وعي القلم والأمل نص مستخلص من مجموعة (كلام العرافة) للدكتور حسن الشيخ
كتب: عبدالله النصر
في محاولة مدهشة للخروج عن السائد، بثقافه معماريه سردية جديدة، وبالوعي بتحسين جودة الحياة.. يتحرك قلم القاص والروائي الدكتور حسن الشيخ واعيا باللحظة والزمكان والشخوص ما لها وما وعليها، أفكار خلاقة، وموضوعات شائقة، وأسلوب لا يتعالى شاد آسر ملفت مثري مفاجئ.
إذ ما تكاد تخرج من الزنزانة الجلدية الملأى بالبحث عن إنسانية ضائعة ولم تجد إلا مزيدا من الحصار، والوقوع في قاع كأس ذي مياه مالحة، الحياة في أعماقه سوداء داكنة.. إلا وترى الأمل يتفجر، ولا يزال يدفع لملاحقة نقاط الضوء رغم التساؤل عن الجدوى في هذه الملاحقة الأشبه بالوهم وعدم الجدوى من فراشات ضوء خادعة.. إذ هكذا هم الناس لا ييأسون بسرعة متعلقون بالحبال بقوة رغم تدليهم في كل الاتجاهات حتى يجدون حبالا أخرى متدلاة يتشبثون بها فتفتح لهم أبواب الحياة وعلاقات ومعارف واكتشافات أخرى فيها، وإن فرض هذا التعلق عليهم حراكاً يجرهم إلى العبث في السراديب المظلمة وفهم كنه تلك الأصوات الموسيقية الصاخبة والضحكات العاليةفيها، إلا أنهم يخطون خطواتهم بحذر وإن لم يتلقوا جوابا في الحين أو لم تكن وفق الأمل المنشود وكانت ذات سقف هابط تكتم الانفاس أشبه بتابوت ضيق ذي بصيص من ضوء وئيد يُخرج الحروف مبعثرة مكسرة.. فلابأس بالهرب منها.. وعليهم أن يخطوا ولو بالتشبث بحكاية عامود لم تحدث، عامود لشجرة أثل صحراوية امتدادا للأمل به، والبحث عما يعزز الحياة، ومحاولة لإيجاد مخلص يحرر من سجن مفتوح على الريح والرمل والشمس، الثلاثي المدمر العابث بلا رحمة.. خلاص ولو كان بمثل وحجم فأس قاصم يناثر الذات حطبا. أو باللجوء إلى كلام العرافة وما بين يديها من مقترحات توقظ الحظ، يفعلون هذا مع علمهم بأن مايأتي من وراء العرافات ماهو إلا حظ ميت، لكن هي التجارب والأخذ بالأسباب المفترضة ولو من سيد نائم في قرية أحلام مرسومة بأعواد كبريت، تخرج من تعاسة مزمنة، وإن كانت تلك التعاسة التي بحجم قبة المسجد ليست لها بملذات الحياة ومتاعها. تُقذف الكرة التي بداخل تلك الذات هناك أو هناك، فهي أيضاً مدعاة لاستخراج التعاسة والشقاء، وإن تحول الأمل ليس على مستوى الذات فحسب بل على مستوى قرى متناثرة ملأى بالحكايات والأسرار والضجر، كحكاية الطفلة المدعاة بالجنية ودموعها الغزيرة التي تسقيها..
إنه فضاء من الألوان في طريقة البحث بين قسوة الحياة الأشبه بجبال جبارة ثقيلة تجثم على الصدور، وحبال طويلة مشدودة تمتد بينها للفقز عليها كلعبة يتسلى بها أناس لهم أرواح متفائلة ربما تصل بهم إلى قمة السعادة التي لم يصل إليها البعض فتلاشت ذاته مع زرقة السماء، مثال فيلسوف الحي، الذي يثير في دواخل الآخرين الكثير من الأسئلة العابرة، التي تودعهم في حكمة (أن الحياة يوم حلو وآخر مر). ورغم ذلك يختفي من حيهم ولا يعلمون سر اختفائه. كما لم يعلم ذاك الطفل سر ولادته بوجه كالأرنب، وجه مرعب مخيف مربك، مبكي يبكي أمه معه، ومع هذا يتفوق، لكن هذا التفوق لا يمنحه موافقة ابنة عمه التي تعيش معه. فالحياة بهذا الشكل هي كالتفاف مروحة لها ريش حادة ما إن تغفل وتدخل أصبعك إليها حتى تقطعه بل تجذبك إليها وتدور بك فتقذفك على الساحل الآخر من النهر ، رغم تباهيك بها، رغم أنك فيها لست نبيا ولا مصلحا ولا إنسانا مميزا، فقط أنت مقدس في داخلك يعيش شيئا فيه اسمه الأمل، وإلى جانبه يعيش شيئا آخر أسمه الحلم، وإن كان حلما بمستوى الزواج من زوجة مغرببة، تُقبل ضرة لزوجة لايمكنها تصديق زوجها حتى في أحلام النوم، فينكسر كأب فارس هرِم يبقى وحيدا يقتله الضجر خانه الدهر تعيش زوجته العجوز مثله في غرفة أخرى مجاورة تتألم وتحلم كما يحلم ويتألم. والأبناء تسحرهم الثروة ولو بمستوى عقال قديم، يتناتفون عليه ويتعادون، فلا تخلصهم سوى الخادمة الهندية التي فهمت الأمر بالخطأ فرمته في القمامة كما ترمى أحلام وآمال ابن ليس له من مميزات الحياة شيئا سوى أن يتزوج من ابنة العمدة التي رفضته فيكتشف أنها اخت له من الرضاع.
نعم يأتي نداء الضجر والتعب: أن لا أحد يحلم، ولا يأمل، فهذا أمر تحقيقه محال، فيسري هذا الأمر مسرى الدم الواثق من العروق، فيصل إلى انتخار كاتب رأى أنه أعطى كل ماعنده حتى أصبح خاليا.. لكن الأمل مايزال مفتوحا على الحياة نابضا ولو بتعويذة بابلية قديمة يحتفظ بها كاتب يائس في يده، هي التي توقض الحياة من جديد، رغم فعل الانتحار الحقيقي، لقد صنعت نوال أمامه حياة جديدة، فراحت تمسح قطرات العرق من جبينه.
وهكذا في الدقائق العشر الأخيرة من الكتاب، يؤكد حالة الركض المستمر والعدو والتسابق العملي يقومون به الشخوص على وجه هذه الأرض المكفهرة المتلونة للبحث عن أمل الحياة ولو من غرفة علوية مظلمة ملأى بالأسرار عجز الآخرين عن معرفتها، فبزغ لهم صوت يخبر ويؤكد بوجود حياة فيها، حيث الأمل لايموت ولا يأس مع الحياة.
الدكتور حسن الشيخ.. وعي أجمل مما قرأته، شكرا له على هذا الإهداء القيم (كلام العرافة) الصادر عن دار ريادة للنشر والتوزيع ١٤٤٣هـ، ٢٠٢٢م.
كتب: عبدالله النصر
في محاولة مدهشة للخروج عن السائد، بثقافه معماريه سردية جديدة، وبالوعي بتحسين جودة الحياة.. يتحرك قلم القاص والروائي الدكتور حسن الشيخ واعيا باللحظة والزمكان والشخوص ما لها وما وعليها، أفكار خلاقة، وموضوعات شائقة، وأسلوب لا يتعالى شاد آسر ملفت مثري مفاجئ.
إذ ما تكاد تخرج من الزنزانة الجلدية الملأى بالبحث عن إنسانية ضائعة ولم تجد إلا مزيدا من الحصار، والوقوع في قاع كأس ذي مياه مالحة، الحياة في أعماقه سوداء داكنة.. إلا وترى الأمل يتفجر، ولا يزال يدفع لملاحقة نقاط الضوء رغم التساؤل عن الجدوى في هذه الملاحقة الأشبه بالوهم وعدم الجدوى من فراشات ضوء خادعة.. إذ هكذا هم الناس لا ييأسون بسرعة متعلقون بالحبال بقوة رغم تدليهم في كل الاتجاهات حتى يجدون حبالا أخرى متدلاة يتشبثون بها فتفتح لهم أبواب الحياة وعلاقات ومعارف واكتشافات أخرى فيها، وإن فرض هذا التعلق عليهم حراكاً يجرهم إلى العبث في السراديب المظلمة وفهم كنه تلك الأصوات الموسيقية الصاخبة والضحكات العاليةفيها، إلا أنهم يخطون خطواتهم بحذر وإن لم يتلقوا جوابا في الحين أو لم تكن وفق الأمل المنشود وكانت ذات سقف هابط تكتم الانفاس أشبه بتابوت ضيق ذي بصيص من ضوء وئيد يُخرج الحروف مبعثرة مكسرة.. فلابأس بالهرب منها.. وعليهم أن يخطوا ولو بالتشبث بحكاية عامود لم تحدث، عامود لشجرة أثل صحراوية امتدادا للأمل به، والبحث عما يعزز الحياة، ومحاولة لإيجاد مخلص يحرر من سجن مفتوح على الريح والرمل والشمس، الثلاثي المدمر العابث بلا رحمة.. خلاص ولو كان بمثل وحجم فأس قاصم يناثر الذات حطبا. أو باللجوء إلى كلام العرافة وما بين يديها من مقترحات توقظ الحظ، يفعلون هذا مع علمهم بأن مايأتي من وراء العرافات ماهو إلا حظ ميت، لكن هي التجارب والأخذ بالأسباب المفترضة ولو من سيد نائم في قرية أحلام مرسومة بأعواد كبريت، تخرج من تعاسة مزمنة، وإن كانت تلك التعاسة التي بحجم قبة المسجد ليست لها بملذات الحياة ومتاعها. تُقذف الكرة التي بداخل تلك الذات هناك أو هناك، فهي أيضاً مدعاة لاستخراج التعاسة والشقاء، وإن تحول الأمل ليس على مستوى الذات فحسب بل على مستوى قرى متناثرة ملأى بالحكايات والأسرار والضجر، كحكاية الطفلة المدعاة بالجنية ودموعها الغزيرة التي تسقيها..
إنه فضاء من الألوان في طريقة البحث بين قسوة الحياة الأشبه بجبال جبارة ثقيلة تجثم على الصدور، وحبال طويلة مشدودة تمتد بينها للفقز عليها كلعبة يتسلى بها أناس لهم أرواح متفائلة ربما تصل بهم إلى قمة السعادة التي لم يصل إليها البعض فتلاشت ذاته مع زرقة السماء، مثال فيلسوف الحي، الذي يثير في دواخل الآخرين الكثير من الأسئلة العابرة، التي تودعهم في حكمة (أن الحياة يوم حلو وآخر مر). ورغم ذلك يختفي من حيهم ولا يعلمون سر اختفائه. كما لم يعلم ذاك الطفل سر ولادته بوجه كالأرنب، وجه مرعب مخيف مربك، مبكي يبكي أمه معه، ومع هذا يتفوق، لكن هذا التفوق لا يمنحه موافقة ابنة عمه التي تعيش معه. فالحياة بهذا الشكل هي كالتفاف مروحة لها ريش حادة ما إن تغفل وتدخل أصبعك إليها حتى تقطعه بل تجذبك إليها وتدور بك فتقذفك على الساحل الآخر من النهر ، رغم تباهيك بها، رغم أنك فيها لست نبيا ولا مصلحا ولا إنسانا مميزا، فقط أنت مقدس في داخلك يعيش شيئا فيه اسمه الأمل، وإلى جانبه يعيش شيئا آخر أسمه الحلم، وإن كان حلما بمستوى الزواج من زوجة مغرببة، تُقبل ضرة لزوجة لايمكنها تصديق زوجها حتى في أحلام النوم، فينكسر كأب فارس هرِم يبقى وحيدا يقتله الضجر خانه الدهر تعيش زوجته العجوز مثله في غرفة أخرى مجاورة تتألم وتحلم كما يحلم ويتألم. والأبناء تسحرهم الثروة ولو بمستوى عقال قديم، يتناتفون عليه ويتعادون، فلا تخلصهم سوى الخادمة الهندية التي فهمت الأمر بالخطأ فرمته في القمامة كما ترمى أحلام وآمال ابن ليس له من مميزات الحياة شيئا سوى أن يتزوج من ابنة العمدة التي رفضته فيكتشف أنها اخت له من الرضاع.
نعم يأتي نداء الضجر والتعب: أن لا أحد يحلم، ولا يأمل، فهذا أمر تحقيقه محال، فيسري هذا الأمر مسرى الدم الواثق من العروق، فيصل إلى انتخار كاتب رأى أنه أعطى كل ماعنده حتى أصبح خاليا.. لكن الأمل مايزال مفتوحا على الحياة نابضا ولو بتعويذة بابلية قديمة يحتفظ بها كاتب يائس في يده، هي التي توقض الحياة من جديد، رغم فعل الانتحار الحقيقي، لقد صنعت نوال أمامه حياة جديدة، فراحت تمسح قطرات العرق من جبينه.
وهكذا في الدقائق العشر الأخيرة من الكتاب، يؤكد حالة الركض المستمر والعدو والتسابق العملي يقومون به الشخوص على وجه هذه الأرض المكفهرة المتلونة للبحث عن أمل الحياة ولو من غرفة علوية مظلمة ملأى بالأسرار عجز الآخرين عن معرفتها، فبزغ لهم صوت يخبر ويؤكد بوجود حياة فيها، حيث الأمل لايموت ولا يأس مع الحياة.
الدكتور حسن الشيخ.. وعي أجمل مما قرأته، شكرا له على هذا الإهداء القيم (كلام العرافة) الصادر عن دار ريادة للنشر والتوزيع ١٤٤٣هـ، ٢٠٢٢م.