"جودر المصري".. الأجود بين مسلسلات دراما رمضان
إيقاع حكائي سريع وعناصر متكاملة ضمنت للعمل النجاح.
السبت 2024/04/20
"ألف ليلة وليلة" بنسخة مصرية
قدم المخرج إسلام خيري وصفة درامية جديدة لحكاية “ألف ليلة وليلة”، استثمر فيها موهبة الممثل ياسر جلال، ليسرد للمشاهدين حكاية جودر المصري، التي شارك فيها ممثلون موهبون، موظفا العديد من العناصر التي جعلت من المسلسل واحدا من أفضل الأعمال المعروضة خلال رمضان الماضي.
أطل علينا النجم ياسر جلال في النصف الثاني من شهر رمضان هذا العام من خلال شخصية شهريار في مسلسل "ألف ليلة وليلة" وحكاية "جودر المصري".
المسلسل بطولة ياسر جلال، نور اللبنانية، ياسمين رئيس، تارا عماد، أحمد بدير، أيتن عامر، وفاء عامر، عبدالعزيز مخيون، جيهان الشماشرجي، وليد فواز، رشوان توفيق، ياسر الطوبجي، أحمد كشك، محمود البزاوي، مجدي بدر، عابد عنان، نادية شكري، وآخرين. وهو من تأليف أنور عبدالمغيث، وإخراج إسلام خيري وإنتاج شركتي “ميديا هاب” سعدي جوهر و”أروما” تامر مرتضى.
وكعادة سلسلة “ألف ليلة وليلة” هناك مساران للحكاية، مسار شهريار وشهرزاد وكيف تنجو من سيف مسرور السياف كل يوم عندما يصيح الديك، ومسار الحكاية التي تحكيها شهرزاد لتكسب يوما جديدا في عمرها.
إيقاع الحكايتين سريع جدا، ربما أسرع إيقاع في كل نسخ “ألف ليلة وليلة” السابقة، لن تشعر بالملل ولو لثانية واحدة، فلا زيادة ولا حشو، فالمسلسل من مسلسلات الـ15 حلقة لذا ابتعد تماما عن المط والتطويل، ومن الأمور التي استخدمها المخرج لتسريع الحكاية، أن شهرزاد تذكر لشهريار النقطة التي وقفت عندها في الحكاية، أو يسألها شهريار “إيه إللي حصل بعد ما ….”، لتبدأ الحكاية بمشهد جديد عن الذي انتهت به الحلقة السابقة.
◙ من أهم وأبرز عوامل نجاح المسلسل بجانب حسن تسكين الأدوار الواضح، الغرافيك، فقد تم صنع غرافيك بمستوى عالمي
ومن المشاهد اللافتة والتي كان إيقاعها خاليا من التشويق الممل أو التكرار غير الضروري لزيادة مدة عرض المشهد، حين كان جودر يمر على الجسر ليصل إلى القصر الذي حبست فيه الجنية شواهد الملك بيناس ملك مدينة النحاس، فبعد أن كاد يقع جودر من على السور “إللي داير ما يدور”، ثم تماسك وعاد للوقوف من جديد على الجسر، قطع المخرج المشهد ليعود بمشهد وجودر داخل القصر.
ومن أول مشهد للحكاية، كان لافتا جدا لكل من شاهد الحلقة شكل ياسر جلال “جودر” في الحكاية، فقد عاد شكله إلى ما كان عليه في مسلسل “لن أعيش في جلباب أبي”، فيفترض أن جودر في تلك السن في عمر الـ30 عاما، وهذه التقنية التي تم استخدامها وظفت بدقة ولم يلاحظ ذلك، لأن تصغير الشكل تم بما يناسب عمر بطل الحكاية وبشكل بدا طبيعيا للغاية وغير مبالغ فيه.
وفي هذا المسلسل، يعود ياسر جلال في عمل فانتازي متميز بعد أن قدم العام الماضي عملا سياسيا وتوثيقيا هاما وهو مسلسل “الاختيار”، ليقدم نقلة في طبيعة الأدوار التي قدمها ياسر في السنوات الأخيرة منذ بدأ إسناد البطولة إليه، إذ يؤدي دور “جودر” بطل الحكاية.
أما الفنانة نور ودور شواهي أم الدواهي، فأعادت لنا ذكريات فيلمها “الرهينة”، الشريرة الفاتنة شديدة المكر والدهاء، القوية المستبدة، فيما قدمت الفنانة ياسمين رئيس دور شهرزاد الذكية الماكرة، وأدت رقصة بشكل متقن وراق، وأدت كذلك التحول في مشاعر شهرزاد من الغاضبة الخائفة التي تتصنع الشجاعة والثبات، إلى تلك المحبة المتعاطفة، التي تسعى لحل عقدة شهريار.
كما أدت جيهان الشماشرجي دور شروق حبيبة جودر، الفتاة المصرية المخلصة لحبيبها والذي انتظرته 10 أعوام حتى عاد إليها وتزوجته، والتي حافظت على جمالها طوال تلك الـ10 سنوات، وهذا من براعة المخرج الذي لم يجعل هذه السنوات تظهر على ملامحها كما اعتدنا في الأعمال الفنية، فهي فتاة عشرينية، وحين عاد جودر كانت في بداية الثلاثينات أغلب الظن، وهذا الجمال مناسب لهذه السن.
ولعب محمود البزاوي دور والد جودر، الفنان صاحب الطلة المحببة للقلب، الأب الذي فرح بجودر، وكعادة الأهل حين يجدون طفلا مميزا بين أبنائهم يقارنونه بإخوته، فتتولد الغيرة منه، بدلا من أن يزرعوا المحبة بجعل كل ابن يشعر بنقاط قوته وتميزه، والذي حصد ذلك في كبره من أولاده، فقد طلبوا تقسيم ماله في حياته، غيرة من سيطرة جودر على المحل والمال، ليضيعه الأبناء ويستثمر جودر ماله وينمو.
كذلك شاركت أيتن عامر في دور والدة جودر الشابة، وحين كبرت صارت وفاء عامر، نجمتان من العيار الثقيل، تحبهما الكاميرا، ولهما حضور مميز، وليست هذه المرة الأولى التي يتم فيها استخدام الشبه بين أم وابنتها أو إخوة، مثل إيمي سمير غانم في فيلم “سمير وشهير وبهير” حين كبرت صارت دلال عبدالعزيز، وكذلك الشبه بين الأخوين كريم فهمي وأحمد فهمي.
أما النجم عبدالعزيز مخيون، فأبدع في دوره، فقد قدم شخصية عبدالله الحطاب، الرجل الذي يعرف كل شيء، يعرف بالرصد، ويعرف بميلاد جودر، وموعد الميلاد، ويحميه ويحضره لأمه بعد أن خطفته شواهي، ويتشكل على هيئة حمامة فيحمي جودر من أخيه حين حاول قتله، ويصنع له حجابا يحرسه من شواهي، ويذكره بأن يعود إلى جزيرة قارون ليفي بالعود، كما يخبره عن كلمات يجب أن يقولها حين يقابل الحكيم الشمردل حتى يستطيع الوصول إلى الكنوز الأربعة.
وقدم النجم أحمد بدير دور الشيخ عبدالواحد، ابن الشيخ عبدالحق تلميذ الحكيم الشمردل، الرجل الحكيم الذي يعلم من العلوم الكثير، فيسخر بها الجن، ويفتح حقيبته ويخرج وليمة لجودر، ويركب دابة يصل بها من مصر إلى المغرب في دقائق، وكانت لغة جسده مع كلماته معبرة عن الشخصية وعن سماتها بشكل واضح.
وكانت لافتة جدا للنظر، عودة نجوم الدراما الذين غابوا عن المشاركة في مسلسلات رمضان رغم موهبتهم الفنية الكبيرة، وذلك بسبب ما يطلق عليه “الشللية” في الوسط الفني، وهو ما كسره المخرج المتميز إسلام خيري، بعودة هؤلاء النجوم مع ما تحمله ملامحهم لنا من نوستالجيا لأهم أعمال التسعينات والألفية أمثال مجدي فكري، محمد الصاوي. وكانت العودة الأبرز لنادية شكري في دور السيدة العجوز التي عادت إلى حالتها الطبيعية كجنية جميلة بعد أن أسدى لها جودر معروفا بدون سابق معرفة وفائدة تعود عليه، فكان شكلها والماكياج وانحناءة الظهر ونظرات العيون ونبرة الصوت، كلها تقول إنها ممثلة قديرة وإن عودتها مكسب للعمل الذي تشارك به.
◙ ياسر جلال يعود في عمل فانتازي متميز بعد أن قدم خلال العام الماضي عملا سياسيا وتوثيقيا هاما هو مسلسل "الاختيار"
ومن أهم وأبرز عوامل نجاح المسلسل بجانب حسن تسكين الأدوار الواضح، الغرافيك، فقد تم صنع غرافيك لن أكون مبالغة إن قلت إنه بمستوى عالمي، فمشاهد التنين ونور تمتطيه، أو وهو يحلق في السماء، أو وهو يهبط على السفينة ويلفح النيران، كلها كانت مبهرة إلى حد كبير، وجعلت المشاهد يعايش المشهد بشكل كامل وحقيقي، بالإضافة إلى السمك الذي تعود إليه الحياة بمجرد أن تحدثه عروس البحر والتي قامت بدورها الجميلة هنادي مهنا، والسمك الذي اصطاده الشيخ عبدالأحد وخرج حيا يتحرك في يديه وهما جنيان من أبناء أبي محرز أثرهم من البحر.
ولا أدري إن كان حريق ديكور المسلسل في حريق “أستوديو الأهرام” قد أثر على نهاية المسلسل أو مدة الحلقة، أم إن ذلك كان مخططا له من البداية، فما عرفناه أن المسلسل لم يكن قد اكتمل تصويره حينما حدث الحريق، ولكن المشهد الأخير أعاد ذكريات حلقة من حلقات ألف ليلة وليلة للنجمة شريهان، فقد كانت في أحد المشاهد لا بد أن تمر أيضا على جسر وألا تستجيب لأي دعوات، فكلها خادعة، وكانت تحمل الفنانة مديحة حمدي التي تقوم بدور ملكة، حتى تساعدها على تخطي تلك الأصوات.
وكان على جودر أيضا أن يمر بخيالات ويقاومها لتتلاشى وكان عليه ألا يصدقها، إلا أنه حين رأى خيال والده، صدقه، وهنا انقلب الموقف ضده، وهاجمه الجن، إلا أن الجني الذي أحب جودر وشخصيته، وأنقذه في اللحظة الأخيرة وحمله منهم وطار، في مشهد غرافيك أيضا رائع، فالمعروف أن الجن كائن لطيف وخفيف الحركة، لذلك كان يظهر الجني هذا ويختفي ليظهر في مكان آخر في لحظة.
أما عن اللغة، فكانت موفقة، فهي بالعامية المصرية، والتي توارثناها عن أجدادنا وما زالت كلماتهم من اللغة المصرية القديمة مستخدمة حتى الآن، وقد وفّق المؤلف أنور مغيث في استخدامها، واستخدام الأمثال المصرية القديمة، إلا أن بعض المصطلحات التي تم استخدامها ولم تكن شائعة في تلك الفترة استوقفتني، حيث تعتبر مصطلحات حديثة، مثل مصطلح تحرش، ورغم أن أقدم واقعة تحرش مثبتة في بردية ترجع إلى عام 1200 قبل الميلاد، إلا أن المصطلح نفسه حديث يرجع إلى 1970، وبالرغم من ذلك استخدم جودر في دفاعه عن شروق أمام كبير العياء، بأن أحد صبيانه تحرش بفتاة في الشارع. كما تحدث جودر عن ميناء السويس، الميناء الذي لم يكن قد بني في الفترة التي تدور حولها أحداث المسلسل، فالمسلسل يدور في القرن الثالث عشر وميناء السويس بني بعد ذلك بأكثر من 500 سنة.
أما الديكور فقد كان مميزا جدا، مثل قاعة الإخوة الأربعة شواهي أم الدواهي وإخوتها الثلاثة و”الترابيزة” وأماكن مخصصة لوضع يد كل منهم، الجسر الموصل إلى قصر ملك مدينة النحاس، القاعة التي سحر بها الملك بيناس، ديكور السوق المصري، محل الأقمشة، بيت جودر، الحانة التي يرتادها إخوة جودر وزعيم العياء، وبالطبع قصر شهريار والصورة الكاملة للمدينة والقصر يتوسطها والبيوت من حوله والحدائق، وهو قصر من القصور التي تعود لفترة ما قبل الحكاية نفسها التي تحكيها شهرزاد، وكعادة الملوك الذين تصنع لهم تماثيل ورسوم، ففوق سرير شهريار، صورة جدارية بارزة له، الصورة كذلك في عدد كبير من المشاهد تصلح أن تصبح صور "ديسك توب" كما يقال، ومنها وأبرزها صور بحيرة قارون.
منى لملوم
كاتبة مصرية
إيقاع حكائي سريع وعناصر متكاملة ضمنت للعمل النجاح.
السبت 2024/04/20
"ألف ليلة وليلة" بنسخة مصرية
قدم المخرج إسلام خيري وصفة درامية جديدة لحكاية “ألف ليلة وليلة”، استثمر فيها موهبة الممثل ياسر جلال، ليسرد للمشاهدين حكاية جودر المصري، التي شارك فيها ممثلون موهبون، موظفا العديد من العناصر التي جعلت من المسلسل واحدا من أفضل الأعمال المعروضة خلال رمضان الماضي.
أطل علينا النجم ياسر جلال في النصف الثاني من شهر رمضان هذا العام من خلال شخصية شهريار في مسلسل "ألف ليلة وليلة" وحكاية "جودر المصري".
المسلسل بطولة ياسر جلال، نور اللبنانية، ياسمين رئيس، تارا عماد، أحمد بدير، أيتن عامر، وفاء عامر، عبدالعزيز مخيون، جيهان الشماشرجي، وليد فواز، رشوان توفيق، ياسر الطوبجي، أحمد كشك، محمود البزاوي، مجدي بدر، عابد عنان، نادية شكري، وآخرين. وهو من تأليف أنور عبدالمغيث، وإخراج إسلام خيري وإنتاج شركتي “ميديا هاب” سعدي جوهر و”أروما” تامر مرتضى.
وكعادة سلسلة “ألف ليلة وليلة” هناك مساران للحكاية، مسار شهريار وشهرزاد وكيف تنجو من سيف مسرور السياف كل يوم عندما يصيح الديك، ومسار الحكاية التي تحكيها شهرزاد لتكسب يوما جديدا في عمرها.
إيقاع الحكايتين سريع جدا، ربما أسرع إيقاع في كل نسخ “ألف ليلة وليلة” السابقة، لن تشعر بالملل ولو لثانية واحدة، فلا زيادة ولا حشو، فالمسلسل من مسلسلات الـ15 حلقة لذا ابتعد تماما عن المط والتطويل، ومن الأمور التي استخدمها المخرج لتسريع الحكاية، أن شهرزاد تذكر لشهريار النقطة التي وقفت عندها في الحكاية، أو يسألها شهريار “إيه إللي حصل بعد ما ….”، لتبدأ الحكاية بمشهد جديد عن الذي انتهت به الحلقة السابقة.
◙ من أهم وأبرز عوامل نجاح المسلسل بجانب حسن تسكين الأدوار الواضح، الغرافيك، فقد تم صنع غرافيك بمستوى عالمي
ومن المشاهد اللافتة والتي كان إيقاعها خاليا من التشويق الممل أو التكرار غير الضروري لزيادة مدة عرض المشهد، حين كان جودر يمر على الجسر ليصل إلى القصر الذي حبست فيه الجنية شواهد الملك بيناس ملك مدينة النحاس، فبعد أن كاد يقع جودر من على السور “إللي داير ما يدور”، ثم تماسك وعاد للوقوف من جديد على الجسر، قطع المخرج المشهد ليعود بمشهد وجودر داخل القصر.
ومن أول مشهد للحكاية، كان لافتا جدا لكل من شاهد الحلقة شكل ياسر جلال “جودر” في الحكاية، فقد عاد شكله إلى ما كان عليه في مسلسل “لن أعيش في جلباب أبي”، فيفترض أن جودر في تلك السن في عمر الـ30 عاما، وهذه التقنية التي تم استخدامها وظفت بدقة ولم يلاحظ ذلك، لأن تصغير الشكل تم بما يناسب عمر بطل الحكاية وبشكل بدا طبيعيا للغاية وغير مبالغ فيه.
وفي هذا المسلسل، يعود ياسر جلال في عمل فانتازي متميز بعد أن قدم العام الماضي عملا سياسيا وتوثيقيا هاما وهو مسلسل “الاختيار”، ليقدم نقلة في طبيعة الأدوار التي قدمها ياسر في السنوات الأخيرة منذ بدأ إسناد البطولة إليه، إذ يؤدي دور “جودر” بطل الحكاية.
أما الفنانة نور ودور شواهي أم الدواهي، فأعادت لنا ذكريات فيلمها “الرهينة”، الشريرة الفاتنة شديدة المكر والدهاء، القوية المستبدة، فيما قدمت الفنانة ياسمين رئيس دور شهرزاد الذكية الماكرة، وأدت رقصة بشكل متقن وراق، وأدت كذلك التحول في مشاعر شهرزاد من الغاضبة الخائفة التي تتصنع الشجاعة والثبات، إلى تلك المحبة المتعاطفة، التي تسعى لحل عقدة شهريار.
كما أدت جيهان الشماشرجي دور شروق حبيبة جودر، الفتاة المصرية المخلصة لحبيبها والذي انتظرته 10 أعوام حتى عاد إليها وتزوجته، والتي حافظت على جمالها طوال تلك الـ10 سنوات، وهذا من براعة المخرج الذي لم يجعل هذه السنوات تظهر على ملامحها كما اعتدنا في الأعمال الفنية، فهي فتاة عشرينية، وحين عاد جودر كانت في بداية الثلاثينات أغلب الظن، وهذا الجمال مناسب لهذه السن.
ولعب محمود البزاوي دور والد جودر، الفنان صاحب الطلة المحببة للقلب، الأب الذي فرح بجودر، وكعادة الأهل حين يجدون طفلا مميزا بين أبنائهم يقارنونه بإخوته، فتتولد الغيرة منه، بدلا من أن يزرعوا المحبة بجعل كل ابن يشعر بنقاط قوته وتميزه، والذي حصد ذلك في كبره من أولاده، فقد طلبوا تقسيم ماله في حياته، غيرة من سيطرة جودر على المحل والمال، ليضيعه الأبناء ويستثمر جودر ماله وينمو.
كذلك شاركت أيتن عامر في دور والدة جودر الشابة، وحين كبرت صارت وفاء عامر، نجمتان من العيار الثقيل، تحبهما الكاميرا، ولهما حضور مميز، وليست هذه المرة الأولى التي يتم فيها استخدام الشبه بين أم وابنتها أو إخوة، مثل إيمي سمير غانم في فيلم “سمير وشهير وبهير” حين كبرت صارت دلال عبدالعزيز، وكذلك الشبه بين الأخوين كريم فهمي وأحمد فهمي.
أما النجم عبدالعزيز مخيون، فأبدع في دوره، فقد قدم شخصية عبدالله الحطاب، الرجل الذي يعرف كل شيء، يعرف بالرصد، ويعرف بميلاد جودر، وموعد الميلاد، ويحميه ويحضره لأمه بعد أن خطفته شواهي، ويتشكل على هيئة حمامة فيحمي جودر من أخيه حين حاول قتله، ويصنع له حجابا يحرسه من شواهي، ويذكره بأن يعود إلى جزيرة قارون ليفي بالعود، كما يخبره عن كلمات يجب أن يقولها حين يقابل الحكيم الشمردل حتى يستطيع الوصول إلى الكنوز الأربعة.
وقدم النجم أحمد بدير دور الشيخ عبدالواحد، ابن الشيخ عبدالحق تلميذ الحكيم الشمردل، الرجل الحكيم الذي يعلم من العلوم الكثير، فيسخر بها الجن، ويفتح حقيبته ويخرج وليمة لجودر، ويركب دابة يصل بها من مصر إلى المغرب في دقائق، وكانت لغة جسده مع كلماته معبرة عن الشخصية وعن سماتها بشكل واضح.
وكانت لافتة جدا للنظر، عودة نجوم الدراما الذين غابوا عن المشاركة في مسلسلات رمضان رغم موهبتهم الفنية الكبيرة، وذلك بسبب ما يطلق عليه “الشللية” في الوسط الفني، وهو ما كسره المخرج المتميز إسلام خيري، بعودة هؤلاء النجوم مع ما تحمله ملامحهم لنا من نوستالجيا لأهم أعمال التسعينات والألفية أمثال مجدي فكري، محمد الصاوي. وكانت العودة الأبرز لنادية شكري في دور السيدة العجوز التي عادت إلى حالتها الطبيعية كجنية جميلة بعد أن أسدى لها جودر معروفا بدون سابق معرفة وفائدة تعود عليه، فكان شكلها والماكياج وانحناءة الظهر ونظرات العيون ونبرة الصوت، كلها تقول إنها ممثلة قديرة وإن عودتها مكسب للعمل الذي تشارك به.
◙ ياسر جلال يعود في عمل فانتازي متميز بعد أن قدم خلال العام الماضي عملا سياسيا وتوثيقيا هاما هو مسلسل "الاختيار"
ومن أهم وأبرز عوامل نجاح المسلسل بجانب حسن تسكين الأدوار الواضح، الغرافيك، فقد تم صنع غرافيك لن أكون مبالغة إن قلت إنه بمستوى عالمي، فمشاهد التنين ونور تمتطيه، أو وهو يحلق في السماء، أو وهو يهبط على السفينة ويلفح النيران، كلها كانت مبهرة إلى حد كبير، وجعلت المشاهد يعايش المشهد بشكل كامل وحقيقي، بالإضافة إلى السمك الذي تعود إليه الحياة بمجرد أن تحدثه عروس البحر والتي قامت بدورها الجميلة هنادي مهنا، والسمك الذي اصطاده الشيخ عبدالأحد وخرج حيا يتحرك في يديه وهما جنيان من أبناء أبي محرز أثرهم من البحر.
ولا أدري إن كان حريق ديكور المسلسل في حريق “أستوديو الأهرام” قد أثر على نهاية المسلسل أو مدة الحلقة، أم إن ذلك كان مخططا له من البداية، فما عرفناه أن المسلسل لم يكن قد اكتمل تصويره حينما حدث الحريق، ولكن المشهد الأخير أعاد ذكريات حلقة من حلقات ألف ليلة وليلة للنجمة شريهان، فقد كانت في أحد المشاهد لا بد أن تمر أيضا على جسر وألا تستجيب لأي دعوات، فكلها خادعة، وكانت تحمل الفنانة مديحة حمدي التي تقوم بدور ملكة، حتى تساعدها على تخطي تلك الأصوات.
وكان على جودر أيضا أن يمر بخيالات ويقاومها لتتلاشى وكان عليه ألا يصدقها، إلا أنه حين رأى خيال والده، صدقه، وهنا انقلب الموقف ضده، وهاجمه الجن، إلا أن الجني الذي أحب جودر وشخصيته، وأنقذه في اللحظة الأخيرة وحمله منهم وطار، في مشهد غرافيك أيضا رائع، فالمعروف أن الجن كائن لطيف وخفيف الحركة، لذلك كان يظهر الجني هذا ويختفي ليظهر في مكان آخر في لحظة.
أما عن اللغة، فكانت موفقة، فهي بالعامية المصرية، والتي توارثناها عن أجدادنا وما زالت كلماتهم من اللغة المصرية القديمة مستخدمة حتى الآن، وقد وفّق المؤلف أنور مغيث في استخدامها، واستخدام الأمثال المصرية القديمة، إلا أن بعض المصطلحات التي تم استخدامها ولم تكن شائعة في تلك الفترة استوقفتني، حيث تعتبر مصطلحات حديثة، مثل مصطلح تحرش، ورغم أن أقدم واقعة تحرش مثبتة في بردية ترجع إلى عام 1200 قبل الميلاد، إلا أن المصطلح نفسه حديث يرجع إلى 1970، وبالرغم من ذلك استخدم جودر في دفاعه عن شروق أمام كبير العياء، بأن أحد صبيانه تحرش بفتاة في الشارع. كما تحدث جودر عن ميناء السويس، الميناء الذي لم يكن قد بني في الفترة التي تدور حولها أحداث المسلسل، فالمسلسل يدور في القرن الثالث عشر وميناء السويس بني بعد ذلك بأكثر من 500 سنة.
أما الديكور فقد كان مميزا جدا، مثل قاعة الإخوة الأربعة شواهي أم الدواهي وإخوتها الثلاثة و”الترابيزة” وأماكن مخصصة لوضع يد كل منهم، الجسر الموصل إلى قصر ملك مدينة النحاس، القاعة التي سحر بها الملك بيناس، ديكور السوق المصري، محل الأقمشة، بيت جودر، الحانة التي يرتادها إخوة جودر وزعيم العياء، وبالطبع قصر شهريار والصورة الكاملة للمدينة والقصر يتوسطها والبيوت من حوله والحدائق، وهو قصر من القصور التي تعود لفترة ما قبل الحكاية نفسها التي تحكيها شهرزاد، وكعادة الملوك الذين تصنع لهم تماثيل ورسوم، ففوق سرير شهريار، صورة جدارية بارزة له، الصورة كذلك في عدد كبير من المشاهد تصلح أن تصبح صور "ديسك توب" كما يقال، ومنها وأبرزها صور بحيرة قارون.
منى لملوم
كاتبة مصرية