التاريخ من وجهة نظرك، ولما جذبك التاريخ القديم؟

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • التاريخ من وجهة نظرك، ولما جذبك التاريخ القديم؟

    من حوار لمجلة المعرفة السورية 2016
    ما التاريخ من وجهة نظرك، ولما جذبك التاريخ القديم؟

    جواب:
    هناك صورة نمطية عن التاريخ بأن ما مضى عفا عليه الزمن وأن تلك الحضارات القديمة سادت ثم بادت، هذه الصورة لا تنتمي إلى صيرورة حركة الاجتماع البشري فهذه الحضارات هي نتاج الإنسان العاقل الذي خطّ أول خطاه في درب الإبداع الإنساني وما زال حتى الآن، فنحن استمرار لحضارة الإنسان العاقل منذ 60000 ألف سنة منذ الآن. ولا تظن أن اختراع الكتابة في المشرق لم يؤدي إلى اختراع الطباعة وأن وزارات الزراعة في العالم مَدينةٌ لتلك المرأة المشرقية التي ابتكرت الزراعة في منطقة حوضة دمشق والجزيرة السورية في الألف التاسع قبل الميلاد. ولا تعتقد أن كل تلك المركبات ذوات العجلات التي تسير في شوارع العالم دارت عجلتها الأولى في اختراع الدولاب هنا في المشرق وهكذا دواليك. هذا في الجانب الإبداعي للتاريخ فما نقوله عن التراث هو ابن التاريخ ثم هناك المساق التاريخي النفسي الاجتماعي، نحن وفي قاعنا النفسية الجمعية يسكننا الإنسان القديم تذكر مقولة النفساني كارل غوستاف يونغ من أن "النفس الموغلة في القدم هي التي تشكل أساس عقلنا" فنحن مسكونون بأنماط أولية في نفسيتنا الجمعية و هي التي تفعل فعلها إلى الآن فبعيداً عن أن التاريخ يعيد نفسه أو أن التاريخ يقتل نفسه فإن التاريخ مطلق تاريخ هو استمرار خطي ببداية إلى ما لا نهاية و ليس دائري بأن يعيد نفسه.
    الآن في الأحداث التاريخية عبرة فكرة وجع فرح حياة موت جنون أن تحافظ على الجنون فأنت تصنع التاريخ، الإبداع طفرة و لم يبدع التاريخ إلا بالطفرات تذكّر طاقة النور شحنها أرسطو للشاب الإسكندر المقدوني الذي اجتاح العالم القديم و ربما عن دون قصد أدى ذلك إلى عولمة أولى في التاريخ منذ الحضارة الهلنستية مثلاً و حتى النصف الأول من الألف الأول الميلادي نحن أمام مرجلٍ حضاري هنا في المشرق ألتقت فيه الجهات الأربع و الجهات الأربع قوة فاعلة وطاقة حضارية أدت إلى كل ما سنجده في الفلسفة في الدين في الأخلاق، هذه الشحنة في التفاعل الإنساني أسست لعالم ما زلنا نحياه إلى الآن، هكذا أرى التاريخ أفهم التاريخ فهو المُعاشُ لا الذي ساد حتى مات.
    طُرفة صغيرةٌ أسردها عليك الملك الأموري شمشي أدد ملك آشور يحتل مدينة ماري قبل حوالي أربعة آلاف سنة من الآن وينصب ابنه يسمع أدد حاكماً على ماري. يسمع أدد شخص متردد لاهٍ وإلى آخره ... والده يؤنبه يقول له في رسالة " كل شأنك أن تُبتلى بخدع دائماً وأن تظل تخطط لهزيمة عدو دائماً و لكن العدو أيضاً يجرب خدعاً و يناورك دائماً متى ستكون كالأبطال المصارعين و تتمكن ولو لمرة واحدة من تضليل أحدهم؟ أتمنى أن تتفادى حدوث ذلك لئلا ينطبق عليك المثل القائل الكلبة من عجلتها ولدت جراءً عمياناً "
    ذكرت لك قبل قليل عن مفهوم النمط النفسي الأولي أنظر الآن في معظم أحاديث المشارقة من السوق إلى مراكز الأبحاث إلى ربات البيوت الأمثال والحكم جاهزة في حديثنا اليومي.
    وفي النهاية ولا أقول بتطرف نحن بحاجة لتمزيق كل كتب التاريخ وتلك المجلدات الصفراء التي أورثتنا المفاهيم الغلط والمعايير الأسوأ والقيم التي جعلتنا ننظر إلى الوراء و ليس إلى الأمام. نقطة أخيرة حول نظرتي إلى تاريخ المشرق القديم هو أنه كلما أوغلنا عمقاً فيه كلما كان إنساننا واحداً وليس متعدداً إثنياً أو دينياً أو طائفياً لهذا كان المشرق مبدعاً. لم يعد لمقولات " مهد الحضارات و بلد الأبجدية " أي معنى في غياب هذا الالتصاق بالنور المشرقي الحقيقي القديم و إلا اصبحنا كلابس الأسمال البالية الذي يترحم على ثيابه الحريرية التي ارتداها يوماً في طريق الحرير، هذا مرض نفسي في المستوى المجتمعي و الفردي وما نجده حالياً.
    بشار خليف
يعمل...
X