منار الزهيري مخرجة مصرية تشجع أفلامها النساء على الكفاح من أجل حقوقهن
"ممكن نتوه".. يوثق حكايات من واقع الشابات في مصر.
الجمعة 2024/05/03
ShareWhatsAppTwitterFacebook
عدسة ترصد بعضا من الواقع
خصصت المخرجة المصرية منار الزهيري أولى تجاربها الإخراجية لتكون صوت بنات جنسها، حيث تسلط الضوء على أهم التحولات التي مررن بها خلال ثورة 2011، وبالتالي التغيرات التي توالت على المجتمع المصري.
الرباط - يتحدث الفيلم الوثائقي الطويل “ممكن نتوه” للمخرجة المصرية منار الزهيري عن رحلة نضج ثلاث شابات مصريات طموحات نشأن في محافظات خارج القاهرة، يملكن صورة بعيدة عن العاصمة تتبدد وتتغير خلال دخولهن في عالم مدينة القاهرة بحثا عن ذواتهن أثناء ثورة العام 2011، لتواجهن مواقف شخصية تزلزل هويتهن، فتتخذن قرارات جريئة على مستوى الحياة المهنية ومواقف مختلفة تجاه الزواج والأمومة، تعكس التغيرات غير المرئية للمدينة والمجتمع. وتم اختيار الفيلم الوثائقي “ممكن نتوه” في مهرجان الإمارات للأفلام، وفي هذا السياق، قامت صحيفة “العرب” بحوار مع المخرجة المصرية منار الزهيري.
تقول المخرجة المصرية منار الزهيري عن مراحل نضوج فكرة إنتاج الفيلم الوثائقي “ممكن نتوه” والسبب في اختيارها معالجة رحلة ثلاث شابات مصريات من خارج القاهرة “بدأت من خلال عملي كمدربة في مشروع تنموي مع الوكالة الألمانية للتعاون الدولي (غيز)، إذ كنت منسقة ومدربة في برنامج تدريبي على سينما الموبايل، يستهدف صناع الأفلام المبتدئين من مختلف المحافظات في مصر، فكان الهدف من البرنامج إنتاج قصص أصيلة وجديدة تتناول قضايا المرأة، والمشكلات السكانية، والدمج المجتمعي لذوي الهمم”.
وتضيف “رأيت خلال تلك التجربة الحاجة إلى إيصال رسائل حول قضايا المرأة وتحدياتها بطريقة تمثل الفئات غير المشهورة في وسائط الإعلام الرئيسية، لذلك قررت التوجه نحو تصوير رحلة ثلاث فتيات مصريات طموحات ينشأن في محافظات خارج القاهرة، حيث رأيت في قصص هؤلاء الفتيات فرصة لتسليط الضوء على التحولات الشخصية التي يمر بها الأفراد خلال رحلتهم للبحث عن ذواتهم في المدن الكبرى مثل العاصمة، خاصة خلال فترة الثورة في عام 2011، حيث كانت هذه الفترة تمثل لحظة تاريخية مهمة فيها فرصة للكشف عن التغيرات غير المرئية في مدينة القاهرة وتأثيرها على حياة الأفراد”.
وحول كيفية تصوير الحياة في محافظات مصر النائية وردود الأفعال المحلية تجاه الفيلم، تقول المخرجة “كانت معظم عمليات التصوير تتم في القاهرة، حيث تظهر المحافظات في الصور الأرشيفية وفي بعض المشاهد التي تم التقاطها داخل القطار أو على مركب في النيل، ينتقل من الأقصر إلى أسوان، وكانت فكرة هذا التمثيل البصري تركز على لحظة الانتقال من المحافظات إلى القاهرة، حيث يظهر التغيير والتحول من خلال اندماج الفتيات في الحياة الحضرية. قمنا بتقسيم عمليات التصوير بين مناطق القاهرة القديمة، وتحديدا القاهرة الإسلامية التاريخية، والقاهرة الجديدة بمناطقها الحديثة، مما يبرز الفارق بين هذه المناطق”.
◙ فيلم يناقش تأثير الخطاب النسوي على فتيات الطبقة المتوسطة والتحولات التي تتعرض لها النساء الشابات في العالم العربي
وشارك فيلم “ممكن نتوه” في اثني عشر مهرجانا حتى الآن، وفاز بجائزة أفضل سيناريو في مهرجان زاكورة للفيلم الوثائقي العربي – الأفريقي، ومع ذلك لم يتم عرض الفيلم في مصر حتى الآن، وخلال عملية تطوير الفيلم، تم عرض نسخة خام في عروض تطوير مغلقة داخل مصر، وقد حصل على تعليقات إيجابية خاصة بمواضيع الحرية عند النساء ومناقشة قضايا حساسة لم تتم تغطيتها بشكل كاف في وسائل الإعلام.
وفي حديث عن التغيرات في هوية النساء خلال فترة الثورة وما بعدها، وكيف تم تجسيد الأحداث السياسية والاجتماعية في التجربة الشخصية للبطلات ، تقول منار الزهيري “تمثل عبير قصة حبها الأولى خلال فترة المظاهرات بين عامي 2011 و2013، حيث لم تكتمل بسبب حركة تمرد ضد حكم الإخوان المسلمين، شاركت هي في حركة تمرد، بينما كان حبيبها جزءا من حركة تجرد. جسدت عبير صورة لمدينة القاهرة من خلال المقالات السياسية التي سبقت فترة الثورة، معتبرة أنها كانت مهيأة جدا للثورة من خلال تتبعها لتلك المقالات، ولكن بعد الأحداث أصبحت تشعر أنهم جميعا خدعوا. أما بالنسبة إلى البطلة الثانية مريم، فقد قضت طفولتها في الإمارات وعادت إلى مصر بعد الثورة لتدخل كلية الإعلام، إذ تعكس تكاليف الجامعة واقترابها من الأحداث العامة تغيرا في معانيها الشخصية، مع اكتشافها لتغيرات في مفاهيم مثل الحرية والعدالة، وعلى الرغم من محاولاتها لتجنب المشاركة في الأحداث الرئيسية، انعكست مفاهيمها بشكل كبير”.
وتستدرك “أما روضة، فكانت فتاة تتبنى موقفا مختلفا تماما خلال تلك الفترة، حيث اعتمدت على وعود تيار الإسلام السياسي، ثم قامت بتغيير موقفها بعد الثورة، وابتعدت عن التيار بحثا عن مفاهيم العلمانية وحقوق المرأة وفهم الدولة”.
وتضيف “تظهر القصص الثلاث تأثير الظروف الاجتماعية والسياسية على أفعال الشابات، حيث يظهرن تغييرات في حياتهن الشخصية ومفاهيمهن الشخصية، تقرر عبير تحقيق حلمها بدخول قسم السيناريو في معهد السينما، بينما روضة تبحث عن فرصة للعمل في الخارج، أما مريم فتشعر بعد تغير أفكارها بصعوبة في العثور على شريك حياة مناسب”.
أما اللحظات الرئيسية التي تعبّر عن تحول هوية الفتيات وتفكيرهن، فتؤكد المخرجة المصرية أن “نشأتهن المحافظة ووعيهن بالحياة العامة والسياسية ودرجة تأثرهن بالأحداث الكبرى هي البداية، حيث تتذكر مريم نفسها كمصرية في الإمارات تعرضت للتنمر بعد مباراة مصر والجزائر الشهيرة، ومساءلتها عن اتفاقية السلام مع إسرائيل وهي لم تدرس تاريخ مصر من الأساس، كذلك تتذكر روضة رحلة أهلها المميزة إلى رفح عام 2008 عندما علموا من التلفزيون بفتح المعبر وكيف جمعوا المساعدات من أجل أهل فلسطين، ثم عادوا خائبين بسبب رفض محطات البترول تزويدهم بأيّ بنزين في منطقة سيناء بأوامر من الحكومة حينها، بينما عبير تتذكر رفض أهلها لقراءتها للمقالات السياسية في الجرائد وحرقها باعتبارها إضاعة للوقت، فكانت تخبئها داخل الكتب الدراسية، ثم إيجاد خطة لكل منهن حول تغيير حياتهن العملية وإيجاد شريك الحياة وحجم التعقيدات التي يواجهنه”.
◙ في قصص الفتيات فرصة لتسليط الضوء على التحولات التي يمر بها الأفراد خلال رحلتهم للبحث عن ذواتهم
وتكشف الزهيري كيف تظهر الصورة الجديدة للشابات عندما يدخلن عالم القاهرة، وكيف تقدم المدينة تحديات جديدة وفرصا لهن، مفسرة “جاءت عبير إلى القاهرة من أجل معهد السينما بعد أن أنهت بكالوريوس الآداب قسم الإعلام في جامعة الزقازيق بالشرقية، فوجدت عالما غريبا عنها كفتاة محافظة، وروضة جاءت مع والدها الذي يعمل كمدرس في مدرسة دولية، أما مريم فجاءت للتخلص من ظروف الحياة في القرية بالصعيد وسعيا للاستقلال المالي”.
وتشير إلى أن “الشابات الثلاث يعشن شعور الاغتراب، حيث يتغير شعور كل منهن تجاه التمسك بارتداء الحجاب، لكنهن يتمسكن به، إذ تنجح مريم على مستوى الحياة العملية، بينما تقرر روضة البحث عن فرصة للهجرة، أما عبير فيزداد شعورها بالرفض المجتمعي. وترى روضة أن الأمومة سجن، سجن للأحلام، ومريم تشعر أن الرجل الشرقي ينظر إلى المرأة بدونية، وأن هذا بعيد عما تعرفه هي عن مكانة المرأة في الدين الإسلامي، وتشعر أنه ليس سهلا إيجاد شريك حياة متعاون وداعم لها ولأحلامها، بينما عبير يتركها شاب تقدم لخطبتها بمجرد معرفته بالتحاقها بمعهد السينما، وتطلب من أهلها ألا يفصحوا عن ذلك لإيجاد شريك حياة مناسب”.
أما الرسائل التي تأمل منار الزهيري نقلها إلى الجمهور من خلال قصة هؤلاء الشابات وتجربتهن، فهي “سرد رواية منسية عن عمق تشكيل فشل الثورة لاتجاهات جيل الشباب، والتغيرات الاجتماعية بسبب الأحداث السياسية في مصر وحجم تأثير الخطاب النسوي على فتيات الطبقة المتوسطة اللاتي نشأن نشأة محافظة، وتفهّم حجم التحولات التي تتعرض لها النساء الشابات في العالم العربي مع الانفتاح على أفكار متعددة التوجهات، واستيعاب تحول نظرتهن إلى الأمومة كعبء بسبب حد الحريات الذي يتوقعنه”.
يمكن للمشاهدين الشبان في مصر أن يستفيدوا من تجارب هؤلاء النساء حسب المخرجة المصرية التي تقول إن “الصراع الداخلي الذي تمرّ به النساء هو همّ الأجيال الصاعدة، لكن يظن الأغلب أنها مشكلة شخصية. فجاء سرد أثر الأحداث الكبرى على أبسط القرارات الشخصية، كرواية منسية تشكل وعيا فرديا وذاكرة جماعية نحتاج إليها في ظل أجواء متصاعدة من تدهور مشاعر الانتماء وتنامي الفردية. فمعالجة الفيلم تتضمن حوارا مفتوحا يجعل المشاهد ينظر إلى دوافع الشخصيات من منظور مختلف بعيدا عن إصدار الأحكام، ولكنه متفهم لطبيعة التحولات الاجتماعية الكبيرة التي نعيشها في مصر".
وتتابع المخرجة المصرية منار الزهيري الحديث عن خططها للمشاركة في المهرجانات السينمائية، حيث تقول "نولي اهتماما خاصا بمهرجانات المرأة، كما نفكر في عروض بديلة أو عروض ذات تأثير خارج نطاق المهرجانات، حيث نجد فرصا للفيلم في تجاوز الحواجز وإثراء الحوار حول قضايا المرأة العربية".
ShareWhatsAppTwitterFacebook
عبدالرحيم الشافعي
كاتب مغربي