حياةٌ خفية A Hidden Life
هادي ياسين
تتمركزُ موضوعة هذا الفيلم حول موقفٍ نادر يتخذه فلاحٌ نمساوي حين يتم استدعاؤه الى الجيش النازي أثناء الحرب العالمية الثانية . موقفٌ ينمُّ عن بطولةٍ ذاتية لو اتخذه الشعب الآلماني و النمساوي بصورة جماعية لربما كان قد قلل من إندفاع النازيين باتجاه الحرب التي راح ضحيتها الملايين ، ولكن هذا الفلاح لم تقف في وجهه قـَـسوةُ النازيين التي دفعت بذلك الشعب الآلماني الى الهاوية و أخذه الحماس القومي العنصري الذي الهمته به خُطب " هتلر " .
يتساءل المُشاهِدُ على مدى الفيلم ( ساعتان و 27 دقيقة ) هل أن موقفَ هذا الفلاح ـ الذي يراه البعضُ موقفاً بطولياً ـ نابعٌ عن وعيٍ أم عن عنادٍ ريفي ، و ما جدوى موقفِ و عناد فردٍ واحدٍ أمام قوةٍ عاتيةٍ قاسية جماعية كالقوة النازيةِ التي خدّرت العقل الجماعي للشعب الآلماني ؟
الحقيقة إن المرء ليحسد هذا الفلاحَ على شجاعته لو أنها كانت ذات جدوى و مفيدة . ولكن ما قيمة الرفض العلني للولاء لـ " هتلر " أمام ولاء الملايين من الشعب الآلماني له ، و إن كان ولاءً شكلياً ؟ ثم ما قيمة و جدوى ذلك أمام ثكل الأم و ترمّل الزوجة و تيتــّم الأطفال ؟
يمهد الفيلمُ أجواءه بمَشاهدَ موثقة بالأسود و الأبيض عن مرحلة صعود " هتلر " و استعراضه حشودَ الشعب الآلماني و هي تلهج بإسمه و تُردّدُ الأناشيدَ و هو يبعث فيها الحماسَ القومي الذي خدّر هذا الشعب ، و الذي حرّف مسارَه الحضاري من شعبٍ معطاء في الفلسفة و العلم و الموسيقى و الشعر و المسرح و الرسم الى شعبٍ تسمّمَ بالكراهيةِ العنصرية و العدوانية ، ليُدخلَهُ في حربٍ راح ضحيتَها نحو خمسة و ثمانين مليوناً و تدمير آلمانيا و معظم مندن أوروبا و آسيا .
ولكن ليس كلَّ الشعب الآلماني إنساق وراء هذا الجنون التاريخي ، فغيرُ الذين انساقوا طواعيةً ، كان من هو غيرُ مقتنع ، و ينظر الى الحياة و العالم و بلدِهِ آلمانيا من زاوية متعقلة ، و هناك من رفض بصورة قاطعة أن يكون ضمن القطيع ، و ثمة الكثيرُ من الكُتاب و الفنانين الآلمان وقفوا في الخندق المضاد لتوجهات النازية و عبّروا عن مواقفهم ، أما بالصمت أو بالهجرة الى سويسرا و غيرها ، و مِن هناك أعلنوا الحرب على " هتلر " و نازيته . و غيرُ هؤلاء المعروفين كان هناك أبطالٌ مجهولون انحازوا الى وطنيتهم و انسانيتهم و تصدوا ببسالة لمشروع النازية و جنون مؤسسها و قائدها ، و منهم بطلُ هذا الفيلم الذي اعتمد القصة الحقيقية للمزارع النمساوي " فرانز ياجيرشتاتر " ( 20 مايو / أيار 1907 - 9 أغسطس / آب 1943 ) ، الذي لعب دورَه الممثل الآلماني " أوغست ديل " .
و تُشير سيرةُ " فرانز " الى أنه تزوج من " فرانسيسكا شوانينغر " ( 4 مارس / آذار 1913 ــ 16 مارس / آذار 2013 ) ، التي لعبت دورَها الممثلة النمساوية " فاليري باخنر " ، و كانت إمرأة شديدة التدين ، و لعل هذا ما دفعه الى اتخاذ موقفه الإنساني المتشدد من إعلان الولاء لـ " هتلر " ، ولكن الفيلم لم يُظهر ذلك غير أن الزوجة لم تكن معترضةً على موقف زوجها بل كانت مباركةً له ــ ضمناً ــ كما سنرى في الفيلم ، و سنرى كيف أنها تُظهر حباً لامتناهياً تجاه زوجها " فرانز " .
تبدأ دراما الفيلم من مشهد عريض اللقطة ــ كما هي معظم مَشاهد الفيلم ــ بكاميرا المصور السينمائي " يورغ ويدمار " ، صُحبة موسيقى الأمريكي " " الحاصل على ثماني ترشيحات أوسكار " جيمس نيوتن هوارد " ، و سنرى كم أن تصوير الطبيعة و تحولاتها ، باللقطات العريضة : من سماء و تحركات الغيوم فيها و تنامي الزرع و الشجر و الطرقات الريفية .. كم كان مذهلاً و مُهذِباً لحساسية المُشاهِد البصرية .
في المشهد يظهر " فرانز " و هو يحصد الزرعَ الأخضر ، و يبدو أنه في المزرعة التي ورثها ( كما تقول سيرته الذاتية الحقيقية ) ، و نجد مظهرَ المحبة بينه و بين زوجته و مظهر المودة بينهما و بين فلاحي بلدة ( رايغوند ) في النمسا ، و التي سنرى خلافها بعد تخوينه إثرَ رفض إعلان ولائه لـ " هتلر " . هذا الرفض هو الذي تحكّم بمصير " فرانز " و بالتالي كان قد ألقى بظله على حياة عائلته القروية التي ليس لها غير الإيمان بالمسيحية و التي لا تعرف معنى تشابك السياسة و الحروب مع سلامها الريفي .
تدور أحداث الفيلم عام 1939 ، و قبل ذك بعام ( 1938 ) كانت قوات " هتلر " قد دخلت النمسا و فرضت نازيته عليها ، فدخلت النمسا الحربَ مُجبرةً تحتَ قيادة آلمانيا ، و يأتي تجنيد المزارع " فرانز " و إجباره على إعلان الولاء لـ " هتلر " في سياق إجبار النمسا برمتها على هذا الولاء .
رفضُ الولاء لـ " هتلر " هو نقطة ارتكاز القصة الحقيقية للمزارع النمساوي " فرانز ياجيرشتاتر " ، الذي لم يستطع الحاكم العسكري " لوبين " أن يثنيه عنه ، فأصدر بحقه الحكم الذي لابد أن يُصدره . و أحسبُ أن دورَ هذا الحاكم هو آخر أدوار الممثل السويسري " بورنو غانتس " الذي توفي في 15 فبراير / شباط 2019 .
هذا الفيلم الرائع تم بتوقيع المخرج " تيرنيس ماليك " .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اليكم رابط الفيلم :
https://uqload.com/9151pqyn608s.html
دك
هادي ياسين
تتمركزُ موضوعة هذا الفيلم حول موقفٍ نادر يتخذه فلاحٌ نمساوي حين يتم استدعاؤه الى الجيش النازي أثناء الحرب العالمية الثانية . موقفٌ ينمُّ عن بطولةٍ ذاتية لو اتخذه الشعب الآلماني و النمساوي بصورة جماعية لربما كان قد قلل من إندفاع النازيين باتجاه الحرب التي راح ضحيتها الملايين ، ولكن هذا الفلاح لم تقف في وجهه قـَـسوةُ النازيين التي دفعت بذلك الشعب الآلماني الى الهاوية و أخذه الحماس القومي العنصري الذي الهمته به خُطب " هتلر " .
يتساءل المُشاهِدُ على مدى الفيلم ( ساعتان و 27 دقيقة ) هل أن موقفَ هذا الفلاح ـ الذي يراه البعضُ موقفاً بطولياً ـ نابعٌ عن وعيٍ أم عن عنادٍ ريفي ، و ما جدوى موقفِ و عناد فردٍ واحدٍ أمام قوةٍ عاتيةٍ قاسية جماعية كالقوة النازيةِ التي خدّرت العقل الجماعي للشعب الآلماني ؟
الحقيقة إن المرء ليحسد هذا الفلاحَ على شجاعته لو أنها كانت ذات جدوى و مفيدة . ولكن ما قيمة الرفض العلني للولاء لـ " هتلر " أمام ولاء الملايين من الشعب الآلماني له ، و إن كان ولاءً شكلياً ؟ ثم ما قيمة و جدوى ذلك أمام ثكل الأم و ترمّل الزوجة و تيتــّم الأطفال ؟
يمهد الفيلمُ أجواءه بمَشاهدَ موثقة بالأسود و الأبيض عن مرحلة صعود " هتلر " و استعراضه حشودَ الشعب الآلماني و هي تلهج بإسمه و تُردّدُ الأناشيدَ و هو يبعث فيها الحماسَ القومي الذي خدّر هذا الشعب ، و الذي حرّف مسارَه الحضاري من شعبٍ معطاء في الفلسفة و العلم و الموسيقى و الشعر و المسرح و الرسم الى شعبٍ تسمّمَ بالكراهيةِ العنصرية و العدوانية ، ليُدخلَهُ في حربٍ راح ضحيتَها نحو خمسة و ثمانين مليوناً و تدمير آلمانيا و معظم مندن أوروبا و آسيا .
ولكن ليس كلَّ الشعب الآلماني إنساق وراء هذا الجنون التاريخي ، فغيرُ الذين انساقوا طواعيةً ، كان من هو غيرُ مقتنع ، و ينظر الى الحياة و العالم و بلدِهِ آلمانيا من زاوية متعقلة ، و هناك من رفض بصورة قاطعة أن يكون ضمن القطيع ، و ثمة الكثيرُ من الكُتاب و الفنانين الآلمان وقفوا في الخندق المضاد لتوجهات النازية و عبّروا عن مواقفهم ، أما بالصمت أو بالهجرة الى سويسرا و غيرها ، و مِن هناك أعلنوا الحرب على " هتلر " و نازيته . و غيرُ هؤلاء المعروفين كان هناك أبطالٌ مجهولون انحازوا الى وطنيتهم و انسانيتهم و تصدوا ببسالة لمشروع النازية و جنون مؤسسها و قائدها ، و منهم بطلُ هذا الفيلم الذي اعتمد القصة الحقيقية للمزارع النمساوي " فرانز ياجيرشتاتر " ( 20 مايو / أيار 1907 - 9 أغسطس / آب 1943 ) ، الذي لعب دورَه الممثل الآلماني " أوغست ديل " .
و تُشير سيرةُ " فرانز " الى أنه تزوج من " فرانسيسكا شوانينغر " ( 4 مارس / آذار 1913 ــ 16 مارس / آذار 2013 ) ، التي لعبت دورَها الممثلة النمساوية " فاليري باخنر " ، و كانت إمرأة شديدة التدين ، و لعل هذا ما دفعه الى اتخاذ موقفه الإنساني المتشدد من إعلان الولاء لـ " هتلر " ، ولكن الفيلم لم يُظهر ذلك غير أن الزوجة لم تكن معترضةً على موقف زوجها بل كانت مباركةً له ــ ضمناً ــ كما سنرى في الفيلم ، و سنرى كيف أنها تُظهر حباً لامتناهياً تجاه زوجها " فرانز " .
تبدأ دراما الفيلم من مشهد عريض اللقطة ــ كما هي معظم مَشاهد الفيلم ــ بكاميرا المصور السينمائي " يورغ ويدمار " ، صُحبة موسيقى الأمريكي " " الحاصل على ثماني ترشيحات أوسكار " جيمس نيوتن هوارد " ، و سنرى كم أن تصوير الطبيعة و تحولاتها ، باللقطات العريضة : من سماء و تحركات الغيوم فيها و تنامي الزرع و الشجر و الطرقات الريفية .. كم كان مذهلاً و مُهذِباً لحساسية المُشاهِد البصرية .
في المشهد يظهر " فرانز " و هو يحصد الزرعَ الأخضر ، و يبدو أنه في المزرعة التي ورثها ( كما تقول سيرته الذاتية الحقيقية ) ، و نجد مظهرَ المحبة بينه و بين زوجته و مظهر المودة بينهما و بين فلاحي بلدة ( رايغوند ) في النمسا ، و التي سنرى خلافها بعد تخوينه إثرَ رفض إعلان ولائه لـ " هتلر " . هذا الرفض هو الذي تحكّم بمصير " فرانز " و بالتالي كان قد ألقى بظله على حياة عائلته القروية التي ليس لها غير الإيمان بالمسيحية و التي لا تعرف معنى تشابك السياسة و الحروب مع سلامها الريفي .
تدور أحداث الفيلم عام 1939 ، و قبل ذك بعام ( 1938 ) كانت قوات " هتلر " قد دخلت النمسا و فرضت نازيته عليها ، فدخلت النمسا الحربَ مُجبرةً تحتَ قيادة آلمانيا ، و يأتي تجنيد المزارع " فرانز " و إجباره على إعلان الولاء لـ " هتلر " في سياق إجبار النمسا برمتها على هذا الولاء .
رفضُ الولاء لـ " هتلر " هو نقطة ارتكاز القصة الحقيقية للمزارع النمساوي " فرانز ياجيرشتاتر " ، الذي لم يستطع الحاكم العسكري " لوبين " أن يثنيه عنه ، فأصدر بحقه الحكم الذي لابد أن يُصدره . و أحسبُ أن دورَ هذا الحاكم هو آخر أدوار الممثل السويسري " بورنو غانتس " الذي توفي في 15 فبراير / شباط 2019 .
هذا الفيلم الرائع تم بتوقيع المخرج " تيرنيس ماليك " .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اليكم رابط الفيلم :
https://uqload.com/9151pqyn608s.html
دك