- أليهاندرو ميلان فالنسيا
- Role,بي بي سي
- 22 أبريل/ نيسان 2024
ماهو الفرق بين دماغ (مخ) البشر العاديين ودماغ العباقرة؟
وهل لدى الإنسان دماغ واحد أم أدمغة؟ وما الذكاء وكيف نميزه في عصرنا الحالي، وهل الطريقة التي نعتمدها لتحديد مستوى الذكاء تعتبر مقياسا جيدا؟
وهل يشكل الذكاء الاصطناعي أو الآلي تهديدا للبشرية؟
أسئلة كثيرة تحمل رغم بساطتها إجابات مثيرة.
فنحن عادة ما نصف الشخص الذكي بأنه الشخص القادر على الإجابة بسرعة عن أي سؤال، لكن يبدو أن هذا ليس هو جوهر الذكاء. فما هو جوهره؟
يعمل ميتشيو كاكو أستاذا للفيزياء النظرية (التي تعتمد على الرياضيات في دراسة وفهم الظواهر الطبيعية) في جامعة نيويورك، وهو مؤلف كتاب "التفوق الكمي" الذي يبحث في العصر ما بعد الرقمي (عصر فيزياء الكم أو الكوانتم) أي عصر الحواسيب العملاقة التي تختلف في جوهرها عن الحاسبات الموجودة في عالمنا، إذ تستطيع تلك الحواسيب إجراء ملايين العمليات في ثانية واحدة وتقدم حلولا جذرية لبعض أكبر التحديات التي تواجه البشرية، بدءًا من علاج الأمراض واستئصالها حتى توفير الطعام لسكان الأرض الذين يتزايدون باستمرار.
ويوضح كاكو أن الذكاء الاصطناعي يشكل تهديدًا للبشرية... لكن لا يزال هناك بحسب رأيه وقت للسيطرة عليه.
أجرت بي بي سي لقاء مع كاكو في مقر إقامته في نيويورك ليشرح توقعاته للمستقبل كما تناولها في كتابه "التفوق الكمي".
صدر الصورة،BBC
الإنسان وأجزاء مخه الثلاثة:
يقول العالم كاكو: عند تحليل الدماغ البشري، نجد على الأقل ثلاثة مكونات رئيسية:
الجزء الخلفي من الدماغ أو جذع الدماغ: وهو المنطقة المسؤولة عن إدراك الأبعاد الثلاثية للأمكنة التي نوجد بها وكيفية التعامل معها.
مركز الدماغ أو المخيخ: وقد تطور هذا مع تطور الإنسان وهو الجزء المسؤول عن الذكاء الاجتماعي.
الجزء الأمامي من الدماغ: وهو أهم منطقة إذ تكمن فيه بحسب الباحث ميتشيو ما وصفه بآلة الزمن، إذ نستطيع بواسطته أن نرى المستقبل بدون توقف. وتتم عمليات قراءة المستقبل عن طريق الاستفادة من تجارب الماضي وتحليلها.
لكن هل نتساوى جميعا في القدرة على التنبؤ بالمستقبل؟ وما الذي يميز الدماغ البشري العادي عن الدماغ العبقري؟
العقل البشري العادي هو عقل انتهازي، أي قناص للفرص، ينتظر فقط الفرصة المتاحة ويقتنصها دون جهد يذكر.
أما المفكرون العظماء فيستخدمون "آلة الزمن" في دماغهم - أي الجزء الأمامي من المخ - ويحاولون استشراف المستقبل. وهذا هو لب الذكاء.
ويتمثل ذلك في أحلام اليقظة، التي تحاكي باستمرار مستقبلا غير مرئي أو موجود. إذ يمكنك أن تفكر في المستقبل، بعد مئة عام مثلا. وهذا لا يفعله الدماغ العادي. فالدماغ المتفوق، دماغ الأشخاص الأذكياء، هو دماغ آلة الزمن.
فالعالم الذي اكتشف الكهرباء، أو الهاتف، أو الآلة البخارية رأى ما لم يره غيره.
ما الاكتشاف العظيم الذي سنحققه في الـ100 عام المقبلة؟
تنقل العالم من عصر إلى عصر، من العصر الحجري البدائي إلى العصر الزراعي ثم عصر الميكنة حينما بدأ الإنسان يعتمد كثيرا على الآلة، وانتقل منها إلى ثورة المواصلات كالسيارات والطائرات قبل الانتقال في بداية ثمانينيات القرن الماضي إلى عصر المعلومات الذي استمر حتى عام 2000، وصولا إلى العصر الرقمي أو عصر الإنترنت الذي عشناه منذ بداية الألفية، واستمر إلى عام 2015 حتى ظهر العصر الكمي أو عصر الحواسيب العملاقة الذي نعيش بدايته الآن .. والمفيد هنا أن نشير إلى أن كل عصر يحل لا يلغي ما قبله من عصور بل يعززها ويبني عليها.
العصر ما بعد الرقمي
بنت الولايات المتحدة الأمريكية حاسوب "فرونتير" الخارق بتكلفة 600 مليون دولار وهو يحتوي على ملايين المكونات. وعمل علي قاعدة بياناته أكثر من 100 متخصص ويمكن من خلاله إجراء مليون تريليون عملية في الثانية، وبني على مساحة 680 متراً مربعاً ... ويستطيع كل شخص على كوكب الأرض إجراء 60 عملية حسابية عليه في وقت واحد دون توقف لأربع سنوات. وحاسوب فرونتير هو أقوى بـ147 مليار مرة من أول حاسوب عملاق عرفه العالم.
والمثير هنا أن القفزة الكبيرة التالية في العلم هي استخدام تقنية الكم لفهم الأفكار الكبيرة والصغيرة. وتعتمد هذه التقنية على حساب جزيئات الذرة وما هو أقل من ذلك في تحليل أدق المعلومات، في محاولة للإجابة عن التساؤلات وتقديم الحلول اللازمة للأزمات والمشاكل.
كنا نستخدم لدراسة الدماغ البشري ومعرفة أسراره وفك لغزه، في العصر الرقمي، اللغة الرقمية التي تستخدم في الحاسوب الحالي، وهي لغة خام وبطيئة وتعتمد على الصفر والواحد.
بينما كنا نستخدم في دراسة الكون لغة الكون التي تعتمد على الذرة وجزيئاتها والإلكترون والنيوترون، والجسيمات الضوئية.
اليوم يمكننا مع ثورة الكوانتم أن نستخدم أجهزة الكمبيوتر الكمية أو العملاقة لتحليل بيانات الدماغ مثلا. وهذا سيحقق نتائج مذهلة.
اليوم يسعى العلماء إلى استخدام تقنية الكوانتم من أجل فهم أوسع للكون والإنسان. وقد يكون هذا أكثر وضوحا عندما نرى كيف تعمل هذه التقنية في علاج الأمراض مثلا.
فالعلاج بالأدوية اليوم يعتمد على نظام التجربة والخطأ: ما هو تأثير هذا الدواء، وهل نزيد الجرعة أم ننقصها، لنجرب دواء آخر وهكذا...
ومعظم الأدوية الناجحة اكتشفت عن طريق الصدفة. لكن مع استخدام تقنية الكوانتم، يمكنك إجراء تجارب افتراضية لا نهائية ويمكن تصور النتائج قبل استخدام الدواء خلال دقائق وربما ثوانٍ.
ويمكنك بعد ذلك البدء في اكتشاف أدوية جديدة. حينها لن يكون هناك مثلا مرض السرطان، إذ يمكننا البدء في العلاج قبل ظهور الورم. وسنتمكن، على سبيل المثال، من قراءة الحمض النووي الخاص بالشخص عند الذهاب إلى الحمام، والتعرف على ما قد يتعرض له في المستقبل وإن كان هناك احتمال لإصابته، ويمكن اكتشاف أي ملمح لورم محتمل قبل ظهوره بعشر سنوات.
أي أن كلمة ورم بمعنى آخر سوف تختفي من لغتنا.
تعليق