اتمنى من رواد اتحادنا متابعة صفحة المجلة بالاعجاب و التقييم و التفاعل ودعوة الاصدقاء
قراءة تحليلية بقلم: ملك أول
لرائعة الأديب الشاعر د.عقيل درويش ( غلبني الشوق)
عندما يحرقنا جمر لظى الشوق واللهفة نرسم بدواخلنا خطوط الطول والعرض بعمق رهيب ولوعة،
يهزنا الحنين محولًا العقل إلى القلب فنتوق للرقص على مسرح الأمل.
قال الفيلسوف جورج إليوت:
"يبدو لي أننا لا نستطيع أبدًا التخلي عن الشوق والتمني بينما نحن على قيد الحياة تمامًا ،هناك أشياء معينة نشعر بأنها جميلة وجيدة ويجب أن نجوع بعدها."
عطر الزمان وشوق المكان لمسناه بنثرية الأديب عندما استهلها ب
( غلبني الشوقُ )
غَلَّبنِي كلمة أصلها (غَلَّبَ) في صيغة الماضي بمعنى التفوق والاستيلاء والقهر
الشَّوقُ : نزوعُ النَّفْس إِلى الشيء، أو تَعَلُّقها
المُلاحظ ركز الأديب على هذه الجملة الفعلية كونها المحور لموضوع نثريته وهي إشارة للإجبار والحرمان وقدحقق بها الترتيب المنطقي.
أسرني بآلامِهِ ...
حكمَ عليَّ بغربتِها ...
دونَ مدةٍ ...
منفيًا في زمانهِ
..
الصراع بين الخير والشر يُحدث في المجتمع الإنساني الدمار والقيود والأحكام الجائرة مما يترتب عليها النفي والطرد والبعد من البلاد لأهداف معينة لا تحصى بالسياسة فلا يحدد لها زمن لا بالطويل ولا بالقصير
الأديب مُقدِمٌ على مذبح الحلم، صحارى دون لقاء.
قال المتنبي:
أُغالِبُ فيكَ الشّوْقَ وَالشوْقُ أغلَبُ
وَأعجبُ من ذا الهجرِ وَالوَصْلُ
بدأ الأديب يطلعنا على سبب نزوحه من بيئته التي هي محور نصه
( غلّبني الشوقُ )
عذّبني بأحكامِهْ ...
حرمَني رؤياها
بوحَ عينيْها
همسَ جفنيْها
دمعَ شفتيْها
هيَ الهيامُ
والشوقُ سلطانُهُ.
..
الزمن والذكريات لحظات موجودة لا تتجدد.
نهض الحنين وصهد الشوق بقلب وإحساس الأديب لأيام شبابه وصباه لكنز بساطته؛ للبيت الشرقي.
حياته معذبة من الحكم القسري الذي أبعده عن قريته الخصبة ومن مساحات مياهها وعيونها الفوارة بالماء وأحاديث أشرافها وأفاضِلها.
أيام الغربة سحقته فاشتاق لسماع صوت كسر الحبوب في تلك القصعة والطاحونة ولكرم الضيافة، هو متعطش لهذا الزمن ولو بشرب نقاط من شفة الدلو.
فالضيعة هي العطش
سُلْطَاِنِيَّةُ الشُّرْبَةِ ووعائه المُقَعَّر يقهره بوجد وجوع
إفصاحه هو الهيام يعطينا الإشارة التأكيدية باستمرار عشقه الذي لا يذوي.
( غلبني الشوقُ )
أَرّقَني بمنامِي
يقضُّني بأحلامي
كلما ضاجعْتُ سعادَتي
بحبِّها
قضَّ مَضجَعي
بهجرانِ
..
كلما مالت الشمس للمغيب يُرفق ذكرياته بالبهجة مع عبق الليل فتتناثر ذرات غبار الحنين تهمس في أذن الشغف مصاب الزمن بالفراق الجلل.
برائحة الحلم يخَشُن السرير عليه ولا يَهْنَئه وَكَأَنَّهُ بِهِ حَصى ليتركه.
في نص الأديب مفاهيم ومصطلحات تكلمت عن ذاته وانطباعاته، وبدوري أقوم بعملية استكشافها.
فالأرق ،ذهاب النوم ليلًا، فهو أسيره وهذا دليل الحزن والهم بإبعاد الهدوء والراحة عن سرير النوم.
نلاحظ تكاثف العنوان والمضمون لتأييد الفكرة. والتعبير الداخلي والخارجي؛ ندف بطيئة أمام رؤانا ليبعث شوقه بلطافة وجمال وأجاد بالقطع والمقاربة الصورية.
( غلبَني الشوقُ )
كلّما غزوتُ نحوَ تخومِها
ذاكَ خدٌ
دونَهُ نهدٌ
دونهُ قدٌّ
مياسٌ عبقُهُ وردْ
..
التكثيف اللغوي كُنْه الروح طبيعة القرية، ومَشعرُ أشجارها والتأمل بألوانها، بمشاهدة النبع والنهر؛ ببوح العين تنشد الأرواح بشاعرية.فنرى الشاعر يشبهها بالمرأة الجميلة الأصيلة؛ نظرًا لطبيعتها الساحرة وعراقتها، فتشحن عواطفه الحزينة. لتتضح صورة وطنه الذي يماثل الأنثى تمامًا والابتعاد عنها منفيًا.
فكلما زاد الجوى للقرية وأراد رؤاها واختصها من كل البلاد يذهب للمعالم والأحلام ليهتدي طريقها ببهجة وإرتواء،... واصفًا ذا اسم إشارة
خد: الحفرة المستطيلة في الأرض _نهر صغير
دونه ظرف زمان فيكون بمعنى خلف وأمام وفوق
نهد: شاب وفرس ونبع ماء
قد: قامة امرأة ممشوقة
شَجَرُ الْمَيْسِ شَجَرٌ مِنْ فَصِيلَةِ البُوقِيصِيَّاتِ
عبق: مكان الإبل الواردة للماء يفوح منها الطيب.
رأينا نزوع الأديب إلى البساطة والتشويق والتخفف من الكلمات الهادفة والمصطلحات الجزلة وإعمال العقل.
فالطبيعة عند الشاعر عقيل درويش هي شد وشوق يستنشق عطرها من بُعد فتعانق روحه أطيابها ،هي المحركة للخيال والباعثة على التأمل بالحياة.
..
تسقطُ رايتي
فما كنتُ يومًا
للشوقِ ندّْ
الطبيعة علمت الشاعر أن الأسماك تسقط بالمصبات منها ما يموت ومنها من يسبح عكس التيار
صدى غصة ،فوطنه هو الملاذ والضيعة، هي الميلاد، الراية علامة منصوبة للرؤية، الرايةُ في الحلم دليلٌ على رجلٍ صاحب علمٍ وفقه في الدِّين، أو إمامٍ زاهدٍ
سقوطها دليلٌ على التخلص من الهموم والأحزان، وتغير الأحوال قياسًا
وئدت أنفاسه في صدره فالراية التي تتساقط هي الراية الانسانية التي تعطي القيمة النفسية للأديب ومعنى الانتماء الانساني.
فبريق أيامه لم يأفل بحلم امتداد لسابقه والاطمئنان هو الحياة.
ما كان حجم شوق الأديب يناظر كبرياء قريته العظيمة المرتفعة، ولا عطر شوقه يماثل عود بخورها.
بين المنفى والجمال والسقوط والحنين شوائب زائفة وذنوب ألمت بواقعنا الإنساني الاجتماعي المعاصر.
عند الشوق نتمنى أن تتقلص الساعات والدقائق وتنهار الحواجز وتصغر مسافات البعد
..
نثرية عميقة يمتزج الفكر والشوق بقالب الجمال.
ببوح عاشق لأنثى يرى فيها وطنه.
العنوان جاذب لعشق الجميع لكلمات الشاعر مأمون الشناوي " غلبني الشوق وغلبني ... "
تفنيد أدواته صائبة ،من لا نهائيات الأسى تلا علينا الأديب اللامع متنًا حكائيًا يوجه خطابه لرمز ذكوري وأنثوي بنبر الإحساس الذي نفث الله الصبر بقلبه رغم الوجع.
ثبت إمكانية الانتقال اللفظي من الخطاب العقلي للعاطفي وبذلك التداخلات الظلية للفظ، والتحول من لسانيات الخبر إلى سيميولوجيا العلامات
فالمخاطب مكنون داخل أغشية النفس ورائحة الشكوى؛ واللوعة فواحة في أرجاء النص.
حكمة قالها دون كيشوت " إن أعظم انتصار في العالم هو انتصار الإنسان على ذاته"
لم تأتِ الاستعارات في هذه النثرية تحديدًا؛ لتبرز لغة النص وجماله، بقدر ما جاءت مناسبة في مواضعها؛ لتزيد التفاعل وتُكَون رؤية يمكن للقارئ تخيلها وتجسيدها في خياله؛ فيتفاعل مع معاني النص، ومشاعره ولغته بطريقة متناغمة
نص إبداعي متكامل توافرت فيه الانتقائية والانفتاح والموسوعية والتركيب
هذه النثرية مثلها مثل سائر نثريات الأديب. تدل على شخصية كاتبها وتحمل رؤاه وتشف عنه بشكل واضح وتفتقر إلى ما تتميز به النثريات عامة وهو الحياد والموضوعية وغياب شخصية الكاتب.