*عن القصيدة
مناسبة القصيدة: بعد الجفوة التي حدثت بين المتنبي وسيف الدولة رحل إلى مصر وتقرَّب إلى كافور الإخشيدي، ولما لم يحصل على ما تمناه قرر أن يغادر مصر وكتب هذه القصيدة في هجاء كافور.
- غرض القصيدة: الهجاء
- طريقة النظم: عمودي
- لغة القصيدة: الفصحى
- بحر القصيدة: البسيط
- عصر القصيدة: العباسي الثاني
أبو الطيب المتنبي: هو أحد أعظم الشعراء في القرن الرابع الهجري، بل هو أبرزُ الشعراء العرب على مر العصور كما يراه الكثير من النقاد والأدباء؛ إذ كان بحقٍّ أعجوبةَ زمانه.
وُلِد «أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجعفي الكوفي الكندي» في عام ٣٠٣ﻫ/٩١٥م بالكوفة في محلةٍ تُسمى «كندة» وإليها نِسبتُه، ونشأ بالشام. بدأ إلقاءَ الشعر وهو في التاسعة من عمره، وادَّعى النبوةَ في صباه، ومن هنا لُقِّب ﺑ «المتنبي»، وحينما تبعه الكثيرون، أسَرَه «لؤلؤ» أمير حمص ونائب «الإخشيد»، وسجَنه حتى تاب ورجع عن دعواه.
كان شاعرًا مبدعًا، ولاقت قصائده صيتًا واسعًا بين الأمراء والحكَّام؛ إذ مدَحهم كثيرًا بقصائده، ولا سيما «سيف الدولة الحمداني» الذي عاش معه أفضل أيام حياته، كذلك «كافور الإخشيد» و«ابن العميد» وعضد الدولة «ابن بويه الديلمي». اتسم شعر «المتنبي» بجمال الألفاظ وعذوبة المعاني وبكونه غيرَ متكلف أو متصنع، وعبَّر فيه عن اعتزازه بقوميته وعروبيته وطموحه ورغبته في الوصول إلى المجد، وقد أعطى شعرُه صورةً صادقة عن حياته وأفكاره وفلسفة الحياة في عصره، وما حدث فيه من ثوراتٍ واضطراباتٍ ومعارك.
قُتِل «المتنبي» على يد «فاتك بن أبي جهل الأسدي» خالِ «ضجة بن يزيد العوني» الذي هجاه «المتنبي» في إحدى قصائده، وذلك أثناء عودته هو وابنه «محمد» وغلامه «مفلح» من بغداد إلى الكوفة عام ٣٥٤ﻫ/٩٦٥م.
****************** القصيدة *************************
عِيدٌ بِأَيَّةِ حَالٍ عُدْتَ يَا عِيدُ
أبو الطيب المتنبي
عِــيــدٌ بِــأَيَّــةِ حَــالٍ عُــدْتَ يَـا عِـيـدُ
بِـمَـا مَـضَـى أَمْ بِـأَمْـرٍ فِـيـكَ تَـجْـدِيـدُ
أَمَّــا الْأَحِــبَّــةُ فَــالْــبَــيْــدَاءُ دُونَــهُـمُ
فَــلَــيْــتَ دُونَــكَ بِــيـدًا دُونَـهَـا بِـيـدُ
لَـوْلَا الْـعُـلَا لَمْ تَجُبْ بِي مَا أَجُوبُ بِهَا
وَجْــنَــاءُ حَــرْفٌ وَلَا جَـرْدَاءُ قَـيْـدُودُ
وَكَـانَ أَطْـيَـبَ مِـنْ سَـيْـفِي مُضَاجَعَةً
أَشْــبَــاهُ رَوْنَــقِــهِ الْــغِــيـدُ الْأَمَـالِـيـدُ
لَـمْ يَـتْـرُكِ الـدَّهْـرُ مِنْ قَلْبِي وَلَا كَبِدِي
شَــيْــئًــا تُــتَــيِّــمُــهُ عَـيْـنٌ وَلَا جِـيـدُ
يَـا سَـاقِـيَـيَّ أَخَـمْـرٌ فِـي كُـئُـوسِـكُـمَـا
أَمْ فِــي كُــئُـوسِـكُـمَـا هَـمٌّ وَتَـسْـهِـيـدُ
أَصَــخْــرَةٌ أَنَــا مَــالِــي لَا تُـحَـرِّكُـنِـي
هَــذِي الْــمُــدَامُ وَلَا هَــذِي الْأَغَـارِيـدُ
إِذَا أَرَدْتُ كُــمَــيْــتَ اللَّــوْنِ صَـافِـيَـةً
وَجَـدْتُـهَـا وَحَـبِـيـبُ الـنَّـفْـسِ مَـفْقُودُ
مَــاذَا لَـقِـيـتُ مِـنَ الـدُّنْـيَـا وَأَعْـجَـبُـهُ
أَنِّــي بِــمَــا أَنَــا بَــاكٍ مِـنْـهُ مَـحْـسُـودُ
أَمْــسَــيْــتُ أَرْوَحَ مُـثْـرٍ خَـازِنًـا وَيَـدًا
أَنَــا الْــغَــنِــيُّ وَأَمْــوَالِـي الْـمَـوَاعِـيـدُ
إِنِّــي نَــزَلْــتُ بِــكَــذَّابِـيـنَ ضَـيْـفُـهُـمُ
عَـنِ الْـقِـرَى وَعَـنِ الـتَّـرْحَـالِ مَحْدُودُ
جُـودُ الـرِّجَـالِ مِـنَ الْأَيْـدِي وَجُودُهُمُ
مِــنَ اللِّـسَـانِ فَـلَا كَـانُـوا وَلَا الْـجُـودُ
مَـا يَـقْـبِضُ الْمَوْتُ نَفْسًا مِنْ نُفُوسِهِمُ
إِلَّا وَفِــي يَــدِهِ مِــنْ نَــتْــنِــهَــا عُــودُ
مِـنْ كُـلِّ رِخْـوِ وِكَـاءِ الْـبَـطْـنِ مُـنْفَتِقٍ
لَا فِـي الـرِّجَـالِ وَلَا الـنِّـسْوَانِ مَعْدُودُ
أَكُــلَّـمَـا اغْـتَـالَ عَـبْـدُ الـسَّـوْءِ سَـيِّـدَهُ
أَوْ خَــانَــهُ فَــلَـهُ فِـي مِـصْـرَ تَـمْـهِـيـدُ
صَــارَ الْــخَـصِـيُّ إِمَـامَ الْآبِـقِـيـنَ بِـهَـا
فَـالْـحُـرُّ مُـسْـتَـعْـبَـدٌ وَالْـعَـبْـدُ مَـعْـبُودُ
نَـامَـتْ نَـوَاطِـيـرُ مِـصْـرٍ عَـنْ ثَـعَـالِبِهَا
فَـقَـدْ بَـشِـمْـنَ وَمَـا تَـفْـنَـى الْـعَـنَـاقِيدُ
الْــعَــبْــدُ لَــيْــسَ لِــحُــرٍّ صَـالِـحٍ بِـأَخٍ
لَــوْ أَنَّــهُ فِــي ثِــيَــابِ الْـحُـرِّ مَـوْلُـودُ
لَا تَــشْــتَـرِ الْـعَـبْـدَ إِلَّا وَالْـعَـصَـا مَـعَـهُ
إِنَّ الْــعَــبِــيــدَ لَأَنْــجَــاسٌ مَــنَـاكِـيـدُ
مَـا كُـنْـتُ أَحْـسَـبُـنِـي أَحْـيَـا إِلَى زَمَنٍ
يُـسِـيءُ بِـي فِـيـهِ كَـلْبٌ وَهْوَ مَحْمُودُ
وَلَا تَـوَهَّـمْـتُ أَنَّ الـنَّـاسَ قَـدْ فُـقِـدُوا
وَأَنَّ مِــثْــلَ أَبِـي الْـبَـيْـضَـاءِ مَـوْجُـودُ
وَأَنَّ ذَا الْأَسْـوَدَ الْـمَـثْـقُـوبَ مِـشْـفَـرُهُ
تُـطِـيـعُـهُ ذِي الْـعَـضَـارِيـطُ الـرَّعَادِيدُ
جَـوْعَـانُ يَـأْكُـلُ مِـنْ زَادِي وَيُمْسِكُنِي
لِـكَـيْ يُـقَـالَ عَـظِـيـمُ الْـقَـدْرِ مَـقْصُودُ
إِنَّ امْـــرَأً أَمَـــةٌ حُـــبْـــلَـــى تُـــدَبِّــرُهُ
لَـمُـسْـتَـضَـامٌ سَـخِـيـنُ الْـعَـيْنِ مَفْئُودُ
وَيْــلُــمِّــهَــا خُــطَّــةً وَيْــلُــمِّ قَـابِـلِـهَـا
لِــمِــثْــلِــهَــا خُـلِـقَ الْـمَـهْـرِيَّـةُ الْـقُـودُ
وَعِــنْـدَهَـا لَـذَّ طَـعْـمَ الْـمَـوْتِ شَـارِبُـهُ
إِنَّ الْــمَــنِــيَّــةَ عِــنْــدَ الــذُّلِّ قِـنْـدِيـدُ
مَـنْ عَـلَّـمَ الْأَسْـوَدَ الْـمَـخْصِيَّ مَكْرُمَةً
أَقَــوْمُــهُ الْــبِـيـضُ أَمْ آبَـاؤُهُ الـصِّـيـدُ
أَمْ أُذْنُــهُ فِــي يَــدِ الـنَّـخَّـاسِ دَامِـيَـةً
أَمْ قَــدْرُهُ وَهْـوَ بِـالْـفَـلْـسَـيْـنِ مَـرْدُودُ
أَوْلَــى اللِّــئَــامِ كُــوَيْــفِــيـرٌ بِـمَـعْـذِرَةٍ
فِـي كُـلِّ لُـؤْمٍ وَبَـعْـضُ الْـعُـذْرِ تَـفْـنِيدُ
وَذَاكَ أَنَّ الْـفُـحُـولَ الْـبِـيـضَ عَـاجِـزَةٌ
عَـنِ الْـجَـمِـيلِ فَكَيْفَ الْخِصْيَةُ السُّودُ