتحولاته.
وبحسب الكتاب فإن التنوع الثقافي كان له أثره في تشكيل بعض المفاهيم الفنية الجمالية للفن المعاصر بدولة الإمارات.
ونتعرف من خلال صفحات وفصول الكتاب على أن تاريخ الفن التشكيلي سابقا في الإمارات كان مقتصرا في الغالب على اللوحة ذات الموضوع والأسلوب الواقعي، فالموضوعات كانت في أغلبها مستوحاة من التراث أو مفردات من البيئة والحياة المحلية، وكان الأسلوب الغالب في الرسم هو الأسلوب الواقعي الذي يجسد الموضوع بصريا لكي يتم قبوله من المشاهدين.
المجتمع الإماراتي أصبح متنوعا ثقافيا نتيجة عصر العولمة والتطور التكنولوجي، ما ساعد على تطور فكر الفن المعاصر
ووفقا للكتاب، فإنه بموازاة كل ذلك بدأت دولة الإمارات منذ بداية السبعينات في إرسال أبنائها للدراسة الأكاديمية في الخارج، فبادر الكثير من هواة الفن التشكيلي الإماراتي إلى التسجيل في كليات الفنون الجميلة في الكثير من بلدان العالم، لكي يحصلوا على الاحتراف الفني بدرجة علمية.
وتذكر على سبيل المثال لا الحصر كيف درس في العراق كل من الفنان إبراهيم مصطفى والفنانة فاطمة لوتاه، وفي مصر أغلب الفنانين الأكاديميين الإماراتيين، منهم عبيد الهاجري وعبدالرحمن زينل وحمد السويدي ومحمد يوسف وعبدالرحيم سالم ونجاة مكي وعبيد سرور ومنى الحاجة وغيرهم، كما درس الفنان حسن شريف في بريطانيا.
واليوم، حسب المؤلفة، تشهد دولة الإمارات مسيرة تنمية شاملة والواقع يشهد على احتلال الثقافة والفنون موقع الصدارة في تلك التنمية، ودللت المؤلفة على ذلك بالمشاريع الثقافية والفنية العملاقة التي يعلن عنها بين الحين والآخر، وكذلك المتاحف والمسارح والمعارض والصالات الفنية الأخرى العديدة المفعمة بالنشاطات الفنية المختلفة.
واعتبرت مؤلفة الكتاب أن دولة الإمارات تُعد بلدا نموذجيا في التعايش الثقافي والمعرفي المتوازن بين المواطنين والمقيمين على أرضها، في مناخ من الانفتاح على الثقافات الإنسانية ببعديها المعاصر والتراثي، وأن هذه الحالة الثقافية الاستثنائية عكست مدى خصوبة وتنوع الساحة الثقافية الإماراتية، وبحكم تواجد ثقافات من الغرب وأخرى من الشرق والشمال والجنوب على أرض لها تاريخها الثقافي والتراثي ذو المرجعيات العربية والإسلامية التي تمجّد العدل والتسامح والجمال، وتعكس هذه الثقافات المختلفة وخاصة الأجنبية منها تعددا في الخبرة الفنية، وتعددا في الأفكار المفاهيمية التي لا تنضب، والتي تعكس رؤى حديثة جاءت من واقع فكري لثقافات شعوب استوطنت دولة الإمارات.
التعايش الثقافي والمعرفي المتوازن بين المواطنين والمقيمين
التعايش والانفتاح
تتنقّل بنا الغريبي، عبر صفحات كتابها “التنوّع الثقافي في مشهد الفن الإماراتي المعاصر”، بين أبرز المحطات في تاريخ الفنون، وكيف نشأ الفن مع الإنسان منذ أقدم عصوره ولازم صراعه مع الحياة من حوله وكأنه ممثل لوجوده الحيوي، ولحضارته التي أصبح مقياسا لازدهارها.
وتقول الغريبي إنه بقدر ما نسلم بأثر المجتمع على الفن فإننا لا نستطيع أن نغفل دور الفن أو أثره، من خلال مظاهره المتعددة من مسرح وسينما وفن تشكيلي وشعر وأدب، على أفراد المجتمع كذلك. والحقيقة التي لا مراء فيها -بحسب المؤلفة- أن العمل الفني بجميع مظاهره إنما يعبر عن روح وثقافة وحضارة المجتمع، في أي زمان ومكان، وأن الفنان يُمثل جزءا لا يتجزأ من أبناء المجتمع الذين يعبرون فنيا عن آماله وأحلامه ومن ثم فإنه لا يمكن لنا أن نعزله هو أو عمله عن واقعه الحيوي.
وشدّدت المؤلفة على أن البيئة والإنسان والموهبة هم الثالوث الذي يتشكل فيه الفن مهما قيل عن حرية الفنان والفن.
وتوضح لنا مؤلفة الكتاب أن الفنون الإنسانية بوجه عام والفنون التشكيلية بوجه الخصوص ارتبطت بمرجعيات وسياقات معرفية تكتشف هويتها المحلية إزاء الحضارة التي نشأت في كنفها، وتعد بمثابة الجذور لها، والفن بوصفه تجربة خلاقة، وضرورة من ضرورات النفس الإنسانية في حوارها المعرفي والوجداني مع الوجود قد استوعب كل صور الوجود بأبعاده الروحية والمادية، وحظي بتفرد وحرية في الرؤية الخاصة بالفنان.
وتنوّه إلى أن العصر الحديث شهد تغيرا في الرؤية الفنية للمفاهيم والفلسفات، وذلك لأن الفكر الفلسفي الحديث سعى إلى التحرر من قيود القيم المطلقة التي اعتبرت حقائق جوهرية ثابتة على مدى قرون من مسيرة تاريخ الحضارة البشرية، إذ يعد القرن العشرون ومنذ بدايته مرحلة متغيرات لكم هائل من التحولات على مستوى الأفكار والنظريات والمفاهيم، التي شكلت تغيرا للفلسفات والنظريات السابقة.
التشكيل الإماراتي يستقي مواضيعه من الثقافة العامة للمجتمع
وتلفت إلى أن مفهوم الجمال اختلف عبر العصور، مرتبطا بطبيعة الظروف المحيطة والأطروحات الفكرية والفلسفية السائدة، ما جعل من تلك الأطروحات مرجعيات للمفاهيم الجمالية وتجلياتها الفنية من خلال مجالات الفنون المختلفة ومناهجها وأساليبها المتنوعة، وأن اهتمام الفنان المتزايد بتجاربه اللاشعورية والتعبيرية أدى دائما إلى استنباط أساليب ومفاهيم وإشكاليات فنية جديدة.
وبحسب دراسة أوردها الكتاب، فإن وجود نحو أكثر من 200 جنسية تنتمي إلى ثقافات متعددة وحضارات مختلفة يعتبر عنصر ثراء وتنوع في دولة الإمارات التي آلت منذ البداية إلى الانفتاح على الآخر وزرع ثقافة التعايش والتسامح بين المواطنين والقاطنين على أرضها. وتشير المؤلفة إلى أن وجود هذا الكم من الثقافات يضفي على المشهد الإماراتي حالة خاصة، وإضافة نوعية دفعت الفنانين الإماراتيين إلى الاطلاع على تجارب الآخرين والتواصل معهم. كما يتيح هذا الحضور اللافت للثقافات المتعددة فرصة للتحاور والتبادل الثقافي والحضاري بين الشعوب، وفرصة لانتقال التجارب والخبرات. وما يميز الإمارات هو هذا الانفتاح المهم على ثقافة الآخرين، وتشبع أبنائها من خلال السفر والجاليات الموجودة داخل الدولة، وحدوث التطور الفني الكبير عبْر تلك العوامل متعددة الثقافات.
وتبيّن الغريبي في كتابها أن دولة الإمارات العربية المتحدة سعت منذ قيام الاتحاد إلى إنشاء وتكوين مؤسسات أهلية تعنى بتنظيم وتفعيل دور الجاليات الموجودة على أرض الإمارات للتعبير عن ثقافاتها، وإيجاد خطاب مشترك مع المواطنين في الدولة، كالمركز الثقافي العربي والجمعية الهندية والنادي الثقافي الإيراني وغيرها، وأن هذا الكم من الجاليات، بخلفياتها الثقافية المتعددة وأنشطتها الثريّة وبالتعايش السلمي بينها، انعكس بشكل مباشر على الفنان الإماراتي المعاصر وجعل عقليته متفتحة بتقبل الآخر، وأن هذا أعطى صورة جديدة للفن المعاصر في دولة الإمارات.
ShareWhatsAppTwitterFacebook
حجاج سلامة
كاتب مصري