رواية "باهبل مكة" لرجاء عالم.. سيرة اجتماعية في حكايات عائلة السردار
"باهبل مكة" للروائية المكاوية رجاء عالِم صدرت في 336 صفحة عن دار التنوير (الجزيرة)عارف حمزة
26/4/2024-آخر تحديث: 27/4/2024-04:10 م (بتوقيت مكة المكرمة)
بدرجة ما، وبسبب ميزات كثيرة، تستحق رواية الكاتبة السعودية رجاء عالم (ولدت في عام 1956) الجديدة "بَاهَبل مكة 1945-2009" نيل الجائزة العالمية للرواية العربية لهذا العام، ولا ندري إن كان فوزها السابق بهذه الجائزة، عن روايتها "طوق الحمام" مناصفة في عام 2011 مع المغربي محمد الأشعري عن روايته "القوس والفراشة"، سيؤثر على نيلها الجائزة لهذا العام، رغم أنه لا يوجد في شروط الجائزة ما يمنع الفوز بها من نفس الكاتبة أو الكاتب مرتين أو أكثر. ولكن هذه الرواية تحمل بالفعل ميزات وخصائص تجعلها من أفضل الروايات المرشحة للقائمة القصيرة لهذا العام.
وهذه الرواية التي تتحدث عن عائلة "السردار" (وهو اسم متخيّل)، وكان جدها الـ11 قد حكم مكة، سرعان ما تصلح لطبقة، أو لطبقات، اجتماعية كاملة فيها. بل يمكن القول بأنها رواية مكة في أكثر من نصف قرن. ولكن "باهبل مكة" هي أوسع وأعمق من ذلك بكثير.
بيت السردار:
بيت من 5 طوابق هو بيت مصطفى السردار. يحتوي، إضافة لما يحتويه من غرف، حكايات لأجيال متعاقبة، سمّت ذلك الكبير بالديكتاتور. وأبو الهول. بناته وحفيداته سمينه بتلك الأوصاف التي ألحقت بهن الضرر أكثر مما ألحق الضرر بذكور البيت. بنات وحفيدات قضين جلّ حياتهن متجوّلات بين غرف البيت وممرات سيرة الكبير مصطفى السردار. عشن خائفات من الخوف الذي أكلنه وشربنه أكثر من وجبات الطعام والشراب والحياة. وعندما خرج بعضهن من البيت، بسبب الزواج العسير، استقبلتهن القسوة والحرمان بيدين واسعتين. 5 طوابق تحكي عن 60 عاما في حياة الشخصيات الكثيرة والمختلفة، وفي حياة مكة نفسها، بحذاقة ومهارة من عاش تلك الحيوات المختلفة بنفسه.
خلال عيش كبير البيت، مصطفى السردار، ينمحي عالم بقية ذكور البيت، ويبقى هو الذكر الوحيد في مقابل كل حريم البيت. فالرواية تجري بين عالمي حريم البيت والعالم الموازي أو الخانق أو المتسلط على الأول. التسلط الذي يصل بالسردار إلى عدم الاعتراف بابنة له من خادمته سوى بعد سنوات وتدخلات ورجاءات وتهديد بالانتحار. أو يصل به إلى نفي وجود بنات لديه، عندما يتقدم أحد لطلب إحداهن للزواج. وإذا رضخ أخيرا، تحت الضغط واليمين والجاهات، يتلاعب بشخصية البنت المُراد تزويجها، أو يُكلّف أحدا لإيذاء العريس حتى يفرّ من إكمال مسألة الزواج من بنته!. لذلك تقول "سكريّة" لابن أخيها "عباس" في الصفحة 225 "تظن الحنوط سرّا فرعونيا؟ بيوتنا المكاويّة شغلتها تحنيط البنات". ثم تقول له في مكان آخر "أكبر حبس عشناه كان في كلمة عيب. عيب تخرج، عيب تشوف، عيب تسمع، عيب تضحك بصوت أو ترد كلمة بنقاش. تعرف القضاء والقدر؟ كلمة الكبار قضاء وقدر يحرم علينا نرده أو نناقشه" (الصفحة 228).
الكاتبة السعودية رجاء عالم خلال مهرجان البندقية الأدبي عام 2014 (غيتي)
"باهبل مكة" للروائية المكاوية رجاء عالِم صدرت في 336 صفحة عن دار التنوير (الجزيرة)عارف حمزة
26/4/2024-آخر تحديث: 27/4/2024-04:10 م (بتوقيت مكة المكرمة)
بدرجة ما، وبسبب ميزات كثيرة، تستحق رواية الكاتبة السعودية رجاء عالم (ولدت في عام 1956) الجديدة "بَاهَبل مكة 1945-2009" نيل الجائزة العالمية للرواية العربية لهذا العام، ولا ندري إن كان فوزها السابق بهذه الجائزة، عن روايتها "طوق الحمام" مناصفة في عام 2011 مع المغربي محمد الأشعري عن روايته "القوس والفراشة"، سيؤثر على نيلها الجائزة لهذا العام، رغم أنه لا يوجد في شروط الجائزة ما يمنع الفوز بها من نفس الكاتبة أو الكاتب مرتين أو أكثر. ولكن هذه الرواية تحمل بالفعل ميزات وخصائص تجعلها من أفضل الروايات المرشحة للقائمة القصيرة لهذا العام.
وهذه الرواية التي تتحدث عن عائلة "السردار" (وهو اسم متخيّل)، وكان جدها الـ11 قد حكم مكة، سرعان ما تصلح لطبقة، أو لطبقات، اجتماعية كاملة فيها. بل يمكن القول بأنها رواية مكة في أكثر من نصف قرن. ولكن "باهبل مكة" هي أوسع وأعمق من ذلك بكثير.
بيت السردار:
بيت من 5 طوابق هو بيت مصطفى السردار. يحتوي، إضافة لما يحتويه من غرف، حكايات لأجيال متعاقبة، سمّت ذلك الكبير بالديكتاتور. وأبو الهول. بناته وحفيداته سمينه بتلك الأوصاف التي ألحقت بهن الضرر أكثر مما ألحق الضرر بذكور البيت. بنات وحفيدات قضين جلّ حياتهن متجوّلات بين غرف البيت وممرات سيرة الكبير مصطفى السردار. عشن خائفات من الخوف الذي أكلنه وشربنه أكثر من وجبات الطعام والشراب والحياة. وعندما خرج بعضهن من البيت، بسبب الزواج العسير، استقبلتهن القسوة والحرمان بيدين واسعتين. 5 طوابق تحكي عن 60 عاما في حياة الشخصيات الكثيرة والمختلفة، وفي حياة مكة نفسها، بحذاقة ومهارة من عاش تلك الحيوات المختلفة بنفسه.
خلال عيش كبير البيت، مصطفى السردار، ينمحي عالم بقية ذكور البيت، ويبقى هو الذكر الوحيد في مقابل كل حريم البيت. فالرواية تجري بين عالمي حريم البيت والعالم الموازي أو الخانق أو المتسلط على الأول. التسلط الذي يصل بالسردار إلى عدم الاعتراف بابنة له من خادمته سوى بعد سنوات وتدخلات ورجاءات وتهديد بالانتحار. أو يصل به إلى نفي وجود بنات لديه، عندما يتقدم أحد لطلب إحداهن للزواج. وإذا رضخ أخيرا، تحت الضغط واليمين والجاهات، يتلاعب بشخصية البنت المُراد تزويجها، أو يُكلّف أحدا لإيذاء العريس حتى يفرّ من إكمال مسألة الزواج من بنته!. لذلك تقول "سكريّة" لابن أخيها "عباس" في الصفحة 225 "تظن الحنوط سرّا فرعونيا؟ بيوتنا المكاويّة شغلتها تحنيط البنات". ثم تقول له في مكان آخر "أكبر حبس عشناه كان في كلمة عيب. عيب تخرج، عيب تشوف، عيب تسمع، عيب تضحك بصوت أو ترد كلمة بنقاش. تعرف القضاء والقدر؟ كلمة الكبار قضاء وقدر يحرم علينا نرده أو نناقشه" (الصفحة 228).
الكاتبة السعودية رجاء عالم خلال مهرجان البندقية الأدبي عام 2014 (غيتي)
تعليق