فن المشرق ـ وجه الدماغ الآخر:
المقاربة هنا لفنون المشرق خاصةً وفنون الإنسانية عامةً، وهي مقاربةٌ أشبه بدمج المادة والروح في ثلاثية: الدماغ والعين واليد، فلا معطى فنياً خارج هذا الثالوث البيولوجي والفيزيولوجي والروحي. هذا الثالوث يخضع لإشراطات أقوى منه وَفقَ حيز الوجود الإنساني، حيثُ المناخ ومن ثَمَّ البيئة الطبيعية؛ أي ممكنات هذه البيئة أولاً، ثم البيئة الاجتماعية التي تفرض جملة من تفاعلاتٍ متنوعة هي الأساس في خصوبة الفن. فليس بالإمكان ملامسة قيمة فنية دون النظر إلى السماء أيضاً، فوحدة الوجود (منشأ الفن) كانت تبصم بصمتها شاءت كائناتها أم أبت.
إنَّ الحوار الذي يدور بين عين حديثة وفن قديم (العلاقة المتحفية) يحتاجُ إلى جملة من المعالجات([1]). أتذكّر الآن مشاهدات لباحث بعين اللون يقول:
"في بخارى تجد آثار الصين في الألوان، فهناك يبدأ اللونان الأصفر والأزرق يتجاوران في البناء. في المنطقة عندنا لا يوجد هذا التجاور، هناك تجاور ألوان أخرى. القضية قضية جو ومناخ وشمس؛ لذلك تلاحظ أنه حتى الأماكن التي فيها ضوء ساطع، الألوان التي تستعمل فيها هي الألوان الغامقة حتى تخفف من حدة الضوء، على عكس الأماكن التي تنعدم فيها الشمس، حيث نجد استخداماً للألوان الفاتحة. في أصفهان انعدم الجوار بين الأزرق والأصفر، هنا حضر الأزرق فقط".
ظَنُّ الفن هنا وفق البيئة الطبيعية والسماء من جهة، وفي الميل الآخر، التفاعلات اللونية بين المجتمعات. فالنظر إلى الفنون في العمارة والنحت والتشكيل والرسوم الجدارية والنقوش والفخاريات والأختام وحتى الكتابة والرقص والغناء والموسيقا، تحتاج إلى مقاربة زمن نشوئها وفق وعي الزمان كما وعي المكان وجملة التأثيرات الطبيعية والإنسانية والسيكولوجية.
([1]) ربما علينا أن نواكب نشوء الفن الدادائي في العصر الحديث مثلاً؛ لفهم المسوغات التي أدت إلى نشوءه بما يعني طفولة الفن والنظر بعين اللامحدود إلى الأشياء والتعبير عنها بكينونتها لا كما ألبسناها رداءً عقلياً وتقليدياً يُخفي عريها.
" تاريخ المشرق" 2023 - بشار خليف
المقاربة هنا لفنون المشرق خاصةً وفنون الإنسانية عامةً، وهي مقاربةٌ أشبه بدمج المادة والروح في ثلاثية: الدماغ والعين واليد، فلا معطى فنياً خارج هذا الثالوث البيولوجي والفيزيولوجي والروحي. هذا الثالوث يخضع لإشراطات أقوى منه وَفقَ حيز الوجود الإنساني، حيثُ المناخ ومن ثَمَّ البيئة الطبيعية؛ أي ممكنات هذه البيئة أولاً، ثم البيئة الاجتماعية التي تفرض جملة من تفاعلاتٍ متنوعة هي الأساس في خصوبة الفن. فليس بالإمكان ملامسة قيمة فنية دون النظر إلى السماء أيضاً، فوحدة الوجود (منشأ الفن) كانت تبصم بصمتها شاءت كائناتها أم أبت.
إنَّ الحوار الذي يدور بين عين حديثة وفن قديم (العلاقة المتحفية) يحتاجُ إلى جملة من المعالجات([1]). أتذكّر الآن مشاهدات لباحث بعين اللون يقول:
"في بخارى تجد آثار الصين في الألوان، فهناك يبدأ اللونان الأصفر والأزرق يتجاوران في البناء. في المنطقة عندنا لا يوجد هذا التجاور، هناك تجاور ألوان أخرى. القضية قضية جو ومناخ وشمس؛ لذلك تلاحظ أنه حتى الأماكن التي فيها ضوء ساطع، الألوان التي تستعمل فيها هي الألوان الغامقة حتى تخفف من حدة الضوء، على عكس الأماكن التي تنعدم فيها الشمس، حيث نجد استخداماً للألوان الفاتحة. في أصفهان انعدم الجوار بين الأزرق والأصفر، هنا حضر الأزرق فقط".
ظَنُّ الفن هنا وفق البيئة الطبيعية والسماء من جهة، وفي الميل الآخر، التفاعلات اللونية بين المجتمعات. فالنظر إلى الفنون في العمارة والنحت والتشكيل والرسوم الجدارية والنقوش والفخاريات والأختام وحتى الكتابة والرقص والغناء والموسيقا، تحتاج إلى مقاربة زمن نشوئها وفق وعي الزمان كما وعي المكان وجملة التأثيرات الطبيعية والإنسانية والسيكولوجية.
([1]) ربما علينا أن نواكب نشوء الفن الدادائي في العصر الحديث مثلاً؛ لفهم المسوغات التي أدت إلى نشوءه بما يعني طفولة الفن والنظر بعين اللامحدود إلى الأشياء والتعبير عنها بكينونتها لا كما ألبسناها رداءً عقلياً وتقليدياً يُخفي عريها.
" تاريخ المشرق" 2023 - بشار خليف