"حلم بلا حدود" توليفة أدبية وسوسيولوجية تستعيد ذكرى فاطمة المرنيسي
العرض المسرحي استلهم تشكيلة متنوعة من أهم الأعمال الأدبية والأبحاث السوسيولوجية والندوات والمقالات الصحافية للكاتبة وعالمة الاجتماع المغربية.
مشروع فني فريد
الرباط - احتضن رواق ضفاف، التابع لمؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج، بالرباط، العرض المسرحي “حلم بلا حدود.. فاطمة المرنيسي”، من إعداد وإخراج آن لور لييجوا، وأداء الممثلثين أمل عيوش وسناء عاصف.
واستلهم هذا العرض المسرحي، الذي اتخذ شكل حوار ثنائي بين الممثلتين، تشكيلة متنوعة من أهم الأعمال الأدبية والأبحاث السوسيولوجية والندوات والمقالات الصحافية للكاتبة وعالمة الاجتماع المغربية فاطمة المرنيسي. كما يستحضر أهم المحطات التي نحتت فكر ورسالة هذه القامة الأدبية والعلمية الكبيرة.
وقالت أمل عيوش، في تصريح للصحافة بهذه المناسبة، إن عرض هذا العمل المسرحي في رحاب رواق ضفاف لأول مرة ينطوي على ميزة خاصة، مبرزة أن “هذا الفضاء المخصص للمعارض الفنية البصرية يتيح قربا مكانيا خاصا من الجمهور”.
كتابات المفكرة والمناضلة المغربية الراحلة اهتمت بالإسلام والمرأة وتحليل تطور الفكر الإسلامي والتطورات الحديثة
وعبرت الممثلة عن سعادتها بنجاح هذا “المشروع الفني الفريد”، مضيفة أن “عملية تركيب نصوص غير درامية وصهرها في بوثقة العمل المسرحي، شكلت تحديا كبيرا، لكنها أتاحت مشاركة أهم أفكار فاطمة المرنيسي مع الجمهور عبر عرض لا يزيد عن ساعة واحدة”.
من جهتها، قالت سناء عاصف إن “هذه التوليفية الفنية لفلسفة فاطمة المرنيسي أتاحت للجمهور اكتشاف جوانب من حياة هذه السوسيولوجية، التي قد لا تظهر من خلال الدراسة الأدبية والعلمية لأعمالها”، لاسيما “الطابع الطرائفي والحبكة القصصية اللذان استطاعت من خلالهما المرنيسي طرح أفكارها بسلاسة فذة”.
يشار إلى أن سناء عاصف، ممثلة مغربية مقيمة في فرنسا. أدت أدوارا في العديد من العروض المسرحية من قبيل “شيكسبير في القلب” للحسن زينون، والعرض الفردي “كان يا مكان التنورة” الذي كتبته باشتراك مع أمين بودريقة وحاز على جائزة الإبداع لمهرجان المسرح الأفريقي بالرباط سنة 2023.
من جهتها، شاركت الفنانة أمل عيوش في أكثر من ثلاثين فيلما ومسرحية من ضمنها أفلام “مصير امرأة” و”علي زاوا”، ومسرحيات انتيجون” و”في انتظار غودو” و”فيولسين” وغيرها.
تنطلق المسرحية بجملة: “ولدت سنة 1940 في حريم بفاس”، وهي الجملة التي تبدأ بها فاطمة المرنيسي روايتها “نساء على أجنحة الحلم”، والتي ترى الناقدة سعيدة شريف أنها “تتحدث فيها عن أجزاء مهمة من سيرتها الذاتية ومن طفولتها بمدينة فاس العتيقة، وفي بيئة محافظة حيث الحدود بين النساء والرجال، والكل يخضع لأعراف وتقاليد المجتمع الذكوري، خاصة النساء اللواتي لا يمكن أن يحدن عن الضوابط ولا يتجاوزن الحدود، التي رسمها الرجل، وأفسح لنفسه المجال العام الرحب، وسيج النساء في فضاء ضيق مربع، هو الحريم، يحرم النساء من حقهن في الحلم والتحليق بكامل أجنحتهن”.
العرض المسرحي، الذي اتخذ شكل حوار ثنائي بين الممثلتين، يستحضر أهم المحطات التي نحتت فكر ورسالة المرنيسي
وترى شريف أن هذا العمل المسرحي “تمكن من نقل مجموعة من شذرات نصوص المرنيسي الفكرية المناهضة لكل أشكال التمييز بين النساء والرجال، ومفهوم الحريم بين الماضي والحاضر، ونضالها المستميت من أجل إنصاف المرأة وتحقيق المساواة بينها وبين الرجل، والكشف عن المفاتيح السحرية لعالمة الاجتماع التي تمكنت من كشف العديد من المفارقات، ليس في المجتمعات العربية المسلمة فقط، بل وحتى في المجتمعات الغربية، التي وإن تبجحت بمبادئ الحرية والمساواة، فإنها ما زالت أسيرة منطق يشيء المرأة ويحولها إلى سلعة رخيصة”.
وولدت فاطمة المرنيسي في فاس (1940-2015)، وتابعت دراساتها بمدينة الرباط ثم في باريس (السوربون) وفي الولايات المتحدة حيث حصلت عام 1973 على الدكتوراه في العلوم الإنسانية. ومنذ ثمانينات القرن الماضي، اشتغلت كأستاذة بجامعة محمد الخامس بالرباط. وفي عام 2003 حصلت على جائزة أستورياس في الأدب، فيما نالت في عام 2004 بهولندا جائزة إيراسموس عن موضوع “الدين والحداثة”.
واهتمت كتابات المفكرة والمناضلة المغربية الراحلة بالإسلام والمرأة وتحليل تطور الفكر الإسلامي والتطورات الحديثة. بالموازاة مع عملها في الكتابة تقود كفاحا في إطار المجتمع المدني من أجل المساواة وحقوق النساء، حيث أسست القوافل المدنية وجمعت «نساء، عائلات، أطفال». في مايو 2003 حصلت على جائزة أمير أستورياس للأدب مناصفة مع سوزان سونتاج.
وتعرف المرنيسي بدفاعها عن المرأة، فهي ترى المرأة المغربية ليست آلة للإنجاب، بل هي جسد وروح وعقل، لذلك تحرص دوما على اختيار الأفضل لها، وهو ما جعلها أكثر الكاتبات التحاما بالمرأة المغربية وقضاياها الجريحة، ولقبت بشهرزاد المغربية (نسبة إلى عنوان أحد أعمالها) التي لم تتوقف عن الحكي والبحث والتنقيب في المنافي والفيافي من المغرب المهمش، وكان اشتغالها الجمعياتي والمدني، منارة وأفقا رحبا لبلورة أفكارها حول المرأة وحقوقها المضطهدة من خلال تحقيقات واستطلاعات ميدانية تنضح بالهاجس المعرفي والإصلاحي، شغلتها أكثر من نصف قرن.