بدايات وخواتيم نجيب محفوظ شاهدة على عبقريته
الاهتمام بمصر وكاتبها الأشهر محفوظ من أبرز أحداث النسخة الثالثة والثلاثين من معرض أبوظبي الدولي للكتاب.
الاثنين 2024/05/06
حائط من الحارة كما صوره محفوظ في أعماله
أبوظبي - كان الاهتمام بمصر وكاتبها الأشهر نجيب محفوظ من أبرز أحداث النسخة الثالثة والثلاثين من معرض أبوظبي الدولي للكتاب الذي اختتم الأحد. وكان ذلك لكون مصر ضيف الشرف لهذه الدورة من المعرض، إلى جانب أن نجيب محفوظ الشخصية المحورية للمعرض.
وخصص المعرض برنامجا متكاملا لأديب نوبل يمثل مساحة متفرّدة للإبحار في عوالم هذه الشخصية الغنية، وخفاياها، ونشأتها، والوقوف عند نتاجها، بالدراسة والتذوّق والتحليل، إضافة إلى القراءة المعمّقة والنقدية، ورصد تأثيرها في مختلف جوانب الثقافة والفنون الأخرى، ووفر ذلك فرصة نادرة للتماهي مع الشخصية والتعرّف على مكنوناتها، خصوصا مع وجود الأدوات العصرية السمعية والبصرية، والندوات والجلسات النقدية، التي تشكّل لوحة ملهمة وشاملة عن حياة محفوظ ونتاجه الذي لا يتكرر.
وشهد المعرض إقامة جلسة نقاشية بعنوان “نجيب محفوظ بدايات وخواتيم”، شارك فيها الدكتور نزار قبيلات، رئيس قسم الماجستير في جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية في أبوظبي، والأكاديمي والكاتب والناقد الدكتور أيمن بكر، والأكاديمي والناقد الدكتور خيري دومة، والشاعر والناقد عبده وازن، بحضور حشد جماهيري حرص على الإبحار في عالم روايات نجيب محفوظ، في جلسة حوارية شائقة أدارتها الأكاديمية والناقدة الإماراتية الدكتورة عائشة الشامسي.
وتطرقت الجلسة إلى عبقرية الرواية والأسلوب والموضوعات التي أوصلت كاتبها إلى الفوز بجائزة نوبل في الآداب، بدءا من ثلاثية البداية ممثلة في “عبث الأقدار”، “رادوبيس”، “كفاح طيبة”، والتي حفلت بالإسقاطات السياسية على الأوضاع في مصر حينها، إلى ثنائية النهاية “أصداء السيرة الذاتية”، “أحلام فترة النقاهة” والتي عكست رؤية نجيب محفوظ الذاتية إلى الكثير من القضايا، حيث مر بثلاث مراحل، التاريخية والواقعية والرمزية الفكرية.
المعرض خصص برنامجا متكاملا لأديب نوبل يمثل مساحة متفردة للإبحار في عوالم هذه الشخصية الغنية وخفاياها ونشأتها
وقال قبيلات “تعرفنا على أدب نجيب محفوظ في المسارات الأدبية، وصرنا ندرس حيثيات نجيب محفوظ وكيف قفزت بالرواية العربية إلى مرحلة متقدمة، وأصبحنا نتعرف على كيفية رسم نجيب محفوظ للحارة المصرية”، موضحا أن رواياته متجددة وشابة تحاول أن تحيك التاريخ بالواقع الشاب.
وأضاف أن محفوظ استطاع من خلال رواية “ميرامار” أن يدير حوارات تعكس المجتمع المصري والشخصية المصرية بشكل محتدم وداخل بقعة مكانية محددة.
فيما لفت بكر إلى أن أول كتاب أصدره نجيب محفوظ هو ترجمة لكتاب “مصر القديمة”، وهنا كانت بداية شخصيته مع ما هو تاريخي، حيث اقترنت كتاباته كثيرا بالقومية المصرية. وهو ما أكده دومة بأن بداية نجيب محفوظ مع الرواية التاريخية ترجع إلى تأثره بالهوية القومية كونه أحد أبناء ثورة 1919 في مصر، إذ كان لديه مشروع 20 رواية تاريخية يرصد من خلالها تاريخ مصر، موضحا أن الكثير من النقاد الذين تناولوا نجيب محفوظ أوضحوا علاقة رواياته الوثيقة بالتاريخ المصري، ومنهم إدوارد الخراط.
وأشار وازن إلى أن بدايات نجيب محفوظ لم تنفصل عن باقي مراحله حيث درس الفلسفة وتعمق في كتابة التاريخ ليحفر أكثر في جذور الهوية المصرية، شارحا أن تخصص محفوظ في الفلسفة بما فيها من ورائيات انعكس على أعماله التي عجت بالأسئلة الفلسفية.
أما خواتيم نجيب محفوظ الأدبية فكان أبرز رموزها روايتا “أصداء السيرة الذاتية” الصادرة عام 1995 و”أحلام فترة النقاهة”، الصادرة عام 2006، حيث بين وازن أن هذين الكتابين من الكتب المهمة التي أصدرها محفوظ في شيخوخته، ومثلا تجربة خاصة، تذكر بما يسمى أدب الأحلام في الأدب العالمي.
وأكد دومة أن محفوظ في الكتابين السابقين عبّر عن سرد أدبي تغلفه غلالة خاصة جدا، إذ تعمد خلال مسيرة حياته الابتعاد عن كتابة سيرته الذاتية، غير أنه يمكن من خلالهما رؤية ملامح مهمة من شخصية نجيب محفوظ.
ويعد “أديب نوبل” الغائب الحاضر الأبرز في فعاليات معرض أبوظبي للكتاب هذا العام، حيث احتفت به وكالات الأنباء وأغلب مؤسسات الإعلام وواكبت الندوات المتعددة التي حاولت تحليل مسيرة محفوظ وأسلوبه والتعاطي مع مؤلفاته بعد رحيله.
وفي إطار احتفاء المهرجان بالأديب المصري العالمي نجيب محفوظ، تقام ندوة “نجيب محفوظ في عيون العالم”، وندوة “نجيب محفوظ وأنغامه”، وندوة “نجيب محفوظ والنقد”.
واهتم المعرض بتخصيص ندوة للحديث عن أشهر أعمال الروائي الراحل للتلفزيون والسينما، بعنوان “نجيب محفوظ على الشاشة” بحضور الكاتبة الصحفية علا الشافعي، والناقد الدكتور حاتم حافظ أستاذ النقد والدراما بأكاديمية الفنون، والسيناريست محمد هشام عبية، والمؤلف والمخرج جمال مطر.
قال جمال مطر إن نجيب محفوظ يمثل أيقونة في الكتابة، إذ قدم 16 فيلما من أهم 100 فيلم في مجال السينما، لذلك يعد شخصا مؤثرا جدا في السينما.
ومن جانبه، قال محمد هشام عبية إن نجيب محفوظ أديب سينمائي سابق لعصره، ويتجلى ذلك من خلال اختياره كتابة سيناريو لجريمة بشعة حدثت في الإسكندرية “ريا وسكينة” عام 1920، ليخلق من صفحة الحوادث في الجرائد مادة لكتابة سيناريوهات الفيلم السينمائي.
وأوضح أن سيناريو بين “السما والأرض” من أصعب الأفلام وفيه تحد كبير لكاتب السيناريو وتمرين وجهد كبير من قبل الكاتب، ولكنه نجح في كتابته بشكل بديع.
وتابع أن العمل السينمائي مختلف عن العمل الأدبي، ونجيب محفوظ كان مدركا للفرق بين الاثنين، مشيرا إلى أن روايات كثيرة لمحفوظ ظلمت عندما تحولت إلى أعمال سينمائية، في حين يعد المخرج صلاح أبوسيف أكثر المخرجين فهما لنجيب محفوظ.
يذكر أن معرض أبوظبي الدولي للكتاب خصص جناحا لتراث الأديب المصري الراحل نجيب محفوظ، جاء تصميمه على الطريقة المصرية، ويشعر الزائر كأنه في حي الجمالية بالقاهرة، كما أن الجناح يحاكي الحداثة والعصر الراهن، ويجمع أكبر المعلومات عن نجيب محفوظ وأشهر أعماله مثل “أولاد حارتنا”. ونقشت على جدران الحارة أشهر أقوال الأديب الراحل.
واختير محفوظ شخصية محورية للمعرض نظرا لمكانته الكبيرة، وما حققه من منجزات لفتت الأنظار إلى الثقافة العربية وواقع الرواية فيها، حيث سيحتفي المعرض هذا العام بأول أديب عربي حائز على جائزة نوبل في الأدب، والذي استطاع أن يترك أثرا مهما من الأعمال الأدبية أبرزها “الثلاثية”، و”أولاد حارتنا”، التي منعت من النشر في مصر منذ صدورها وحتى وقت قريب، إلى جانب استعراض الكثير من الأعمال والمنجزات التي صاغها الأديب وبقيت أثرا لا يمحى لإبداعاته.