منى المنصوري.. مصممة إماراتية تصنع أزياءها المعاصرة بروح التراث
مصممة الأزياء الإماراتية لم تتخلى عن تراث الخليج والعالم العربي في كل مجموعاتها التي عرضت عبر مختلف منصات الموضة في العالم.
الأحد 2024/05/05
منى المنصوري: الأزياء هوية الشعوب
تُعد الأزياء من مقومات الحضارة الإنسانية، وأحد مظاهر الهوية الوطنية للدول والشعوب.
ويرى الدارسون لتاريخ الأزياء التراثية وتطورها عبر الأزمنة والعصور، بأنها أحد معالم التطور الحضاري والاجتماعي لدى الإنسان
وفي كتابها تاريخ الأزياء وتطورها، الصادر عن دار اليازوري العلمية للنشر والتوزيع بالأردن، تقول الأكاديمية خالدة عبدالحسين الربيعي، إن العلاقة بين الإنسان والأزياء علاقة قديمة ومتلازمة منذ ظهور الإنسان على الأرض، وأن صناعة الأزياء عاشت في الحضارات القديمة بين التأثر والاقتباس، وتطورت تدريجيا.
ولم يغب مفهوم الأناقة عن الأزياء التراثية والشعبية، وذلك بالرغم من مجاراتها للأعراف والتقاليد الاجتماعية، ووفقا للأكاديمية منى عزت حامد، في كتابها “جماليات التراث الشعبي لملابس النساء في دولة الإمارات العربية المتحدة”، الصادر عن دار عالم الكتب للنشر والتوزيع بالقاهرة، فإن أسلوب تنفيذ الأزياء الشعبية خلاصة المهارة اليدوية، وإن الإنسان الشعبي وإن كان ابن الطبيعة إلا أنه في نفس الوقت سيدها، فهو ينطلق بخياله ليبتكر ويبدع في أزيائه.
ولعل ذلك الابتكار والإبداع في الأزياء التراثية والشعبية منذ القدم، هو أول إرهاصات ما يُعرف اليوم بـ”الأناقة”، والتي قد نراها واضحة فيما تتفرّد به الأزياء التراثية والشعبية في معظم البلاد بالطابع الزخرفي الذي يشكل ظاهرة تجمع بين مظاهر هذا الذوق الفطري للشعوب كافة، وكما تقول الدكتورة منى عزت حامد، فإن الوحدات الهندسية المستخدمة في التطريز والنقش والحليات تتشابه في معظم البلاد، في دليل على أن الذوق الشعبي كان – ومازال – شغوفا بالألوان الزاهية والبراقة، وكأن هناك لغة موحدة في عالم الأزياء، يتحدث بها البشر جميعا باختلاف لغاتهم ومواقعهم وهي لغة الزخارف.
تجربة خاصة
للأزياء التقليدية مكانة بارزة في التراث الإمـاراتـي الذي يُشكل مـادة غنية وزاخرة ومتنوعة، تعكس الإرث الحضاري والثقافي للمجتمع الإماراتي، والتراكم التاريخي، الذي أسهم في تشكيل مخزون ثقافي وشعبي ضخم يستعرض جوانب الحياة كافة، من عادات وتقاليد وأعراف، وحكم وأمثال وألعاب، وحرف وصناعات وأكلات شعبية، ورقصات تراثية، وفنون شعبية وأدائية، ومعالم تراثية، وشواهد تاريخية تروي قصة الماضي الجميل والأصيل.
ولأن الأزياء التراثية هي جزء من الهوية الوطنية للشعوب والأوطان، فقد اهتمت الحكومة، والشعب الإماراتي بأزيائه التراثية والشعبية، وعمل على صونها وتوثيقها والحفاظ عليها، وارتبط بها وحرص عليها في إطار حرصه على تاريخه، وباعتباره أيضا ميراثا غاليا تركه الأجداد وتتوارثه الأجيال جيلا بعد جيل.
◄ أزياء تحمل عبق الماضي الجميل
وقد كان للمرأة الإماراتية دور بارز في الحفاظ على الأزياء التراثية لبلادها، حيث تميزت بتمسكها بزيها التقليدي، وعشقها لعباءتها وأزيائها الخاصة، وذلك منذ أن كانت المرأة الإماراتية تحيك ملابسها بيدها وحتى اليوم، حيث يعمل فريق من مصممات الأزياء المعاصرات على إحياء تراث وطنهن من الأزياء التقليدية عبر تقديم تقديمه برؤية معاصرة، والعمل على نشر تراث وثقافة بلادهن في بلدان العالم أجمع.
وفي إطار ذلك الاهتمام الإماراتي الرسمي والشعبي، بالأزياء التراثية والشعبية، فقد كان لمصممة الأزياء الإماراتية، منى المنصوري، تجربة خاصة في مجال إحياء الأزياء التراثية، وحفظ تلك الأزياء ونقلها للأجيال، واستلهامها في تصميمات معاصرة تجمع بين عراقة وعبق الماضي، ومستجدات الأناقة المعاصرة.
وتقول منى المنصوري، في مقابلة جمعتنا بها في مدينة الأقصر الغنية بمعابد وآثار الفراعنة بصعيد مصر وفي مدينة دبي، إن الأزياء هي الحاملة لهوية الشعوب، وهي تراث الأوطان، والمعبرة عن حضارة كل شعب، وهي أيضا جزء لا يتجزأ من تاريخ البلدان والشعوب.
وأضافت بأنه من هنا جاء اهتمامها باستلهام وتوظيف التراث في الأزياء المعاصرة، مؤكدة على أن مصمم الأزياء يحمل في داخله هويته الوطنية، التي تظهر جلية من خلال تصميماته، معبرة عن أملها في وجود متحف إماراتي متخصص يحكي تاريخ الأزياء بالبلاد، ويسجل تلك التصاميم العريقة لملابس الأجداد والآباء، وصونها ونقلها للأجيال الجديدة.
وأشارت إلى أن متاحف الأزياء صارت ظاهرة رائجة في بعض البلدان، مثل فرنسا التي تضم عاصمتها باريس قرابة خمس متاحف للموضة والأزياء.
جمال وثراء
◄ السعي لنشر التراث الإماراتي بين شعوب العالم
تؤكد منى المنصوري، على أن التراث الإماراتي ثري بجمالياته، وبما يتضمنه من عناصر مبدعة يمكن استلهام العديد من الأفكار المبتكرة منها، وتطويعها لتتناسب مع الذوق العصري، موضحة أن الزي الذي قدمته للمتحف عبارة عن عباءة زينتها بالعديد من الصورة الفوتوغرافية التي تستعرض 40 عاماً من تاريخ الإمارات منذ فترة الستينات قبل ظهور النفط، وحتى الوقت الحالي، من بينها صور للمنازل التقليدية (العريش) والنخيل وغيرها من رموز الحياة في المنطقة وقتها، كما تضمن كثيرا من الصور التي تعكس الدور الذي كانت تقوم به المرأة الإماراتية في المجتمع، وتطور هذا الدور مع نمو الدولة وتطورها، تأكيداً على الحضور الفاعل للمرأة في المجتمع الخليجي عبر العصور.
وقدمت منى المنصوري، خلال مسيرتها في عالم الموضة، مجموعات من الأزياء العالمية التي تحمل عبق تراث وطنها الإمارات وتراث بلدان الخليج والعالم العربي.وفي كل مجموعاتها التي عرضت عبر مختلف منصات الموضة في العالم، لم تتخلى المنصوري عن تراث وطنها الإمارات ومنطقة الخليج والعالم العربي، وحرصها الدائم على تقديم الأزياء التي تحمل عبق الماضي الجميل لتلك البلاد والأوطان، فجاءت تلك المجموعة في تصميمات جمعت بين خطوط الموضة العالمية المعاصرة، مع الاحتفاظ بذلك العبق الذي تحمله الأزياء التراثية الإماراتية والخليجية والعربية، وهو الأمر الذي مكّن منى المنصوري من إيصال الأزياء التراثية لوطنها الإمارات وأوطاننا العربية، بكل ما تحمله من عراقة وأصالة، إلى شتى المنصات بعواصم الموضة العالمية، ومن أوروبا إلى آسيا.
◄ ابتكار وإبداع
في شهر يوليو من عام 2011، وضمن فعاليات مجلس الصداقة الإماراتي – السويسري، استضاف قصر بوريفاج بمدينة لوزان، عرضا للأزياء التراثية الإماراتية للمنصوري وقد حازت إعجاب الجمهور السويسري، حيث عبروا عن انبهارهم بالتراث الإماراتي وما يتميز به من خصوصية وثراء.
وقدمت منى المنصوري أحد الأزياء التراثية الإماراتية هدية لمتحف الأزياء الوطنية السويسرية، وقرر أريهارت بون سان، مدير المتحف آنذاك، عرض ذلك الزي التراثي الإماراتي ضمن مقتنيات المتحف، ليكون أول قطعة أزياء تعرض بداخل المتحف من خارج سويسرا.
حرصت المنصوري في التصميمات التي قدمتها للجمهور السويسري، على استلهام التراث الإماراتي في كثير من التفاصيل مثل التطريز وشغل السدو التقليدي، كما بدت اللمسة التراثية واضحة في اختيار المصممة للأقمشة والألوان التي قدمتها، إلى جانب التصميمات نفسها التي شكلت تنويعات مختلفة على العباءة بمختلف أشكالها.
بينما مالت في جانب آخر من تصميماتها في العرض إلى إضافة لمسات خاصة أكثر عصرية دون أن تبتعد كثيراً عن روح التراث التي شكلت العنوان العريض والأبرز للعرض.
وفي شهر يوليو من عام 2018، وخلال زيارة لها لكازاخستان، قدمت المنصوري عرض أزياء تراثي إماراتي لفت الأنظار، وفي إطار السعي لنشر التراث الإماراتي بين شعوب العالم، وقعت المنصوري بروتوكول تعاون مع كليتي الإدارة والأعمال والتأهيل المهني والخدمات في مدينة استانا، لتدريب وتأهيل طلبة الكليتين على فنون الموضة المعاصرة، ونقل تجربتها التي تمتد لأكثر من ثلاثة عقود في مجال الموضة، وإنشاء كرسي متخصص في تدريس فنون الأزياء التراثية في الإمارات لطلاب كازاخستان.
نشر الموروث الثقافي
بجانب سويسرا وكازاخستان، هناك الكثير من المحطات التي وظفت فيها مني المنصوري مشاركاتها بعروض الأزياء العالمية، في تقديم ونشر تراث وطنها الإمارات.
وذلك بجانب تمكنها من صنع جسر من التواصل بين منظمي مهرجانات ومنصات الموضة العالمية، وصناع الموضة والأزياء بالمنطقة العربية، وكذلك خلق حالة من التواصل بين المشاهير من مصممي وعارضي الأزياء بالعالم، ونظرائهم بالوطن العربي، ونقل عروض كثير من تلك المهرجانات والمنصات من عواصم الموضة العالمية، إلى مدن العالم العربي، ومشاركة مشاهير الموضة بالعالم في فعاليات استضافتها مدن عربية مثل مدينة دبي، ومدينة الأقصر الأثرية المصرية.
وقد منحت تلك المشاركات لنجوم الموضة وصناعة الأزياء بالعالم، في فعاليات عربية، بجانب نقل عروض كبريات منصات ومهرجانات الموضة العالمية من عواصم العالم إلى بعض المدن العربية، منحت فرصة كبيرة لمصممي وعارضي الأزياء بالدول العربية للاحتكاك المباشر مع نجوم الموضة العالمية، وتبادل الرؤى والخبرات معهم، والتعرف عن قرب على عوالم هؤلاء النجوم، والاطلاع على ثقافاتهم المتنوعة.
هو دليل على حجم سعى بيوت الأزياء العالمية، لطرق أبواب العرب عبر بوابة وطنها الإمارات العربية المتحدة.
من المؤكد أنه ما كان يمكن أن يكون هذا التأثير للتراث الإماراتي وللأزياء الشعبية الإماراتية في حركة الموضة المعاصرة، وذلك الحضور في مجموعات الأزياء الحديثة التي تطرح على منصات الموضة المحلية والعالمية، لولا ذلك الحرص الذي أولته الدولة للتراث، وتلك الخطط الطموحة التي استهدفت إعادة إحياء التراث واستلهامه وتوظيفه في خدمة الحاضر والمستقبل، وصونه ونقله للأجيال بهدف تعريفهم بما تركه الأجداد والآباء من تراث أصيل.