اختطاف الثقافة العربية المعاصرة
بقلم. نجيب مجذوب- .
عندما تستحوذ جهات مشكوك في نزاهتها ومصداقيتها على توزيع أهم جوائز الثقافة العربية اليوم وعلى إصدار أشهر المجلات والدوريات الصقيلة الملوّنة، في الوقت الذي تقود تلك الجهات سياسة التطبيع مع الاحتلال الاستيطاني الغاشم ضد رغبة الشعوب العربية المقهورة وإرادة الجماهير المقموعة- فهذا معناه أن الثقافة العربية المعاصرة قد اختُطِفت…
فمازال أشباه الكُـتّاب باللغة العربية يصطفُّون مثنى مثنى مثل تلاميذ طيّعين صاغرين عند أبواب قصور وبلاطات أمراء الممالك العربية ليتنافسوا بدون استحياء على جوائز الأدب والفكر والترجمة، رغم موجات التطبيع المقيت الذي تتزعمه تلك الممالك والمشيخات ضد إرادة شعوبها، ورغم كل ما صرفته مؤخرا من مال وجيّشته من صراصير وزنابير لتدمير دولة جريحة مثل سورية التي تعد بحق موطن الثقافة ومهدها. فلا تستغرب إذا سمعتَ أحد هؤلاء يتفاخر اليوم بأن عمله المرشح أُدرج ضمن اللائحة النهائية لهذا الصنف الثقافي أو ذاك، لنيل جائزة هذا الأمير أو ذاك! والمضحك في هذا المشهد المشين ما نسمعه ونطالعه عن وصف بعض هؤلاء الكتاب بالحداثيين، وتصنيف أعمالهم في خانة الحداثة وما بعدها. في عُرف الأعراب فقط، دون سائر الأمم والأقوام، نرى «الحداثي» المزعوم يتزلف غدق السلطان وكرمه، ويُبجّل القدامة والجمود والاستبداد، ويصمت عن الاحتلال والخيانة. إن هؤلاء الجهابذة ليسوا كتابا، وإنما كتبة و«باشكتاباً» بالتعبير العثماني، رفضوا الاستماع لصوت الشعوب المقهورة، فأخلفوا موعدهم مع التاريخ بسبب حرصهم على امتيازات حقيرة وأطماع دنيئة وعلى حفنة من الدولارات. وكلما شاهدتَ حمَـلَة أقلام يتزاحمون عند باب سلطان جائر فاعلم حفظك الله بأن هؤلاء أهل جشع وطمع وتزلف ونفاق، وبأن مشهدهم ذاك منتهى الذل والهوان. لَعَمري إن الثقافة العربية براء منهم، ولا شيء البتة يربطهم بالحداثة، مهما تكن جودة أقلامهم وما جادت به قرائحهم. (إنني براء مما تعبدون) سورة الزخرف، آية 26.
قبل بضعة عقود كانت للثقافة العربية الحديثة معاركها، ولكل أديب أو مفكر أو شاعر معاركه الأدبية والسياسية والفكرية. أما اليوم فإن هؤلاء الطامعون في نيل الجوائز الثقافية الملغومة يتجنبون خوض أي معركة لأنه ببساطة ليست لديهم أي أفكار ليقارعوا من أجلها، ولا يؤمنون بأي قضية ليدافعوا عنها. (إن هؤلاء لشرذمة قليلون) سورة الشعراء. آية 54، همهم الأكبر أن يخططوا بجميع الوسائل للفوز بجائزة البوكر للرواية، أو جائزة الشيخ زايد للكتاب، بعدما كانت الجوائز من قبل هي التي تبحث عن صاحبها الذي يستحقها. من قبل كان الكاتب يفرض اسمه من خلال أفكاره، أما اليوم فبواسطة علاقاته وجوائزه التي أغدقت عليه دون أن يستحقها.
ﺳﺄﻝ صحفي ذات يوم (من أيام الزمن الجميل) عملاق الأدب العربي الحديث ﻋﺒﺎﺱ محمود ﺍﻟﻌﻘﺎﺩ:
«من الأشهر يا أستاذ، أﻧﺖ أم محمود ﺷﻜﻮﻛو؟». (شكوكو كوميدي ومهرج هزلي بدأ مساره الفني أمياً واشتهر في زمن السينما المصرية بالأبيض والأسود).
فرد العقاد ﺑﺎﺳﺘﻐﺮﺍﺏ: «ﻣين ﺷﻜﻮﻛﻮ؟».
وعندما نقل الصحفي لشكوكو جواب العقاد عن سؤاله، قال شكوكو له:
«اذهب إلى العقاد ﻭقل له أن ﻳﻨﺰﻝ إلى ﻣﻴﺪﺍﻥ ﺍﻟﺘﺤﺮﻳﺮ وسط القاهرة، ﻭﻳﻘﻒ ﻋﻠﻰ ﺭﺻﻴﻒ، ﻭأنا سأقف ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﺻﻴﻒ المقابل، ﻭﻧﺸﻮﻑ ﺍﻟﻨﺎﺱ هتـتجمع ﻋﻠﻰ ﻣﻴﻦ فينا ﺃﻛثر».
ولما نقل الصحفي هذا الكلام للعقاد، رد العملاق بقوله:
«ﺭﻭﺡ ﻟﺸﻜﻮﻛﻮ وأخبره أن ﻳﻨﺰﻝ إلى ﻣﻴﺪﺍﻥ ﺍﻟﺘﺤﺮﻳﺮ ويقف على الرصيف الآخر، ويأتي براقصة واحدة مرتدية ﺑﺪﻟﺔ ﺭﻗﺺ ﺗﻘﻒ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﺻﻴﻒ المقابل، ﻭﻳﺸﻮﻑ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻫﺘﺘﻠﻢ ﻋﻠﻰ ﻣﻴﻦ ﺃﻛثر…».
ما أشبه اليوم هؤلاء الكتبة الذين يسعون إلى الشهرة والمجد الزائف والدولار براقصة ميدان التحرير!
فاس، المغرب
بقلم. نجيب مجذوب- .
عندما تستحوذ جهات مشكوك في نزاهتها ومصداقيتها على توزيع أهم جوائز الثقافة العربية اليوم وعلى إصدار أشهر المجلات والدوريات الصقيلة الملوّنة، في الوقت الذي تقود تلك الجهات سياسة التطبيع مع الاحتلال الاستيطاني الغاشم ضد رغبة الشعوب العربية المقهورة وإرادة الجماهير المقموعة- فهذا معناه أن الثقافة العربية المعاصرة قد اختُطِفت…
فمازال أشباه الكُـتّاب باللغة العربية يصطفُّون مثنى مثنى مثل تلاميذ طيّعين صاغرين عند أبواب قصور وبلاطات أمراء الممالك العربية ليتنافسوا بدون استحياء على جوائز الأدب والفكر والترجمة، رغم موجات التطبيع المقيت الذي تتزعمه تلك الممالك والمشيخات ضد إرادة شعوبها، ورغم كل ما صرفته مؤخرا من مال وجيّشته من صراصير وزنابير لتدمير دولة جريحة مثل سورية التي تعد بحق موطن الثقافة ومهدها. فلا تستغرب إذا سمعتَ أحد هؤلاء يتفاخر اليوم بأن عمله المرشح أُدرج ضمن اللائحة النهائية لهذا الصنف الثقافي أو ذاك، لنيل جائزة هذا الأمير أو ذاك! والمضحك في هذا المشهد المشين ما نسمعه ونطالعه عن وصف بعض هؤلاء الكتاب بالحداثيين، وتصنيف أعمالهم في خانة الحداثة وما بعدها. في عُرف الأعراب فقط، دون سائر الأمم والأقوام، نرى «الحداثي» المزعوم يتزلف غدق السلطان وكرمه، ويُبجّل القدامة والجمود والاستبداد، ويصمت عن الاحتلال والخيانة. إن هؤلاء الجهابذة ليسوا كتابا، وإنما كتبة و«باشكتاباً» بالتعبير العثماني، رفضوا الاستماع لصوت الشعوب المقهورة، فأخلفوا موعدهم مع التاريخ بسبب حرصهم على امتيازات حقيرة وأطماع دنيئة وعلى حفنة من الدولارات. وكلما شاهدتَ حمَـلَة أقلام يتزاحمون عند باب سلطان جائر فاعلم حفظك الله بأن هؤلاء أهل جشع وطمع وتزلف ونفاق، وبأن مشهدهم ذاك منتهى الذل والهوان. لَعَمري إن الثقافة العربية براء منهم، ولا شيء البتة يربطهم بالحداثة، مهما تكن جودة أقلامهم وما جادت به قرائحهم. (إنني براء مما تعبدون) سورة الزخرف، آية 26.
قبل بضعة عقود كانت للثقافة العربية الحديثة معاركها، ولكل أديب أو مفكر أو شاعر معاركه الأدبية والسياسية والفكرية. أما اليوم فإن هؤلاء الطامعون في نيل الجوائز الثقافية الملغومة يتجنبون خوض أي معركة لأنه ببساطة ليست لديهم أي أفكار ليقارعوا من أجلها، ولا يؤمنون بأي قضية ليدافعوا عنها. (إن هؤلاء لشرذمة قليلون) سورة الشعراء. آية 54، همهم الأكبر أن يخططوا بجميع الوسائل للفوز بجائزة البوكر للرواية، أو جائزة الشيخ زايد للكتاب، بعدما كانت الجوائز من قبل هي التي تبحث عن صاحبها الذي يستحقها. من قبل كان الكاتب يفرض اسمه من خلال أفكاره، أما اليوم فبواسطة علاقاته وجوائزه التي أغدقت عليه دون أن يستحقها.
ﺳﺄﻝ صحفي ذات يوم (من أيام الزمن الجميل) عملاق الأدب العربي الحديث ﻋﺒﺎﺱ محمود ﺍﻟﻌﻘﺎﺩ:
«من الأشهر يا أستاذ، أﻧﺖ أم محمود ﺷﻜﻮﻛو؟». (شكوكو كوميدي ومهرج هزلي بدأ مساره الفني أمياً واشتهر في زمن السينما المصرية بالأبيض والأسود).
فرد العقاد ﺑﺎﺳﺘﻐﺮﺍﺏ: «ﻣين ﺷﻜﻮﻛﻮ؟».
وعندما نقل الصحفي لشكوكو جواب العقاد عن سؤاله، قال شكوكو له:
«اذهب إلى العقاد ﻭقل له أن ﻳﻨﺰﻝ إلى ﻣﻴﺪﺍﻥ ﺍﻟﺘﺤﺮﻳﺮ وسط القاهرة، ﻭﻳﻘﻒ ﻋﻠﻰ ﺭﺻﻴﻒ، ﻭأنا سأقف ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﺻﻴﻒ المقابل، ﻭﻧﺸﻮﻑ ﺍﻟﻨﺎﺱ هتـتجمع ﻋﻠﻰ ﻣﻴﻦ فينا ﺃﻛثر».
ولما نقل الصحفي هذا الكلام للعقاد، رد العملاق بقوله:
«ﺭﻭﺡ ﻟﺸﻜﻮﻛﻮ وأخبره أن ﻳﻨﺰﻝ إلى ﻣﻴﺪﺍﻥ ﺍﻟﺘﺤﺮﻳﺮ ويقف على الرصيف الآخر، ويأتي براقصة واحدة مرتدية ﺑﺪﻟﺔ ﺭﻗﺺ ﺗﻘﻒ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﺻﻴﻒ المقابل، ﻭﻳﺸﻮﻑ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻫﺘﺘﻠﻢ ﻋﻠﻰ ﻣﻴﻦ ﺃﻛثر…».
ما أشبه اليوم هؤلاء الكتبة الذين يسعون إلى الشهرة والمجد الزائف والدولار براقصة ميدان التحرير!
فاس، المغرب