"كاريزما" عادل السيوي: أداء تقني متفوّق

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • "كاريزما" عادل السيوي: أداء تقني متفوّق



    "كاريزما" عادل السيوي: أداء تقني متفوّق
    أسعد عرابي 14 أبريل 2024
    تشكيل
    عادل السيوي
    شارك هذا المقال
    حجم الخط
    ولدت جاذبية الفنان عادل السيوي النجومية المصرية عام 1952. درس شابًا الطب والجراحة، تخللتها سنة واحدة فنية، كانت كفيلة بهجرته مهنته الأولى وتكريس تفرغه للوحة والكتابة الفنية بمستوى رقي موهبته اللونية والخطية. إنه شخصية استثنائية في الجمع بين الموهبة والثقافة، ناهيك عن جذوة انتمائه الحضاري. نعثر في أبرز مراحله السالفة على لوحات شخوص فرعونية عملاقة (توازي النحت المعبدي في الكرنك) لشخصيات ألفية معروفة على غرار إخناتون.
    تحتكر مرحلة "نجوم عمري" "الكاريزما" الأشد جذبًا، يعتمد فيها على اختياراته العاطفية من ذاكرة وجوه السينما والمسرح المزدهر في نهضوية مصراويته، ما بين فاتن حمامة، وأم كلثوم، وزكي رستم، وماري منيب.
    المنارة، تقنية مختلطة (190*240) سم (2020 ـ 2024)
    من أشدها تأثيرًا بورتريه الممثل عبد الفتاح القصري مع حزوز البطيخ العائمة في الفراغ البلدي عن كثب من حول عينيه وثقته البلاغية الشعبية، تتفوق هذه على مرحلة "حضرة الحيوان" الإيكولوجية التي تدعو للمصالحة بين الإنسان والأجناس الحية بأنواعها. ليس مصادفة أن معرضه الأول افتتحه المعلم التنويري راغب عياد ولا زالت بصماته الريادية على أسلوب السيوي حتى اليوم.
    يتفوق معرض اليوم على جاذبية كل ما عداه من الذين مروا معنا ابتداء من تجريد الطبيعة الصامتة، لذا سماه "كاريزما" تحولت فيه خفة الدم إلى تقنية خارقة في مناخات اللون وغرائبية الموضوعات ومعلمية الرسم والتكوين الفراغي وتمايز الأسلوب المتراكم في الخبرات منذ اكتشاف أستاذه الأول راغب عياد للاتجاه الصوري الهيروغليفي (من اليمين إلى اليسار وبالعكس) واعتماد المنظور العربي الإسلامي (عين الطائر، أو العنقاء، أو السيمورغ)، أي تعددية مصادر الرؤية والضوء. والثقافة البولينيزية عن طريق موروث بول غوغان (خلال إقامته المعروفة وتصويره في تاهيتي).
    وغير ذلك من التوليف بصفته سليلًا مصرويًا وعملاق الخرافات والتعاويذ والميتافيزيك الصوري (الموازي لبعض أنماط السوريالية الأسطورية) وعبد الهادي الجزار، وقبله كل من موروث حامد ندى، وسعيد العدوي. هو كل هؤلاء المنصهرين في شخصية عادل الداخلية الروحية والعاطفية والثقافية الشمولية لصفته المعرفية التعددية، من خلال إصداره لعدد من الكتب المهمة (بول كلي بعد عصر النهضة).
    "نجد في لوحات السيوي الفتنة والسحر الجنسي الأفريقي الذي يضج بمحبة الجسد ونوازعه"

    هو التوليف، أو المطبخ المركب الداخلي، الذي قاده اليوم إلى أشد مراحله مهارة وتطويعًا للوسائط وسردًا أصيلًا حكواتيًا وسينمائيًا أصيلًا، مع شدة التمايز في العلاقات اللونية والتكوينات السحرية كما مر معنا.
    يقام معرضه البانورامي اليوم في "غاليري إرم" (من إرم ذات العماد النبطية) في الرياض بالتحالف مع "غاليري مصر" بسبب أهمية المعرض المتفوق على كل ما عداه سابقًا من معارضه الخرافية الساحرة.
    هو كل هذا التراكم المعقد ومختلف جذريًا عنهم، فخرافاته ذات نكهة أرستقراطية في منأى عن ضجيج القاهرة. لم أصادفه مرة إلا متوازنًا في محبته للحياة والتفاؤل المبتسم والملغز في آن واحد.
    ماذا يعانق شهيق وزفير ألوانه الأفريقية الفرعونية المشبعة حتى الثمالة، المختنقة بالأصبغة البكر القصوى، تجتمع فيها مختارات من كنوز لوحاته السابقة، خاصة البورتريهات الفرعونية العملاقة (الأخناتونية والنفرتيتية)، ثم حيواناته الفرعونية الرمزية المستعارة من النحت والفريسك في مدافن العبور إلى الموت بطقوسه الألفية.
    ثم هناك الفتنة والسحر الجنسي الأفريقي الذي يضج بمحبة الجسد ونوازعه الشبقة، بعضها تجري على ضفاف النيل المحتقن بأزرق مختلط: لازوردي أنديكو بروسي، وجوه عجائبية غرائبية ذات هوية هكسوسية، أو فينيقو أمنحوتبية من السلالات الحاكمة المطلقة، المدعاة بالفراعنة، هؤلاء الذين شيدوا المعابد المصرية القديمة ومدافن الأهرامات العملاقة المطبقة على أسرار العلوم والفنون والسحر والحكمة والهندسة التي اغترف منها اليونان ما تشتهي الأنفس والريحان وصدروها من جديد إلى العلوم العربية عبر السريان. وتحفظ أخيرًا أسرار لوحات السيوي التي من العسير فك ألغاز الكاريزما الوجدية الوجدانية الميتافيزيقية فيها، هي أشبه بالعلوم السرية المدفونة مع العاهل الفرعوني وعائلته أحياء وكنوزه عبر ثلاثية الأهرامات: خوفو وخفرع ومنقرع.
    في غرفة الموسيقى، تقنية مختلطة (190*240) سم (2020 ـ 2024)
    هو البحث عن الخلود الهيروغليفي ضمن تعويذات مستقبل التصوير النخبوي ما بعد الحداثي. معرض انعطافي، ذروة ونجم الموسم التشكيلي العربي الراهن، من الحكمة أن يكون معرضًا متنقلًا بين العواصم العربية والغربية (خاصة إيطاليا لغته الثانية).
    تأملوا صور اللوحات أكثر من النص تجدون عنوان "كاريزما" يتطابق مع أرستقراطية تفرده وتفوق أدائه التقني.
يعمل...
X