أميديو موديلياني وتاجر لوحاته الخاص
أسعد عرابي
تشكيل
أميديو موديلياني في مرسمه، 1910، Getty
شارك هذا المقال
حجم الخط
يتناول معرض الفنان الأوسع شعبية رومانسية أميديو موديلياني (الذي أقيم مؤخرًا في متحف الأروانجوري الباريسي) الموضوع الأشد طرافة وجدّة واستثنائية. فهو يتمركز حول شخصية التاجر الذي اختص بشراء وبيع لوحاته من البورتريهات والعاريات وهو بول غيوم واستمر في تخصص تسويقه ما بين فرنسا والولايات المتحدة حتى بعد وفاته عام 1920 مـ بسنوات مديدة.
هو عبراني من مواليد إيطاليا عام 1884 من عائلة يهودية. قدم إلى باريس عام 1906 في عمر 22 عامًا.
تعلم النحت والتصوير في أكاديمية بلده الأصلية إيطاليا ما بين فينيسيا وروما، ورغم وسامته الشبيهة بالممثل مارشيلو ماستروياني ونجاحاته النسائية، ولكنه كان معلولًا متوعك الصحة (بمرض السل) طوال الوقت، مما يبرر عناية والدته به وخاصة تزويده بما يلزم من المال. لكنه في باريس احتاج إلى نفقات مضاعفة واضطر إلى الاعتماد على صديقه وتاجره الخاص الذي لعب دورًا في توقفه عن النحت والتأكيد على النساء العاريات في التصوير، واجتمع الاثنان على الذائقة الأفريقية والمصرية الفرعونية لدرجة أن بعض النقاد يربطون بين أسلبته للجسد والبورتريه الأنثوي والأقنعة التحنيطية.
يعانق المعرض أربعة بورتريهات للتاجر بول غيوم (1884 - 1920) مما يؤكد علاقتهما الفنية أو الذوقية قبل التسويقية. بعض النقاد يجدون نحته المنساب بنبل متفوقًا على تصويره. ويرجعون ذلك إلى رهافة صداقته مع مخترع النحت المعاصر وهو الروماني قسطنطين برانكوسي الذي تعرف عليه عام 1909 وظل نحاتًا بتأثيره منذ ذلك التاريخ وحتى 1914 مـ. مما جعله متحسرًا دومًا على عدم تكريسه كليًا للبورتريه النحتي المباشر.
يكشف موضوع المعرض بتبيان صريح سلطة المسوقين من أصحاب صالات العرض والمجموعات والوسطاء في صناعة تاريخ المعاصرة والحداثة، ورأينا سابقًا سلطة تأثير الأميركي رويل على كلود مونيه حتى أواخر حياته، وتاجرنا هنا بول غيوم هو المثال الثاني. وكلاهما غيض من فيض. هؤلاء هم الجنود المجهولون في تاريخ الفن الذين لعبوا الدور الأساسي في استمرار الفنانين في الإنتاج والإبداع دون الحديث عن مدى تأثيرهم الذوقي والميول الفنية.
يعانق المعرض أربعة بورتريهات للتاجر بول غيوم مما يؤكد علاقتهما الفنية أو الذوقية قبل التسويقية (الصورة: Getty) |
وحرصًا على توعك صحته فقد استأجر له غيوم منزلًا لائقًا متوسطيًا في جنوب فرنسا (في الكوت دازور) مما أثر على سطوع ألوانه لسنوات، وما أن توفي بعد عام حتى اشترى له قبرًا لائقًا في المقبرة الباريسية الأشد شهرة: "لوبير لاشيز".
* * *
نادرًا ما نشير إلى التأثير العميق البنائي الديكارتي لبول سيزان على أسلوب ميديو موديلياني، خاصة في بعض الأعمال الفنية على غرار لوحة عازف الفيولونسيل عام 1909 (ألوان زيتية على قماش بقياس 131 × 81 سم، مجموعة خاصة ضمن المعرض الراهن)، وهو الاتجاه الذي يخفي ذائقته التكعيبية الكلاسيكية خاصة في نحته. من الطريف أن عثر أصدقاؤه في جيبه عند وفاته على صورة لوحة "الصبي" لسيزان. كان يتأمله ويثيره دومًا خاصة في معرضه البانورامي الذي تمعن بزيارته له طويلًا.
أكثر ما عاناه موديلياني حدث خلال الحرب العالمية الأولى التي قادته فيما بعد إلى الاستغراق في الحياة البوهيمية الفوضوية وخاصة إدمانه على الكحول مما أساء إلى صحته العليلة أصلًا وعجل في وفاته.
قُسّم المعرض إلى محطات وقائعية متسلسلة تاريخيًا مما يسهّل اكتشاف سيرة موديلياني الفنية القصيرة نسبيًا، فلوحاته محدودة لا تتجاوز المئة لوحة وكذلك رسومه ومنحوتاته.
من التواريخ البارزة عام 1906 مـ أثناء ذروة إدمانه على الكحول والبوهيمية إثر وصوله باريس ومعاناة العدم وانقطاع المال.
ثم عام 1907 تعرفه على طبيب شاب أصبح سلوى وصديقًا حميمًا سكنا معًا يدعى بول ألكسندر ساعده كثيرًا بعنايته الصحية والمساعدة المالية، قبل لقائه مع بول غيوم عام 1914 مـ.
ثم عام 1916 يتوقف التعاون مع غيوم وتبدأ في السنة التالية شهرته الأوروبية ومعارضه بين لندن ونيويورك وزيوريخ وتعددية عقوده والتعهدات بأعداد كبيرة من البورتريهات تتجاوز طاقته التأملية البطيئة المألوفة.
إنه معرض مثير استحق الزيارة لشدة خصوصية إنسانيته وجاذبية أسلوبه الفني الأصيل.
استمر المعرض منذ منتصف أيلول/ سبتمبر 2023 مـ حتى العشرين من كانون الثاني/ يناير 2024 مـ.
من أعمال المعرض: