رُوَّاد الصيدلة وأهم مؤلفاتهم:
كان أول من أُطْلِق عليه لقب صيدلاني في العصر العباسي أبا قريش عيسى المتطبب، فقد كان صيدلانيًا في الحملة التي بعث بها المنصور لمحاربة سنقار. وقد نال حظوة في بلاد بني العباس. ثم بتطور مهنة الصيدلة ظهر أول طبيب غلبت عليه صفة الصيادلة وهو يوحنا بن ماسويه الخوزي الذي كان أحد معلمي حنين بن إسحاق. ثم ظهر أول كتاب صيدلاني بالعربية اسمه الأقرباذين الكبير في أواخر القرن التاسع الميلادي ألفه سابور بن سهل الكوسج (ت 255هـ، 869م). على أن صناعة الصيدلة والطب قفزت قفزة نوعية ليس في العالم الإسلامي فحسب، وإنما في كل العالم خلال القرنين التاسع والعاشر الميلاديين ؛ بظهور خمس موسوعات طبية صيدلانية كتبت بالعربية هي: فردوس الحكمة لعلي بن سهل الطبري، و الحاوي للرازي، و كامل الصناعة لعلي بن عباس المجوسي، و القانون لابن سينا، والتصريف لمن عجز عن التأليف للزهراوي. وختمت هذه الطفرة في القرن الثالث عشر الميلادي بكتابي الجامع لمفردات الأدوية والأغذية، لابن البيطار (ت 646هـ، 1249م)، و منهاج الدكان ودستور الأعيان لداود العطار (ت بعد 658هـ،1260م). وقد ساهم هؤلاء العلماء وغيرهم بقسط وافر في تقدم الصناعة الطبية والصيدلانية. وفيما يلي وقفة على إسهام بعضهم.
إسهام الطبري. كان أبو الحسن علي بن سهل الطبري أستاذًا للرازي الذي أثنى على إسهاماته. وكان حقل الطب على عهد الطبري يجمع بين الطب والصيدلة ؛ لذا نجد أن كتابه فردوس الحكمة صورة صادقة لمزج الطب بالصيدلة. وهذا الكتاب أقدم مُؤَلّف باللغة العربية جامع لفنون الطب والصيدلة. وقد مهّد الطريق لمن جاء بعده واقتفى أثره من أمثال الرازي والمجوسي وابن سينا. واحتوى على سبعة أبواب، تضمّن الباب الواحد 30 مقالة مفصلة إلى 360 فصلاً. أفرد الباب السادس للصيدلة، وبه ست مقالات عن المادة الطبية والسموم ؛ تحدث فيها عن الأدوية المفردة والمركبة، والصموغ والأشياء المتجلية من الأرض، والأصداف والمعادن والدخان والرماد والزجاج، وقوى الأرض والطين المختوم، وتحضير الأدوية وحفظها، والسموم والترياقات والأقراص والجوارشنات والربوب والأشربة والأدهان، والمراهم.
إسهام الرازي. عرف الرازي طبيبًا وكيميائيًا أكثر من نسبته إلى أي علم آخر، لكنه نبغ في الصيدلة أيضًا، ساعده في ذلك نبوغه في الطب والكيمياء. وهو أول من نادى باستقلال الصيدلة عن الطب، وكان يقول لأطباء عصره : إن علم الصيدلة هو العلم الوحيد الذي سيكون العامل المشترك بين الطب والكيمياء، ومن هذا المنطلق كان أول من أدخل المركبات الكيميائية في الصيدلة. ومع أن انفصال الصيدلة عن الطب حدث بعده بفترة كبيرة، إلا أن الفضل يعود له أولاً في الإشارة إلى ذلك. وكتابه الحاوي أضخم موسوعة في علم الأمراض والمداواة كتبت بالعربية حتى عصرنا الحاضر. وقد خصص الأجزاء الأخيرة من هذا الكتاب للصيدلة ؛ وفيها تناول قوى الأدوية المفردة، وأحصى فيها نحو 900 عقار. وكان عنوان الجزء قبل الأخير في هذه الموسوعة صيدلة الطب وقدَّم له بقوله: "المعرفة بالأدوية وتمييزها، جيدها ورديها، خالصها ومغشوشها، وإن كان ليس بلازم للطبيب ضرورة ـ كما يحسبه جهال الناس ـ فهو أحرى وأزين به. ولذلك رأيت أن أجمع هذا الفن، وإن لم يكن جزءًا من الطب ضروريًا في كتاب يخصه". وتناول الرازي في باب صيدلة الطب الأدوية المفردة والمركبة وطرق تحضيرها وكشف غشها كما تناول الأوزان والمكاييل. وفي آخر أجزاء الكتاب تحدث عن قوانين استعمال الأطعمة والأشربة، وأدوية الزينة. وصنّف الرازي إلى جانب الحاوي كتبًا كثيرة بلغت نحو 200 كتاب، إلا أنه في المنصوري و الجامع تدارك ما فاته ذكره في الطب والصيدلة. ووضع الأسس الصحيحة لعلم العقاقير وبين صفاتها وطرق تحضيرها، وكذلك علم الكيمياء الصيدلية، وهو أول من أدخل الزئبق في المراهم، وابتكر طريقة لتحضير الكحول من المواد النشوية والسكرية المتخمرة، واستخدمه في تطهير الجروح. وهناك قول بأن الفضل في اكتشاف دواء مضاد للجراثيم (مضاد حيوي) يعود للرازي، فقد أضاف عفن الخبز والعشب الفطري في أدويته التي تعالج الجروح المتعفنة. وحضر بعض الأحماض مثل حمض الكبريتيك وسمّاه الزاج الأخضر أو زيت الزاج. كما كان أول من استخدم الفحم الحيواني في قصر الألوان ؛ ولا يزال هذا الفحم مستخدمًا لإزالة الألوان والروائح من المواد العضوية. وهو أول من فرّق بين كربونات الصوديوم وكربونات البوتاسيوم على الرغم من التشابه الكبير في خصائصهما. وكان أول من قاس الوزن النوعي لعدد من السوائل مستخدمًا ميزانًا أطلق عليه الميزان الطبيعي.
إسهام المجوسي. اشتهر علي بن عباس المجوسي بكتابه كامل الصناعة الطبية، الذي ظل المرجع الوحيد في الطب والصيدلة فترة طويلة إلى أن ظهر كتاب القانون لابن سينا فانصرف إليه الناس وتركوا كامل الصناعة جزئيًا. وتذكر بعض التراجم أن كامل الصناعة في العمل أبلغ، والقانون في العلم أثبت. وهناك من المُحْدَثين ـ ممن قارن بين الكتابين ـ من رجّح الكامل على القانون. وأخذ هذا الكتاب طريقه إلى أوروبا عندما ترجمه قسطنطين الإفريقي (ت 471هـ، 1078م) عميد مدرسة الطب في جامعة سالرنو ونسبه إلى نفسه. ولم يكتشف هذا السطو إلا بعد أن قام أسطفان الأنطاكي بترجمته ثانية عام 625هـ، 1227م ومن ثم أثبت عليه اسم المؤلِّف. ويحتوي الكتاب على قسمين ؛ نظري وعملي يتضمنان 20 مقالة. وما يختص بالصيدلة ورد في القسم العملي في المقالتين الثانية والعاشرة، وعنواناهما الأدوية المفردة وامتحانها ومنافعها والأدوية المركبة على التوالي. ويُورد تحت الأدوية المفردة خمسة وخمسين بابًا أهمها: امتحان الدواء (اختباره)، وأنواعه مثل الأدوية الملينة والمذيبة، والمسكنة، والمفتتة للحصى، والمدرّة للبول، وأنواع العقاقير التي تؤخذ من النباتات كالأوراق، والبذور، والثمار، والصموغ، وما يؤخذ من المعادن، وما يؤخذ من الحيوان والأدوية المسهلة والمقيئة…إلخ.
ويورد تحت الأدوية المركبة ثلاثين بابًا أهمها الترياقات والمعجونات والمطبوخات، والمنقوعات، والسفوفات، والأضمدة، واللعوقات، والأكحال، والأدهان، والربوب، والأقراص، والجوارشنات، والذرورات، وأدوية الرعاف والسمنة والكلف والبهق والبرص والجرب ونحوها. وكان مثل الرازي ينصح المريض أولاً بالعلاج بالأغذية متى أمكن ذلك وإلا فبالأدوية المفردة. وكان يلجأ للأدوية المركبة إذا تعذَّر العلاج بالأغذية والأدوية المفردة.
إسهام ابن سينا. تأتي أهمية ابن سينا في حقلي الطب والصيدلة من أنه العالم الذي حدّد النظريات والتطبيقات في عصر ازدهار الحضارة الإسلامية التي تقابل العصور المظلمة في أوروبا. وإذا كان علي بن سهل الطبري طليعة عهد النهضة العلمية الإسلامية، فإن قمة هذه النهضة كانت في عهد الشيخ الرئيس ابن سينا. فقد تناول علم الصيدلة في موسوعة القانون ـ التي تتكون من خمسة كتب ـ في الكتابين الثاني والخامس. يحتوي الكتاب الثاني على الأدوية المفردة وذكر فيه عددًا كبيرًا من النباتات الطبية العربية المنشأ وكذلك الهندية والفارسية والصينية واليونانية. أما الكتاب الخامس فقد تناول فيه الأدوية المركَّبة وطرق تحضيرها سواءً كانت ذات مصدر حيواني أو معدني أو نباتي. وحضّر ما يربو على 800 دواء مُركَّب استخدمها المسلمون ثم أهل أوروبا من بعدهم زمنًا طويلاً.
والكتاب الثاني ينقسم إلى قسمين ؛ يتناول القسم الأول أبحاثًا في ماهية الدواء واختياره وصفاته ومفعوله وطرق حفظه. وشرح في هذا الكتاب تأثير بعض الأعمال الصيدلانية في عمل الأدوية المفردة التي قد تفسد مفعولها أو تقلله إذا لم تُراع مواصفات كل دواء. وذكر من ذلك الطبخ العنيف والمعتدل والخفيف، والسحق الشديد والمفرط، و الإحراق الذي يكسر الحدّة، أو الذي يكسب الحدّة، أو الذي يلطِّف الحدة، أو الذي يزيل القوة غير المرغوبة. وأضاف إلى هذا الجزء جداول أطلق عليها اسم الألواح بيّن فيها أثر كل دواء على كل عضو، وجعلها اثني عشر لوحًا ؛ وهو تصنيف يمكن أن نطلق عليه في لغة صيادلة العصر التصنيف الفارماكولوجي (تصنيف علم العقاقير). أما القسم الثاني من الكتاب الثاني فيحتوي على الأدوية المفردة ذاتها، وقام بترتيبها ترتيبًا ألفبائيًا وتعّرض بالتفصيل لنحو 600 عقار وذكر أمام كل عقار المعلومات الست التالية: 1- ما هيته 2- اختياره 3- طبعه 4- فعله 5- بديله 6- سمّيته، وقد يضيف إلى بعضها مصدره الجغرافي.
والكتاب الخامس يتناول فيه الأدوية المركبة، ويقسمها تبعًا لخواصها إلى: حارة وباردة، ورطبة ويابسة ؛ وذلك لأن نظريته في العلاج مُستمدة من أن تركيب جميع الكائنات يقوم على أربعة إسطقسات (عناصر) وأربع كيفيات متضادة. وأن بلوغ الصحة يتأتى من تعادل الأخلاط الأربعة في جسم الإنسان ؛ وهي الدم والبلغم والمرة السوداء والصفراء وأطلق عليها اسم المزاج. وعلى الرغم من أن نظرية القوى والأمزجة والأخلاط التي عوّل عليها ابن سينا ومن سبقه من أطباء في شرح آلية تأثير الأدوية، تعد غير مقبولة علميًا في الوقت الراهن،إلا أنه ذكر وصفًا لعشرين فعلاً دوائياً أكثر مما ذكره المجوسي في كامل الصناعة، ولكل منها أهميته في علم الطب الحديث. كما يورد في مقالتي الكتاب الخامس عددًا من المركبات الراتبة في الأقرباذينات، وعددًا من الأدوية المركبة المجربة بالإضافة إلى أصول علم تركيب الأدوية، ولا يفوته ذكر الأوزان والمكاييل المستخدمة في العالم الإسلامي آنذاك بالإضافة إلى ما عند الروم.
إسهام الزهراوي. اشتهر أبو القاسم خلف بن عباس الزهراوي بأنه أبو الجراحة في عصر ازدهار العلم الإسلامي ـ العصور المظلمة في أوروبا. وكان خبيرًا بالأدوية المفردة والمركبة. وأشهر مؤلفاته التصريف لمن عجز عن التأليف. ويعد هذا المؤلف دائرة معارف طبية أفادت منه أوروبا على مدى خمسة قرون، واحتل المكانة التي كان يحتلها كتاب بولس الإيجنطي في الجراحة. وقد خص الزهراوي الصيدلة في هذا الكتاب بنصيب كبير، إذ أفرد لها سبعة وعشرين بابًا من بين الثلاثين مقالة التي ضمها الكتاب. تناول الزهراوي في هذه الأبواب الأشكال الصيدلانية، ودراسات عن أدوية تخص معالجة أمراض معينة ؛ مثل أدوية القلب وأدوية السمنة والباءة وأمراض النساء. وأفضل ما كتبه في الكتاب عن الصيدلة المقالتين 28 و29. وقد ترجمت الأولى إلى اللاتينية وطبعت في البندقية عام 876هـ، 1471م. وكانت أشهر مقالة صيدلانية، تناول فيها كيفية تحضير العقاقير المعدنية والنباتية والحيوانية وتنقيتها، وذكر أسماء العقاقير بأربع لغات إلى جانب العربية هي: اليونانية والفارسية والسريانية والبربرية. وهو عمل يمكن أن يطلق عليه الآن معجم مصطلحات الصيدلة المتعدد اللغات. كما أورد أسماء الأدوات والأجهزة الكيميائية والصيدلانية، وأبدال الأدوية المفردة وذكر مصادرها ـ إن وجدت ـ وأعمار الأدوية المركبة والمفردة ؛ أي تاريخ صلاحية الدواء. وكما فعل من سبقه أتى في النهاية على ذكر الأوزان والمكاييل ورتبها ترتيبًا ألفبائيًا. وكان الزهراوي أول من استخدم الفحم في ترويق شراب العسل البسيط وأول من استخدم قوالب الكبس لصنع الأقراص الدوائية. ★ تَصَفح: الزهراوي، أبو القاسم.
إسهام الغافقي. نال أبو جعفر أحمد بن محمد الغافقي (ت 560هـ، 1165م) شهرة عظيمة بعد أن صنف كتابه الأدوية المفردة. وقد جمع فيه نحوًا من 1000 دواء من الأدوية المفردة ووصفها وصفًا دقيقًا وشرح طرق تحضير بعضها واستخدامها، وأورد من بينها النباتات الأسبانية والإفريقية ووضع مقابلاتها العربية واللاتينية والبربرية. كما استقصى في هذا الكتاب كل ما ذكره ديسقوريدس وجالينوس. وكان يرى أن على الطبيب أن يكون ملمًا تمامًا بالدواء الذي يصفه لمرضاه، لكنه لا ينبغي أن يتدخل في صنع هذا الدواء، بل يترك ذلك للصيدلاني الذي ينبغي أن يكون مطّلعًا على استعمال الأدوية وطرق تحضيرها. وإلى جانب الأدوية المفردة له مصنف آخر اسمه كتاب الأعشاب يحتوي على 380 صورة ملونة لنباتات وعقاقير رسمت رسمًا دقيقًا.
إسهام ابن البيطار. يُعّد أبو محمد عبدالله بن أحمد بن البيطار (ت 646هـ، 1248م) أكثر علماء النبات المسلمين إنتاجًا وأدقهم في فحص النباتات في مختلف البيئات والبلدان ؛ فقد تجوّل في كثير من أقطار العالم المعروف آنذاك رغبة في جمع الحشائش والنباتات، وعني بدراسة كل نبات في زمانه وبيئته. وقد ألّف كتبًا كثيرة أهمها الجامع لمفردات الأدوية والأغذية، وكان أوسع وأهم كتاب في الصيدلة وعلم النبات طوال الحقبة الممتدة من ديسقوريدس إلى القرن السادس عشر الميلادي. وقد ذكر في هذا الكتاب نحوًا من 1500 صنف من الأدوية الحيوانية والنباتية والمعدنية، من بينها 300 صنف جديد اكتشفها بنفسه. ولعلّ أهم ما يميز هذا الكتاب منهجه العلمي. وكان يرى أن المتقدمين وقعوا في أخطاء "لاعتماد أكثرهم على الصحف والنقل" أما هو فكما يقول عن نفسه: "واعتمادي على التجربة والمشاهدة". عندما وصل إلى مصر عينه صلاح الدين الأيوبي رئيسًا للعشابين (علماء النبات وتحضير الأدوية). ولما وصل إلى دمشق عينه الملك الكامل بن العادل رئيسًا للعشابين أيضًا. ورتّب ابن البيطار مفردات كتابه ترتيبًا ألفبائيًا، وضع لكل مفردة مقابلها باللغات السائدة آنذاك. وتُرجم هذا الكتاب إلى اللاتينية والتركية والألمانية والفرنسية. ★ تَصَفح: ابن البيطار .
يقع هذا المؤلّف الموسوعي في أربعة أجزاء يذكر فيها ماهيات الأدوية، وقوامها ومنافعها ومضارها، وإصلاح ضررها والمقدار المستعمل منها ومن عصارتها أو طبخها، وبدائلها إذا انعدمت. وذكر أسماء النباتات والحيوانات والمعادن التي يتخذ منها العقار، ويصف أجزاءه وصفًا دقيقًا، ومواطن نموه، وطريقة تحضير الدواء منه، ثم طريقة الاستعمال. وعلى الرغم من أنه ضمّن كتابه بعض معتقدات العامة إلا أن مفرداته بصورة عامة يغلب عليها الطابع العلمي من حيث الجمع والترتيب والتبويب وسلامة العرض وأمانة النقل.
إسهام داود العطار. ختم أبو المنى داود المعروف بكوهين العطار (ت نحو 658هـ، 1259م) قمة حقبة المجد الصيدلاني في الدولة الإسلامية خلال الفترة التي تبدأ بالقرن الثامن الميلادي وتنتهي بنهاية القرن الثالث عشر منه، واهتم بدراسة العقاقير فألف كتابه المشهور منهاج الدكّان ودستور الأعيان في تركيب الأدوية النافعة للأبدان. وقد جمع هذا الكتاب كما يقول في مقدمته: "…مختارًا من عدة أقرباذينات… كالإرشاد الملكي، والمناهج وأقرباذين ابن التلميذ والدستور… ومما نقلته عن ثقات العشابين ومما امتحنته وجربته بيدي".
ذكر داود العطار نحوًا من 24 شكلاً صيدلانياً عرف في عصره، وطرق تحضيرها، بالإضافة إلى دراسة وافية مفصلة لأعمار الأدوية. وتناول الأدوية النباتية المفردة وقوتها. ووصف طرق فحص الأدوية المغشوشة من الأصيلة وهو ما كان يسمى آنذاك بامتحان الأدوية ومن أهم الأدوية التي ورد ذكرها في دستور الدكان: الأشربة وطبخها، والمربيات، والمعاجين والجوارشنات، والسفوفات، والأقراص، واللعوقات، والحبوب، والمراهم، والأدهان، والأدوية المسهلة والقابضة، والأكحال.
تميز داود العطار عن غيره بالنزاهة التي عرفت لابن البيطار والرازي وغيرهما من علماء العرب والمسلمين ؛ فقد اعترف أنه جمع معظم مادته من خبرته وتجربته الشخصية بالإضافة إلى أخذه من عدة مصادر أخرى كالإرشاد لابن جميع، و كامل الصناعة للمجوسي و المنهاج لابن جزلة البغدادي و أقرباذين ابن التلميذ و الدستور البيمارستاني للشيخ السديد.
كان أول من أُطْلِق عليه لقب صيدلاني في العصر العباسي أبا قريش عيسى المتطبب، فقد كان صيدلانيًا في الحملة التي بعث بها المنصور لمحاربة سنقار. وقد نال حظوة في بلاد بني العباس. ثم بتطور مهنة الصيدلة ظهر أول طبيب غلبت عليه صفة الصيادلة وهو يوحنا بن ماسويه الخوزي الذي كان أحد معلمي حنين بن إسحاق. ثم ظهر أول كتاب صيدلاني بالعربية اسمه الأقرباذين الكبير في أواخر القرن التاسع الميلادي ألفه سابور بن سهل الكوسج (ت 255هـ، 869م). على أن صناعة الصيدلة والطب قفزت قفزة نوعية ليس في العالم الإسلامي فحسب، وإنما في كل العالم خلال القرنين التاسع والعاشر الميلاديين ؛ بظهور خمس موسوعات طبية صيدلانية كتبت بالعربية هي: فردوس الحكمة لعلي بن سهل الطبري، و الحاوي للرازي، و كامل الصناعة لعلي بن عباس المجوسي، و القانون لابن سينا، والتصريف لمن عجز عن التأليف للزهراوي. وختمت هذه الطفرة في القرن الثالث عشر الميلادي بكتابي الجامع لمفردات الأدوية والأغذية، لابن البيطار (ت 646هـ، 1249م)، و منهاج الدكان ودستور الأعيان لداود العطار (ت بعد 658هـ،1260م). وقد ساهم هؤلاء العلماء وغيرهم بقسط وافر في تقدم الصناعة الطبية والصيدلانية. وفيما يلي وقفة على إسهام بعضهم.
إسهام الطبري. كان أبو الحسن علي بن سهل الطبري أستاذًا للرازي الذي أثنى على إسهاماته. وكان حقل الطب على عهد الطبري يجمع بين الطب والصيدلة ؛ لذا نجد أن كتابه فردوس الحكمة صورة صادقة لمزج الطب بالصيدلة. وهذا الكتاب أقدم مُؤَلّف باللغة العربية جامع لفنون الطب والصيدلة. وقد مهّد الطريق لمن جاء بعده واقتفى أثره من أمثال الرازي والمجوسي وابن سينا. واحتوى على سبعة أبواب، تضمّن الباب الواحد 30 مقالة مفصلة إلى 360 فصلاً. أفرد الباب السادس للصيدلة، وبه ست مقالات عن المادة الطبية والسموم ؛ تحدث فيها عن الأدوية المفردة والمركبة، والصموغ والأشياء المتجلية من الأرض، والأصداف والمعادن والدخان والرماد والزجاج، وقوى الأرض والطين المختوم، وتحضير الأدوية وحفظها، والسموم والترياقات والأقراص والجوارشنات والربوب والأشربة والأدهان، والمراهم.
إسهام الرازي. عرف الرازي طبيبًا وكيميائيًا أكثر من نسبته إلى أي علم آخر، لكنه نبغ في الصيدلة أيضًا، ساعده في ذلك نبوغه في الطب والكيمياء. وهو أول من نادى باستقلال الصيدلة عن الطب، وكان يقول لأطباء عصره : إن علم الصيدلة هو العلم الوحيد الذي سيكون العامل المشترك بين الطب والكيمياء، ومن هذا المنطلق كان أول من أدخل المركبات الكيميائية في الصيدلة. ومع أن انفصال الصيدلة عن الطب حدث بعده بفترة كبيرة، إلا أن الفضل يعود له أولاً في الإشارة إلى ذلك. وكتابه الحاوي أضخم موسوعة في علم الأمراض والمداواة كتبت بالعربية حتى عصرنا الحاضر. وقد خصص الأجزاء الأخيرة من هذا الكتاب للصيدلة ؛ وفيها تناول قوى الأدوية المفردة، وأحصى فيها نحو 900 عقار. وكان عنوان الجزء قبل الأخير في هذه الموسوعة صيدلة الطب وقدَّم له بقوله: "المعرفة بالأدوية وتمييزها، جيدها ورديها، خالصها ومغشوشها، وإن كان ليس بلازم للطبيب ضرورة ـ كما يحسبه جهال الناس ـ فهو أحرى وأزين به. ولذلك رأيت أن أجمع هذا الفن، وإن لم يكن جزءًا من الطب ضروريًا في كتاب يخصه". وتناول الرازي في باب صيدلة الطب الأدوية المفردة والمركبة وطرق تحضيرها وكشف غشها كما تناول الأوزان والمكاييل. وفي آخر أجزاء الكتاب تحدث عن قوانين استعمال الأطعمة والأشربة، وأدوية الزينة. وصنّف الرازي إلى جانب الحاوي كتبًا كثيرة بلغت نحو 200 كتاب، إلا أنه في المنصوري و الجامع تدارك ما فاته ذكره في الطب والصيدلة. ووضع الأسس الصحيحة لعلم العقاقير وبين صفاتها وطرق تحضيرها، وكذلك علم الكيمياء الصيدلية، وهو أول من أدخل الزئبق في المراهم، وابتكر طريقة لتحضير الكحول من المواد النشوية والسكرية المتخمرة، واستخدمه في تطهير الجروح. وهناك قول بأن الفضل في اكتشاف دواء مضاد للجراثيم (مضاد حيوي) يعود للرازي، فقد أضاف عفن الخبز والعشب الفطري في أدويته التي تعالج الجروح المتعفنة. وحضر بعض الأحماض مثل حمض الكبريتيك وسمّاه الزاج الأخضر أو زيت الزاج. كما كان أول من استخدم الفحم الحيواني في قصر الألوان ؛ ولا يزال هذا الفحم مستخدمًا لإزالة الألوان والروائح من المواد العضوية. وهو أول من فرّق بين كربونات الصوديوم وكربونات البوتاسيوم على الرغم من التشابه الكبير في خصائصهما. وكان أول من قاس الوزن النوعي لعدد من السوائل مستخدمًا ميزانًا أطلق عليه الميزان الطبيعي.
إسهام المجوسي. اشتهر علي بن عباس المجوسي بكتابه كامل الصناعة الطبية، الذي ظل المرجع الوحيد في الطب والصيدلة فترة طويلة إلى أن ظهر كتاب القانون لابن سينا فانصرف إليه الناس وتركوا كامل الصناعة جزئيًا. وتذكر بعض التراجم أن كامل الصناعة في العمل أبلغ، والقانون في العلم أثبت. وهناك من المُحْدَثين ـ ممن قارن بين الكتابين ـ من رجّح الكامل على القانون. وأخذ هذا الكتاب طريقه إلى أوروبا عندما ترجمه قسطنطين الإفريقي (ت 471هـ، 1078م) عميد مدرسة الطب في جامعة سالرنو ونسبه إلى نفسه. ولم يكتشف هذا السطو إلا بعد أن قام أسطفان الأنطاكي بترجمته ثانية عام 625هـ، 1227م ومن ثم أثبت عليه اسم المؤلِّف. ويحتوي الكتاب على قسمين ؛ نظري وعملي يتضمنان 20 مقالة. وما يختص بالصيدلة ورد في القسم العملي في المقالتين الثانية والعاشرة، وعنواناهما الأدوية المفردة وامتحانها ومنافعها والأدوية المركبة على التوالي. ويُورد تحت الأدوية المفردة خمسة وخمسين بابًا أهمها: امتحان الدواء (اختباره)، وأنواعه مثل الأدوية الملينة والمذيبة، والمسكنة، والمفتتة للحصى، والمدرّة للبول، وأنواع العقاقير التي تؤخذ من النباتات كالأوراق، والبذور، والثمار، والصموغ، وما يؤخذ من المعادن، وما يؤخذ من الحيوان والأدوية المسهلة والمقيئة…إلخ.
ويورد تحت الأدوية المركبة ثلاثين بابًا أهمها الترياقات والمعجونات والمطبوخات، والمنقوعات، والسفوفات، والأضمدة، واللعوقات، والأكحال، والأدهان، والربوب، والأقراص، والجوارشنات، والذرورات، وأدوية الرعاف والسمنة والكلف والبهق والبرص والجرب ونحوها. وكان مثل الرازي ينصح المريض أولاً بالعلاج بالأغذية متى أمكن ذلك وإلا فبالأدوية المفردة. وكان يلجأ للأدوية المركبة إذا تعذَّر العلاج بالأغذية والأدوية المفردة.
إسهام ابن سينا. تأتي أهمية ابن سينا في حقلي الطب والصيدلة من أنه العالم الذي حدّد النظريات والتطبيقات في عصر ازدهار الحضارة الإسلامية التي تقابل العصور المظلمة في أوروبا. وإذا كان علي بن سهل الطبري طليعة عهد النهضة العلمية الإسلامية، فإن قمة هذه النهضة كانت في عهد الشيخ الرئيس ابن سينا. فقد تناول علم الصيدلة في موسوعة القانون ـ التي تتكون من خمسة كتب ـ في الكتابين الثاني والخامس. يحتوي الكتاب الثاني على الأدوية المفردة وذكر فيه عددًا كبيرًا من النباتات الطبية العربية المنشأ وكذلك الهندية والفارسية والصينية واليونانية. أما الكتاب الخامس فقد تناول فيه الأدوية المركَّبة وطرق تحضيرها سواءً كانت ذات مصدر حيواني أو معدني أو نباتي. وحضّر ما يربو على 800 دواء مُركَّب استخدمها المسلمون ثم أهل أوروبا من بعدهم زمنًا طويلاً.
والكتاب الثاني ينقسم إلى قسمين ؛ يتناول القسم الأول أبحاثًا في ماهية الدواء واختياره وصفاته ومفعوله وطرق حفظه. وشرح في هذا الكتاب تأثير بعض الأعمال الصيدلانية في عمل الأدوية المفردة التي قد تفسد مفعولها أو تقلله إذا لم تُراع مواصفات كل دواء. وذكر من ذلك الطبخ العنيف والمعتدل والخفيف، والسحق الشديد والمفرط، و الإحراق الذي يكسر الحدّة، أو الذي يكسب الحدّة، أو الذي يلطِّف الحدة، أو الذي يزيل القوة غير المرغوبة. وأضاف إلى هذا الجزء جداول أطلق عليها اسم الألواح بيّن فيها أثر كل دواء على كل عضو، وجعلها اثني عشر لوحًا ؛ وهو تصنيف يمكن أن نطلق عليه في لغة صيادلة العصر التصنيف الفارماكولوجي (تصنيف علم العقاقير). أما القسم الثاني من الكتاب الثاني فيحتوي على الأدوية المفردة ذاتها، وقام بترتيبها ترتيبًا ألفبائيًا وتعّرض بالتفصيل لنحو 600 عقار وذكر أمام كل عقار المعلومات الست التالية: 1- ما هيته 2- اختياره 3- طبعه 4- فعله 5- بديله 6- سمّيته، وقد يضيف إلى بعضها مصدره الجغرافي.
والكتاب الخامس يتناول فيه الأدوية المركبة، ويقسمها تبعًا لخواصها إلى: حارة وباردة، ورطبة ويابسة ؛ وذلك لأن نظريته في العلاج مُستمدة من أن تركيب جميع الكائنات يقوم على أربعة إسطقسات (عناصر) وأربع كيفيات متضادة. وأن بلوغ الصحة يتأتى من تعادل الأخلاط الأربعة في جسم الإنسان ؛ وهي الدم والبلغم والمرة السوداء والصفراء وأطلق عليها اسم المزاج. وعلى الرغم من أن نظرية القوى والأمزجة والأخلاط التي عوّل عليها ابن سينا ومن سبقه من أطباء في شرح آلية تأثير الأدوية، تعد غير مقبولة علميًا في الوقت الراهن،إلا أنه ذكر وصفًا لعشرين فعلاً دوائياً أكثر مما ذكره المجوسي في كامل الصناعة، ولكل منها أهميته في علم الطب الحديث. كما يورد في مقالتي الكتاب الخامس عددًا من المركبات الراتبة في الأقرباذينات، وعددًا من الأدوية المركبة المجربة بالإضافة إلى أصول علم تركيب الأدوية، ولا يفوته ذكر الأوزان والمكاييل المستخدمة في العالم الإسلامي آنذاك بالإضافة إلى ما عند الروم.
إسهام الزهراوي. اشتهر أبو القاسم خلف بن عباس الزهراوي بأنه أبو الجراحة في عصر ازدهار العلم الإسلامي ـ العصور المظلمة في أوروبا. وكان خبيرًا بالأدوية المفردة والمركبة. وأشهر مؤلفاته التصريف لمن عجز عن التأليف. ويعد هذا المؤلف دائرة معارف طبية أفادت منه أوروبا على مدى خمسة قرون، واحتل المكانة التي كان يحتلها كتاب بولس الإيجنطي في الجراحة. وقد خص الزهراوي الصيدلة في هذا الكتاب بنصيب كبير، إذ أفرد لها سبعة وعشرين بابًا من بين الثلاثين مقالة التي ضمها الكتاب. تناول الزهراوي في هذه الأبواب الأشكال الصيدلانية، ودراسات عن أدوية تخص معالجة أمراض معينة ؛ مثل أدوية القلب وأدوية السمنة والباءة وأمراض النساء. وأفضل ما كتبه في الكتاب عن الصيدلة المقالتين 28 و29. وقد ترجمت الأولى إلى اللاتينية وطبعت في البندقية عام 876هـ، 1471م. وكانت أشهر مقالة صيدلانية، تناول فيها كيفية تحضير العقاقير المعدنية والنباتية والحيوانية وتنقيتها، وذكر أسماء العقاقير بأربع لغات إلى جانب العربية هي: اليونانية والفارسية والسريانية والبربرية. وهو عمل يمكن أن يطلق عليه الآن معجم مصطلحات الصيدلة المتعدد اللغات. كما أورد أسماء الأدوات والأجهزة الكيميائية والصيدلانية، وأبدال الأدوية المفردة وذكر مصادرها ـ إن وجدت ـ وأعمار الأدوية المركبة والمفردة ؛ أي تاريخ صلاحية الدواء. وكما فعل من سبقه أتى في النهاية على ذكر الأوزان والمكاييل ورتبها ترتيبًا ألفبائيًا. وكان الزهراوي أول من استخدم الفحم في ترويق شراب العسل البسيط وأول من استخدم قوالب الكبس لصنع الأقراص الدوائية. ★ تَصَفح: الزهراوي، أبو القاسم.
إسهام الغافقي. نال أبو جعفر أحمد بن محمد الغافقي (ت 560هـ، 1165م) شهرة عظيمة بعد أن صنف كتابه الأدوية المفردة. وقد جمع فيه نحوًا من 1000 دواء من الأدوية المفردة ووصفها وصفًا دقيقًا وشرح طرق تحضير بعضها واستخدامها، وأورد من بينها النباتات الأسبانية والإفريقية ووضع مقابلاتها العربية واللاتينية والبربرية. كما استقصى في هذا الكتاب كل ما ذكره ديسقوريدس وجالينوس. وكان يرى أن على الطبيب أن يكون ملمًا تمامًا بالدواء الذي يصفه لمرضاه، لكنه لا ينبغي أن يتدخل في صنع هذا الدواء، بل يترك ذلك للصيدلاني الذي ينبغي أن يكون مطّلعًا على استعمال الأدوية وطرق تحضيرها. وإلى جانب الأدوية المفردة له مصنف آخر اسمه كتاب الأعشاب يحتوي على 380 صورة ملونة لنباتات وعقاقير رسمت رسمًا دقيقًا.
إسهام ابن البيطار. يُعّد أبو محمد عبدالله بن أحمد بن البيطار (ت 646هـ، 1248م) أكثر علماء النبات المسلمين إنتاجًا وأدقهم في فحص النباتات في مختلف البيئات والبلدان ؛ فقد تجوّل في كثير من أقطار العالم المعروف آنذاك رغبة في جمع الحشائش والنباتات، وعني بدراسة كل نبات في زمانه وبيئته. وقد ألّف كتبًا كثيرة أهمها الجامع لمفردات الأدوية والأغذية، وكان أوسع وأهم كتاب في الصيدلة وعلم النبات طوال الحقبة الممتدة من ديسقوريدس إلى القرن السادس عشر الميلادي. وقد ذكر في هذا الكتاب نحوًا من 1500 صنف من الأدوية الحيوانية والنباتية والمعدنية، من بينها 300 صنف جديد اكتشفها بنفسه. ولعلّ أهم ما يميز هذا الكتاب منهجه العلمي. وكان يرى أن المتقدمين وقعوا في أخطاء "لاعتماد أكثرهم على الصحف والنقل" أما هو فكما يقول عن نفسه: "واعتمادي على التجربة والمشاهدة". عندما وصل إلى مصر عينه صلاح الدين الأيوبي رئيسًا للعشابين (علماء النبات وتحضير الأدوية). ولما وصل إلى دمشق عينه الملك الكامل بن العادل رئيسًا للعشابين أيضًا. ورتّب ابن البيطار مفردات كتابه ترتيبًا ألفبائيًا، وضع لكل مفردة مقابلها باللغات السائدة آنذاك. وتُرجم هذا الكتاب إلى اللاتينية والتركية والألمانية والفرنسية. ★ تَصَفح: ابن البيطار .
يقع هذا المؤلّف الموسوعي في أربعة أجزاء يذكر فيها ماهيات الأدوية، وقوامها ومنافعها ومضارها، وإصلاح ضررها والمقدار المستعمل منها ومن عصارتها أو طبخها، وبدائلها إذا انعدمت. وذكر أسماء النباتات والحيوانات والمعادن التي يتخذ منها العقار، ويصف أجزاءه وصفًا دقيقًا، ومواطن نموه، وطريقة تحضير الدواء منه، ثم طريقة الاستعمال. وعلى الرغم من أنه ضمّن كتابه بعض معتقدات العامة إلا أن مفرداته بصورة عامة يغلب عليها الطابع العلمي من حيث الجمع والترتيب والتبويب وسلامة العرض وأمانة النقل.
إسهام داود العطار. ختم أبو المنى داود المعروف بكوهين العطار (ت نحو 658هـ، 1259م) قمة حقبة المجد الصيدلاني في الدولة الإسلامية خلال الفترة التي تبدأ بالقرن الثامن الميلادي وتنتهي بنهاية القرن الثالث عشر منه، واهتم بدراسة العقاقير فألف كتابه المشهور منهاج الدكّان ودستور الأعيان في تركيب الأدوية النافعة للأبدان. وقد جمع هذا الكتاب كما يقول في مقدمته: "…مختارًا من عدة أقرباذينات… كالإرشاد الملكي، والمناهج وأقرباذين ابن التلميذ والدستور… ومما نقلته عن ثقات العشابين ومما امتحنته وجربته بيدي".
ذكر داود العطار نحوًا من 24 شكلاً صيدلانياً عرف في عصره، وطرق تحضيرها، بالإضافة إلى دراسة وافية مفصلة لأعمار الأدوية. وتناول الأدوية النباتية المفردة وقوتها. ووصف طرق فحص الأدوية المغشوشة من الأصيلة وهو ما كان يسمى آنذاك بامتحان الأدوية ومن أهم الأدوية التي ورد ذكرها في دستور الدكان: الأشربة وطبخها، والمربيات، والمعاجين والجوارشنات، والسفوفات، والأقراص، واللعوقات، والحبوب، والمراهم، والأدهان، والأدوية المسهلة والقابضة، والأكحال.
تميز داود العطار عن غيره بالنزاهة التي عرفت لابن البيطار والرازي وغيرهما من علماء العرب والمسلمين ؛ فقد اعترف أنه جمع معظم مادته من خبرته وتجربته الشخصية بالإضافة إلى أخذه من عدة مصادر أخرى كالإرشاد لابن جميع، و كامل الصناعة للمجوسي و المنهاج لابن جزلة البغدادي و أقرباذين ابن التلميذ و الدستور البيمارستاني للشيخ السديد.