(الشّجار / ربيع دهام) في يومٍ بين يومٍ ويوم، وساعة بين ساعةٍ وساعة، وبينما كنتُ أحمل
فردتَيْ حذائي متوجّهةً إلى غرفتي، وأجلس على الكنبة بقامةٍ يستوطنها
النعاسُ، وعينينِ شبه مغمّضتين،
وبعدما فرغتُ من انتعالِ فردَتَي الحذاء، وقبل أن أهِمّ بالوقوف، رمقةٌ واحدة نحو قدمَي، جعلتْني أكتشفُ فداحةَ الأمرِ:
كانت كل فردةٍ غير الأخرى. بل يمكنني أن أقول أنَّ كلَّ فردة كانت نقيضةً للأخرى.
ففي قدمي اليمنى تسمّرَ حذاءٌ رسميٌّ أنيقٌ ذو كعب عالٍ ومقدّمةٌ مدبّبة.
وفي القدم اليسرى حذاءٌ رياضيٌّ بسيطٌ مسطّحٌ ومريحٌ.
وسرحتُ أنا في القدمين وضحكتُ.
وكانت حالة السخرية هذه، هي أوّل ردّة فعلٍ عفويّةٍ قمتُ بها، بعد فعلتي الحمقاء.
ولكن، وبعد هنيهة، وبعد لحظةٍ من الصّمتِ المريبِ، ترامى إلى مسمعي همسٌ، أو بالأحرى، مشاجرةٌ منخفضة النغمِ، بين كائنَين.
وزّعتُ نظراتي أرجاء المكان ولم أجد أثراً لأيِّ كائنٍ حي.
عدتُ ورفعتُ من ذبذبات جهازَي التنصّت لديَّ.
فتحتُ أذنيَّ على وسعهما، وهنا اكتشفتُ مصدر الهمسِ.
يا إلهي!
إنّها الأحذية!
حنيتُ قامتي لأتنصّت، فسمعتُ ما لم يكُن بمقدّرٍ
لي أن أسمعه، ولو في الخيال.
سمعتُ حذاءَ القدم اليمنى يرغي ويبرطمُ:
- ما هذه الآخرة؟ ما هذه الفجيعة؟ أتضعني تلك المرأة اللعينة في مقامك أنتَ؟ منَ؟ أنتَ؟!!
قد خُلِقتُ أنا للرخامِ، لا للرّملِ.
وموطئ نعلي القاعات لا الطرقات.
وجِلدي من أناقةِ الهندام يلمعُ،
وجلدك مغبَّرٌ وسخٌ، لغيرِ الشقاوةِ لا ينفعُ.
ثم سمعتُ حذاء القدم اليسرى يزمجرُ بغضبٍ:
- يا معالي الكعب العالي! لا يغرنّك سعرُك الغالي.
أنا للقدمٍ حارسٌ أصيلْ، وأنتَ ليس بعدَك إلا الثآليلْ.
وأكمَلَ الحذاء الرياضي تلاوة قائمةَ الأضرارِ:
- ناهيك عن الانزلاق الغضروفي، والتقوّس في العمود الفقري، و...
وأوقفه حذاء الكعب العالي متأفِّفاً:
- وما أدراك أنتَ بالوفاءِ، وبالإخلاصِ؟
وماذا تعرف عن أذواقِ الناسِ؟
اسألهم. شاورهم. حدِّثهُم. أيّاً من الإثنين يفضّلون.
هم يحبّون المنظرَ والقشورْ.
ويقطنون الشققَ، ويحلمون بالقصورْ.
ويُفتَنون بالبهرجٍ الخدّاعٍ، مهما حاولتَ، بغير ذلك، إقناعي.
وفيما كان العصفُ الفكري يتراكم ويزداد، ويزلزل أعصاب الفردَتَيْنِ وأعصابي، رأيتُ الحذاءَ الرياضي
يمدُّ شريطَه الأبيض ويحاول خنقَ به عنقَ الحذاءِ الآخر.
ثم رأيت حذاء الكعب العالي يقفز محاولاً دهسَ الحذاء الآخر من دون رحمةٍ.
أمرتُ قدميّ بالابتعاد عن بعضهما بعضاً منعاً للاحتكاك، ورحتُ أفكّر بالحلْ.
كنتُ في حيرةٍ من أمري. أأنتعل هذا أو ذاك؟
أأخلع هذا أو ذاك؟
أأعطي الأولويّة لهندامي أم لصحّتي؟
لصبري أم لراحتي؟
لأناقتي أم لبساطتي؟
وكانت عقارب السّاعةِ وراء بعضها تجري،
والجوّال الغاضب أمامي يرنُّ.
وكان الجدال بين الحذائين يستعرُ، والأفكار في رأسي تجنُّ.
وبعد جُهدٍ وفيرٍ، وتردُّد كبيرٍ، قرّرتُ.
نعم أخيراً قرّرتُ.
سأعطي القرارَ لا لحذائي، ولا لرأسي، بل لقَدَمي.
ولمّا أوكلت للقدم حريّة الاختيار،
اختارت فوراً، ومِن دون تردّدٍ، أن تنزع عنها كل أصناف الأحذية،
وأشكالها ونوع جلدها وماركاتها، وتركضُ طفلةً في العراء...
فردتَيْ حذائي متوجّهةً إلى غرفتي، وأجلس على الكنبة بقامةٍ يستوطنها
النعاسُ، وعينينِ شبه مغمّضتين،
وبعدما فرغتُ من انتعالِ فردَتَي الحذاء، وقبل أن أهِمّ بالوقوف، رمقةٌ واحدة نحو قدمَي، جعلتْني أكتشفُ فداحةَ الأمرِ:
كانت كل فردةٍ غير الأخرى. بل يمكنني أن أقول أنَّ كلَّ فردة كانت نقيضةً للأخرى.
ففي قدمي اليمنى تسمّرَ حذاءٌ رسميٌّ أنيقٌ ذو كعب عالٍ ومقدّمةٌ مدبّبة.
وفي القدم اليسرى حذاءٌ رياضيٌّ بسيطٌ مسطّحٌ ومريحٌ.
وسرحتُ أنا في القدمين وضحكتُ.
وكانت حالة السخرية هذه، هي أوّل ردّة فعلٍ عفويّةٍ قمتُ بها، بعد فعلتي الحمقاء.
ولكن، وبعد هنيهة، وبعد لحظةٍ من الصّمتِ المريبِ، ترامى إلى مسمعي همسٌ، أو بالأحرى، مشاجرةٌ منخفضة النغمِ، بين كائنَين.
وزّعتُ نظراتي أرجاء المكان ولم أجد أثراً لأيِّ كائنٍ حي.
عدتُ ورفعتُ من ذبذبات جهازَي التنصّت لديَّ.
فتحتُ أذنيَّ على وسعهما، وهنا اكتشفتُ مصدر الهمسِ.
يا إلهي!
إنّها الأحذية!
حنيتُ قامتي لأتنصّت، فسمعتُ ما لم يكُن بمقدّرٍ
لي أن أسمعه، ولو في الخيال.
سمعتُ حذاءَ القدم اليمنى يرغي ويبرطمُ:
- ما هذه الآخرة؟ ما هذه الفجيعة؟ أتضعني تلك المرأة اللعينة في مقامك أنتَ؟ منَ؟ أنتَ؟!!
قد خُلِقتُ أنا للرخامِ، لا للرّملِ.
وموطئ نعلي القاعات لا الطرقات.
وجِلدي من أناقةِ الهندام يلمعُ،
وجلدك مغبَّرٌ وسخٌ، لغيرِ الشقاوةِ لا ينفعُ.
ثم سمعتُ حذاء القدم اليسرى يزمجرُ بغضبٍ:
- يا معالي الكعب العالي! لا يغرنّك سعرُك الغالي.
أنا للقدمٍ حارسٌ أصيلْ، وأنتَ ليس بعدَك إلا الثآليلْ.
وأكمَلَ الحذاء الرياضي تلاوة قائمةَ الأضرارِ:
- ناهيك عن الانزلاق الغضروفي، والتقوّس في العمود الفقري، و...
وأوقفه حذاء الكعب العالي متأفِّفاً:
- وما أدراك أنتَ بالوفاءِ، وبالإخلاصِ؟
وماذا تعرف عن أذواقِ الناسِ؟
اسألهم. شاورهم. حدِّثهُم. أيّاً من الإثنين يفضّلون.
هم يحبّون المنظرَ والقشورْ.
ويقطنون الشققَ، ويحلمون بالقصورْ.
ويُفتَنون بالبهرجٍ الخدّاعٍ، مهما حاولتَ، بغير ذلك، إقناعي.
وفيما كان العصفُ الفكري يتراكم ويزداد، ويزلزل أعصاب الفردَتَيْنِ وأعصابي، رأيتُ الحذاءَ الرياضي
يمدُّ شريطَه الأبيض ويحاول خنقَ به عنقَ الحذاءِ الآخر.
ثم رأيت حذاء الكعب العالي يقفز محاولاً دهسَ الحذاء الآخر من دون رحمةٍ.
أمرتُ قدميّ بالابتعاد عن بعضهما بعضاً منعاً للاحتكاك، ورحتُ أفكّر بالحلْ.
كنتُ في حيرةٍ من أمري. أأنتعل هذا أو ذاك؟
أأخلع هذا أو ذاك؟
أأعطي الأولويّة لهندامي أم لصحّتي؟
لصبري أم لراحتي؟
لأناقتي أم لبساطتي؟
وكانت عقارب السّاعةِ وراء بعضها تجري،
والجوّال الغاضب أمامي يرنُّ.
وكان الجدال بين الحذائين يستعرُ، والأفكار في رأسي تجنُّ.
وبعد جُهدٍ وفيرٍ، وتردُّد كبيرٍ، قرّرتُ.
نعم أخيراً قرّرتُ.
سأعطي القرارَ لا لحذائي، ولا لرأسي، بل لقَدَمي.
ولمّا أوكلت للقدم حريّة الاختيار،
اختارت فوراً، ومِن دون تردّدٍ، أن تنزع عنها كل أصناف الأحذية،
وأشكالها ونوع جلدها وماركاتها، وتركضُ طفلةً في العراء...