فيلم (المواطن المتميز) Distinguished citizen

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • فيلم (المواطن المتميز) Distinguished citizen

    فيلم (المواطن المتميز)
    Distinguished citizen
    رحمن خضير عباس
    وجد الروائي الإرجنتيني (دانيال مارتينيز) نفسه مضطرا أن يستخدم بعض الأوراق من كتابه الفائز بجائزة نوبل، لإشعال النار درءاً للبرد وهما بانتظار مجيء المساعدة، بعد حدوث عطب في دولاب سيارة السائق الذي استقبله في المطار ، لإيصاله إلى مدينته الصغيرة سالاس ، والتي دعته ليكون ضيفا فيها لعدة أيام ، السائق البدين مزّق ورقة أخرى من الرواية، ليستعين بها في تنظيف مؤخرته بعد أن تغوّط في الحقل !
    تطرحُ هذه اللقطة سؤالا موجعا :لمن نكتب؟
    في بداية الفيلم يبدو دانيال مارتنيز متوترا ، وهو يجلس بانتظار تسلمه جائزة نوبل للأدب ، وحينما نودي عليه لاستلامها، لم يلتزم بالأتكيت الرسمي ، فقد رفض الانحناء لملكة السويد، إضافة إلى أنه لم يرتدِ التاكسيدو الذي تقتضيه مراسيم الحفل العالمي الذي يُقام في ستوكهولم ، وكانت كلمته قد صدمت الآخرين ، والتي تتمحور عن غربة الكاتب وامتهانه حتى من خلال تسلمه الجائزة.
    ومع موقفه السلبي من الجائزة، فقد فتحت عليه أبواب الشهرة والمال من خلال روايته التي طبعت بالملايين ،وذاع صيته في أرجاء العالم ،ومنها مدينة طفولته سالاس. لذلك فقد كان يتذمر من الحفاوة ويكره الشهرة التي أصبحت تطارده أينما حلّ ،ويرفض كل حفلات التكريم والمقابلات الصحفية والدعوات العامة . ولكنّه -وعلى عكس توقع سكرتيرته - فقد قبل دعوة من مدينته الصغيرة. وهكذا أخذ الطائرة من مدينة برشلونة الإسبانية حيث يعيش مرفّها.
    وحينما وصل إلى سالاس وجدها بائسة في كل جوانبها ، ابتداءً من الفندق الذي نزل فيه إلى كل زاوية من زواياها ، ومع ذلك فقد كان في قمة السعادة، لأنه يستنشق نسيم طفولته ويتحسس خطوات ماضيه قبل أن يهاجر قبل أربعين عاما.
    وحينما أقيمت على شرفه أول حفلة ، حضرها حشدٌ كبير من أبناء المدينة . ولكنهم لا يعرفون شيئا عن فحوى رواياته ،فلم يبادر أحد إلى طرح سؤال جدي سوى فتاة لعوب كانت تريد أن تعقد لقاءاً غراميا معه من خلال الأسئلة. ويكتشف بعد ذلك أنها ابنة حبيبته السابقة التي تزوجت صديقه، ولكنها بقيت متشبثة بذكراه من خلال اقتناء وقراءة كل مؤلفاته .
    أحد أبناء المدينة أراد ابتزازه بطلب مبلغ كبير لشراء كرسي متحرك لابنه المعوّق . ولكنّ الكاتب أوضح له بأنه ليس بالمؤسسة الخيرية. واتضح له أن علاقة الناس به لا علاقة لها بابداعه ، وانما باشباع حاجاتهم اليومية العاجلة .
    وفي مسابقة للرسم أقامها عمدة المدينة على شرفه وجعله ضمن لجنة التحكيم ، ولكن العمدة حاول إجباره على تغيير اللوحة الفائزة لصالح أحد المتنفذين والبلطجية من أبناء المدينة. ولكنّه رفض ذلك ، لأن لوحته تافهة ولا تستحق الفوز. مما حدا بهذا الشخص أن يجمع بعض الناس للاعتداء على الضيف ، وقذفه بالبيض الفاسد، ومحاولة تشويه معاني الأفكار التي كتبها،باعتبارها إساءة لمدينتهم.
    لقد كانت الأيام الأربعة التي قضاها مزيجا من استلهام الماضي والشعور بالغربة منه ،التأرجح بين ماضي الذاكرة المفعم بكل القيم التي حملها معه ، واستخدمها في تركيب عالمه الروائي. وبين حاضر مشوّه يتجسد أمامه جليا والذي يتمثل في ؛ الإبتزاز والدعارة والاستغراق في الملذات والتهديد بالعنف لتحقيق الغايات العابرة .وكل أنواع الفساد.
    لقد تحولت المدينة إلى غابة من البحث عن الملذات الطارءة ، والبحث المحموم عن المال في ظل شحة في الإنتاج. لقد عومل بقسوة لا يستحقها ، وكانوا يعيبون عليه تأثره ومعيشته في الغرب ، غير مدركين بأنه كان يدافع في الغرب عنهم وعن حقوقهم في الحياة ، وإن كتاباته كانت تترجم هموم الفقراء والمتعبين ضد عوامل القهر التي تحيط بهم. كما أنّهم لم يدركوا تعصبه للقيم الأخلاقية ، ولم يدركوا أيضا بأنّ زيارته لهم ، تعكس عمق ما يكنّه نحو مدينته.
    لقد حمل الفيلم هموم المهاجر وغربته المزدوجة ، والتي خلقت برزخا بينه وبين ماضيه تصدع بكل أنواع الفساد الذهني والسلوكي.
    لقد تكثفت الغربة ، وتحولت مدينته إلى شبح يطارده. من خلال بنادق صديقه القديم ومساعده، دون أن نعلم الدوافع لهدا العنف، حيث يسقط جريحا.
    رمز الجرح جعله المخرج لغزا ، وعلى المشاهد تفكيك المشهد الأخير.
    لقد كان الفيلم واقعيا في الطرح يجمع بين الدراما والكوميديا. لم يعتمد على شخصية من الواقع ، فليس هناك شخص بهذا الاسم (دانيال مارتنيز) قد فاز فعلا بجائزة نوبل ، وليس هناك شخص عاد إلى مدينة سالاس، ومع ذلك فقد كان أكثر اقناعا من الأفلام التي تناولت جائزة نوبل.
يعمل...
X