أزمة الهوية تهدد إنسان القرن الحادي والعشرين

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • أزمة الهوية تهدد إنسان القرن الحادي والعشرين

    أزمة الهوية تهدد إنسان القرن الحادي والعشرين


    مع تبني العالم لفكرة تطوير ثقافة معلوماتية افتراضية متجددة على المستوى العالمي، تتم إعادة نمذجة الخبرات البشرية.
    الثلاثاء 2024/04/23
    انشرWhatsAppTwitterFacebook

    التطور غير جملة من المفاهيم الأساسية

    عمر الخروصي

    الجزائر– تنشغل الباحثة الجزائرية خولة بوجنوي، في كتابها “مجتمع المعرفة وسؤال الهوية” بكيفية التأسيس اليوم لخطاب الهوية، بعيدا عن المرتكزات التقليدية في مجتمع المعرفة، في خضم المتغيرات التكنولوجية التي تكشف عن صياغة جديدة للتاريخ العالمي بتوسط الافتراضي، معتمدة في طرحها هذا على الأبعاد الفلسفية والأسس المعرفية التي ينبني عليها مجتمع المعرفة.

    وتناقش الباحثة هذه الإشكالية عبر فصلين هما “مطلب الهوية وصدمة العولمة” و”مجتمع المعرفة؛ تحولات عالمية”. وتؤكد بوجنوي في تقديم الكتاب، الصادر عن دار ألفا دوك للنشر بالجزائر، على أن الضرورة التي تفرضها طبيعة الوجود الإنساني بإلزامية الاحتكاك والتواصل، دفعت الإنسان إلى استعمال مختلف الوسائل المتاحة لديه من أجل تحقيق هذه الغاية، وكانت الانطلاقة الأولى أن استعان بأحد الرموز المنبهة كاستعمال الدخان بصفته رمزا للتحذير من الخطر المحدق، أو استعمال الحمام الزاجل كوسيلة لبعث الرسائل المكتوبة أو النقوش على الصخور والجدران كطريقة للتعبير عن الحضور والتعريف بوجوده وهويته.

    ومع ظهور الطباعة قطع الإنسان خطوة عملاقة نحو إرساء معالم مشروع تواصلي منقطع النظير مقارنة بالآليات التقليدية التي اعتاد عليها، فلقد هيأ هذا الاختراع لبزوغ عهد جديد في عالم الاتصالات، كان نتيجة ذلك ظهور الصحافة المكتوبة التي أسهمت بدورها في تنوير الرأي العام وتعزيز عالم الاتصال المكتوب. كما شهد المجتمع تغيرات جمة بفعل الآثار الناجمة عن الثورة الصناعية التي أسهمت في تزويد الأمم والمجتمعات بوسائل متطورة هيأت للأفراد فرصة التفاعل فيما بينهم.


    ليس من قبيل المصادفة أن تحتل إشكالية الهوية في مجتمع المعرفة مكانة رئيسية في الفكر الفلسفي المعاصر


    ومن أبرز هذه الوسائل جهاز الراديو الذي يعتمد في بثه على الموجات “الهرتزية”، ومن ثم جهاز التلفزيون الذي أضفى نوعية أكبر على الوسيلة السابقة، إذ أصبح الصوت مدعما بالصورة، واعتبر التلفزيون حينذاك بمثابة القفزة النوعية والتقنية الأكثر تفوقا في تاريخ الاتصال.

    وفي ظل التطور الهائل للتقنية وتطلعاتها اللامتناهية، شهد العالم أيضا ميلاد الأقمار الصناعية واختراعات متلاحقة أفرزت بدورها ميلاد جهاز الكمبيوتر ومن ثم شبكة الإنترنت كثمرة تزاوج بين مختلف التكنولوجيات، لتتوج بفضاء سيبراني يمكن المستخدم من التواصل مع الغير، سواء كان فردا أو جماعة أو مؤسسة، من خلال الرسائل النصية أو الصور أو الفيديوهات مع إمكانية التعليق عليها.

    وتضيف الباحثة “إننا اليوم ندخل في جدل تفاعلي مع عالم الفضاء المعلوماتي اللامحدود، وخاصة الواقع الافتراضي الذي يصنعه هذا العالم؛ إنه عالم يفتح آفاقًا جديدة لتحسين معيشة ملايين الأشخاص حول العالم، بغض النظر عن ثقافتهم أو أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية، ويهدد في نفس الوقت التنوع الثري للثقافات العالمية، ويهيئ للنشء فرص معارف متنوعة، وقد يعزلهم عن غنى الواقع الملموس وثراء التماس والتفاعل مع الحياة الحقيقية اليومية”.

    وتتابع “مع تبني العالم لفكرة تطوير ثقافة معلوماتية افتراضية متجددة على المستوى العالمي، تتم إعادة نمذجة الخبرات البشرية في الثقافات المختلفة في مجالات المثل والأخلاق والسلوك والجمال، ومع التوسع المفرط المتنامي للعالم الافتراضي يتشظى الواقع الاجتماعي، ويواجه الجسم الإنساني والهوية الفردية عمليات تفتيت للمادي القابل للتحقق منه، مقابل خيالات تتلقى كل الدعم التقني اللازم لتكتسي مصداقية دائمة التجدد”.

    وتخلص مؤلفة الكتاب إلى القول “ليس من قبيل المصادفة أن تحتل إشكالية الهوية في مجتمع المعرفة مكانة رئيسية في الفكر الفلسفي المعاصر تماشيا مع التطور العلمي والمعرفي الذي طرأ على إنسان القرن الحادي والعشرين، فغير هذا التطور جملة من المفاهيم الأساسية، وأضفى عليها نزعة رقمية زعزع بها صرح اليقينيات واستحدث معها ممارسات وسمات جديدة غيرت بدورها مفهوم الهوية؛ فإذا كنا في نهاية القرن التاسع عشر وبداية العشرين نتحدث عن العولمة مثل شبح يُهدد الهويات القومية، فإننا اليوم بصدد تغير آخر، أو بالأحرى مفاعيل أخرى، تُشكل لنا هويتنا، ولا يمكن استيعابها دون فهم التحول الجذري الذي مس تاريخيا العلاقة بين القوة والمعرفة والسلطة، فهذا الثالوث أصبح عبارة عن ممارسة خفية تسهم في تشكيل وقولبة الهوية اليوم”.

    يُشار إلى أن خولة بوجنوي، مؤلفة الكتاب، باحثة جزائرية، حاصلةٌ على شهادة دكتوراه في الفلسفة من جامعة باجي مختار بعنابة، شاركت في كتاب جماعي صدر بعنوان “الإنسانيات الرقمية”.
يعمل...
X