"خالد ترمانيني".. من القدّ الأخير إلى أبو ابراهيم
تعيد مدونة الموسيقا، وفي إطار محاولتها لحفظ الذاكرة الموسيقية السورية، ولملمة المبعثر والمتناثر منها، إحياء ونشر العديد من المواد المنشورة منذ أعوام على مدونة وطن eSyria مدعمة بفيديوهات صورها فريق عمل المدونة آنذاك، ولم تنشر لأسباب فنية.
اسم من الجنود المجهولين الذين يقفون في كواليس الحياة ليعطونا أعذب الألحان التي تحرك إحساسنا، من هناك من تلك الكواليس خرجت أغنية "يا بو إبراهيم" التي ظنها الكثيرون في الشارع الحلبي أنها من الأغاني التراثية لشدة إعجابهم بها، وهي التي خرجت من جعبة الملحن الفنان "خالد ترمانيني" التقاه في منزله موقع eSyria ليضعنا في صورة أعماله ويطلعنا على الخطى التي قادته نحو الموسيقا ثم نحو التلحين. يقول:
«نشأت في عائلة عادية فما من موسيقي فيها. إلا أن أمي كانت تهوى الفن وكان صوتها جميلاً وتغني في اجتماعات العائلة وفي اجتماعها مع النساء، وكانت تصطحبني معها وأنا صغير بعدما تجبرني طبعاً على حفظ كل أغنية جديدة تصدرها "أم كلثوم" في بداية كل شهر، فكنت أحفظ الأغاني خوفاً من عقاب أمي وبهذا الشكل جرت الموسيقا في دمي بطريقة أو بأخرى إلى أن ارتأى والِدَاي تسجيلي في "معهد حلب للموسيقا" وكان مدير المعهد وقت ذاك الأستاذ "هاشم فنصة" الذي اختبرني فغنيت له أغنية كاملة لأم كلثوم، وفعلاً تم قبولي في المعهد ودرست عند الأساتذة "نديم الدرويش"، "إبراهيم الدرويش" بإضافة للخبراء الروس الذي علموني الدروس العملية في الكمان».
الملحن خالد ترمانيني
جمعنا بعضنا كالإخوة تماماً وكنا نستفيد كثيراً من خبرات كل منا. فأي شخص يتعلم معلومة جديدة يفيد بها الآخر. فشكلنا بذلك مجموعة معروفة ومميزة في "حلب"
تخرج "خالد ترمانيني" عام /1975/، وبقي بعدها أربع سنوات دون أي إنتاج فكان يتمرن في البيت ويعزف أي شيء يضيف لخبرته مهارات جديدة، وفي عام /1979/ شارك كعازف هو والأستاذ "فتحي الجراح" وعازف الإيقاع "محمود حشاش" مع المطرب الحلبي المعروف "محمد خيري" في حفلتين فقط. وتعرف على موسيقيي حلب الأوائل من حيث الثقافة منهم "بشار الحسن"، "حسان تناري"، "معاذ قرقناوي"، "حسام واعظ"، يقول عن تلك المرحلة:
خالد ترمانيني.png مع آلة العود
«جمعنا بعضنا كالإخوة تماماً وكنا نستفيد كثيراً من خبرات كل منا. فأي شخص يتعلم معلومة جديدة يفيد بها الآخر. فشكلنا بذلك مجموعة معروفة ومميزة في "حلب"».
وفي عام /1982/ ترك "ترمانيني" دراسته في المعهد التجاري، وسافر إلى يوغسلافيا لدراسة الموسيقا فدرس موسيقا الطفل وعلم الدعاية أو الإنتاج البصري. ومن جانب آخر درس أيضاً المعالجة الفيزيائية لكنه لم يعمل بها: «عدت من يوغسلافيا وتابعت نشاطاتي الفنية مع الأصدقاء فطرح عليَّ "فتحي الجراح" فكرة التلحين فلحنَّا أول تجربة للفنان "رضوان سرميني"، لحنت أنا أغنيتين ولحن "فتحي" خمسة أغاني وهذا الكاسيت هو من أوصلنا للشاعر "أنطوان مبيض" الذي أثر فينا جل تأثير فنحن كنا ميالين نحو اللون اللبناني الجديد أو اللون المصري. فقال لنا أن نبدأ من آخر قدّ حلبي ونكمل الطريق بعدما رحل موسيقيو "حلب" إلى دمشق للعمل في التلفزيون. وكان أن حصل التعاون الأول بيننا وبين الأستاذ "أنطوان" وأجرينا عدة تجارب تلحينية لمطربين محليين في "حلب"».
في هذه المرحلة تعرف "خالد ترمانيني" - الذي كان وقتها عضو مجلس إدارة في نادي "شباب العروبة"- على الفنان "حمام خيري"، فسمع صوته عندما غنى "مظلومة يا ناس" فأخذه مباشرةً إلى "أنطوان مبيض" وأعطاه أغنية "يا بو إبراهيم" تلك الأغنية التي كان لها قصة معه:
«كنت مسافراً بالقطار إلى "دمشق" وصوت القطار يعطي إيقاع "أيوب" وكنت أنا أفكر بكلمات الأغنية ولمع لحن الأغنية في فكري بعد عناء طويل وتعب. فأخذت كيساً ورقياً كان مرمياً على الأرض، ودونت عليه لحن الأغنية، وعندما عدت من "دمشق" أسمعت الأغنية للأستاذ "أنطوان" فسمعها وأعطاها لحمام الذي لم يقتنع بها في بادئ الأمر لكونها تبتدئ بــ"أبو إبراهيم" لكنه غناها ولاقت النجاح المعروف وتكررت التجربة مع أغنية "هيه يا الله ويا الله". وأغنية "عالغربوني"، وكاسيت أيضاً للفنان "حسن منصور" وغيره الكثير لكن غياب حقوق الحماية الفكرية وبالتالي غياب شركات الإنتاج الداعمة والمسوقة للإعمال حال دون إظهار هذه الأعمال بالشكل المطلوب. فنحن سجلنا الأعمال التي ذكرناها بإمكانيات تقنية بسيطة جداً».
وعن العمل للموسيقا الآلية يقول الفنان "خالد": «إن مشكلة الأعمال للموسيقا الآلية هي مشكلة قديمة جداً فالشعب العربي تحديداً مهتم أشد الاهتمام بالكلمة، وبالتالي سيتبعها اهتمام بالمطرب، وهنا إغفال للّحن أو إن صح التعبير تأخذ الكلمة موضع الاهتمام الأول. هذا بوجود كلمات فكيف كموسيقا دون كلمات؟ وأنا لدي الكثير من الأعمال للموسيقا الآلية لكنها ولنفس السبب تنتظر أن يدعى أحد الأصدقاء المطربين لمهرجان خارجي أو داخلي ويأخذ شيئاً من أعمالي لتعزفه الفرقة كمقدمة موسيقية، ويشير إلى أن تلك القطعة من ألحان فلان. أضف إلى ذلك أن أجدر شخص لتقديم العمل هو مؤلفه فقط، وإلا لا مجال لأكثر من ذلك وستبقى هذه الأعمال لتضاف إلى رصيد الفنان ولكن للأسف بعد وفاته».
ومما لا بد من ذكره أن الفنان "خالد ترمانيني" وخلال مسيرته الفنية كعازف عمل مع مطربين كثر منهم "سعاد محمد"، "عصمت رشيد"، "فؤاد غازي" "أبو صياح"، "راغب علامة". "صباح فخري". "نهاد نجار"، "مايز البياع"، إضافة إلى مشاركته في برنامج "ليالي الشام" مع الإعلامي "نذير عقيل"
ومن الجدير ذكره أن الأستاذ "خالد" من مواليد "حلب" عام /1963/ وهو متزوج وأب لطفلة اسمها "نايا" وعمرها 12 عاماً. وقد اعتزل العزف عام /1988/، ويذكر أن آخر حفلة عزف فيها كانت مع الفنان الكبير "صباح فخري" في ألمانيا، ويكتفي اليوم بالعزف على آلة العود لتلحين الأغاني وتأليف الموسيقا.
- اياد شاكر
- 12 آذار 2024
تعيد مدونة الموسيقا، وفي إطار محاولتها لحفظ الذاكرة الموسيقية السورية، ولملمة المبعثر والمتناثر منها، إحياء ونشر العديد من المواد المنشورة منذ أعوام على مدونة وطن eSyria مدعمة بفيديوهات صورها فريق عمل المدونة آنذاك، ولم تنشر لأسباب فنية.
اسم من الجنود المجهولين الذين يقفون في كواليس الحياة ليعطونا أعذب الألحان التي تحرك إحساسنا، من هناك من تلك الكواليس خرجت أغنية "يا بو إبراهيم" التي ظنها الكثيرون في الشارع الحلبي أنها من الأغاني التراثية لشدة إعجابهم بها، وهي التي خرجت من جعبة الملحن الفنان "خالد ترمانيني" التقاه في منزله موقع eSyria ليضعنا في صورة أعماله ويطلعنا على الخطى التي قادته نحو الموسيقا ثم نحو التلحين. يقول:
«نشأت في عائلة عادية فما من موسيقي فيها. إلا أن أمي كانت تهوى الفن وكان صوتها جميلاً وتغني في اجتماعات العائلة وفي اجتماعها مع النساء، وكانت تصطحبني معها وأنا صغير بعدما تجبرني طبعاً على حفظ كل أغنية جديدة تصدرها "أم كلثوم" في بداية كل شهر، فكنت أحفظ الأغاني خوفاً من عقاب أمي وبهذا الشكل جرت الموسيقا في دمي بطريقة أو بأخرى إلى أن ارتأى والِدَاي تسجيلي في "معهد حلب للموسيقا" وكان مدير المعهد وقت ذاك الأستاذ "هاشم فنصة" الذي اختبرني فغنيت له أغنية كاملة لأم كلثوم، وفعلاً تم قبولي في المعهد ودرست عند الأساتذة "نديم الدرويش"، "إبراهيم الدرويش" بإضافة للخبراء الروس الذي علموني الدروس العملية في الكمان».
الملحن خالد ترمانيني
جمعنا بعضنا كالإخوة تماماً وكنا نستفيد كثيراً من خبرات كل منا. فأي شخص يتعلم معلومة جديدة يفيد بها الآخر. فشكلنا بذلك مجموعة معروفة ومميزة في "حلب"
تخرج "خالد ترمانيني" عام /1975/، وبقي بعدها أربع سنوات دون أي إنتاج فكان يتمرن في البيت ويعزف أي شيء يضيف لخبرته مهارات جديدة، وفي عام /1979/ شارك كعازف هو والأستاذ "فتحي الجراح" وعازف الإيقاع "محمود حشاش" مع المطرب الحلبي المعروف "محمد خيري" في حفلتين فقط. وتعرف على موسيقيي حلب الأوائل من حيث الثقافة منهم "بشار الحسن"، "حسان تناري"، "معاذ قرقناوي"، "حسام واعظ"، يقول عن تلك المرحلة:
خالد ترمانيني.png مع آلة العود
«جمعنا بعضنا كالإخوة تماماً وكنا نستفيد كثيراً من خبرات كل منا. فأي شخص يتعلم معلومة جديدة يفيد بها الآخر. فشكلنا بذلك مجموعة معروفة ومميزة في "حلب"».
وفي عام /1982/ ترك "ترمانيني" دراسته في المعهد التجاري، وسافر إلى يوغسلافيا لدراسة الموسيقا فدرس موسيقا الطفل وعلم الدعاية أو الإنتاج البصري. ومن جانب آخر درس أيضاً المعالجة الفيزيائية لكنه لم يعمل بها: «عدت من يوغسلافيا وتابعت نشاطاتي الفنية مع الأصدقاء فطرح عليَّ "فتحي الجراح" فكرة التلحين فلحنَّا أول تجربة للفنان "رضوان سرميني"، لحنت أنا أغنيتين ولحن "فتحي" خمسة أغاني وهذا الكاسيت هو من أوصلنا للشاعر "أنطوان مبيض" الذي أثر فينا جل تأثير فنحن كنا ميالين نحو اللون اللبناني الجديد أو اللون المصري. فقال لنا أن نبدأ من آخر قدّ حلبي ونكمل الطريق بعدما رحل موسيقيو "حلب" إلى دمشق للعمل في التلفزيون. وكان أن حصل التعاون الأول بيننا وبين الأستاذ "أنطوان" وأجرينا عدة تجارب تلحينية لمطربين محليين في "حلب"».
في هذه المرحلة تعرف "خالد ترمانيني" - الذي كان وقتها عضو مجلس إدارة في نادي "شباب العروبة"- على الفنان "حمام خيري"، فسمع صوته عندما غنى "مظلومة يا ناس" فأخذه مباشرةً إلى "أنطوان مبيض" وأعطاه أغنية "يا بو إبراهيم" تلك الأغنية التي كان لها قصة معه:
«كنت مسافراً بالقطار إلى "دمشق" وصوت القطار يعطي إيقاع "أيوب" وكنت أنا أفكر بكلمات الأغنية ولمع لحن الأغنية في فكري بعد عناء طويل وتعب. فأخذت كيساً ورقياً كان مرمياً على الأرض، ودونت عليه لحن الأغنية، وعندما عدت من "دمشق" أسمعت الأغنية للأستاذ "أنطوان" فسمعها وأعطاها لحمام الذي لم يقتنع بها في بادئ الأمر لكونها تبتدئ بــ"أبو إبراهيم" لكنه غناها ولاقت النجاح المعروف وتكررت التجربة مع أغنية "هيه يا الله ويا الله". وأغنية "عالغربوني"، وكاسيت أيضاً للفنان "حسن منصور" وغيره الكثير لكن غياب حقوق الحماية الفكرية وبالتالي غياب شركات الإنتاج الداعمة والمسوقة للإعمال حال دون إظهار هذه الأعمال بالشكل المطلوب. فنحن سجلنا الأعمال التي ذكرناها بإمكانيات تقنية بسيطة جداً».
وعن العمل للموسيقا الآلية يقول الفنان "خالد": «إن مشكلة الأعمال للموسيقا الآلية هي مشكلة قديمة جداً فالشعب العربي تحديداً مهتم أشد الاهتمام بالكلمة، وبالتالي سيتبعها اهتمام بالمطرب، وهنا إغفال للّحن أو إن صح التعبير تأخذ الكلمة موضع الاهتمام الأول. هذا بوجود كلمات فكيف كموسيقا دون كلمات؟ وأنا لدي الكثير من الأعمال للموسيقا الآلية لكنها ولنفس السبب تنتظر أن يدعى أحد الأصدقاء المطربين لمهرجان خارجي أو داخلي ويأخذ شيئاً من أعمالي لتعزفه الفرقة كمقدمة موسيقية، ويشير إلى أن تلك القطعة من ألحان فلان. أضف إلى ذلك أن أجدر شخص لتقديم العمل هو مؤلفه فقط، وإلا لا مجال لأكثر من ذلك وستبقى هذه الأعمال لتضاف إلى رصيد الفنان ولكن للأسف بعد وفاته».
ومما لا بد من ذكره أن الفنان "خالد ترمانيني" وخلال مسيرته الفنية كعازف عمل مع مطربين كثر منهم "سعاد محمد"، "عصمت رشيد"، "فؤاد غازي" "أبو صياح"، "راغب علامة". "صباح فخري". "نهاد نجار"، "مايز البياع"، إضافة إلى مشاركته في برنامج "ليالي الشام" مع الإعلامي "نذير عقيل"
ومن الجدير ذكره أن الأستاذ "خالد" من مواليد "حلب" عام /1963/ وهو متزوج وأب لطفلة اسمها "نايا" وعمرها 12 عاماً. وقد اعتزل العزف عام /1988/، ويذكر أن آخر حفلة عزف فيها كانت مع الفنان الكبير "صباح فخري" في ألمانيا، ويكتفي اليوم بالعزف على آلة العود لتلحين الأغاني وتأليف الموسيقا.