"أينشتاين والقنبلة" يتعمق في حياة أعظم علماء القرن العشرين
الفيلم يظهر ندم ألبرت أينشتاين ومعضلته الأخلاقية.
الأحد 2024/04/21
انشرWhatsAppTwitterFacebook
صورة مؤثرة لأحد أعظم عقول البشرية
استفاد فيلم “أينشتاين والقنبلة” من النجاح المبهر الذي حققه فيلم “أوبنهايمر” عن تطوير القنبلة الذرية ومآلات ذلك. ولعل أكثر ما خدم الفيلم الأول المشهد الذي جاء في فيلم “أوبنهايمر” من لقاء أوبنهايمر مع أنشتاين، أشهر عالم فيزيائي في تاريخ البشرية والأكثر تأثيرا، لكن الفيلم يذهب إلى مناطق مجهولة في حياة العالم الشهير ومواقفه.
الفيلم الوثائقي “أينشتاين والقنبلة” كتابة البريطاني فيليب رالف وإخراج أنتوني فيلبسون يتبع شخصية ألبرت أينشتاين بعد هروبه من ألمانيا في عام 1933، يكتسب الفيلم اهتماما معينا ليس فقط بسبب شخصية أينشتاين نفسه، الذي أشتهر في اكتشافاته للنظرية النسبية التي أحدثت ثورة في فهمنا للمكان والزمان والجاذبية، ولكن بسبب النجاح الهائل لفيلم المخرج كريستوفر نولان “أوبنهايمر” الذي عرض اللقاءات بين الاثنين.
يلتقط فيلم “أينشتاين والقنبلة” لحظة محورية في التاريخ في عام 1933 وفي حياة ألبرت أينشتاين أشهر عالم على هذا الكوكب. وفي نفس العام وصل هتلر إلى السلطة وأصبح أينشتاين مناهضا للنازية والعدو العام رقم واحد لها.
التاريخ وسيرة حياة
نشاهد في الفيلم أينشتاين هاربا، ونرى كيف اختبأ أعظم فيزيائي في العالم من النازيين في كوخ نورفولك.
بسبب شهرته في ذلك الوقت ونجاحه المستمر، كانت نظرياته عرضة لرد فعل عنيف. تم نشر مئة مؤلف ضد أينشتاين في عام 1931. بعد وصول أدولف هتلر إلى السلطة في ألمانيا انتقد أينشتاين سياساته علنا، لذا أصبح هدفا رئيسيا للحركة النازية الصاعدة والتي حرضت على الكراهية بشأن نظرياته ورتبت حرق كتبه العلمية. صادر النازيون جميع ممتلكات العالم الألماني في عام 1933 واتخذ قراره بمغادرة ألمانيا ومنزله في برلين حيث كان يعيش منذ عام 1914 بعد أن استقال من الأكاديمية البروسية للعلوم في برلين.
تمكن أينشتاين من الفرار من ألمانيا بمساعدة مجلس الأكاديمية البريطانية الذي أسسه السياسي الليبرالي البريطاني ويليام بيفريدج. عاش في بلجيكا لفترة وجيزة من الزمن، وبعد مقتل أحد زملائه في بلجيكا حيث كان أينشتاين لاجئاً فيها قرر مغادرتها.
الفيلم دراما وثائقية من بطولة العالم الذي اشتهر بتطوير نظرية النسبية يسرد هروبه والمعضلة الأخلاقية التي واجهها
النائب المحافظ أوليفر لوكرلامبسون الذي تعرف على أينشتاين عندما ألقى محاضرات في جامعة أكسفورد وضع خطة لإنقاذ الفيزيائي، وبعد شهرين تمكن لامبسون من إحضار أينشتاين إلى روتون هيث. وجد العالم الحائز على جائزة نوبل للفيزياء في عام 1921 نفسه نائما في كوخ خشبي. قال ستيوارت ماكلارين، الذي ألف كتاب “إنقاذ أينشتاين: كيف أخفى نورفولك عبقريا”: “كان لديه بيانو ثبّته في أحد الأكواخ وحصلوا له على كمان. أحضروا له طباخا وخادما ليقدم له الطعام، وكان هناك قطيع من الماعز لتزويده بحليب الماعز الذي فضله أينشتاين على حليب البقر”.
وأضاف “طلب لوكر لامبسون من سكرتيرتيه، باربرا غودال ومارغوري هوارد أن تحرسا أينشتاين. خلال هذه الفترة، ألقى خطابا قال فيه: ليس لي أن أحكم على سلوك أمة حسبتني لسنوات من بين مواطنيها، ربما يكون من غير المجدي حتى محاولة الحكم على سياساتها في وقت يكون فيه من الضروري التصرف، هكذا تحدث أينشتاين في قاعة ألبرت الملكية في لندن في 3 أكتوبر 1933، بعد ذالك الخطاب غادر المملكة المتحدة للذهاب إلى معهد الدراسات المتقدمة في جامعة برينستون”.
لا يروي فيلم “أينشتاين والقنبلة”، الذي يتناوب عرض اللقطات الأرشيفية والتمثيل الدرامي لحياة ألبرت أينشتاين وتأثير عمله العلمي على العالم فحسب، بل يهدف أيضا إلى تحديد صورة مؤثرة لأحد أعظم العلماء في القرن العشرين من خلال الرسائل والخطب والمقابلات، وهو ليس فيلما وثائقيا بسيطا، ولكنه عمل هجين يجمع بين الصور الحقيقية وإعادة البناء الدرامية لتقديم نظرة ثاقبة فريدة وغامرة في حياة أينشتاين. وبالتالي يمكن للجمهور التواصل مع قصته بطريقة أكثر عاطفية وعن قرب وتقدير لشخصية أينشتاين وعمله.
يركز الفيلم أيضا على علاقة أينشتاين (الذي جسد شخصيته الممثل أيدان ماكاردل) بعلماء بارزين آخرين في ذلك الوقت بما في ذلك ليو زيلارد وروبرت أوبنهايمر، نبه زيلارد أينشتاين إلى الخطر الذي يشكله تطوير الأسلحة النووية من قبل النازيين، مما دفعه إلى كتابة رسالة إلى الرئيس فرانكلين روزفلت يحث فيها الحكومة الأميركية على تسريع برنامجها لتطوير الأسلحة الذرية.
الفيلم دراما وثائقية من بطولة العالم الذي اشتهر بتطوير نظرية النسبية. لا يسرد فيه المخرج الإنجليزي أنتوني فيليبسون المعضلة الأخلاقية للعالم أينشتاين الناشئة من النتائج الكارثية لاستخدام الأسلحة النووية فحسب، بل يعرض أيضا لحظات من حياة أينشتاين ومسيرته المهنية. وبالتالي، يسلط الضوء على فصل مهم في قصة أحد أشهر الفيزيائيين وأكثرهم نفوذا في التاريخ.
في الفيلم يتناوب عرض اللقطات الأرشيفية والتمثيل الدرامي لحياة ألبرت أينشتاين وتأثير عمله العلمي على العالم
في عام 1933 اكتشف الفيزيائي المجري الألماني ليو زيلارد الذي عمل سابقا مع أينشتاين، مفهوم التفاعل النووي المتسلسل. ولكن بعد خمس سنوات، عندما قام العلماء الألمان بتقسيم ذرة اليورانيوم، بدأ زيلارد يدق ناقوس الخطر لزملائه وحذر أينشتاين من المشكلة في عام 1938، قبل شهر من اندلاع الحرب في أوروبا وخوفا من أن النازيين سيطورون السلاح أولا، كتب أينشتاين إلى الرئيس فرانكلين روزفلت – في رسالة صاغها زيلارد حول ضرورة تطوير الولايات المتحدة لقنبلة نووية.
يدرس الفيلم أيضا صراعات أينشتاين مع النازيين ويقرأ الحوادث التي دفعته إلى الاعتقاد بأن ألمانيا النازية طورت أسلحتها النووية. ترك له خوفه وعدم ارتياحه رسالة إلى الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت في عام 1939 التي أعدها أينشتاين مع زميله المجري ليو زيلارد على الرغم من أن الأخير لم يوقعها، وفيها تم تحذير روزفلت من أن ألمانيا كانت تتقدم بالعمل في تطوير القنابل الذرية. كانت الرسالة حجة حاسمة لروزفلت لبدء مشروع مانهاتن بقيادة أوبنهايمر، الذي طور أول الأسلحة النووية.
تقول بوابة مؤسسة التراث الذري، وهي منظمة مكرسة للحفاظ على ذاكرة الشؤون النووية: “لقد غيرت رسالة أينشتاين زيلارد إلى الرئيس روزفلت مسار التاريخ من خلال تعزيز مشاركة حكومة الولايات المتحدة في البحوث النووية”. وتضيف المؤسسة: “أدت الرسالة إلى إنشاء مشروع مانهاتن”، في إشارة إلى المشروع السري الذي تم إنشاؤه في عام 1941 والذي طورت به الولايات المتحدة أول قنبلة ذرية لها.
على الرغم من صلاته بالتقدم في أبحاث الطاقة الذرية، لكنه منع من المشاركة في البرنامج الذي أداره أوبنهايمر في عام 1940 حين رفض مكتب الاستخبارات التابع لجيش الولايات المتحدة تفويضه الأمني اللازم للعمل في مشروع مانهاتن، معتبرا أنه “خطر أمني محتمل”. في عام في عام 1945 وتحديدا في 6 و9 أغسطس أسقطت الولايات المتحدة قنبلتين ذريتين على هيروشيما وناغازاكي في اليابان. قدرت الحسابات الأكثر تحفظا أنه بحلول ديسمبر من ذلك العام، قتل نحو 140 ألف شخص بعد القصف على الفور في هيروشيما و74 ألفا في ناغازاكي بسبب الانفجار والإشعاع، بعدها أعرب في وقت لاحق عن أسفه الشديد، يردد أينشتاين في الفيلم: “لقد ارتكبت خطأ كبيرا في حياتي”. لو كنت أعرف أن الألمان لن ينجحوا في صنع قنبلة ذرية، لما شاركت في فتح صندوق الأسرار.
ندم أينشتاين
ما تحسر عليه أينشتاين هو افتقاره إلى الاستبصار
يتعمق فيلم “أينشتاين والقنبلة” في حياة ألبرت أينشتاين وسياسته ومعضلته الأخلاقية. الذي دفع بتطوير مشروع مانهاتن الخاص بالأسلحة النووية والذي جعل من الممكن بناء القنابل التي انفجرت في عام 1945 في اليابان في هيروشيما وناغازاكي، كان أصله في رسالة ألبرت أينشتاين التي تم تسليمها في 11 أكتوبر 1939 إلى الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت والتي أوصى فيها العالم ببدء البحث في الانشطار النووي لإنشاء قنابل ذات قوة هائلة قبل أن تنجح ألمانيا النازية.
في 16 يوليو 1945، تم تفجير قنبلة بلوتونيوم 239 لغرض الأختبار في صحراء نيو مكسيكو. واستخدمت ذات القنبلة في تدمير هيروشيما في 6 أغسطس بعد انشطار اليورانيوم 235. في 9 أغسطس أسقطت القنبلة على ناغازاكي واستسلمت اليابان بعد خمسة أيام. لم يعمل أينشتاين أبدا على تصميم القنبلة لكنه تحرك للحث على بناء أسلحة نووية اعتقادا منه أن الولايات المتحدة لن تستخدمها أبدا إلا في الدفاع عن النفس ضد قوة معادية مجهزة بأسلحة مماثلة. كان عليه أن يغير رأيه عندما تم استخدامه ضد اليابان، وبالتالي فإن السرد مدعوم بشكل أساسي فقط بكلمات أينشتاين، والتي تستحق الاهتمام بالفعل.
بعد مرحلة تمهيدية طويلة يجد المخرج أنتوني فيليبسون مفتاحا رائعا للتفسير فقط في الجزء الأخير، وعلى غرار ما رأيناه في “أوبنهايمر”، يركز على شعور الفيزيائي بالذنب تجاه الاتجاه الهمجي والمأساوي في السباق الذي اتخذه العالم في التهديد بالسلاح النووي وتركيع الشعوب. ويكشف الفيلم موقف آينشتاين من رجال السياسية الذين يحكمون العالم، حين يوجه لهم الاتهام في تهديد السلم العالمي. وهكذا يظهر الصراع الداخلي لألبرت أينشتاين الذي يركز الفيلم الوثائقي عليه من ندم ومعاناة وألم رجل، على الرغم من براءته لكنه يشعر بثقل عواقب أفكاره على كتفيه.
الشيء الغريب هو أن العلاقة بين ألبرت والقنبلة تحدث فقط في العشرين دقيقة الأخيرة، وبقية الفيلم تروي العلاقة المتضاربة للعالم ذي الشعر الأبيض مع الفاشية الألمانية. وفي مشهد مواجهة الصحفي الياباني كاتسو هارا (ليو أشيزاوا)، الذي يحمل البروفيسور المسؤولية في تدمير هيروشيما وناغازاكي ويلقي باللوم على نظرياته التي تعود إلى 40 عامًا مضت الذي حملوه ذنب الآلاف من اليابانيين الذين قتلوا في الحرب، ويجبره الصحفي الياباني كاتسو الاعتراف التاريخي بتورطه في صنع القنبلة الذرية.
على غرار ما رأيناه في “أوبنهايمر”، يركز على شعور الفيزيائي بالذنب تجاه الاتجاه الهمجي والمأساوي للتسلح النووي
لا يوافق أينشتاين على ذلك، لكنه يقر بأن خطأه الوحيد في التوقيع على رسالة إلى الرئيس روزفلت لتشجيع مشروع مانهاتن. لذا فإن ما يتحسر عليه أينشتاين هو افتقاره إلى الاستبصار. ويصرح له بأنه نادم وآسف لكونه سببا غير مباشر في كارثة إبادة الشعب الياباني.
بعد شهرين من رسالة أينشتاين، أخبره روزفلت أنه سينشئ لجنة من الممثلين المدنيين والعسكريين لدراسة اليورانيوم والتي ستصبح فيما بعد مشروع مانهاتن. كتب أينشتاين المزيد من الرسائل إلى روزفلت، وأوصى بتدابير جديدة لتطوير الحرب النووية. لم يشارك أينشتاين أبدا في مشروع مانهاتن، بقيادة أوبنهايمر في عام 1940، وقد رفض مكتب استخبارات الجيش الأميركي عمله في مشروع مانهاتن.
عندما أسقطت القنبلة الأولى على هيروشيما في 6 أغسطس 1945 نقل عن أينشتاين قوله، “الويل لي”. من الواضح أن أينشتاين أعرب عن أسفه لتورطه في صنع أسلحة نووية. ونقل عنه مرارا قوله “أنا لا أعتبر أبا لتحرير الطاقة الذرية”. في مقابلة مع مجلة نيوزويك، ادعى أنه “لو كنت أعرف أن الألمان لن ينجحوا في تطوير قنبلة ذرية، لما فعلت شيئا”.
قبل عام من وفاته في عام 1954 بالتحديد، كتب في رسالة إلى صديقه الكيميائي لينوس بولينغ “لقد ارتكبت خطأ كبيرا في حياتي: عندما وقعت على الرسالة إلى الرئيس روزفلت التي أوصي فيها بتصنيع القنابل الذرية”. في “أينشتاين والقنبلة” يعيد المخرج بناء كل ما يأتي من قبل، كيف بدأ ألبرت أينشتاين يقلق بشدة من التهديد النازي بخطة هتلر إلى بناء الأسلحة النووية، إلى خطاب أينشتاين التاريخي في قاعة ألبرت الملكية قبل مغادرة أوروبا إلى الأبد، ويدرج حتى الرسالة الموجهة إلى الرئيس روزفلت مع طلب القيام به أمام الألمان. ولهذا، يختم المخرج فيلمه على صورة أينشتاين التاريخية التي يخرج بها لسانه لعدسات التصوير (عام 1951)، الصورة التي أصبحت واحدة من أشهر الصور وعلامة مميزة للعالم آينشتاين.
في عام 1966 وبعد أحد عشر عامًا من وفاة أينشتاين ألقى أوبنهايمر محاضرة بعنوان ألبرت أينشتاين في دار اليونسكو في باريس. نُشرت كلماته في مجلة “نيويورك ريفيو”، إذ استهل خطابه موضحًا معرفته بأينشتاين لمدة عقدين أو ثلاثة عقود، وأنه أصبح صديقًا مقربًا له في العقد الأخير من حياته.
قال أوبنهايمر “غالبًا ما كان يُلقى باللوم على أينشتاين أو يُثنى عليه أو يُنسب إليه الفضل في اكتشاف تلك القنابل المشؤومة، لكن في رأيي هذا غير صحيح البتة”. وأضاف أوبنهايمر “أدى أينشتاين دورًا هامًا في خلق ثورة فكرية، وفي اكتشاف مدى فداحة الأخطاء التي ارتُكبت سابقًا أكثر مما فعله أي عالم في عصرنا الحالي. وأعتقد أن الرسالة التي كتبها لروزفلت فيما يخص الطاقة الذرية كانت نتيجة لمعاناته من شر النازيين ورغبته في حماية البشرية من أي ضرر محتمل”.
في مرحلة ما صرح أينشتاين “أنا لست مجرد داعية سلام، أنا مناضل من دعاة السلام، أنا على استعداد للقتال من أجل السلام”. ويبدو أن هذه هي معضلة أينشتاين الأخلاقية في الفيلم.
تنبأ ألبرت أينشتاين بعواقب القنبلة الذرية، وحذر من قوتها التدميرية. وقال: “لا يكفي أن تكون مسالما، يجب أن يكون المرء داعية سلام متشددا”. وكان السلام بالنسبة إليه قيمة غير قابلة للتفاوض تتطلب المسؤولية والعمل. ومع ذلك، واجهته الحرب العالمية الثانية بتحد أخلاقي وسياسي غير مسبوق، مما دفعه إلى تغيير موقفه والمساهمة وإن لم يكن بنشاط في تطوير القنبلة الذرية. هذه المعضلة الأخلاقية العميقة التي سكنت عقل الفيزيائي الألماني وهي القلب النابض للفيلم الوثائقي التاريخي أينشتاين والقنبلة.
ولم يتخيل أن رسالته ستؤدي إلى سباق تسلح من شأنه أن يؤدي إلى تدمير هيروشيما وناغازاكي في عام 1945. اعترف أينشتاين قبل بضعة أشهر من وفاته: “لقد ارتكبت خطأ كبيرا في حياتي عندما وقعت على الرسالة إلى الرئيس روزفلت، وأوصيته ببناء القنبلة الذرية “.
كان يؤكد أن ارتباط العلم والأخلاق والسلطة والمسؤولية ارتباطا جوهريا. “الحياة مثل ركوب الدراجة، للحفاظ على توازنك، يجب أن تستمر في التحرك”. كتب أينشتاين هذه العبارة لابنه إدوارد في رسالة. كان ألبرت أينشتاين حاضرا في الأحداث التاريخية الهامة. لكن قبل أشهر قليلة من وفاته عام 1955 دعاه الفيلسوف البريطاني برتراند راسل للتوقيع على بيان راسل – أينشتاين لنزع السلاح النووي الذي حذر من التهديد الذي تسببه أسلحة الدمار الشامل على البشرية. وفقًا لما جاء في البيان: “إننا نطالبكم باسم الإنسانية الحفاظ على إنسانيتكم قدر المستطاع وتجاوز أي شيء سواها، فما تزال هناك فرصة لنحظى بحياة جديدة أشبه بالجنة، وإلّا فإن خطر الموت سيحدق بنا آجلًا أم عاجلًا.
كيف مات أينشتاين؟
توفي الفيزيائي أينشتاين في 18 أبريل 1955 في برينستون في نيو جيرسي عن عمر يناهز 76 عاما وكان السبب الرسمي لوفاته هو تمدد الأوعية الدموية، بعد أن تدهورت صحته في السنوات السابقة بسبب مشاكل في القلب.
في عام 1954، قبل عام من وفاته، كتب في رسالة إلى صديقه الكيميائي لينوس بولينج : “لقد ارتكبت خطأ كبيرا في حياتي: عندما وقعت على الرسالة إلى الرئيس روزفلت التي أوصي فيها بتصنيع القنابل الذرية”. كلماته الأخيرة “أنا تحت رحمة القدر وليست لدي أي سيطرة عليه”.
يقع قبر ألبرت أينشتاين في مقبرة برينستون في نيو جيرسي. نقش نصب جنائزي متواضع نسبيا عبارة “ألبرت أينشتاين / 1879-1955” جنبا إلى جنب مع تصوير منمق لدوامة كونية رمزا لعمله الرائد في مجال الفيزياء النظرية. أصبح القبر مكانا للحج لمحبي أينشتاين وعشاق العلوم في جميع أنحاء العالم.
بعد عبارة أينشتاين التي ترسم اللحظة التي عاش فيها بعد 6 أغسطس 1945 المشؤوم، عندما أسقطت القنبلة الذرية على هيروشيما – كان هتلر قد انتحر بالفعل، ولكن هل كان السلام يستحق ثمن القنبلة التي قضت على آلاف من اليابانيين. نشاهد صورا لكيفية تدمير القنبلة لكل شيء في طريقها وهناك صور مؤلمة للجرحى.
“لقد انتصرنا في الحرب ولكن ليس في السلام” يقول أينشتاين في هذا الفيلم الوثائقي الذي لا يقدم الكثير من المعلومات الجديدة عن الفيزيائي الذي أثبت وجود الذرات واكتشف مكونات الضوء. أحد أهداف الفيلم الوثائقي هو إظهار كيف تأثر الفيزيائي بالتناقضات الإنسانية بعد تطوير أول سلاح نووي.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
علي المسعود
كاتب عراقي
الفيلم يظهر ندم ألبرت أينشتاين ومعضلته الأخلاقية.
الأحد 2024/04/21
انشرWhatsAppTwitterFacebook
صورة مؤثرة لأحد أعظم عقول البشرية
استفاد فيلم “أينشتاين والقنبلة” من النجاح المبهر الذي حققه فيلم “أوبنهايمر” عن تطوير القنبلة الذرية ومآلات ذلك. ولعل أكثر ما خدم الفيلم الأول المشهد الذي جاء في فيلم “أوبنهايمر” من لقاء أوبنهايمر مع أنشتاين، أشهر عالم فيزيائي في تاريخ البشرية والأكثر تأثيرا، لكن الفيلم يذهب إلى مناطق مجهولة في حياة العالم الشهير ومواقفه.
الفيلم الوثائقي “أينشتاين والقنبلة” كتابة البريطاني فيليب رالف وإخراج أنتوني فيلبسون يتبع شخصية ألبرت أينشتاين بعد هروبه من ألمانيا في عام 1933، يكتسب الفيلم اهتماما معينا ليس فقط بسبب شخصية أينشتاين نفسه، الذي أشتهر في اكتشافاته للنظرية النسبية التي أحدثت ثورة في فهمنا للمكان والزمان والجاذبية، ولكن بسبب النجاح الهائل لفيلم المخرج كريستوفر نولان “أوبنهايمر” الذي عرض اللقاءات بين الاثنين.
يلتقط فيلم “أينشتاين والقنبلة” لحظة محورية في التاريخ في عام 1933 وفي حياة ألبرت أينشتاين أشهر عالم على هذا الكوكب. وفي نفس العام وصل هتلر إلى السلطة وأصبح أينشتاين مناهضا للنازية والعدو العام رقم واحد لها.
التاريخ وسيرة حياة
نشاهد في الفيلم أينشتاين هاربا، ونرى كيف اختبأ أعظم فيزيائي في العالم من النازيين في كوخ نورفولك.
بسبب شهرته في ذلك الوقت ونجاحه المستمر، كانت نظرياته عرضة لرد فعل عنيف. تم نشر مئة مؤلف ضد أينشتاين في عام 1931. بعد وصول أدولف هتلر إلى السلطة في ألمانيا انتقد أينشتاين سياساته علنا، لذا أصبح هدفا رئيسيا للحركة النازية الصاعدة والتي حرضت على الكراهية بشأن نظرياته ورتبت حرق كتبه العلمية. صادر النازيون جميع ممتلكات العالم الألماني في عام 1933 واتخذ قراره بمغادرة ألمانيا ومنزله في برلين حيث كان يعيش منذ عام 1914 بعد أن استقال من الأكاديمية البروسية للعلوم في برلين.
تمكن أينشتاين من الفرار من ألمانيا بمساعدة مجلس الأكاديمية البريطانية الذي أسسه السياسي الليبرالي البريطاني ويليام بيفريدج. عاش في بلجيكا لفترة وجيزة من الزمن، وبعد مقتل أحد زملائه في بلجيكا حيث كان أينشتاين لاجئاً فيها قرر مغادرتها.
الفيلم دراما وثائقية من بطولة العالم الذي اشتهر بتطوير نظرية النسبية يسرد هروبه والمعضلة الأخلاقية التي واجهها
النائب المحافظ أوليفر لوكرلامبسون الذي تعرف على أينشتاين عندما ألقى محاضرات في جامعة أكسفورد وضع خطة لإنقاذ الفيزيائي، وبعد شهرين تمكن لامبسون من إحضار أينشتاين إلى روتون هيث. وجد العالم الحائز على جائزة نوبل للفيزياء في عام 1921 نفسه نائما في كوخ خشبي. قال ستيوارت ماكلارين، الذي ألف كتاب “إنقاذ أينشتاين: كيف أخفى نورفولك عبقريا”: “كان لديه بيانو ثبّته في أحد الأكواخ وحصلوا له على كمان. أحضروا له طباخا وخادما ليقدم له الطعام، وكان هناك قطيع من الماعز لتزويده بحليب الماعز الذي فضله أينشتاين على حليب البقر”.
وأضاف “طلب لوكر لامبسون من سكرتيرتيه، باربرا غودال ومارغوري هوارد أن تحرسا أينشتاين. خلال هذه الفترة، ألقى خطابا قال فيه: ليس لي أن أحكم على سلوك أمة حسبتني لسنوات من بين مواطنيها، ربما يكون من غير المجدي حتى محاولة الحكم على سياساتها في وقت يكون فيه من الضروري التصرف، هكذا تحدث أينشتاين في قاعة ألبرت الملكية في لندن في 3 أكتوبر 1933، بعد ذالك الخطاب غادر المملكة المتحدة للذهاب إلى معهد الدراسات المتقدمة في جامعة برينستون”.
لا يروي فيلم “أينشتاين والقنبلة”، الذي يتناوب عرض اللقطات الأرشيفية والتمثيل الدرامي لحياة ألبرت أينشتاين وتأثير عمله العلمي على العالم فحسب، بل يهدف أيضا إلى تحديد صورة مؤثرة لأحد أعظم العلماء في القرن العشرين من خلال الرسائل والخطب والمقابلات، وهو ليس فيلما وثائقيا بسيطا، ولكنه عمل هجين يجمع بين الصور الحقيقية وإعادة البناء الدرامية لتقديم نظرة ثاقبة فريدة وغامرة في حياة أينشتاين. وبالتالي يمكن للجمهور التواصل مع قصته بطريقة أكثر عاطفية وعن قرب وتقدير لشخصية أينشتاين وعمله.
يركز الفيلم أيضا على علاقة أينشتاين (الذي جسد شخصيته الممثل أيدان ماكاردل) بعلماء بارزين آخرين في ذلك الوقت بما في ذلك ليو زيلارد وروبرت أوبنهايمر، نبه زيلارد أينشتاين إلى الخطر الذي يشكله تطوير الأسلحة النووية من قبل النازيين، مما دفعه إلى كتابة رسالة إلى الرئيس فرانكلين روزفلت يحث فيها الحكومة الأميركية على تسريع برنامجها لتطوير الأسلحة الذرية.
الفيلم دراما وثائقية من بطولة العالم الذي اشتهر بتطوير نظرية النسبية. لا يسرد فيه المخرج الإنجليزي أنتوني فيليبسون المعضلة الأخلاقية للعالم أينشتاين الناشئة من النتائج الكارثية لاستخدام الأسلحة النووية فحسب، بل يعرض أيضا لحظات من حياة أينشتاين ومسيرته المهنية. وبالتالي، يسلط الضوء على فصل مهم في قصة أحد أشهر الفيزيائيين وأكثرهم نفوذا في التاريخ.
في الفيلم يتناوب عرض اللقطات الأرشيفية والتمثيل الدرامي لحياة ألبرت أينشتاين وتأثير عمله العلمي على العالم
في عام 1933 اكتشف الفيزيائي المجري الألماني ليو زيلارد الذي عمل سابقا مع أينشتاين، مفهوم التفاعل النووي المتسلسل. ولكن بعد خمس سنوات، عندما قام العلماء الألمان بتقسيم ذرة اليورانيوم، بدأ زيلارد يدق ناقوس الخطر لزملائه وحذر أينشتاين من المشكلة في عام 1938، قبل شهر من اندلاع الحرب في أوروبا وخوفا من أن النازيين سيطورون السلاح أولا، كتب أينشتاين إلى الرئيس فرانكلين روزفلت – في رسالة صاغها زيلارد حول ضرورة تطوير الولايات المتحدة لقنبلة نووية.
يدرس الفيلم أيضا صراعات أينشتاين مع النازيين ويقرأ الحوادث التي دفعته إلى الاعتقاد بأن ألمانيا النازية طورت أسلحتها النووية. ترك له خوفه وعدم ارتياحه رسالة إلى الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت في عام 1939 التي أعدها أينشتاين مع زميله المجري ليو زيلارد على الرغم من أن الأخير لم يوقعها، وفيها تم تحذير روزفلت من أن ألمانيا كانت تتقدم بالعمل في تطوير القنابل الذرية. كانت الرسالة حجة حاسمة لروزفلت لبدء مشروع مانهاتن بقيادة أوبنهايمر، الذي طور أول الأسلحة النووية.
تقول بوابة مؤسسة التراث الذري، وهي منظمة مكرسة للحفاظ على ذاكرة الشؤون النووية: “لقد غيرت رسالة أينشتاين زيلارد إلى الرئيس روزفلت مسار التاريخ من خلال تعزيز مشاركة حكومة الولايات المتحدة في البحوث النووية”. وتضيف المؤسسة: “أدت الرسالة إلى إنشاء مشروع مانهاتن”، في إشارة إلى المشروع السري الذي تم إنشاؤه في عام 1941 والذي طورت به الولايات المتحدة أول قنبلة ذرية لها.
على الرغم من صلاته بالتقدم في أبحاث الطاقة الذرية، لكنه منع من المشاركة في البرنامج الذي أداره أوبنهايمر في عام 1940 حين رفض مكتب الاستخبارات التابع لجيش الولايات المتحدة تفويضه الأمني اللازم للعمل في مشروع مانهاتن، معتبرا أنه “خطر أمني محتمل”. في عام في عام 1945 وتحديدا في 6 و9 أغسطس أسقطت الولايات المتحدة قنبلتين ذريتين على هيروشيما وناغازاكي في اليابان. قدرت الحسابات الأكثر تحفظا أنه بحلول ديسمبر من ذلك العام، قتل نحو 140 ألف شخص بعد القصف على الفور في هيروشيما و74 ألفا في ناغازاكي بسبب الانفجار والإشعاع، بعدها أعرب في وقت لاحق عن أسفه الشديد، يردد أينشتاين في الفيلم: “لقد ارتكبت خطأ كبيرا في حياتي”. لو كنت أعرف أن الألمان لن ينجحوا في صنع قنبلة ذرية، لما شاركت في فتح صندوق الأسرار.
ندم أينشتاين
ما تحسر عليه أينشتاين هو افتقاره إلى الاستبصار
يتعمق فيلم “أينشتاين والقنبلة” في حياة ألبرت أينشتاين وسياسته ومعضلته الأخلاقية. الذي دفع بتطوير مشروع مانهاتن الخاص بالأسلحة النووية والذي جعل من الممكن بناء القنابل التي انفجرت في عام 1945 في اليابان في هيروشيما وناغازاكي، كان أصله في رسالة ألبرت أينشتاين التي تم تسليمها في 11 أكتوبر 1939 إلى الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت والتي أوصى فيها العالم ببدء البحث في الانشطار النووي لإنشاء قنابل ذات قوة هائلة قبل أن تنجح ألمانيا النازية.
في 16 يوليو 1945، تم تفجير قنبلة بلوتونيوم 239 لغرض الأختبار في صحراء نيو مكسيكو. واستخدمت ذات القنبلة في تدمير هيروشيما في 6 أغسطس بعد انشطار اليورانيوم 235. في 9 أغسطس أسقطت القنبلة على ناغازاكي واستسلمت اليابان بعد خمسة أيام. لم يعمل أينشتاين أبدا على تصميم القنبلة لكنه تحرك للحث على بناء أسلحة نووية اعتقادا منه أن الولايات المتحدة لن تستخدمها أبدا إلا في الدفاع عن النفس ضد قوة معادية مجهزة بأسلحة مماثلة. كان عليه أن يغير رأيه عندما تم استخدامه ضد اليابان، وبالتالي فإن السرد مدعوم بشكل أساسي فقط بكلمات أينشتاين، والتي تستحق الاهتمام بالفعل.
بعد مرحلة تمهيدية طويلة يجد المخرج أنتوني فيليبسون مفتاحا رائعا للتفسير فقط في الجزء الأخير، وعلى غرار ما رأيناه في “أوبنهايمر”، يركز على شعور الفيزيائي بالذنب تجاه الاتجاه الهمجي والمأساوي في السباق الذي اتخذه العالم في التهديد بالسلاح النووي وتركيع الشعوب. ويكشف الفيلم موقف آينشتاين من رجال السياسية الذين يحكمون العالم، حين يوجه لهم الاتهام في تهديد السلم العالمي. وهكذا يظهر الصراع الداخلي لألبرت أينشتاين الذي يركز الفيلم الوثائقي عليه من ندم ومعاناة وألم رجل، على الرغم من براءته لكنه يشعر بثقل عواقب أفكاره على كتفيه.
الشيء الغريب هو أن العلاقة بين ألبرت والقنبلة تحدث فقط في العشرين دقيقة الأخيرة، وبقية الفيلم تروي العلاقة المتضاربة للعالم ذي الشعر الأبيض مع الفاشية الألمانية. وفي مشهد مواجهة الصحفي الياباني كاتسو هارا (ليو أشيزاوا)، الذي يحمل البروفيسور المسؤولية في تدمير هيروشيما وناغازاكي ويلقي باللوم على نظرياته التي تعود إلى 40 عامًا مضت الذي حملوه ذنب الآلاف من اليابانيين الذين قتلوا في الحرب، ويجبره الصحفي الياباني كاتسو الاعتراف التاريخي بتورطه في صنع القنبلة الذرية.
على غرار ما رأيناه في “أوبنهايمر”، يركز على شعور الفيزيائي بالذنب تجاه الاتجاه الهمجي والمأساوي للتسلح النووي
لا يوافق أينشتاين على ذلك، لكنه يقر بأن خطأه الوحيد في التوقيع على رسالة إلى الرئيس روزفلت لتشجيع مشروع مانهاتن. لذا فإن ما يتحسر عليه أينشتاين هو افتقاره إلى الاستبصار. ويصرح له بأنه نادم وآسف لكونه سببا غير مباشر في كارثة إبادة الشعب الياباني.
بعد شهرين من رسالة أينشتاين، أخبره روزفلت أنه سينشئ لجنة من الممثلين المدنيين والعسكريين لدراسة اليورانيوم والتي ستصبح فيما بعد مشروع مانهاتن. كتب أينشتاين المزيد من الرسائل إلى روزفلت، وأوصى بتدابير جديدة لتطوير الحرب النووية. لم يشارك أينشتاين أبدا في مشروع مانهاتن، بقيادة أوبنهايمر في عام 1940، وقد رفض مكتب استخبارات الجيش الأميركي عمله في مشروع مانهاتن.
عندما أسقطت القنبلة الأولى على هيروشيما في 6 أغسطس 1945 نقل عن أينشتاين قوله، “الويل لي”. من الواضح أن أينشتاين أعرب عن أسفه لتورطه في صنع أسلحة نووية. ونقل عنه مرارا قوله “أنا لا أعتبر أبا لتحرير الطاقة الذرية”. في مقابلة مع مجلة نيوزويك، ادعى أنه “لو كنت أعرف أن الألمان لن ينجحوا في تطوير قنبلة ذرية، لما فعلت شيئا”.
قبل عام من وفاته في عام 1954 بالتحديد، كتب في رسالة إلى صديقه الكيميائي لينوس بولينغ “لقد ارتكبت خطأ كبيرا في حياتي: عندما وقعت على الرسالة إلى الرئيس روزفلت التي أوصي فيها بتصنيع القنابل الذرية”. في “أينشتاين والقنبلة” يعيد المخرج بناء كل ما يأتي من قبل، كيف بدأ ألبرت أينشتاين يقلق بشدة من التهديد النازي بخطة هتلر إلى بناء الأسلحة النووية، إلى خطاب أينشتاين التاريخي في قاعة ألبرت الملكية قبل مغادرة أوروبا إلى الأبد، ويدرج حتى الرسالة الموجهة إلى الرئيس روزفلت مع طلب القيام به أمام الألمان. ولهذا، يختم المخرج فيلمه على صورة أينشتاين التاريخية التي يخرج بها لسانه لعدسات التصوير (عام 1951)، الصورة التي أصبحت واحدة من أشهر الصور وعلامة مميزة للعالم آينشتاين.
في عام 1966 وبعد أحد عشر عامًا من وفاة أينشتاين ألقى أوبنهايمر محاضرة بعنوان ألبرت أينشتاين في دار اليونسكو في باريس. نُشرت كلماته في مجلة “نيويورك ريفيو”، إذ استهل خطابه موضحًا معرفته بأينشتاين لمدة عقدين أو ثلاثة عقود، وأنه أصبح صديقًا مقربًا له في العقد الأخير من حياته.
قال أوبنهايمر “غالبًا ما كان يُلقى باللوم على أينشتاين أو يُثنى عليه أو يُنسب إليه الفضل في اكتشاف تلك القنابل المشؤومة، لكن في رأيي هذا غير صحيح البتة”. وأضاف أوبنهايمر “أدى أينشتاين دورًا هامًا في خلق ثورة فكرية، وفي اكتشاف مدى فداحة الأخطاء التي ارتُكبت سابقًا أكثر مما فعله أي عالم في عصرنا الحالي. وأعتقد أن الرسالة التي كتبها لروزفلت فيما يخص الطاقة الذرية كانت نتيجة لمعاناته من شر النازيين ورغبته في حماية البشرية من أي ضرر محتمل”.
في مرحلة ما صرح أينشتاين “أنا لست مجرد داعية سلام، أنا مناضل من دعاة السلام، أنا على استعداد للقتال من أجل السلام”. ويبدو أن هذه هي معضلة أينشتاين الأخلاقية في الفيلم.
تنبأ ألبرت أينشتاين بعواقب القنبلة الذرية، وحذر من قوتها التدميرية. وقال: “لا يكفي أن تكون مسالما، يجب أن يكون المرء داعية سلام متشددا”. وكان السلام بالنسبة إليه قيمة غير قابلة للتفاوض تتطلب المسؤولية والعمل. ومع ذلك، واجهته الحرب العالمية الثانية بتحد أخلاقي وسياسي غير مسبوق، مما دفعه إلى تغيير موقفه والمساهمة وإن لم يكن بنشاط في تطوير القنبلة الذرية. هذه المعضلة الأخلاقية العميقة التي سكنت عقل الفيزيائي الألماني وهي القلب النابض للفيلم الوثائقي التاريخي أينشتاين والقنبلة.
ولم يتخيل أن رسالته ستؤدي إلى سباق تسلح من شأنه أن يؤدي إلى تدمير هيروشيما وناغازاكي في عام 1945. اعترف أينشتاين قبل بضعة أشهر من وفاته: “لقد ارتكبت خطأ كبيرا في حياتي عندما وقعت على الرسالة إلى الرئيس روزفلت، وأوصيته ببناء القنبلة الذرية “.
كان يؤكد أن ارتباط العلم والأخلاق والسلطة والمسؤولية ارتباطا جوهريا. “الحياة مثل ركوب الدراجة، للحفاظ على توازنك، يجب أن تستمر في التحرك”. كتب أينشتاين هذه العبارة لابنه إدوارد في رسالة. كان ألبرت أينشتاين حاضرا في الأحداث التاريخية الهامة. لكن قبل أشهر قليلة من وفاته عام 1955 دعاه الفيلسوف البريطاني برتراند راسل للتوقيع على بيان راسل – أينشتاين لنزع السلاح النووي الذي حذر من التهديد الذي تسببه أسلحة الدمار الشامل على البشرية. وفقًا لما جاء في البيان: “إننا نطالبكم باسم الإنسانية الحفاظ على إنسانيتكم قدر المستطاع وتجاوز أي شيء سواها، فما تزال هناك فرصة لنحظى بحياة جديدة أشبه بالجنة، وإلّا فإن خطر الموت سيحدق بنا آجلًا أم عاجلًا.
كيف مات أينشتاين؟
توفي الفيزيائي أينشتاين في 18 أبريل 1955 في برينستون في نيو جيرسي عن عمر يناهز 76 عاما وكان السبب الرسمي لوفاته هو تمدد الأوعية الدموية، بعد أن تدهورت صحته في السنوات السابقة بسبب مشاكل في القلب.
في عام 1954، قبل عام من وفاته، كتب في رسالة إلى صديقه الكيميائي لينوس بولينج : “لقد ارتكبت خطأ كبيرا في حياتي: عندما وقعت على الرسالة إلى الرئيس روزفلت التي أوصي فيها بتصنيع القنابل الذرية”. كلماته الأخيرة “أنا تحت رحمة القدر وليست لدي أي سيطرة عليه”.
يقع قبر ألبرت أينشتاين في مقبرة برينستون في نيو جيرسي. نقش نصب جنائزي متواضع نسبيا عبارة “ألبرت أينشتاين / 1879-1955” جنبا إلى جنب مع تصوير منمق لدوامة كونية رمزا لعمله الرائد في مجال الفيزياء النظرية. أصبح القبر مكانا للحج لمحبي أينشتاين وعشاق العلوم في جميع أنحاء العالم.
بعد عبارة أينشتاين التي ترسم اللحظة التي عاش فيها بعد 6 أغسطس 1945 المشؤوم، عندما أسقطت القنبلة الذرية على هيروشيما – كان هتلر قد انتحر بالفعل، ولكن هل كان السلام يستحق ثمن القنبلة التي قضت على آلاف من اليابانيين. نشاهد صورا لكيفية تدمير القنبلة لكل شيء في طريقها وهناك صور مؤلمة للجرحى.
“لقد انتصرنا في الحرب ولكن ليس في السلام” يقول أينشتاين في هذا الفيلم الوثائقي الذي لا يقدم الكثير من المعلومات الجديدة عن الفيزيائي الذي أثبت وجود الذرات واكتشف مكونات الضوء. أحد أهداف الفيلم الوثائقي هو إظهار كيف تأثر الفيزيائي بالتناقضات الإنسانية بعد تطوير أول سلاح نووي.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
علي المسعود
كاتب عراقي