
عمران عبد الله

وحتى لا نطيل عليك -عزيزي القارئ- نورد لك هنا ما قدم به الشدياق كتابه للقارئ شعرا، فقال:
هذا كتابي للظريف ظريفا * * طَلِقَ اللسان وللسخيف سخيفا
أودعته كلما وألفاظًا حلت * * وحشوتهُ نقطاً زهت وحروفا
وبداهةً وفكاهة ونزاهة * * وخلاعة وقناعة وعُزوفا
كالجسم فيه غيرُ عضوٍ تعشق * * المستور منه وتحمد المكشوفا
فصَّلته لكن على عقلي فما * * مقياس عقلك كان لي معروفا
قعّرته بمحافر الأفكار كي * * يسع الكلام وسمته تجويفا
لفقّته وخصفته بيدي فقل * * نِعمَ الكتابُ ملفقًا مخصوفا
أفرغت فيه كل حبرٍ راقَه * * وله بريت من اليراع ألوفا
وكأنما بيدي قد نمقته * * حتى أتى مستحكمًا مرصوفا
ألّفته والليل أسود حالك * * فلذاك جاء مسخمًا مسجوفا
تبلته لك دون طاهي القوم بالرّب * * لات في تزيل منك خُلوفا
وتصخ ما بك من طُلاطلة ومن * * ضرَسٍ فتلقم بعد ذاك الفوفا
يُغنيك عن مين الطبيب وسحله * * ما من جراه تخازم الحتروفا
قد أنبتت غضراء أرض سطوره * * روضًا وجنَّات تروق وريفا
فتشمّ منها عرف كل ربحلة * * دهساء يفتن حسنها الغطريفا
وترى الملعظة الشناط بجبها * * والفارض القرطاس والسرعوفا
ووراءها وأمامها مرمورة * * وغرانق ما أن تزال أنوفا
وإذا بدت لك من خلال حروفه * * ردح وثائر فاخطبنَّ رشوفا
فإذا عجزت عن المؤونة واستقلت * * وجدت في أعقابهن الهيفا
فاختر هداك الله ما تهوى ولا * * تتراخ عن أن تدرك الحرنوفا
غيري من الوصَّاف في ذا صنفوا * * لكنهم لم يحسنوا التصنيفا
إذ كان ما قالوه مبذولاً ولم * * يتقصَّ منهم واصف موصوفا
لكن كتابي أو أنا بخلاف ذا * * نكفي الحفيَّ الحدّ والتعريفا
لا عيب فينا غير أنك لا ترى * * ضواً لنا في فننا وحريفا
فهو اليتيم المستحيل إخاؤه * * وهو الفريد فكن عليه عطوفا
الفضل لي ولصاحب القاموس إذ * * من لجه قولي غداً مغروفا
حلبت به رأسي خلافاً للنسا * * عاماً وكل العام كان خريفا
لكن تولد في ثلاثة أشهر * * وحبا على عجل وشب لطيفا
لم أدرِ رجلته أو مخطته أو * * بصقته أو ألقته ثم كنيفا
عانيت فيه من الزجير أجازك * * المولى عناء لا يُكال جزيفا
وقطعت سرته على أهل الحجى * * وعلى اسمهم لا يبرحن موقوفا
ما كان من ظئر له عندي سوى * * فكري ومع ذا خلته مسروفا
قدماً عليه توحمت نفسي ولم * * يك شوقها عن نحوه مصروفا
ورشحتُ لذَّات قبيل نتاجه * * حتى إذا باشرت عدت نشوفا
أولدت لي ولدين لا لك ثم ذا * * لك ثالثاً لا لي فَعُلْهُ القوفا
عهدي إلى ولديَّ أن يتحدَّيا * * أسلوبه وبدفتيه يطيفا
ليؤمناه من الحريق احتمي * * أحد عليه لكونه حريفا
إني بريء منهما أن يعدلا * * عنه ويتحذا عليه حليفا
من كان يرغب فيه فهو موفق * * أو لا فقد ضلَّ السبيل وايفا
في الليل يسمع منه غطغطة * * يطيب نعاسه بدوامها وحجيفا
ولرُبَّ نور ساطع يغدو إذا * * قابلته يوماً به مكسوفا
وكبير بطن ضاق عنه وفاتك * * ذي شِرَّة عنه يخيم ضعيفا
كالزئبق الفرار ينظره ولا * * يستطيع يمسك من قفاه صوفا
يهوي هويَّ الريح في الوادي إذا * * ما هيج ثم يسنم الشنعوفا
هو خير داحٍ للذي لم يرض من * * لعب الزمان ولهوه خذروفا
أن تتله يطربك حسن بُغامه * * أو تُلغه يسمعك منه عزيفا
فيه ترى في لبرد مشتى ثم أن * * ثارت خجوجاة السهام مصيفا
وإذا ثقلت من الطعام وغيره * * تلقى به من ثقلة تخفيفا
وإذا اتخذت حديقة فاغرس بها * * منه كليمات تزدك قطوفا
تغنيك عن نصب الخيال بها فلو * * أضحى شظاظاً لصحها لا خيفا
إني ضمنت لك الفدور فما ترى * * من بعده عزهاً ولا منجوفا
كلا ولا مستثقلاً نوماً ولا * * أرقاً ولا تشكو صدى وعجوفا
لا تقدمن على ركوب الصعب إن * * لم تتخذه صاحبًا ورديفا
حتى إذا تُعتعت أصبح عاصمًا * * لك أن تزل فتخطى الخرنوفا
إني لا علم والسداد يدلني * * إن الجناب يرى الأبيل مخيفا
فاخفه أنت بكل حرف باتر * * قد خط فيه يكفّ عنك كفيفا
هو حصرم في طرف من يغتابه * * ما زال أن ذكر اسمه مطروفا
وهو الحديد القاطع الماضي الذي * * يبري العظام ويحسم الشرسوفا
إن شئت تلبسه على علاته * * فاهنأ به أو لا فدعه نظيفا
ولقد أجزتك سفه أو لعقه * * أو أن تخف قيئاً فخذه مدوفا
لكن حذار من الزيادة فيه أو * * أن ترتأي استعماله محذوفا
إذ ليس فيه من محل قابل * * للحذف أو لزيادة تثقيفا
لوكان يعشق جامد لجماله * * لغدا الورى طراً به مشغوفا
ولئن نزحت عن الأنام فإنه * * يمشي إليه حيث كان زحوفا
وإذا تخاصم كاذبان فلحية * * الأشقى يغدر شعرها منتوفا
حتى كأنَّ الشعر من لحييهما * * قطن الحشايا ناعماً مندوفا
وحياة رأسك أن رأسي عارف * * إني به لن أستفيد رغيفا
كلا ولا أقطا ولا حشفا ولا * * خزّا على وتدي ولا كرسوفا
لكن بقرني حكة هاجت على * * إني أعالج مرة تأليفا
من كان يؤجر كي يؤلف خطبة * * فهو الخليق بأن يعد عسيفا
ما راح من قولي فخذه وما تجد * * من زائف فاتركه لي ملفوفا
لا بد أن تجد الصيارف مرة * * بين الدراهم درهماً مزيوفا
ولربَّ دينار يجر إليك من * * تهوى بلحيته وليس مشوفا
لا يعلقن بزجاج عقلك ما ترى * * فيه من الصدأ القديم كثيفا
من كان في بلد لطيفاً طبعه * * يجد الغليظ من المحب لطيفا
لا ترفسن ما سرَّ من لأجل ما * * قد ساء بل لا تولهِ تأفيفا
إن المصنف لا يكون مصنفاً * * إلا إذا جعل الكلام صنوفا
أو ليس أن الضرب مثل الصنف في * * المعنى وقرع عصا إليه أضيفا
حاشاك أن تقضي عليّ تهافتاً * * من قبل أن تتحقق التوقيفا
فتقول قد كفر المؤلف فاحشدوا * * يا قوم صاحبكم أتى تجديفا
فتهيج أرباب الكنائس هيجة * * شؤمى فيخترطوا عليه سيوفا
بيني وبينك من صلات مودة * * ما يقطع التفسيق والتسقيفا
لا تزبئرّ إلى القتال ولا إلى * * الشكوى ولا تك بيننا قذِّيفا
إن كنتُ إحساناً أتيت فدونك * * التحبيذ لي أو لا فلا تقذيفا
لا تشتمن أبي ولا أمي ولا * * عرضي ولا تك لي بذاك أليفا
إثمي على أنفي يناط مدلدلا * * ما أن يصيب من العباد أنوفا
ولربِّ فسيق اللسان مباذئ * * يغدو وقد فسق العفيف عفيفا
ونزيه نفس أن يزر ذا زوجة * * ويكون أن ضحكت له عتريفا
كلب الكواعب ليس يعدي غيره * * ودواؤه كعب يليه منوفا
ماذا على مهدٍ إلى إخوانه * * شيئاً ألذَّ من المدام طريفا
سهرُ الليالي محكماً تفصيلهُ * * وهم رقود يحكمون جحيفا
أرأيت ذا كرم يردّ * * هدية ويسوم مهديها له تعنيفا
أو ليس أن الدهر مازحاً * * يهذي ويأتي المضحكات جنوفا
فأشتق من خرف الجنى ومن * * حصف تهي الأظفار منه حصيفا
دع عنك تعبيس الأسود وكن أخاً * * لأبي الحصين مراوغاً يهفوفا
من أضحك السلطان صوت ردامه * * فهو الذي في الناس عدَّ عريفا
تمت بهذا البيت فاتحتي وقد * * صيرته لبنائها تسقيفا
لا تقرأن من بعده شيئاً ولو * * كلفت حرفاً واحداً تكليفا
فتكون قد أزلفت ثم تجاوزت * * بك رجلك اليسرى له تاريفا
إني أرى كالريح في أذنيك عرف * * نصيحتي راحت سدى وطليفا
المصدر : الجزيرة